أثارت التطورات السريعة التي شهدتها شبكة الإنترنت خلال السنوات الأخيرة, سواء فيما يتعلق بتطور المستوي التقني أو التوسع الضخم في عدد المواقع الإلكترونية وتوزعها على مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والدينية, وظهور المواقع المتخصصة والمنتديات الحوارية, فضلا عن اتساع قاعدة مستخدمي الإنترنت في الدول العربية أثارت عددا مهما من الإشكاليات النظرية حول مدى مساهمة شبكة الإنترنت في دفع عملية الإصلاح والتحول الديمقراطي في الدول العربية.
وقد ساد حتى وقت قريب اتجاه رأي أن اتساع نطاق ظاهرة الإنترنت في الدول العربية لن يكون له تأثير سياسي ملحوظ, سواء فيما يتعلق بتشجيع عملية التحول الديمقراطي, أو فيما يتعلق باحتمالات تصاعد العمل السياسي العنيف ضد النظم السياسية الحاكمة. استند هذا الافتراض إلى عدد من المبررات. كان أولها افتقاد شبكة الإنترنت نفسها الديمقراطية وما تعكسه من تكريس لما يمكن تسميته ظاهرة الانقسام الرقمي بين فئات المجتمع, بمعنى الانقسام بين أقلية تمتلك القدرة على النفاذ إلى الإنترنت, وأغلبية أخرى مازالت تفتقد هذه القدرة, بما يزيد من احتمالات تعميق الأزمات الاجتماعية داخل المجتمع, بخاصة أن النفاذ إلى الشبكة لا يعتمد فقط على الشروط المادية (أجهزة الكمبيوتر, والتليفون أو خط الإنترنت المباشر) ولكنه يعتمد أيضا على الظروف الاجتماعية, خاصة في ضوء ما انتهت إليه بعض الدراسات من أن نسبة مهمة ممن تتوافر لديهم القدرة على النفاذ إلى الإنترنت لا يستخدمونها لأسباب اجتماعية وسيكولوجية تتعلق بمدى قدرتهم على التفاعل معها.
ومن ناحية أخرى, كانت هناك شكوك قوية حول مساحة الحرية الحقيقية المتاحة على الإنترنت, فبرغم صعوبة السيطرة الحكومية على المواقع الإلكترونية بالمقارنة بالكثير من الوسائل الإعلامية الأخرى, فإن هذا لم ينف تزايد قدرة واتجاه الحكومات إلى فرض مزيد من الضبط والسيطرة على المواقع الإلكترونية, سواء من خلال وضع القوانين والتشريعات المنظمة لعمل هذه المواقع, أو من خلال التوسع في استخدام آليات الفلترة والحجب والتدمير للمواقع الإلكترونية ذات المحتوى الذي لا يتوافق مع مصالح النخبة الحاكمة. وقد ازدادت قدرة الحكومات على السيطرة الإلكترونية في ضوء التطور المتسارع في تكنولوجيات الضبط والسيطرة والفلترة والمراقبة, وتطور جدل مهم حول الحاجة إلى تنظيم وضبط الشبكة من خلال تطوير تشريعات قانونية محددة, جنبا إلى جنب مع الاستفادة من تكنولوجيات المراقبة. وبرغم وجود اتجاه يدعو إلى رفض فكرة المراقبة والتنظيم تلك, فإن الاتجاه المؤيد لها لقى رواجا ملحوظا عقب أحداث سبتمبر2001 وامتداد الحرب ضد الإرهاب إلى ساحة شبكة الإنترنت ذاتها وتطور مفاهيم مثل الجهاد الإلكتروني والإرهاب الإلكتروني..الخ. وبرغم أن معظم الحكومات العربية لم تنتقل بعد إلى وضع تشريعات مقيدة أو ضابطة لعمل المواقع الإلكترونية, فإنها راكمت خبرة مهمة في مجال المراقبة السياسية للمواقع الإلكترونية...
http://www.beladitoday.com/index.php?aa=news&id22=6576
التعليقات (0)