الإصلاح بين المنظور الغربي والإسلام
الفصل الأول: العالم والإصلاح
في هذا الوقت الحالي الذي تمرُّ به البلاد العربية والبقاع الإسلامية، حيث حدثت الكثير من الإنتفاضات الشعبية للقضاء على النظم الإستبدادية، وظهرت رغبة الشعوب القوية في تحويل أنظمة هذه البلاد إلى الحياة الديمقراطية السليمة، وتطبيق قوانين العدالة الإجتماعية التي أسَّستها ودعت إليها الشريعة الإسلاميَّة، والأخذ بمتطلبات الحياة العصرية التي توافق التعاليم القرآنية والسُنَّة النبويَّة، على كافة مناحي الحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية.
وانطلقت الألسنة من عقالها! وأخذت الناس كلها تتكلم وتتجادل وتتحاور وتتساءل أين سبيل الإصلاح وطريق الفلاح؟ كيف يمكن إصلاح أحوال البلاد والعباد، الأفراد والمجتمعات؟ ما حل ما نحن فيه من معضلات ومشكلات؟ بل ما الطريق لسعادة البشرية؟ السؤال الجديد! القديم! ... وإجابة السؤال .. أو الحلُّ ... هو موضوع كتابنا الذى بين يديك!
صوتان عاليان! القوة! .. والمال!
إخواني الكرام! عندما يقدح كل واحد منا زناد فكره للبحث عن باب طريق الإصلاح؟ ويمعن النظر إلى ما يحفل به العالم اليوم من نظريات وفروض أو سلوكيات وأخلاق! أو صراعات وخلافات وشقاق أو اتفاق! تري عجباً! ... ترى أنظمة قائمة لم تكن موجودة منذ سنين! وأخرى قد أنهارت بعد أن كانت ملء السمع والعين! وثالثة تصارع للبقاء! ودول متقدمة وأخرى فقيرة! ومجتمعات تحتضر! وأخرى وليدة!
وتزداد حيرة الواحد منا وقد يتوه العقل البشري المحدود في خضم ذلك الطوفان الجارف! ويتشابك التساؤل كيف السبيل إذاً إلى سعادة البشرية وهناءة كل إنسان في تلك البرية؟ في وسط تلك الأمواج العاتية!
ومن وسط كل تلك المعمعة! يبرز للعيان ويصك الآذان صوتان جهوريان! لهما اليوم الغلبة والسلطان وعلو الشأن!. المال والقوة!
المال! ... لا يحتاج لمقال! فقسم من الخلق عريض يدَّعون أن صلاح الحال لا يكون إلا بكثرة المال! وهكذا يظن الكثيرون بلا جدال!
وصوت القوة هنا ... هى قوة العلم الحديث والحضارة الغربية! فآخرون كثيرون أيضاً يقولون: إنما صلاح الحال بأن تميل مع الغرب حيث مال! حيث تجد القوة والرفعة والمنعة ويفيض عليك الجاه مع الأموال!!
ودعونا نستخدم الأسلوب العلمي ونناقش هذين الرأيين أولاً!... لا لكى نفنِّدَهما، ولكن لنرى جوانب الحقِّ فيهما لنحكم بأنفسنا: هل المال أو قوة الغرب الحديث؛ هل يمسكان مفاتيح إصلاح الأحوال؟ حقاً!!
هل صلاح الحال بكثرة الأموال؟!
وهذا قول الكثيرين هذه الأيام! يقولون أن إسعاد البشرية في المال! ويدَّعون أنَّ إصلاح الأحوال في مصر بكثرة الأموال!
وأنا أردُّ مباشرة على هؤلاء بسؤالين! السؤال الأول: لو صحَّ هذا الإدعاء! فلمَ نجد 99% من مشاكل البشر والقتال والتحاسد والبغض والتآمر بسبب الصراعات على جمع المال والتحكم بمصادر الثروة؟ أليست الحقيقة! هل من معارض؟!
ألم يكن معلم البشرية r يقول لأصحابه منبهاً ومحذِّراً مما تجرُّه كثرة الأموال على الناس !! ... بل ويقسم r: { فَوَاللّهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ. وَلكِنِّي أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ، كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ. فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا. وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ }[1]
فكثرة المال تنتهي بالإستكثار من الشهوات والإغراق في الملذات! والتنافس والحسد والبغضاء والمكر والخديعة!! وفي النهاية يصمُّ ويعمى!
ولذا ورد في الأثر أنَّ هارون الرشيد لما بنى قصره المنيع في حاضرة ملكه، وقد زخرف مجالسه وبالغ فيها وفي بنائها، صنع وليمة عظيمة لا مثيل لها، ودعى وجهاء مملكته ومنهم الشاعر أبو العتاهيّة بعد توبته، فقال له:
يا أبا العتاهية صف لنا ما نحن فيه من نعيم الدنيا!، فأنشأ يقول:
عش ما بدا لك سالماً |
في ظل شاهقة القصور |
تسعى عليك بما اشتهيت |
لدى الرواح إلى البكور |
فاذا النفوس تقعقعت |
عن ضيق حشرجة الصدور |
فهناك تعلم موقناً |
ما كنت إلا في غرور |
فبكى هارون، فقال وزيره للشاعر معاتباً: طلبك الخليفة لتسرّه، فأحزنته، فنهاه هارون: أن دعه، فإنه رآنا في عمىً فكره أن يزيدنا منه.
