قال الإمام أبو حنيفة في «الفقه الأكبر»
«والله واحد لا من طريق العدد ولكن من طريق أنه لا شريك له ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ
اللَّهُ الصَمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ [سورة
الإخلاص] لا يشبه شيئًا من خلقه ولا يشبهه شىءٌ من خلقه»، ثم قال «وهو شىءٌ لا
كالأشياء. ومعنى الشىء إثباته بلا جسم ولا عَرَض ولا حد له ولا ضد له ولا نِد له ولا مِثل
له»، وقال أيضًا «لم يزل ولا يزال بأسمائه، لم يحدث له اسم ولا صفة» أي أن التغير
والاختلاف في الأحوال يحدث في المخلوقين. «فمن قال إنها مخلوقة أو محدَثة أو توقَّفَ فيها
أو شك فيها فهو كافر بالله تعالى» .
وقال في «الفقه الأكبر» «وصفاته كلُّها في الأزل بخلاف صفات المخلوقين». وقال أيضًا في
«الفقه الأكبر» «ولا يقال إن يده قدرته أو نعمته»، «ولكنَّ يده صفته بلا كيف» أي من غير أن
تكون جارحة. وقال في «الفقه الأبسط» «ليست كأيدي خلقه ليست بجارحةٍ وهو خالق الأيدي
ووجهه ليس كوجوه خلقه وهو خالق كل الوجوه». وقال في «الوصية» «وهو حافظ العرش
وغير العرش من غير احتياج، فلو كان محتاجًا لَمَا قَدرَ على إيجاد العالم وتدبيره وحفظه
كالمخلوقين، ولو كان في مكان محتاجًا للجلوس والقرار فقبل خلق العرش أين كان الله».
وقال في «الفقه الأبسط» «كان الله ولا مكان، كان قبل أن يخلق الخلق كان ولم يكن أينٌ ولا
خلقٌ ولا شىء وهو خالق كل شىء» «فمن قال لا أعرف ربي أفي السماء أم في الأرض فهو كافر.
كذا من قال إنه على العرش ولا أدري العرش أفي السماء أم في الأرض». وإنما كفَّر الإمام قائل
هاتين العبارتين لأنه جعل الله تعالى مختصًّا بجهة وحَيّز، وكل ما هو مختصٌّ بالجهة والحيز فإنه
محتاجٌ مُحدَث بالضرورة أي بلا شكّ. وليس مراده كما زعم المشبهة إثبات أنَّ السماء والعرش
مكان لله تعالى بدليل كلامه السابق الصريح في نفي الجهة عن الله وهو قوله «ولو كان في مكان
محتاجًا للجلوس والقرار فقبل خلق العرش أين كان الله». وأشار رضي الله عنه إلى إكفار من أطلق
التشبيه والتَّحيُّز على الله كما قاله البياضي واختار الإمام الأشعري ذلك فقال في كتاب
«النوادر» «من اعتقد أن الله جسمٌ فهو غير عارف بربه وإنه كافر به».
وكيف يُنسب إلى الإمام أبي حنيفة القول بإثبات المكان لله وقد قال في كتابه «الوصيّة»
«ولقاء الله تعالى لأهل الجنة حق بلا كيفية ولا تشبيه ولا جهة». وقال في الفقه الأكبر «يراه
المؤمنون وهم في الجنة بأعين رؤوسهم بلا تشبيه ولا كيفية ولا كمية ولا يكون بينه وبين خلقه
مسافة». وقال في «الفقه الأكبر» «وليس قرب الله تعالى ولا بُعده من طريق المسافة
وقصرها ولكن على معنى الكرامة والهوان. والمطيعُ قريب منه بلا كيف، والعاصي بعيد عنه بلا
كيف، والقرب والبُعد والإقبال يقع على المناجي. وكذلك جواره تعالى في الجنة والوقوف بين يديه
بلا كيف» اهـ. فبعد هذا البيان وضح أنَّ دعوى إثبات المكان لله تعالى أخذًا من كلام أبي حنيفة
افتراءٌ عليه وتقويلٌ له ما لم يقل . قال البيهقي في كتابه «الأسماء والصفات» نقلاً عن
الحافظ المحدث الفقيه أبي سليمان الخطابي «والله تعالى لا يوصف بالحركة لأن الحركة
والسكون يتعاقبان في محل واحد وإنما يجوز أن يوصف بالحركة من يجوز أن يوصف بالسكون
وكلاهما من أعراض الحدث وأوصاف المخلوقين والله تبارك وتعالى مُتَعال عنهما ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ
شَىءٌ﴾ [سورة الشورى]».
التعليقات (0)