الإعتداء اللبناني العنصري على سودانيين في بيروت
دائما ما يعرف عن السودانيين في دول الإغتراب أو المهجر ، بأنهم ناس في حالهم وزيتهم في دقيقهم . أو بمعنى أنهم يكتفون ببعضهم ولا يختلطون بغيرهم . وبالتالي لا يحشرون أنوفهم في شئون هذا الغير سواء أكان من مواطني البلد الذي يقيمون فيه أو من الأجانب الآخرين المقيمين به لغرض العمل وكسب العيش.
وبالأمس وعلى هذا النسق المشار إليه أعلاه تجمع بعض السودانيين المقيمين في لبنان لإحياء حفل غنائي خيري سوداني محض خاص بهم في منطقة الأوزاعي ببيروت .. وفجأة ودون مقدمات أو تحذيرات فوجيء الحفل من رجاله ونسائه وأطفاله بهجوم كتيبة من أفراد الشرطة اللبنانية بقيادة بعض ضباط الأمن اللبناني اللذين إقتحموا المكان وقاعة الحفل وسارعوا إلى إستخدام الهراوات ضد كل من يجدونه في طريقهم دون هوادة ، وبلا مبرر يستدعي اللجوء إلى هذا العنف المفرط والتمادي فيه...... للهم إلا إذا كان اللبناني قد تأثر بما جرى له على يد اليهود وغير اليهود خلال السنوات السابقة فتماهى تماهي الضحية مع الجلاد.
وكانت الحجة في هذا الهجوم الإستئصالي مع طول اللسان وأقبح السباب العنصري ... كانت الحجة أن الحفل الغنائي الخيري قد أقيم بدون الحصول على ترخيص مسبق من وزارة الداخلية . وليت الأمر توقف عند هذا الحد ولكن المشكلة كمنت في إستخدام أفراد الشرطة وضباط الأمن اللبناني ألفاظا نابئة وعنصرية غاية في الإنحطاط تجاه السودان الموطن من جهة وتجاه المواطنين السودانيين من جهة أخرى وكأنّ الأمر كان مبيتا وقد تم الإعداد له سلفا ......
وقد جاء في شهادة إثنين من اللذين تعرضوا لهذا الإعتداء العنصري والسب والشتم الغير مبرر مايلي:
ذُهلت من المشهد، وظننت أن أحداً منّا قد ارتكب جريمة ما أو عملاً إرهابياً مسّ الأمن القومي للبنان. أخرجونا من الصالة مكبّلين بالأصفاد، وجعلونا نتمدد على بطوننا في وسط الطريق على مرأى ومسمع من أهالي المنطقة، بعدما أقفلوا الطريق أمام السيارات. داسوا بأحذيتهم العسكرية على رؤوسنا ورقابنا، كل ذلك ولم يتوقف سيل الشتائم والإهانات التي كانت تُصب علينا، والتي كانت، صدقوني، أكثر ألماً وأوسع جرحاً من الضرب ووجدوا أن أحدنا يرتدي بنطالاً من نوع (جينز)، فقال له أحد العسكريين وهو واضع قدمه فوق عنقه: صايرين تعرفوا تلبسوا تياب حلوة كمان يا بهايم". هذا الحديث لم يرد في سيناريوهات أحد الأفلام البوليسية وإنما لمتحدث هو أحد السودانيين المقيمين في لبنان يدعى علاء عبدالله يسرد على لسان صحيفة "الأخبار اللبنانية" ما حدث لتجمع للجالية السودانية في لبنان أثناء حفل خيري يعود ريعه لطفل مصاب بالسرطان، داهمته أجهزة الأمن اللبنانية واعتقلت جميع الحضور بصورة وصفها "بالمهينة" في منطقة "الاوزاعي" بلبنان. وتحدث لذات الصحيفة أحد السودانيين يدعى عبّاس عبدالله شارحاً الاعتقال الذي صاحبته عنصرية حيث قال "يبدو أن جهل بعض أفراد الأمن العام وصل إلى حد عدم معرفتهم أن السودان بلد عربي، حيث سألنا أحدهم عن المكان الذي تعلمنا فيه اللغة العربية، فقلنا له نحن عرب ومن السودان، فظنّ أننا نسخر منه فانهال علينا مجدداً بالضرب على وجوهنا... وجوهنا التي قد يجد البعض في سمرتها دونية، لكنها وجوهنا التي أكرمنا الله بها، والتي يحمل أصحابها كرامة لا يمكن (يبكي) لأحد أن يمسها، وكبرياء ليس لمخلوق على وجه الأرض أن يحطمها
....................