ولكى نتثبَّت؛ دعونا نسأل رسول الله r وهو الصادق المصدوق الذى علَّمه مولاه ما ينفع أمته إلى يوم لقاه، .. يانبي الله: أو ليس إذا كثر المال تنصلح الأحوال؟ وتنتهي مشاكل الحياة! هكذا نظنُّ! فيرد علينا الخبير r: { يَشِيبُ ابْنُ آدَمَ وَيَشِيبُ مَعَهُ اثنَتَان: الحِرْصُ وَطُولُ الأَمَلِ }[2].
أى لا! لأنه كلما يشيب ابن آدم يزيد حرصه على الدنيا، ويشيب معه أى يزيد أمله فيها! وينسى الحميد المجيد U. وكلما يحصِّل! يريد المزيد ولايشبع ! ويزيدنا r بياناً ويقول ضارباً المثل ومجلِّياً الأمر: { لَو كَانَ لابن آدَمَ وَادٍ من ذَهَبٍ- وليس جنيهات - لابتَغَى إلَيه ثَانياً، وَلَو كَانَ لَهُ ثَانٍ، لابتَغَى إليه ثالثاً، ولا يَملأُ جَوفَ ابن آدَمَ إلا التُّرابُ } [3]
أى ببساطة وبلغة الساعة! لو جاءتنا مساعدات بكلُّ ما في خزانات الدول العربية والأجنبية من أموال وثروات! فصار لكل واحد في بلدنا واد كامل مملوءاً ذهباً! فلن يكتفى وسيطلب وادياً ثانياً! لن يشبع الناس!!
لأنه مادام وصف الأفراد "ابن آدم" كما قال r في الحديث فلن يشبع من المال ومن الحرص عليه والحرص على عمره وعلى الدنيا وما فيها من متاع!!!! أما لو صار صفة الأفراد صفة "المؤمن" فشأنه شأنٌ آخر!
والسؤال الثاني لمن يدعون أن كثرة الأموال تصلح الأحوال: هل رأيتم المجتمعات التي كثرت أموالها وأصاب أهلها تخمة المال قد انصلحت أحوالها؟ وعاش أهلوها في سعادة حقة لا ينغصها عليهم شيىء؟ أم أنهم أيضاً أصابتهم أمراض أخرى، ربما أشدُّ فتكاً وضراوة!؟ أظنكم جميعاً تعرفون الإجابة! شرقاً وغرباً .. شمالاً وجنوباً! .. المال وحده! مفسدة!!!
ولذلك لو رسمنا سبل إصلاح الحال على معالجة نقص المال، وتوفير الرفاهية في كل مجال؟ فستجدون أنَّ كلَّ هذه الأمور شأنها مثل طبيب أتاه مريضٌ عنده دمِّلٍ في جسمه امتلأ بالقيح والصديد، فوصف له علاجاً مسكِّناً خارجياً بمرهم، فهل هذا العلاج الظاهري سينهي الداء؟! .. لا! ربما يرتاح المريض وقتاً قصيراً! لكن لا يلبث أن يعاوده الداء وأشدَّ مما كان! فالمسكِّنات ليست حلاً! لذلك فالطبيب الناجح هو من يقتلع أصل ومكمن الداء مِنْ جسدِ مَنْ به هذا الداء ... لا الذى يعالج العرض الناتج عن الداء!
فكثرة المال فحسب! ليست إلا علاجاً ظاهرياً ومسكنا خارجياً لأعراض مرض المجتمع! فإذاً ليست السعادة ولا صلاح الحال بكثرة المال!
والآن فلنأتِ إلى الصوت الثاني العالي! والذي يرغي ويزبد ويصيح ليفرض على الناس الإصلاح بقوة وعلم الغرب وحضارته الحديثة! وإلا وصموا معارضيهم بالتخلف والرجعية والحياة في القرون الوسطى! وربما جيَّشوا لهم الجيوش! الباطنة حيناً! والمتلوِّنة حيناً! والحقيقية حيناً آخر!!!
هل قوة الثقافة الغربية الحديثة هي الحل؟
ولنلج معاً هذا الرواق من كتاب الحل، هل إنهاء مشاكل البشرية وإسعاد الإنسانية هو الثقافة العلمية الحديثة؟ وقوة الحياة الغربية المتحررة!
