عبـد الفتـاح الفاتحـي
ترى الصحافة الجزائرية الرسمية أن بلادها مستهدفة مغربيا وليبيا على خلفية اتهام المغرب لها من أنها تعاكس حقه على الصحراء المغربية وتعرقل الاندماج المغاربي، واستغربت تزامن الاتهام المغربي، مع وقت استهداف سيف الإسلام القذافي للجزائر من خلال إعادة التأكيد على توجهات أبيه في احتضان الحركة الطوارقية، وهي التوجهات التي تعتبرها الجزائر تحريضا عليها.
وجاء في صحيفة رسمية جزائرية أنه في أقلّ من أسبوع على خطاب العاهل المغربي، محمد السادس، الذي جدد فيه تحامله على الجزائر، متهما إياها بعرقلة مسار التكامل والاندماج في منطقة المغرب العربي وشمال إفريقيا، جاء خطاب نجل العقيد القذافي، سيف الإسلام، أول أمس، ليحركّ من جديد ما وُصف قبل أربع سنوات بـ "أزمة الطوارق" بين الجزائر وليبيا.
وكان محمد السادس في خطاب العرش الأخير قد لمح إلى أن نزاع المغرب في الصحراء هو مغربي جزائري لا مع البوليساريو. ووصف محمد السادس معاكسة الجزائر لوحدة المغرب الترابية بـ "المناورات اليائسة". وهي النبرة التي اعتبرت اتهاما حازما، وجدها مدخلا لإضعاف الطموح الجزائري الذي يتهم بسعيه التاريخي إلى إقامة الولاية 46 في الصحراء الغربية.
وهو ما جعل العاهل المغربي ليقطع الشك باليقين حول مستقبل الحكم الذاتي، بالإعلان عن تطبيقه في الصحراء فور انتهاء لجنة صياغة الجهوية من وضع تصوراته الكبرى نهاية هذه السنة، وقال: "وسنمضي قدما في تفعيل الرؤية الطموحة، التي حددناها في الخطاب الأخير للمسيرة الخضراء، سواء بجعل الصحراء المغربية في صدارة إقامة الجهوية الموسعة، أو بمواصلة جهودنا الدؤوبة، للتنمية التضامنية لأقاليمنا الجنوبية، أو بحرصنا على إعادة الهيكلة العميقة، للمجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية".
وهو ما قرأ فيه المحللون بأن المغرب قد عزز سيادته على الصحراء بفضل الحكم الذاتي، وذاك هو الذي منح ثقة قوية وردت في قول العاهل المغربي بأن لا تراجع عن حق المغرب في سيادته على الصحراء المغربية، ولا بديل عن الحكم الذاتي كصيغة أممية لتقرير المصير. وفيها إشارات قوية أن المغرب لا تحدي له في قضية الصحراء على المستوى الدولي، بقدر ما أن تحدياته تحقيق الرفاه الاجتماعي والاقتصادي للصحراويين من خلال مواصلة سياسة الأوراش الكبرى.
أما ما اعتبرته الصحافة الجزائرية بأنه منازعة ليبية للريادة على المنطقة، فكان تعليقا على رعاية سيف الإسلام القذافي، المهرجان السنوي الثالث لشباب الطوارق، بمدينة أوباري غرب العاصمة الليبية طرابلس، باستغلاله للتأكيد على ما يدعو إليه الزعيم الليبي حول قيام دولة إفريقية واحدة تحت مسمى “الولايات المتحدة الإفريقية”، مع التلميح إلى ضرورة توحيد الطوارق في إقليم جغرافي واحد و”مستقل”.
وجاء في كلمة سيف الإسلام: “إن الطوارق هم أكبر دليل ديموغرافي وتاريخي على أن إفريقيا هي أرض واحدة ودولة واحدة وإن امتداد قبيلة الطوارق في ليبيا والنيجر والجزائر ومالي يجب أن يتخذه الطوارق دافعا للتعجيل بقيام دولة إفريقية واحدة، هي الولايات المتحدة الإفريقية”، وأضاف “إن الطوارق هم الرابط الذي يربط شمال إفريقيا من ليبيا إلى موريتانيا“. ودعا شباب الطوارق إلى “ضرورة اندماجهم في صفوف القيادات الشبابية والإدارية في ليبيا”.
