مواضيع اليوم

الإضطهاد المزدوج بنسخته الحديثة

حسين جلبي

2012-06-08 19:02:08

0

لم يبقى سياسي كُردي سوري إلا و تحدث خلال مسيرته المُظفرة، التي تجاوزت بالنسبة لبعضهم نصف قرن، عن الإضطهاد المزدوج الذي يعانيه شعبنا الكُردي مقارنةً بالإضطهاد (المنفرد) الذي يعانيه الأخوة العرب في سوريا في ظل النظام الدكتاتوري و حكوماته التي كان يغيرها دون أن يؤثر ذلك التغيير على شكل الأضطهاد، أو شكل القادة المُضطَهدين و خطابهم الداعي لرفعه، أو على الأقل تقليصه لتحقيق المساواة في الإضطهاد مع الأخوة العرب.
و هكذا إنتشر حديث الإضطهاد المزدوج في الأوساط الشعبية أيضاً، كُنا نقول و نحن مغمضي العيون، أننا نعاني نوعين من الإضطهاد، الأول إضطهاد قومي كوننا شعب كُردي، يحكمنا نظام شوفيني، لا يعترف بهويتنا القومية، و يسعى إلى طمسها بالإكراه من خلال إستخدام وسائل تهدف إلى صهرنا قومياً، و إذابتنا في القومية العربية، أما الإضطهاد الثاني فكان بسبب طبيعة النظام الدكتاتوري الشمولي الحاكم في سوريا، البعيد عن الديمقراطية و غير المؤمن بالتداول السلمي للسلطة.
إكتشفنا خلال الثورة السورية أن هناك إضطهاداً واحداً فقط يعاني منه كل السوريين، مصدره النظام المتسلط بالتساوي على رقابهم، أما الإضطهاد القومي فقد كان (إضطهاداً عَرضياً) من مستلزمات الإضطهاد الأصل، و من دعائم تثبيته، و إذا كان بالنسبة لنا جوهرياً و مؤثراً و مؤذياً، لدرجة أننا لم نكن نشعر بسببه بوجود الإضطهاد العام، و كذلك بما يعانيه باقي السوريين بسببه، لا بل كنا نحسدهم على ما هم فيه من نِعم، و نتوهم أنهم جميعاً، كلٌ حَسبَ دوره المرسوم، لاعبٌ في المؤامرة علينا، و جزءٌ من المشكلة التي نعانيها، لكن الذي تبين اليوم أن ـ الإضطهاد القومي ـ كان بالنسبة للنظام مُجرد وسيلة عَزل مناطقي، ترمي إلى حبسنا في قوقعة الشك، و خنقنا، و بالوقت ذاته إحدى أدوات الإستفراد بالمكون الكُردي، و له ما يشبهه في المناطق السورية الأخرى، يطبقه النظام بأشكال أُخرى قد تصل نتائجه إلى ما نعانيه.
هل نستطيع أن نقول، بالنظر إلى الجرائم الوحشية التي يرتكبها النظام السوري منذ خمسة عشر شهراً في كل مكانٍ في سوريا، مقارنةً مع إرتخاء قبضته الحديدية عن المنطقة الكُردية، و ما أنتجه ذلك من مُظاهرات و نشاطات قومية مختلفة، غير مُكلِفة نوعاً ما، أن سياسة الإضطهاد المزدوج قد إنتهت بالنسة لنا؟
الحقيقة أن ذلك قد يكون صحيحاً من ناحية الشكل، لكن إذا نظرنا إلى ما يجري في المناطق الكُردية بعمق، فإننا سنجد أن الوضع لم يتغير، لا بل إزداد سوءاً، لأن هذه القشرة الهادئة التي نشاهدها تخفي تحتها عواصف هائجة، و هي من الرقة بمكان بحيث بدأت تتشقق، و إذا ظهر كل ما تخفيه إلى السطح، سيكون المشهد مُرعباً، و ستكون الصورة، في يومٍ قد لا يكونَ بعيداً من السوء، بحيث سنتمنى معها عودة الإضطهاد المزدوج الذي (تأقلمنا معه) و أصبح أسلوب حياة.
الإضطهاد الذي يعانيه شعبنا الكُردي أصبح اليوم فقط مزدوجاً، لقد أصبح تنينـاً برأسين، لكن الغريب أن الجميع قد توقف عن العزف على أوتار الإضطهاد المزدوج، و لا زالوا يعزفون اللحن القديم على وترٍ واحد، و اللحن لعمري نشازٌ لا يطرب له إلا المستفيد من إخفاء الحقيقة.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !