الإصلاح.. والتدخل الأجنبي
خليل الفزيع
حركة الإصلاح ضرورة تمليها طموحات المواطن والمسئولين، كما تمليها ظروف محلية وإقليمية متعددة، بعد أصبح العالم المترامي الأطراف يلتقي عند كثير من الأهداف التي تحقق تقدمه وازدهاره، ولم يعد بإمكان أي دولة أن تعيش بمعزل عن هذا العالم.. فهي تتأثر به وتؤثر فيه بشكل أو بآخر بقدر طاقتها ومقدرتها على هذا التأثير وذلك التأثر، ولم يعد بإمكان أي دولة أن تظل في حالة من الركود تمنعها من مواكبة التقدم الحضاري في العالم، ومن الطبيعي أن يواجه الإصلاحيون بشيء من العنت في حالة إصرارهم على التغيير، وهو عنت ربما كان مصدره المجتمع أكثر من السلطة السياسية، عندما يصر ذلك المجتمع على بقاء ما هو قار ومستقر دون قبول رياح التغيير وما قد تحمله من زعزعة للثوابت الاجتماعية، حتى وإن تقاطعت تلك الثوابت مع طموحات الإصلاح.. بل حتى وإن كانت تلك الثوابت أيضا تخضع لمظاهر التخلف وغياب الوعي.
وأبرز أسلحة المعارضين للإصلاح هو اتهام من يريدون الإصلاح بالولاء للأجنبي، في ظل المبادرات التي تقوم بها الدول الكبرى والهيئات الأممية والمنظمات الحقوقية في العالم.. لإنقاذ بعض الشعوب من ظلم حكامها وهي محاولات تدفع ثمنها غاليا تلك الشعوب في حالة التدخل العسكري وفرض العقوبات الاقتصادية، وكأن على هذه الشعوب أن تدفع ثمن ذلك الظلم مرتين، الأولى لحكامها والثانية للتدخل الأجنبي.. وما تخلفه الحروب من كوارث نتيجة ذلك لا يعني سوى الدمار للإنسان نفسه.
وكثيرا ما استخدم الإصلاح عنوانا لتحقيق المآرب المشبوهة سواء من قبل أفراد يحققون مكاسب خاصة أو دول تسعى لاستغلال شعب ما، والسيطرة على مقدراته وثرواته الطبيعية.. لذلك فإن الإصلاح الحقيقي هو ذلك الإصلاح النابع من رغبة عامة في الوصول بالوطن والمواطن إلى مستوى أفضل في جميع مظاهر الحياة، وتحقيق الازدهار والتقدم على أساس حاجة الناس ومتطلبات الحياة وفق الظروف الموضوعية التي تعيشها البلاد، لا وفق مرئيات وافدة لا تراعي ظروف الوطن وتطلعات المواطنين، ويشترك في تحقيق هذا الإصلاح جميع المواطنين من مسئولين وغير مسئولين، مع النظر إلى الإصلاح من زاوية أنه سلوك ومبادرات فردية وجماعية قبل أن يكون أنظمة وقوانين، لأن بعض القوانين والأنظمة تظل فارغة من محتواها إذا نظرت إلى الإصلاح بمنأى عن أدواته الحقيقية أي المواطنين واحتياجاتهم الحياتية لتحقيق حياة حرة كريمة.
والحقيقة الثابتة إن الإصلاح إذا لم ينبع من احتياجات المواطن ووفق رؤيته الطموحة، وإذا لم يهدف لتحقيق حياة أفضل لهذا المواطن، ويضمن حريته ويحقق كرامته، فلن يتعدى كونه مجرد شعارات تستغل لتجاوز مرحلة ما، ثم يتم تجاهلها خاصة في غياب مؤسسات المجتمع المدني التي تسعى لضمان تحقيق تلك الشعارات وترجمتها إلى واقع ملموس، ومحاسبة المقصرين في أداء مسئولياته حيالها.
من يعتقد أن الإصلاح يمكن أن يتحقق بإرادة خارجية.. عليه أن يعيد النظر في موقفه، فما من إرادة خارجية يمكنها أن تستوعب دوافع الإصلاح في دولة ما لها ظروفها ومعتقداتها وثقافتها وإرثها الحضاري، وغالبا ما تكون الإرادة الخارجية ذات أطماع إن لم تظهر في البداية، فإن المستقبل كفيل بكشف عورتها وإظهار أهدافها وأطماع تلك الجهات الخارجية التي تتبناها، أما إذا ارتمى الإصلاحيون في أحضان تلك الجهات الأجنبية.. فقل على الإصلاح ودعاته السلام.
التعليقات (0)