الإعلام المغربي ..و أولوية الإصلاح
يبدو المشهد الإعلامي المغربي ، بمظهره العام، مشهدا غنيا بعدد المنابر الإعلامية، سواء تعلق الأمر بالصحافة المكتوبة، أو بالمحطات الإذاعية، أو بالقنوات التي بات بإمكان المغاربة التقاطها عبر الأقمار الاصطناعية وما سوى ذلك. هذا الغنى والتنوع يرجعه المهتمون لمسار التعددية الذي اختاره المغرب منذ البدء، و للطفرة التكنولوجية في ميدان الإعلام والاتصال، والتي كسرت الحواجز، وتجاوزت واقع الاحتكارات الرسمية لوسائل الإعلام، وللحركية الاجتماعية والثقافية التي عرفها المغرب، خلال العقود الأخيرة، و التي كان من شأنها التعجيل بهذا الغنى والتنوع.
كما أن هذا المشهد الإعلامي المغربي الحالي، هو وليد مرحلة جديدة، برزت بعد تبني الجهات الرسمية، لسياسة اللا عقدة مع الرأي المخالف، عكس ما كان سائدا حيث الحرية كانت مصادرة ، والرقابة، والصحفيون غير قادرين على التداول في الطابوهات. فأضحى اليوم المشهد الإعلامي يحمل ملامح المرحلة الجديدة، في شكله كما على مستوى المضامين المثارة. ويتجلى ذلك في تزايد عدد المنابر، وانفتاح الإعلام بشكل عام ، وإنشاء مستويات مؤسساتية لتقنينه وتنظيمه.
ومن بين الانفراجات التي شهدها الإعلام المغربي، سن تشريعات تنظم المهنة الإعلامية بالنسبة لقانون الصحافة، و في الجانب المرتبط بالتقنين تم إنشاء الهيئة العليا للاتصال السمعي/البصري.
وتهيكلت في المغرب العديد من الهيآت التي تكفلت بالدفاع عن حقوق الصحافيين و الإعلاميين بشكل عام ، وصار من الطبيعي جدا أن تواكب هذا التطور في المجال الإعلامي ظهور آليات جديدة في هذا المجال تجلت في ظهور قنوات إعلامية مغربية مختلفة و كذا محطات إذاعية متنوعة بالإضافة إلى مواقع إلكترونية إخبارية و ترفيهية الغاية منها إضفاء لمسة جديدة على دور الإعلام
في تنمية المجتمع .
وبقدر ما شهده هذا القطاع من انفتاح ، بقدر ما هناك تزايد في الارتداد والاحتقان في هذا المجال، سواء من جانب استمرار القوانين السالبة للحريات، أو الغرامات المحيلة على الإفلاس، أو بجانب جمود وتردي الأداء الإعلامي، سواء داخل القطب العمومي، أو على مستوى المحطات الإذاعية المرخص لها من مدة، أو على مستوى المضايقات التي يتعرض لها الإعلامي، في البحث والحصول على الخبر.
فمن بين ما تم تسجيله في هذا الباب تردي وتراجع على مستوى الجوهر، سواء تعلق الأمر بالنصوص المنظمة، أو على مستوى الأداء، الذي كنا كمغاربة نراهن عليه. إذ أن المشهد الإعلامي يعيش حالة خاصة، ازداد فيها التحرش بحرية الرأي، وتعرض العديد من الإعلاميين إما للسجن أو للمنع من الكتابة، و تعرضت منابرهم للمصادرة، و حكم عليهم بغرامات لا تطاق، في إطار متابعات اعتبرت ضربا لحرية الرأي والفكر والتعبير، وتصفية حسابات مع منابر لم تمتثل للخطوط الموضوعة.
إن الأحكام السالبة للحريات لم تضرب في الصميم مبدأ حرية التعبير، بل وضعت القضاء غير المستقل في العديد من الأحكام المتعلقة بقضايا النشر وجها لوجه مع العديد من المنابر. وهو ما يؤكد مدى حجم ارتهان المؤسسة القضائية وعدم استقلاليتها، وإنصافها في العديد من القضايا، وصار القضاء في هذه القضايا أداة للتظلم، إنه بات بحال مجموعة من المنابر الإعلامية وسيلة ناجعة لتصفية الحسابات.
وبالتالي، فإن حالات المنع والمتابعة والسجن والغرامة التي تكبدها أكثر من منبر، إنما أتت من جبهات وظفت السلطة لتقليم أظافر بعض الأسماء الصحفية عن طريق القضاء ، من باب إعطاء الانطباع، بأن لا دخل للسلطة التنفيذية فيما يجري، وأن المسألة تعالج على مستوى القضاء، كما هو الحال بالدول المتقدمة، وبعد أن تبين بأن العقوبات السالبة للحرية قد أعطت نتائج عكسية في ردع هؤلاء، وكان من شأنها "تلطيخ" صورة المغرب بالعالم، فقد تم نهج سياسة الحكم بالغرامات الباهظة، المحيلة على الإفلاس مباشرة.
