الإعلام الفلسطيني والمصلحة الوطنية
للإعلام دور هام ومحوري في بناء المُجتمعات ، فبدون إعلام وطني مسئول لن يكون هناك إقتصاد ، وبدون إعلام صادق لن يكون هناك استثمار وتنمية ، وبدون إعلام توجيهي ومؤثر لن يكون هناك أمن واستقرار إجتماعي ، ومع اختلاف التعريفات لمفهوم الإعلام إلا أن كافة التعريفات أجمعت أنه الطريق الوحيد لإيصال الصورة المشرقة لأي مجتمع يتطلع للتقدم والإزدهار .
ولو نظرنا لإعلامنا الفلسطيني لوجدنا الكثير من الملاحظات عليه ، فمنذ النكبة الأولى لفلسطين عام 1948م لم يكن الإعلام العربي بشكل عام والفلسطيني بشكل خاص بحجم الآمال والتطلعات لكون المرحلة كانت تتطلب الكثير من الجهد لفضح سياسة إسرائيل الإرهابية والتي تمثلت في احتلال إسرائيل للأرض وقيام عصاباتها بإرتكاب المجازر بحق الشعب الفلسطيني الأعزل .
ومع توالي الأحداث استطاع الإعلام الفلسطيني التأثير بشكل إيجابي في الرأي العام أحياناً وأحياناً أخرى فشل في هذا التأثير بحكم الكثير من الأسباب أهمها عدم وجود خطاب إعلامي عربي مُوحد وسياسة إعلامية عربية بحجم الخطاب الإسرائيلي الصهيوني ومن خلفه الإعلام الأمريكي والغربي الذي أصبح يوازي بين الضحية والجلاد في الكثير من المواقف وصور شعبنا على أنه شعب إرهابي .
وبإندلاع الأحداث الداخلية المؤسفة أواخر عام 2006م وماتلاها من حالة انقسام داخلي فلسطيني قسمت شطري الوطن بعد أن سيطرت حماس على قطاع غزة ، كان للإعلام الفلسطيني الدور الهام والمحوري في إشعال فتيل الأزمة بين الفصائل الفلسطينية المختلفة سياسياً حتى وصل الأمر إلى عمليات التحريض الإعلامي المُباشر عبر الفضائيات والإذاعات وكانت رسائل الإذاعات المحلية تُنقل وكأنها رسائل تنقل من خلال وسيلة إعلام عسكرية وليس وسيلة إعلام إعلامية مهنية كما كان الإدعاء دائماً .
ومع استمرار حالة الإنقسام استمر الإعلام الفلسطيني وخاصة الإعلام الحزبي أو القريب من الحزبي في انتهاج منهج التحيز والتهييج ونقل الرأي وتكميم الرأي الآخر ، بالإضافة إلى أنه أستخدم أقسى وأبشع الألفاظ والعبارات التي لا تمت للإعلام بأي صلة ، فعلي سبيل المثال كان الإعتداء على خصوصية الناس وارد في وسائل الإعلام الحزبية بحيث كان هناك تجرؤ على القيادات السياسية وكانت توصف بأوصاف ليس لها علاقة بالقاموس الإعلامي أو الوطني أو الأخلاقي .
ومع كُل هذه السلبيات والمناكفات غاب دور المسئول والرقيب ، فكانت وزارة الإعلام تقف موقف المُتفرج وكانت نقابة الصحفيين تقف موقف الغائب ، برغم أن ميثاق الشرف الصحفي وقانون المطبوعات والنشر أكدا على عدم استخدام وسائل الإعلام بكافة أشكالها في عمليات التحريض والإساءة والقذف والتشهير ، ولو افترضنا أن هذه المؤسسات كانت لا تستطيع القيام بعملها نتيجة الوضع السياسي القائم في قطاع غزة ، فأين دور السلطة الوطنية ووزارة الإتصالات في عمليات حجب الترددات الخاصة بوسائل الإعلام التي تخرج عن المهنية وتستخدم برامجها لقذف وانتهاك حرمات الناس والتحريض على الفعل ورد الفعل .. أم أن السياسة العامة كانت تقول وأنا مالي كل البلد خربانة .
أما الإعلام الجديد الذي ظهر منذ سنوات ثلاثة فتمثل في إعلاميين وكُتاب جدد أشبه بأحجار الشطرنج مهمتهم فقط الإنتقاد من أجل النقد فقط ، ولو نظرنا لمقالات البعض لوجدناها تتحدث فقط عن خطأ هنا وخطأ هناك برغم أن هناك الكثير من الإيجابية التي من الممكن أن نتحدث عنها لو كنا بالفعل نعمل بمهنية إعلامية لا تخضع لشروط الحزبية أو الإصطفاف الأعمى لفريق دون الآخر ، ولقد كانت الشواهد كثيرة ، فهناك من هو على استعداد لكتابه أي شيء من أجل أن يظهر الرئيس أبو مازن على أنه رجل خائن أو أنه مُتنازل أو أنه يريد الذهاب بشعبنا الفلسطيني إلى مهب الريح ، وبنفس الموضوع ليس بمقدوره أن يكتب مقالاً يشد فيه على مواقف الرئيس في التمسك بأي موقف من شأنه أن يعطي شعبنا الفلسطيني جزئية من الندية في التعامل مع الآخرين .
إننا أمام معضلة كبيرة ، نستطيع من خلالها أن نقول بأن الإعلام الفلسطيني لن يشهد أي نمو أو تطور مهما كانت المحاولات ، وذلك بدون الرجوع إلى ألأصل في الموضوع وهي المهنية وميثاق الشرف الذي يعطيك الحق في إنتقاد السلبية من أجل التغيير وليس التشهير ، ويمنحك المساحة للحديث عن الإيجابية من أجل التطوير والتقدم وليس من أجل التقزيم والإنطواء .
التعليقات (0)