واعتبر الإعلام الجزائري أن مضامين كلمة سيف الإسلام القدافي يجسد لما جاء على لسان القذافي الأب، في سياق المبادرة التي أطلقها العقيد من تومبوكتو شمال مالي، قبل أربع سنوات، حين جمع عدة مسؤولين أفارقة وقادة تنظيمات إسلامية وأعيان الصحراء، وألقى فيهم خطابا يدعو قبائل الطوارق والجماعات العرقية التي تعيش في الصحراء الكبرى إلى التوحد وإقامة فيدرالية واحدة لمواجهة "زحف الغرب على بلاد المسلمين".
وهو ما أغضب حينها الجانب الجزائري، وإن لم يرد عليها رسميا، وإن كان الدبلوماسية الجزائرية قد بعثت ما سمي إشارات إلى العقيد القذافي تفيد بأنه تجاوز الخط الأحمر.
ويتوقع المراقبون الدوليون أن ما أعاد سيف الإسلام القذافي الإشارة له في مهرجان الطوارق سيضفي مزيدا من التوثر على العلاقات الليبية الجزائرية، ويحرك من جديد الجدل حول "الأزمة غير المعلنة" بين الجزائر وليبيا. وهو ما يعد فرصة مغربية للدفع في اتجاه تراجع القذافي عن موقفه الأخير من قضية النزاع في الصحراء، وكسب مزيد من التأييد الليبي إن هي غازلته بخصوص مساعي القذافي لتحقيق حلمه بناء ما يطلق عليه بـ: "الولايات المتحدة الإفريقية".
واعتبر المحللون مهرجان شباب الطوارق الذي رعاه نجل القذافي سيف الإسلام، يعد بمثابة تحييد نهائي للجزائر من القضية الطوارقية، حين أعادت اللجنة العليا لشباب الطوارق في كلمتها بالقول: "نلتقي هنا في هذا اليوم لنشبك الأيادي ونوحد العزم على أن نكون عند حسن ظن الزعيم الليبي معمر القذافي وعلى قدر الالتزام بطموحات وتطلعات أهلنا وقارتنا في البناء، مستمسكين بمواكبة خطى القائد الذي رسم لنا مسار العزة والكرامة وسطر لنا درب الغد والمستقبل".
وأضافت كلمة شباب الطوارق "إن الغد في أيدينا مادمنا مؤمنين بتوجهات مجتمعنا ومتخذين بتوجهات القائد الليبي منهاج عمل لتحقيق الآمال وبناء غد يتسع لجماهير الشباب الواعد لتسطّر الآمال والطموحات، وتشيد منجزات تشمخ بها هاماتنا وننجز بها المستحق للقائد القدوة والقارة الأم".
وترى الجزائر أن ما تسميه "الفكر القذافي" ينازعها على الريادة الإفريقية، وتعتبره جزاء ليبي للجزائر بعد أن دعمت عاصمة جولة جنوب إفريقيا "جوهانسبورغ" لتحتضن مقر البرلمان الإفريقي، في الوقت الذي كانت تسعى فيه طرابلس، لأن تكون مدينة سرت المتوسطية مكانا لاحتضان الهيئة البرلمانية الإفريقية.
ويعد التسابق الليبي الجزائري على تزعم ملف الطوارق في الصحراء الإفريقية من أكثر الملفات المثير للخلافات بين البلدين. صراع اسمر طويلا وسجلت فيه تجاوزات جزائرية في حق الطوارق المؤيدين للزعامة الليبية لتدبير ملفهم، حيث رصدت تقارير استخباراتية ليبية ضلوع الجيش والسلطات الجزائرية في تحريض الجماعات الطوارقية التي كانت تعبر الأراضي الجزائري في ذهابها وإيابها إلى ليبيا. وتم تأكيد بما أبلغ ممثلي الطوارق معمر القذافي من أن مجموعاتهم تهان وتضرب وتتهم للعمالة له، لأنها أعلنت تسيلم ملفها إليه، وهو ما أثار حنق معمر القذافي.
ويعتبر عدد من المراقبين أن الأزمة الدبلوماسية المغربية الليبية على خلفية الموقف الأخير للقذافي من قضية النزاع في الصحراء أهون بكثير من عمق الخلاف الليبي الجزائري بشأن قضية الطوارق.
ويستدلون ذلك إلى التناقض الجزائري بخصوص دعمه للبوليساريو ومحاربة الطوارق، وهو المسعى الذي يجعل معمر القذافي منافيا لوجهة نظر الطوارقية، وفق هذا التحليل يعتقد المراقبون أن لا تكون تصريحات القذافي الأخيرة بخصوص الصحراء بأنها نهائية.
