الإنتاج الفكرى للأقليات الدينية فى مصر .
بداية دعونى أذكر حضراتكم بمضمون المقال السابق عن ((الأقباط والبهائيين والقرآنيين والملحدين)) كأقليات تعيش في المجتمع ولا تمثل أي نوع من الخطورة على أمن السلطة ولا الناس ولا مؤسسات الدولة.
ومن هنا أدخل على المقال الثاني لاستكمال نفس الموضوع وعن الإنتاج الفكري لها. لأن فكرهم عامل مهم يمكن أن يساعد فى إنتشارالوعي والحب والتسامح والمودة والرحمة والتعاون بين أبناء الوطن ، ومن المؤكد أن هذا سيساعد على الاستقرارالأمني والنمو الاقتصادي والتطور بشكل عام ، وعلى النقيض نجد الفكر المضاد يؤدى إلى انتشار الجهل والرجعية والتخلف والتعصب الأعمى وتحريم التفكير وتحريم كل شيء ونشر الكراهية والبغضاء والفتنة والتمييز بين جميع طوائف المجتمع ، والنتيجة مزيدا من التوتر والقلق والفوضى والتقاتل وعدم الاستقرار ودمار للوطن وسيول من حمامات دماء ابناءه.
وطبيعي أن أي فكر أواتجاه فكري لابد له من مفكرين ، وهذا ما عبّرت عنه بعنوان المقال ــ انتاج الأقليات في مصر ــ والإنتاج من وجهة نظري عبارة عن أشخاص اصحاب فكر يتحول واقعا على الأرض بالتفاعل بين الناس والتأثير فيهم بالضرر أو بالنفع على حسب اتجاه ومستوى الكاتب والمفكر وحسب البيئة الفكرية التي خرج منها وتربي فيها ليصبح عضوا فاعلا ومؤثرا ــ سلبا أو إيجابا ــ في تكوين ثقافة المجتمع و الناس.
وأكاد أجزم أن جميع الأقليات في مصر من أقباط وبهائيين وقرآنيين وشيعة ــ رغم وجود بعض الاختلافات بينهم ــ متفقون على مبادئ وقواعد عامة مشتركة للحياة في سلمية مع جميع الناس مهما وصلت درجات الخلاف بينهم ..
فهذه الأقليات بكتابها ومفكريها الكبار والصغار ــ وكل من ينهل من كتابات هؤلاء المفكرين ــ يوافقون أن تكون الدولة المصرية دولة علمانية مدنية ليبرالية ، وعلى رفض الدولة الدينية بكل أشكالها وألوانها. ويرفضون أيضا تسلط رجال الكنسية والمسجد على حياة الناس أوتدخلهما في السياسة ، ويتفقون على أن الدين مسألة شخصية بل غاية في الخصوصية لا دخل للدولة ولا لأي مؤسسة حكومية بها ، وأن حسابها على الله جل وعلا وحده يوم القيامة.
إن الكُتاب والمفكرين الكبار وكل دعاة العلمانية والليبرالية والدولة المدنية اتفقوا جميعا في كتاباتهم على رفض الإرهاب والتسلط الديني بكل أشكاله ، ورفض التمييز بين المصريين وبين البشرعموما ، وعبّروا في كتاباتهم عن رفضهم التام لاضطهاد أي مصري بسبب دينه أو معتقده أو مذهبه ، فهم دائما يدافعون عن حرية الفكر والمعتقد وحرية ممارسة شعائر الدين ، إن المفكرين والكُتاب الذين يخرجون من بين هذه الأقليات أو يقودون مسيرتها الفكرية يرفضون تكفير الغير مهما اختلف معهم بل يدافعون عن حق كل إنسان في الحياة بكرامة حتى لو اختلف معهم ومع أفكارهم ، ولا يخطر ببال أحدهم حتى في أحلامه عملية الانتقام من معارضيه بتصفيتهم أو تشويه سمعتهم أو تلفيق التهم إليهم كذبا وبهتانا وظلما ودون دليل.
