الإمام علي بن أبي طالب مفخرة الانسانية
العلامة السيد محمد علي الحسيني
لم يسجد لصنم قط، وكرِّم وجهه، وآمن بالرسالة ولم يكن قد بلغ الحلم. عاش وتربى في حِجْرِ النبوة، وفدى بنفسه رسول الله بائتاً في فراشه. بارز صناديد الكفر وهزمهم، وفتح الله على يديه، وأُعطي راية النصر. صاهر الرسول وتزوج من فاطمة البتول، وولداه سيدا شباب أهل الجنة. هو باب علم رسول الله وابن عمه وخليفته وموضع إجماع المسلمين، ومن المبشرين في جنات النعيم. وُلِدَ في بيت الله واستشهد فيه، إنه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فلا يمكن أن يكون الحديث عن شخصيته كأي حديث آخر، لأنه حديث يتخذ أبعاداً وآفاقاً عديدة، فهو الذي جمع من الخصال والصفات والمناقب والحسب والنسب والتاريخ المشرف من الولادة المعجزة إلى الشهادة المفخرة ما لا يعد ولا يحصى، فضلاً عن الكثير من الآيات التي أنزلت بحقه، وكذلك الأحاديث الشريفة التي قالها ابن عمه رسول الله (صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار) أيضاً بحقه، ولذلك فإن خوض غمار الحديث عنه بقدر ما يطيب للمرء بقدر ما ينتابه شعور بالرهبة، لأنه ليس بذلك الإمام العادي الذي يمكن لأي كان الحديث عنه.
الإمام علي مدرسة إنسانية
الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) يعد شخصية استثنائية ومفخرة للتاريخ الانساني، شهد في حياته العديد من الأمور والقضايا والأحداث الجسام، وبقدر ما كان فارساً شجاعاً هماماً في سوح الوغى، فإنه كان أيضاً رجل حكمة وعلم وفكر ودين وعدل ودولة، وسياسياً من طراز فريد. وإن إلقاء نظرة على مراحل حياته تبين بكل وضوح عظمة شأنه ورفعة مكانته، والتكوين الفريد من نوعه لشخصيته الإنسانية التي حار فيها الفلاسفة والمفكرون، وأبدوا إعجابهم الشديد بها، فنهلوا من فكره وتعلموا من إنسانيته.
إن الإمام علي رسَّخ مفاهيم الأخوة الانسانية بأقواله وأفعاله وهو صاحب المقولة الشهيرة التي ينبغي أن تكون مرجعية للعالم كله: “الناس صنفان: إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق”، لذلك كان (عليه السلام) منارة من القيم والأخلاق التي جسَّدها في سلوكه، فاستوعب الجميع من دون استثناء، فكان ملجأ للمسلمين وغير المسلمين، وهو الذي فتح بيته للفقراء والمساكين، واتسع قلبه للسائلين، وهو القائل (عليه السلام): “والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملة أسلبها جُلب شعير ما فعلته”.
سهر الإمام (عليه السلام) على تحقيق العدالة الاجتماعية بين جميع الناس، فلا فرق عنده بين أبيض وأسود، أو مدني ومكي، فالجميع عنده سواسية في ميزان العدالة، وهو القائل عليه السلام: “أأقنع نفسي بأن يقال هذا أمير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الدهر، أو أكون أسوة لهم في جشوبة العيش، فما خُلقت ليشغلني أكل الطيبات كالبهيمة المربوطة همها علفها، أو المرسلة شغلها تقممها، تكترش من أعلافها وتلهو عما يراد بها”.
الوحدة الاسلامية أولية في منهج الإمام علي
إن الحقيقة التي يجب ألا نغفل عنها أبداً ونحن نتناول أطراف الحديث عن الإمام علي، هي أن همه الأكبر كان الاسلام والمحافظة على وحدة المسلمين على نهج القرآن {إنَّمَا المُؤْمِنونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ}، فعاش مع الصحابة الكرام متحدين ومتكاتفين مع بعضهم البعض، لأن همهم الأوحد كان رضا الله والحفاظ على سلامة المسلمين ووحدتهم، والمتأمل في سيرته يجد أنه في خضم المعارك ووطأتها تجده حريصاً على المسالمة والمسامحة وهو القائل (عليه السلام): “لعل اللّه يصلح في هذه الهدنة أمر هذه الأمة”.
قضى (عليه السلام) حياته كلها من أجل الاسلام ورفعة كلمته، وكان يعتبر وحدة الاسلام والمسلمين فوق كل اعتبار آخر، ورفض بشدة التفريق بين المسلمين والتشكيك في كل ما كان سائداً في عهده. ولا يمكن لمن يعتبر نفسه على خطى هذا الإمام العظيم ومساره أن يعمل على تفريق كلمة المسلمين ويشق وحدة صفهم؛ حيث إن الإمام علي قد كان في حياته كلها قدوة ومثلاً أعلى في التضحية والإيثار من أجل وحدة المسلمين. ولا يمكن لمن يعمل خلاف ذلك الادعاء بأنه يمشي على نهجه، وتبقى مقولته الشهيرة والتي تُكتب بماء الذهب لتبقى خالدة وقاعدة يعمل بها قوله: “لَأُسْلِمَنَّ مَا سَلِمَتْ أُمُورُ المُسْلِمِينَ”.
التعليقات (0)