حيث دأب الطوارق أكثر من مرة أنهم يؤيدون تسليم ملفهم للقذافي مبعدين أي دور للجزائر لأنها تقف إلى جانب السلطات المالية. ويحلمون عليها دعم جبهة البوليساريو وتحاربهم على الرغم من أنهم بحق أصحاب قضية وأرض.
وفي هذا السياق يردد مهتمون ليبيون بالشأن الطارقي تساؤلات كثيرة تسير في هذا الاتجاه من قبيل:
لماذا يعامل البوليساريو بتأييد وتقدير جزائري رسمي بينما يرفض الطارقي؟
لماذا يشارك جنرالات الجزائر في كل المحطات السياسية والثقافية لمناصر البوليساريو بينما يهينون ويعاقبون كل نشاط طوارقي؟
ولماذا يشجب تعاطف أبناء تمنرست الجزائرية مع طوارق مالي بينما يكرم أبناء ولاية بشار على تعاطفهم مع أهلهم الرقيبات الصحراويين؟
ويرى عدد من المهتمتين بالسياسة المغاربية أن الأزمة الدبلوماسية بين الجزائر وليبيا إن لم تستطع حصر التوتر بين البلدين قد يزيد الحنق ليبي إلى مزيد من الدعم الطوارقي ورفع اليد عن دعم البوليساريو. خاصة أن الطوارق تعول على ليبيا لدعم تطبيق اتفاقية شهر يوليوز2008، حيث اتفق طرفي النزاع على بداية سلسلة من المفاوضات لتطبيق اتفاقية الجزائر الموقعة سنة2006، الناصة على منح أقاليم الشمال حيث الغالبية من الطوارق حكما ذاتيا يمكّن الطوارق من إدارة شؤونهم المحلية، وتخصيص برامج تنموية تساهم الحكومة الجزائرية وأطراف مانحة في تمويلها، وتكوين شرطة محلية مكونة من المسلحين الطوارق تشرف لجنة مشتركة من الطرفين مالى والطوارق بالإضافة إلى الجزائر على مراقبة نشاطها، وتخفيف التواجد العسكري المالى في الشمال وإطلاق سراح أسرى الحرب.
ويتوقع أن يزداد التوتر بين الجزائر وليبيا بعد إعلان باماكو عن اعتقال "الشيخ آغ أوسي"، أحد أبرز زعماء حركة الطوارق في شمال البلاد، دون توضيح أسباب اعتقاله، هو ما سيعرض "اتفاق الجزائر للسلام"، المبرم بين حكومة باماكو وحركة الطوارق للخطر، وهو ما سيسمح بالعودة القوية للنفوذ الليبي وهو الأمر الذي ترفضه الجزائر بشدة.
وكان الخلاف الليبي الجزائري حول القضية الطوارقية قد اشتد غداة تجدد الصراع سنة 2005 بين الطوارق ومالي بدعم جزائري حول سبل التوصل إلى حل للنزاع، وبدأ حينها تسابقا بين الدولتين على استضافت المفاوضات ومساعدة الطرفين على التوصل إلى سلام دائما، حيث شهدت العاصمة المالية ومناطق الطوارق في الشمال صراعا بين قنصل ليبيا في باماكو، موسى كوني، والسفير الجزائري عبد الكريم غريب بنفس العاصمة، لاستمالة الأطراف مستعملين كل الأساليب من التهديد بقطع الدعم، فانقسم بسبب ذلك الطوارق إلى مجموعات مؤيد لهذا الطرف أو ذاك.
وتواصل النزاع الجزائري الليبي عقب استقبال الزعيم الليبي معمر القذافي ممثلى التحالف الديمقراطي الجناح السياسي للحركة الطوارقية المسلحة، وأعلنوا بأنهم قد سلموا ملف قضية الطوارق للعقيد معمر القذافي، وهو ما اعتبرته الجزائر حينها تشويشا على ما اعتبرته جهودها لحل النزاع في الشمال المالي، وهو ما ردت عليه ليبيا بإعلان تسلمها ل 44 أسير مالي من زعيم متمردي الطوارق "ابراهيم باهنكا"، وأنها نقلتهم طائرة ليبية إلى مالي.
محلل سياسـي
Elfathifattah@yahoo.fr
التعليقات (0)