ولو ذكرنا بعض الأسماء لمفكرين سابقين وحاليين سنجد أنهم جميعا ضد كل أشكال العنف والإرهاب والتسلط على الناس باسم الدين أي دين ، وضد استغلال الدين للوصول للسلطة ، بل تجدهم يحاربون سلميا بالقلم والكلمة والموعظة الحسنة لتحرير الشعوب من المتسلطين دينيا ومن تجار الدين ، ونذكر امثلة للتوضيح لا للحصر خلال المائة عام الماضية سنجد ( الإمام محمد عبده ، على عبد الرازق ، احمد أمين ، أحمد لطفي السيد ، طه حسين ، قاسم أمين ، احمد صبحى منصور ، فرج فودة ، سيد القمني ، وغيرهم من المفكرين والكُتاب ).
فهؤلاء جميعا ومدارسهم الفكرية يرفضون حرق المجتمع من أجل السُلطة ، جميعهم يرفضون إراقة الدماء من أجل منصب سياسي ، أو من أجل فرض الدين أو الرأي على الناس ، فجميعهم يرفض استغلال الفقراء في العملية السياسية بل على العكس هم يطالبون بالإصلاح من أجل حقوق الفقراء في العيش بحرية وكرامة وعدالة هم يطالبون بحق الحياة لكل إنسان مسالم لم يُقدم على قتل أحد ، و يطالبون باحترام حقوق الإنسان لأنه إنسان دون التدخل في خصوصياته واقتحام مكنون قلبه للتفتيش فيه عن دينه ومعتقده وعن مذهبه واتجاهه الفكري.
اعتقد أن اشخاص بهذا الفكر والرقي والسلمية لا يمكن على الاطلاق أن يكون لهم أي أثرسلبي ضار على المجتمع والناس ، بل إنه سيساعد فى الإصلاح الذى تطالب به الدولة الآن لتجديد الخطاب الديني .
ومن الظلم أن نعقد مقارنة بين هذه الكوكبة المستنيرة من المفكرين وأفكارهم وأهدافهم وتصوراتهم ونظرتهم للحياة وحقوق الناس ، وبين الجماعات الدينية السلفية الوهابية بكل أشكالها التي سيطرت على عوام المسلمين بصورة سلبية في العالم العربي بأفكارهم وسلوكياتهم وانتشار فكرهم المسموم في العالم الاسلامى ، إن هذه الجماعات الدينية بدُعاتها وقادتها كانوا سببا في قتل الآلاف من الأبرياء في العالم ، ولو راجعتم تاريخ هذه التنظيمات والجماعات الدينية ستجدون كوارث وحوادث يشيب لها الولدان ، والكارثة انهم ما زالوا ينشرون سمومهم وأفكارهم الرجعية الهابطة بين الناس ، ويتمتعون بحرية التنقل والخطابة والظهور فى الإعلام ، وهذا ما لا يحظى به أي كاتب أو مفكر تنويري إصلاحي.
أخيرا :
وللتذكرة وإرجاع الأمر لله أمر القرآن المسلمون ومن قبلهم خاتم النبيين عليه الصلاة والسلام فى قوله تعالى (وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) الأعراف : 180
كذلك يبين ربنا جل وعلا أنه لا يخفى عليه الذين يلحدون ، وأنهم كفروا بالذكر أي القرآن وأنهم لن يكونوا من الآمنين يوم القيامة أي تأجيل حسابهم وعقابهم ليوم القيامة ولا دخل لأي بشر حتى لو كان خاتم النبيين في حسابهم في الدنيا ، وأن إلحادهم هذا لن يؤثر في كتاب الله وفي آياته لأن القرآن كلام الله لا يأتيه الباطل ، وأن هذا القرآن الذكر هو نفس ما قيل للرسل من قبل يقول تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ مَا يُقَالُ لَكَ إِلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ )فصلت 40 : 43 .
وكذلك أمر ربنا جل خاتم النبيين أن يترك أي شخص أو جماعة يسخرون من آيات الله أو يستهزؤون بها ولا يقعد معهم يقول تعالى (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً) النساء : 141، والآية تبين وتؤكد أن حسابهم على الله يوم القيامة يوم الجمع ، ولا توجد أدنى إشارة لمحاسبتهم من قِبـَل أُناس أخرين في الدنيا ، وهذا معناه أنهم لا يمثلون أي خطورة على دين الله وقرآنه وآياته ، وأن هذه السلطة الدينية هي محض افتراء صنعه بعض الناس للتسلط على الآخرين واستعبادهم.
التعليقات (0)