أحداث التفجيرات بشرم الشيخ رفعت من مستوى شعبية تلك العمليات الأنتحارية سواء سلباً أو إيجاباً ، حتى أنها أخرجت الكتاب والإعلاميين والفنانين عن صمتهم فى مظاهرة " حاشدة " كما يقول الإعلام المصرى للتنديد بتلك الأعمال ، كذلك خرج رجال الدين بكل طوائفه سواء المعتدلين أو المتطرفين تعبيراً عن الوحدة الوطنية فى الوطن المصرى والأحزاب المصرية ، لكن أليس قتل نفس واحدة مثل قتل تسعين أو أكثر ما الفرق ؟ لماذا يصمت الجميع أو يتكلمون على أستحياء عندما يقتل فرج فودة أو يتم تهديد حياة كتاب آخرين ؟
أمتلأت وسائل إعلامنا بالحكاوى عن الإرهاب والسلام والتسامح مع الآخر وكراهية ذلك الآخر ، من الأفضل أن يصمت الجميع فالصمت من ذهب ، لقد سأم الناس هذا الفيضان والطوفان الذى لا آخر له فى إدانة الإرهاب ثم إعطاء الحق لمن يقومون به لأنهم " معذورون " حسب تعبيرات المتكلمين الثقافية لأن بلادنا مملوءة ظلم وفساد ويحتلها المستعمرون الكفرة ، فهذا التبرير العشوائى يزيد المشكلة تعقيداً وأبتعاداً عن جادة الصواب مادام العقل يختبئ وراء تزييف الواقع .
إن الذين يسيطرون على وسائل الإعلام ليسوا فقط بياعين كلام على الفاضى والمليان بل بياعين كراهية ونفاق ، يجلسون خلف مكاتبهم يخترعون التعريفات والصفات للتفجيرات الأنتحارية وأنواعها ، هذا تفجير أرهابى أبيض وذاك إرهاب أسود ، هذا أرهاب أعمى وذاك أرهاب مبصر ، هذا تفجير إرهابى وذاك تفجير مقاومة ، هذا تفجير حلال وذاك تفجير حرام ، هذا تفجير يدخل أصحابه الجنة وذاك تفجير يؤدى إلى نار جهنم ، الكثير والكثير من اللت والعجن الصادر عن الذين يتاجرون بنعمة الحياة ، والتفجير مع كل هذا مستمر على قدم وساق يسخر ويطلٌع لسانه لجميع هؤلاء الذين لا يريدون الدخول إلى جوهر المشكلة ذلك الجوهر الذى يخشون الأقتراب منه لأنه جزء من نفسيتهم المريضة بأفكار تراثية يرفضون أعتزالها وتغييرها بأفكار أخرى تناسب العصر والمنطق الذى نعيش فيه ، جوهر المشكلة أسمه الآخر ، ذلك الآخر الذى فشل الإنسان العربى فى قبوله حتى يومنا هذا ومستمر فى أنتحال شتى المعاذير حتى لا يغير من أفكاره البالية التى تكره الآخر لكنها تحبه أو تتعايش معه بشروط معينة يضعها هو لأنه خير الناس ، فالآخر لا يملك من أمره شيئاً بل العربى هو المشرع والقاضى والحاكم والمفجر فى نفس الوقت .
تعقد المؤتمرات وتقال الخطب العصماء وتخرج التوصيات بالتنديد والشجب والرفض وبضرورة الضرب بيد من حديد أو نحاس أو غيره من الصفات التى تتكدس بها لغتنا العربية على الإرهاب العدو اللدود للحضارة العربية ، وهناك ألف سبب وسبب نخترعه لتبرير الإرهاب والحروب وصناعة الأعداء وكراهية الآخر لأننا عباقرة فى وصف أى شئ لا يعجبنا ونختلف معه ونصفه بأنه عدونا حتى أننا جعلنا من الإرهاب ظاهرة عالمية بدلاً من الأعتراف بأن الإرهاب ليس فقط ظاهرة محلية يتم تصديرها إلى بلاد الله الواسعة بل هو جريمة كبرى يشترك فيها المسئولين فى كل الأنظمة العربية وأفراد المجتمع بشكل عام !!
قد نستمر بغباء أو بذكاء فى وصف مجتمعاتنا وثقافاتنا وموروثاتنا بالغنى والثراء والشرف والأدب والفضيلة ، أما مجتمعات الآخرين فهى أفقر وعديمة الشرف وقليلة الأدب والفضيلة ، كل هذا لأننا تعلمنا منذ نعومة أظافرنا اللف والدوران وكأن الموضوع لا يخصنا وأن الخطأ هو خطأ الآخرين الذين يصدرون لنا ثقافة الإرهاب والتفجير والكراهية ونرفض بشدة أن ننظر إلى داخل أنفسنا بصدق وأن نتأمل ونفكر بإنسانية بعيدة عن العقائد والأيديولوجيات التى تحكم وتأسر قلوبنا وعقولنا منذ الولادة وحتى الممات ، إن كل هذا وغيره كثير يحتاج إلى إصلاح وتغيير حقيقى حتى لا نردد الكلام باطلاً إن مجتمع الإصلاح هو المجتمع الذى يتعلم أن يرفض إزهاق النفس البشرية وأن يرفض تقييد حرية الفكر والمفكرين .
عبارة أخيرة : من بين الهتافات التى كان يصرخ بها المتظاهرين ضد الإرهاب فى شرم الشيخ هتاف يقول " لا إله إلا الله .. الإرهاب عدو الله " . بدون تعليق !!
2005 / 7 / 28
التعليقات (0)