الأعلام والاقتصاد.. شراكة دائمة
خليل الفزيع
الرابطة القوية بين الإعلام والاقتصاد تتجاوز مفهوم (الإعلام الاقتصادي) إلى درجة كبيرة، لتشمل الإعلام بمعناه العام فلم يعد هناك ما يسمى الأعلام الاقتصادي بعد أن أصبح الاقتصاد جزء من نسيج الإعلام والإعلام جزء من نسيج الاقتصاد، وهو تلاحم تفرضة معطيات العصر ومنجزاته، فالأعلام الذي يعنى بالجانب التخصصي بالنسبة للاقتصاد خرج من أروقة المؤسسات الأكاديمية بفعل ما فرضته الطفرات والهزات الاقتصادية التي شهدها العالم، مما دفع الإعلام إلى تسخير كل طاقاته لمتابعة تلك الطفرات وما تلاها من هزات باعتباره شريكا في تحمل نتائجها في حالتي السلب والإيجاب، وباعتبارها المحور الأساس لاهتمام كل القطاعات التي يتعامل معها الإعلام ابتداء من القارئ العادي المؤثر على حجم التوزيع، وانتهاء بالشركات الكبرى الأكثر تأثيرا في حجم الإعلان، وهما - أي التوزيع والإعلان - مصدر التمويل الرئيس للمؤسسة الإعلامية.
من هنا يكون الأعلام والاقتصاد في شراكة متعددة الوجوه ودائمة العلاقة، وهما في الجبهة ذاتها لمواجهة التحديات الشرسة التي يواجهانها معا، وإذا سلمنا بأن الاقتصاد يمكن أن يصنع إعلاما ناجحا، فمن المؤكد أن الإعلام يمكن أيضا أن يصنع اقتصادا ناجحا، وهذا ما يفسر نجاح المؤسسة الإعلامية إذا توفرت لها قيادات اقتصادية متخصصة، وواعية لدور الإعلام كصناعة واستثمار منفتح على النجاحات المؤكدة في ظل الدراسات العلمية والتخطيط السليم لتحقيق مراحل التغيير والتطوير بنجاح، ومن جانب آخر فيما يتعلق بالعلاقة الوثيقة بين الإعلام والاقتصاد ما نراه من نظريات اقتصادية تفضي إلى أن ميزانيات الدعاية والإعلان.. لا تعرف الشح أو التقتير إذا ما أريد للمؤسسة الاقتصادية النجاح. لكن هذه العلاقة بين الطرفين غالبا ما يعتريها الالتباس في أذهان بعض القيادات الأعلامية والاقتصادية معا، فمن الجانب الإعلامي يندر وخاصة في الصحافة العربية التركيز على الكوادر المتخصصة في الاقتصاد، وهذا شأنها في كل مجالات النشر وليس الاقتصاد فقط، فالصحف ل يمكن أن تعتمد في نجاحها على المحرر الذي تظنه (سوبرمان) وتتعامل معه مثل حجر الشطرنج في يد اللاعب (الغشيم) فهو يعمل في المحليات، وبعد ذلك في السياسة، وبعدها في الثقافة، وربما بعدها في الارشيف، ولا مانع لديها من نقله إلى صفحة المرأة والطفل، وهذا التخبط، وانعدام المحرر المتخصص يقود الصحيفة إلى فشل ذريع ليس في الطرح الاقتصادي فقط، ولكن في جميع الطروحات التي تقدمها لقرائها ومعلنيها، وليس المحرر (السوبرمان) سوى وهم يعيش في أذهان بعض القيادات الصحفية العربية.
ليست المشكلة الوحيدة في الصحافة العربية هي غياب المحرر المتخصص، بل هناك مشكلة لا تقل عنها أهمية.. هي مشكلة غياب مراكز المعلومات لديها، مع أن وسائل الاتصال أصبحت ميسورة، والاشتراك في مراكز المعلومات الأجنبية أكثر يسرا، ولعب الحاسوب دوره في التغلب على الكثير من الصعوبات المتعلقة بإنشاء مراكز المعلومات، كما لعبت المراكز العالمية، المتخصصة دورها الإيجابي في تسهيل الحصول على المعلومات والتعامل معها بالمتابعة والتحليل والاستنتاج، لكن معظم الصحافة العربية لا زالت ترسف في قيود أساليب العمل التقليدية، دون محاولة الانفتاح على الحاضر ناهيك بالمستقبل، رغم الخطر الداهم الذي تشكله الصحافة الإلكترونية على هذه الصحافة الورقية.
لقائل أن يقول أن الإعلام لا يمكن اختزاله في الصحافة الورقية فقط، حيث تتعدد وسائل الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة، وهذا صحيح، لكن الإعلام المقروء هو الأكثر تأثرا بالحراك الاقتصادي، وهو الأكثر عناية بالجانب الاستثماري والإعلامي باعتباره يستأثر بالنصيب الأكبر من رأس المال الذي يتم استثماره في المجال الإعلامي، حيث أن مؤسسة صحفية ناجحة يمكنها أن تنشئ عشر محطات فضائية، ومائة محطة إذاعة f.m وألف صحيفة الكترونية، كل ذلك بتكلفة أقل من رأسمالها كمؤسسة صحفية ناجحة.
ولعلنا لا نبالغ إذا قلنا أن الاقتصاد أكثر شجاعة من الصحافة في اعتماده على الكفاءات المتخصصة، وفي سبيل ذلك فإن المؤسسة الصناعية الضخمة تحرص على تطوير كفاءات العاملين فيها من خلال البعثات والدورات التدريبية وورش العمل، واستقطاب الكفاءات المؤهلة بالعلم والخبرات الواسعة، دون الاعتماد على القيادات الفردية التي تشخصن العمل بعد ان تجرده من صبغته المؤسساتية. مما لا يساعدها على الوصول إلى الجودة في الانتاج والزيادة في الأرباح، كما هو حال المؤسسة الاقتصادية.
بعد ذلك وقبله تظل المؤسسة الإعلامية والمؤسسة الاقتصادية على علاقة وثيقة ومترابطة ومتلاحمة، وإن لم يكن في الوسائل، ففي الاهداف والغايات الاستثمارية الطموحة.
التعليقات (0)