لقد بات الإعلام اليوم صناعة قائمة، بقدر ما تستطيع استنبات قيم الجمال والفن والإبداع، بقدر ما تستطيع تدمير القائم منها، أو محاولة الترويج لقيم مناقضة لها. حيث أن الإعلام، سيما القنوات التلفزية و المحطات الإذاعية يتحمل بشكل مسؤولية في تفشي مجموعة من الظواهر الخارجة عن موروثنا الأخلاقي ببثها لبرامج و فقرات تروج لأنماط أخلاقية تقتل في النشء المغربي على وجه التحديد كل ما يمكنه أن يربطه بهويته المغربية ، و تسعى هذه القنوات خصوصا المغربية منها إلى تسييد الانطباع الرامي إلى تقويض أي مجهود من شأنه أن يعيد الثقة للمواطنين في المؤسسات التشريعية و الانتخابية و السياسية . و ابتعدت القنوات و المحطات الإعلامية عن هدفها التداولي الذي أريد لها أن تلعبه من أجل تحفيز الشباب المغربي على المشاركة في الرقي بالمجتمع و ترسيخ قيم المواطنة و الانتماء للوطن لديه ، و اقتصر دور هذه المنابر الإعلامية على الترفيه و التنشيط المتجلي في سهرات آخر الأسبوع ومسابقات الغناء المبتذلة ...
وما استمرارية هذا النهج في سياسة مجموعة من القنوات التلفزية العمومية أو الشبه عمومية بالإضافة إلى بعض المحطات الإذاعية ليبين بقوة كيف أن هذه الوسائل بالمغرب لم يطلها التحول، لا جراء الطفرة التكنولوجية، ولا جراء التحولات الثقافية والاجتماعية، ولا جراء مسلسل التحرير المتحدث عنه من قبل.
من جانب آخر فقد شهدت الصحافة المكتوبة هي الأخرى تطورا خلال السنوات الأخيرة من خلال الفاعلية التي خلقتها الجرائد الوطنية ،غير أن عددا منها خصوصا تلك التي تسمى بالمستقلة ، أبانت في العديد من المناسبات عن عدم استقلالية و تبين أنها إما تدور في دائرة جهة معينة في السلطة، أو في دائرة مجموعات مالية واقتصادية ، أو منحازة لموقف سياسي ما على حساب الآخر ، وهذا بحد ذاته أمر لا يحيل على الاستقلالية، كما يتسم عمل مجموعة من الصحف الوطنية بالتحامل و التواطؤ ضد أوراش كبرى تعمل تلك الصحف على تقويض المجهودات فيها .
وبرزت مجموعة من الأقلام في الصحافة المكتوبة حاولت أن تنسج لنفسها رداء تحرريا روجت ومازالت تروج من خلاله للعديد من السلوكيات الغريبة عن ثقافتنا و عادتنا ما جعل تلك الأقلام تدفع ببروز مجموعة من الكتابات الصحفية الموشومة بصياغات لا أخلاقية عملت في محطات متعددة على الإساءة للأشخاص والمجتمع .
وساهم هذا الوضع في تفشي ظاهرة المساس بأخلاقية المهنة ، حيث بدأت بين الحين و الآخر تظهر كتابات تتطفل على الحياة الخاصة لشخصيات عمومية وكذا لمواطنين عاديين ، وبدأ القارئ المغربي يصادف بين و الحين و الآخر مقالات صحفية تتضمن عبارات السب و القذف و الشتم و وفي أحايين كثيرة توجه تلك المقالات اتهامات لأشخاص يتضح فيما بعد أنه لا أساس لتلك الاتهامات من الصحة .
فرغم ما أحدثته ما سميت بالصحافة "المستقلة"، وهي صحافة غير المتحزبة، من طفرة ملموسة بالمشهد الإعلامي المغربي إلا أنها في الآن نفسه عرفت بنبرة جديدة مست لم يألفها المغاربة مست ثابتهم الأخلاقي .
و استنادا إلى ما سبق من تشخيص عام لوضع الإعلام المغربي فإنه أصبح من الضروري اليوم نهج مجموعة من الإجراءات و التدابير من أجل جعل هذا القطاع الأساسي فعالا في ترسيخ القيم و الهوية المغربية:
1- يجب بشكل استعجالي لا يقبل التأخير وضع قانون جديد للصحافة يستجيب للتطورات التي يعرفها المجتمع المغربي ويتلاءم مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان ، ويتطلب كذلك من هذا القانون تجنب العقوبات السالبة للحرية وتحديد معايير دقيقة لتقدير الغرامات التي يمكن الحكم بها في حالة بعض المخالفات التي يرتكبها بعض الصحفيين .
2- التفكير في جعل القضاء كآلية لضمان ممارسة حرية الصحافة ، وإصلاح عميق للقضاء يدعم استقلاليته ويعزز ثقة الصحافي والمواطن على السواء في نزاهته .
3-التفكير في تأسيس هيئة عليا يناط إليها تنظر في شكاوى المواطنين بخصوص العديد من القضايا التي تطرح ضد أي صحافي معين ، ويقترح أن تضم هذه الهيئة بالإضافة إلى ممثلي المهنيين فيدرالية الناشرين والمجتمع المدني، ويشترط أن يكون هذا التنظيم مستقلا بشكل مطلق عن الجهاز التنفيذي وعن أي جهة أخرى
4- دعم عمليات تحرير القطاع السمعي البصري بما يمكنه أن يساهم في ظهور فضائيات مغربية جديدة تهدف إلى تجويد المنتوج الإعلامي و جعلها في مستوى
تطلعات الجمهور المغربي .
التعليقات (0)