الإعلام العربي إلى اين
خلال العقد الماضي إمتلئ الفضاء العربي بالكثير من القنوات التلفازية التي تعتمد في تغطيتها على الأقمار الصناعية للوصول إلى أكبر عدد ممكن من المشاهدين والجماهير العربية، ذلك أن حقل الإعلام أصبح تجارة يستثمر بها كل من لديه رأس المال ويمثل بعض السياسيين والنافذين في الحكومات العربية، المختلفة الإيدولوجيات والإتجاهات، كما إنتشرت العديد من الأدوات الإعلامية الخاصة من مجلات وصحف لا تهتم سوى بالربح السريع عن طريق الإثارة والتضخيم الإعلامي على حساب الحقائق والوقائع والموضوعية..
تنقسم الفضائيات العربية إلى ألوان وإتجاهات متعددة منها الإخباري، الفني، الديني والتربوي وتتراوح أعداد هذه القنوات الفضائية ما بين 1000 إلى 1200 فضائية تنتشر ما بين الأطلسي غرباً إلى الخليج العربي شرقاً ..
وتغطي المساحات الشاسعة للوطن العربي وتبث وصولاً إلى شمال اوروبا، أميركا بشقيها الشمالي والجنوبي حيث العديد من المغتربين العرب من بلدان الشرق الأوسط وخاصة لبنان وسوريا، حتى أن البعض منها يصل في تغطيته إلى إستراليا والشرق الأدنى، لكن المتابع لمعظم هذه الفضائيات يجد أن طابع الإثارة والتضخيم الإعلامي يطغى على الطابع المتزن والرصين والموضوعي، فالقنوات الإخبارية تتجه في برامجها إلى خدمة مواقف سياسية معينة على حساب غيرها، وتتسم البرامج الحوارية التي تقدمها هذه المحطات إلى خلوها من المناقشات الجادة الهادفة ويطغى عليها الإتهامات والشتائم المتبادلة بين أطراف النقاش بدلاً عن المناقشة الموضوعية العلمية، كما نجد أنها بعيدة كل البعد عن فكرة الحوار العلمي المتزن بين طرفين من المفترض أنهما يمثلان وجهتي نظر مختلفة، يحمل كل منهما في جعبته أدلة تدعم أراؤه ووجهته وتسندها، وقد بدا واضحاً في خضم الثورات العربية الحالية، الإتجاهات الإيديولوجية لكل قناة على حدة، ومن خلال متابعة بعض القنوات الإخبارية نلاحظ أن الخبر المعلن على قناتين مختلفتين يناقض بعضه البعض، فالتضارب والسطحية وغياب المضامين الدقيقة والجادة في القنوات الإخبارية العربية جعلها أداة تشويش وإنحراف لوعي المشاهد العربي بدل أن تكون أداة توعية توصل الحقائق والوقائع كما هي دون أن تكون طرفاً في النزاعات والصراعات الإيديولوجية المختلفة، من منا لم يشاهد الكثير من الأخبار التي تم نشرها في الفترة الحالية وتبين له أنها تزييف للوقائع والحقائق (سواء عن طريق التلاعب بالصورة أوالصوت أو زمان ومكان الحدث) في بعض القنوات مما يدعو للتسائل بحق، هل من الممكن للمشاهد العربي أن يعتمد على القنوات الإخبارية العربية في إستقاء معلوماته؟ وهل يستطيع هذا المشاهد والمتابع الإطمئنان إلى أن ما يصله من هذه المعلومات والأخبار هي ليست زائفة أو مضخمة أو حتى معكوسة في بعض الأحيان، ويحتاج بالتالي إلى غربلتها ليتبين اي منها الصحيح أو الزائف.
إن الكثير من القنوات التي تقوم بتقديم اللون الفني وبرامج المنوعات والمسابقات المختلفة على كثرتها لا تقدم سوى فناً إعلامياً هابطاً بمجمله، وتبتعد عن الذوق الفني والقيم الراقية، مشيعة التفاهات والسطحية من خلال عرضها وتقديمها لكليبات غنائية لا تهتم سوى بالرقص الذي ينبع من روح الإباحية وإثارة الغرائز الجنسية وبث الإستعراضات الهابطة، كما تعتمد نشر الصورة الغربية للمجتمعات على حساب الفن العربي الجميل، وتقوم بنقل وعرض الكثير من أفكار وبرامج المنوعات الغربية وبالتالي تعريبها دون أدنى إهتمام ومراعاة للفروقات وألإختلافات الثقافية والأخلاقية بين المجتمعات الغربية والعربية.
إن المتابع الجاد والمثقف الديني الواعي للقنوات الفضائية الدينية السمة سيلاحظ أن الكثير منها لا يعالج سوى مسائل تافهة وسطحية وبعيدة عن روح الإسلام الحقيقي، وتخاطب جمهورها من خلال برامج وحوارات ليس الهدف منها مخاطبة عقولهم وإحترامها بل تقدم لهم ألوانا من قشور الموضوعات السطحية وبرامج سخيفة مثل تفسير الأحلام وترويج للخرافات والغيبيات، بدل التشجيع والحث على الإنخراط في ركب العلوم واللحاق برحاب التطور، كما أن هذه القنوات إشتهرت على سبيل المثال لا الحصر بتقديم مواضيع خلافية بين جناحي الأمة السنة والشيعة، وحتى بين المذاهب المختلفة لكل جناح، في حين كان من الأجدى أن تتعامل كوسيلة ربط بين المسلمين، وأن تقوم بتبسيط المسائل العالقة ودعوة الشباب إلى الإنخراط في نقاشات جدية لإعلاء منابر الدعوة الحقيقية للشريعة الإسلامية وليس إلى نشر هذا الكم الهائل من الفتاوي المغرضة البعيدة عن روح الإسلام والشريعة الإلهية، كما تقوم هذه القنوات بالخوض في الكثير من الأحاديث الموضوعة والمختلف بصجتها وإستقاء الأدلة منها ومن غيرها، ولا أعلم أين دور الرقابة الدينية الرسمية في هذه المسألة أليس الرقابة على هذه القنوات الهابطة بمجملها مسئولية دينية رسمية؟ اليس من الأجدر على الحكومات مراقبة هذه الثقافة الهابطة والإعلام المزيف الذي يدخل في بيوتنا وأن تعتبره غش وتلويث لعقول وفكر الجماهير العربية العريضة...
إن غياب ثقافة العقل والمعرفة من الفضائيات العربية بشكل عام وانتشار ثقافة الاستهلاك على حساب ثقافة العقل يعود بشكل اساسي لإنعدام توفر مستثمرين عرب مثقفين لديهم إستعداد لإنشاء ما هو جاد فضائيا ومفيد للعقل العربي، علينا إن نؤكد على أهمية المؤسسة الفضائية العربية ودورها الثقافي كما دورها في استثمار العقل العربي وما يفرض من تحديات.
ولكن حتى نصل للغاية المرجوة من إمكانية نشر الوعي الثقافي والمعرفة العلمية الحقيقية، إلى اين تمضي بنا الفضائيات العربية؟ وإلى متى تستمر بهذا اللغو المغرض؟ وهل نحن بحاجة إلى ثورات إعلامية مضادة، بجانب الثورات والإنتفاضات العربية الربيعية ؟
التعليقات (0)