الطريف أن الشعب والإعلام في ربوع السودان بعد تلقيه هذا النبأ ظل حيران ويتساءل عن المغزى من هذا الإستعلاء اللبناني تجاه الشعب السوداني ومعايرته له بالفقر وسواد البشرة .... ومن ثم فهو يتساءل عما إذا كان اللبناني يجهل عن نفسه أشياء وأشياء أخرى كثيرة يعرفها عنه غيره وأهمها :
1) أنه الشعب الوحيد في العالم الذي يبلغ عدد مغتربيه في الخارج أكثر عددا من مواطنيه في الداخل .
2) وأنه ليس بدولة نفطية أو ثرية أو حتى نووية يحفى الفقراء من أجل دخولها والعمل بها . بل هو من أكثر الدول العربية فقراً لجهة الموارد وتخلف المفاهيم الطائفية في مجال العلاقات الإنسانية بين مواطنيه . وتفشي ظاهرة سوء توزيع الدخل والتنمية بين افراده . وكذلك الحال بين مناطقه الجغرافية والطائفية والعرقية المتعددة خاصة في الجنوب. بل وكل ما يمتلكه لبنان من ثروات لا يزيد عن الكبة والتبولة والحمص بطحينة.
3) وهو فوق هذا قنبلة موقوتة ومرجل يغلي من المشاكل الداخلية وقابل للإشتعال عند أول قدح لعود كبريت سواء على هيئة قتل على الهوية أو إشتباكات بمختلف أنواع الأسلحة على الطرق السريعة ووسط الأحياء السكنية والشوارع التجارية.
4) ثم أن اللبناني ليس ابيض البشرة . وإنما هو أسمر، ويعاني بالتالي مثله مثل غيره من شعوب دول العالم المتخلف من إستعلاء الرجل الغربي الأبيض ..... وهو ما يجعله والأسود والأصفر وحتى الأحمر في مركب واحد وكـلنا في الهمّ شرقُ .
5) والمستغرب أن هناك البعض من الشعب اللبناني يتناسى أن العديد من مواطنيه يقيمون في السودان لكسب الرزق ويقيمون وسط "السود" الأفارقة في غرب أفريقيا ويعتاشون من وراء خيرات تلك البلدان الأفريقية وشعوبها السوداء ... ولا ننسى بالطبع إغترابه في دول النفط العربية ؛ وهجرة اللبناني في دول أمريكا الشمالية واللاتينية وأستراليا وحيثما يُنـثـرُ الحَبُّ....... وعلى رأي المثل القائل: لا تعايرني ولا أعايرك ... الهم طايلني وطايلك.
فلماذا والحال كذلك يشتم أهل الدرك اللبناني المواطن السوداني ويعيرونه بسواد بشرته وفقره؟ ...... سبحان الله وكأن الحال يحكي المثل الشعبي القائل : "أب سنينة جايي يضحك على أب سنينتين"..... ومن جميل ماقيل في مثل هذه المناسبات : "إذا كان بيتك من زجاج فلا ترمي الناس بالحجارة".
على أية حال فإن كان البعض يشتم السوداني لسواد بشرته وفقره فإن من حق السوداني أن يرد بأن هذه هي خلقة الله عز وجل . وأن الإنسان لا يختار لونه ..... ثم أن الفقر ليس عيب ..... والحمد لله أننا كذلك ولكننا نعرف معنى الكرامة والشرف وعزة النفس .. بل وأن هذا هو الإنطباع العام السائد تجاهنا لدى الغير القاصي منه والداني .... ونحن نحمد الله وندرك أن العيب ليس في الفقر وسواد البشرة .. بل العيب في أن يعتاش الإنسان من القوادة وعرق أفخاذ نسائه . ولا يعرفه الآخرون إلا من خلال إسهاماته في زراعة حشيشة الكيف وفي مجال المعازف والغواني والمثليين والطبل والزمر والمراقص وعلب الليل والموائد الخضراء والحمراء شامل تقديم الخمور وأحلى النساء لمن يدفع بدون حساب بغض النظر عن لون بشرته في هذه الحالة بالذات. فالمهم دائما هو أن يكون جيب الزبون متخم بالدولار حتى يتوفر له الإحترام وتطاطأ له الأعناق والرؤوس وتبذل له المطارف والحشايا ؛ وتغسل له الشراشف والأغطية الملوثة بيولوجيا بكل ممنونية وعن طيب خاطر ........
ومن جهة أخرى فلعل هذه الحادثة العنصرية الرسمية المستفحلة التي حاول السفير السوداني في بيروت التقليل من شأنها ووصفها بأنها فردية وشاذة على الرغم من أنها بالفعل ظاهرة عامة يتعامل بها اللبنانيون في بلادهم تجاه السودانيين هناك ... هذه الحادثة أثارت تساؤلات عدة عن طبيعة إغتراب هؤلاء السودانيين للعمل في لبنان ..... هل الأوضاع الإقتصادية المزرية وتلك والأمنية الغير مستقرة في لبنان تستحق عناء الإغتراب فيه ؟ ....... حسب علم الجميع فإن لبنان دولة فقيرة تتسول حكومتها الإعانات والمعونات والهبات من دول الخليج النفطية وفرنسا والولايات المتحدة وتعتاش بعد ذلك على تحويلات مغتربيها في الخارج وهي بنحو عام طاردة لمواطنيها فما بالك بالأجانب الذين يأتون للعمل بها ؟..... وقديما قال الشاعر :
ما رأيْتُ أحمقَ لِحْـيَةٍ مِنْ سَائِلٍ يرجُو الغِنَى مِنْ سائـِلِ
ولعل لبنان وبوضعها المعاش لا تملك سوى إستضافة السياح النفطيين الأثرياء وجنود وضباط قوات المارينز العاملة في العراق خلال إجازاتهم القصيرة بهدف الإستجمام واللهو . بالإضافة إلى إستقبال موظفي الأمم المتحدة العاملين في مجال غوث اللاجئين ونحوه.
حسب ما جاء في غمرة تصريحات السفير السوداني في بيروت وبعض مسئولي السفارة هناك ؛ فقد أشاروا إلى أن قادة المعارضة السودانية قد عادوا للخرطوم. ومنهم من ترشح في الإنتخابات الأخيرة وفاز بمقعد في مجلس الشعب والولايات .. وبالتالي فإن السفير ينصح الرعايا السودانيين المقيمين في بيروت بحجة اللجوء السياسي أو إنتظارا للحصول عليه .. ينصحهم بالعودة إلى الخرطوم تأسيا بما فعل قادتهم ....... وبالطبع فنحن لا يخفى علينا أن مسألة "اللجوء السياسي" ليست سوى ضرب من ضروب "الهجائص" والحيل من أجل الحصول على إقامات وعمل ورتبة مغترب والسلام كنوع من أنواع الرفض لواقع إقتصادي معاش داخل السودان جراء خروقات إدارية وظاهرة سرقة مال عام عصفت بالخدمات العامة وميزانية الدولة.
إذن وبرغم تصريحات السفير بما يوحي أن سودانيي لبنان هم طالبي لجوء سياسي فإن الأنباء والأخبار المعاشة التي يتناقلها المواطن العادي في الشارع السوداني تفيد بأن هناك من هو مغترب بالفعل في لبنان لأجل كسب العيش حتى لو جعلوا من طلب اللجوء السياسي قناعا لرغباتهم الحقيقية ..... وهو ما يجعل المرء يتساءل في هذه الحالة حول مفهوم الإغتراب بوجه عام لدى المواطن السوداني ..... هل أصبح الإغتراب مجرد "مزاج" و تعبير عن "الضيق" و "الرفض" وتنفيس عن "حالات نفسية" تتعلق بموقف هذا الإنسان تجاه واقعه المعاش في بلاده أم ماذا؟
بالطبع لا نتوقع أن تحوم مثل هكذا تساؤلات أو تدور في أذهان جهاز المغتربين ، والسبب يسيط جدا وهو أن هذا الجهاز إنما أنشيء على قواعد فكرية وفلسفية تستند فحسب إلى الجباية الضريبية والموهبة الإدارية في تحميل المغترب السوداني ما يَكِلّ ويُمِلّ ويـُوْجع ويُوْهـِن العاتق ويحلب جيبه حلبا من رسوم جزافية وزكوات وضرائب مقنعة وأتاوات إعفاءات ورسوم جمركية وهلم جرا ......وهذه جميعا هي بعيدة كل البعد في حقيقة الأمر عن فلسفة التفكير المتعمق ورصد أهداف وجدوى الإغتراب في ذهنية الشاب السوداني العازب منهم والمتزوج .... أو كأنـّه بات ينظر إلى الإغتراب من واقع المثل الإنجليزي القائل:
The other side of the fence always green
........ أو بما معناه : أن العشب قي الجانب الآخر من السور دائما ما يبين أخضر مما هو عليه في الواقع .
حبذا لو حث ودفع هذا الحادث العنصري الأليم تجاه السوداني في لبنان ومن قبله الأحداث التي تعرض لها أبناء دارفور البسطاء في مصر وإسرائيل ... حبذا لو دفع وشخذ قريحة جهاز المغتربين وأجهزة الإعلام والصحف لفتح الباب واسعا لتناول "مسألة الإغتراب ....... الهدف والمفهوم" وبغرض توعية الشعب وإعادة الأمور إلى نصابها ليعود الوطن جميلا كما كان في نفوس أبنائه بدلا من هذا "الهجيج" والترحال بلا هدف.
التعليقات (0)