هل صدقوا في زعمهم ذلك؟ هل السعادة في العلم والحياة الغربية وما أنتجته عقولهم من قوانين وضعية ومفاهيم آنيَّة أسموها الحلم الغربى؟ ذلك النموذج الذي يحاولون فرضه اليوم على العالم كله بالترغيب أو بالترهيب، بدعوى أنهم يمنحون الخلق إكسير السعادة ومفتاح جنة الدنيا؟ بل ويضحون بأبنائهم فيرسلون الجيوش والأساطيل لتدَّك حصون الطغاة، ويحرروا الخلق من الإستبداد والفساد والدين والرجعية أيضاً!! فيبيدوا الفقر وينشروا الديمقراطية والإصلاح! .ولا بأس لو قتل من هؤلاء الهمج بضع عشرات أو مئات الألوف أو دمرت مدن بأكملها فهذا ثمن زهيد للحرية والحياة الجديدة!. .... وهذا الزعم أن قوة الثقافة والحياة الغربية هو الحلُّ سيأخذ منا ردَّاً أطول لتشعب الحجج! وكثرة الخداع واللجج!
وأنا أجيب على هؤلاء وأقول أولاً لو أن البشرية اتبعت الثقافة العلمية الحديثة بعد تقنينها بالأخلاق الدينية، ربما تؤدي إلى السعادة، لكنها إذا أطلقت بدون قيود دينية – وهذا بيت القصيد فيما يريدون فرضه– كانت كما ترى في أماكن كثيرة سبباً رئيسياً لتدمير المجتمعات الإنسانية ولو بعد حين! وخذوا أمثلة على ذلك من العلم والحياة الغربية الحديثة!
فالعلم الحديث عندما نستطلع رأيه في الكثير من الأمور الحياتية المتنوعة! تجده يكاد يتفق على أضرار كثير منها وخطرها وأثرها المدمر على المجتمع وأفراده وعلاقاته وسعادته في النهاية! ولكنى أسأل: هل استطاع نفوذ العلم الحديث، أو قوة المجتمعات الغربية وسلطانها .. هل تمكنوا من منع تلك الأمور المتفق على تمام العلم بأضرارها مع توفُّر القوة اللازمة لمنعها؟!
دلائل على فشل العلم والثقافة الغربية
للأسف! النتيجة فاشلة! فاشلة!! عجز العلم الذى هو دين أوربا وأمريكا الآن فهم يدعون أن دينهم هو العلم وما قرره العلم من حقائق ثابتة وقوانين مقننة ومؤسسة على الملاحظة والتجربة، ويجعلونها هي الدين الذي يحرصون عليه ويدعون إليه... فشل العلم وفشلت القوة وفشلت الثقافة الغربية الحديثة، وفشلت الحياة الغربية حتى في أرقى الدول تقدمًا وحضارة ومدنية، فشلوا في منع الكثير مما اتفقوا جميعا على ضرره، بل وأحياناً كثيرة ما اسْتُغِلَ العلمُ نفسه، وروَّضَ لخدمة مصالح فئة ما.
والدلائل على ما نقول لا تعدُّ ولا تحدُّ، ولكن نكتفى بذكر نماذج متنوعة على ذلك، ثم نتناول بعضها بقليل من التفصيل على سبيل المثال:
- الخمور والدخان والمخدرات: تعاطى/زراعة/صناعة/ إتجار.
- إباحية وتقنين الممارسات الجنسية بكل أنواعها من الجنس العابر والجنس الجماعى والمثلية وغيرها ولكل فئات المجتمع!!.
- صناعة وتجارة الجنس: المواقع، الأندية، البيوت، الأفلام، الكتب، المجلات، الألعاب، الأدوية، والمنشطات.
- حمل الأسلحة النارية الشخصية بغرض الدفاع عن النفس.
- من أخرج الإيدز من المختبر للشارع؟! من تسبب في جنون البقر وأنفلونزا الخنازير والطيور! ويعدُّ الآن أنفلونزا الخيول؟!
- من الذى أجبر العالم – زوراً وقهراً– على شراء لقاحات أنفلونزا الخنازير وباع للعالم كله بلايين الكمامات وملايين أطنان المطهرات من إنتاج المصانع الأمريكية والأوربية؟!
- من الذى يقود حملة تقويض مؤسسة الزواج في العالم كله؟ ويدمر صلة الأرحام ويجعل العقوق حقوق؟!
- من الذى أوهم العالم أنه بحلول الثانية الأولى لسنة 2000م ستسقط الطائرات وتنطلق الصواريخ النووية بسبب صفر سنة 2000 الذى سيعيد برامج أجهزة العالم لسنة 1900م فيهلك العالم؟! وباعوا للعالم برامج تعالج ذلك بالمليارات من شركات البرمجة الأوربية والأمريكية وثبت كذب ذلك.
- من يشجع الربا والمؤسسات المالية ونشاطاتها والتى كان لها اليد الطولى في الأزمات المالية العالمية وما أفرزته من نتائج؟
- من الذى يقود تجارة السلاح في العالم كله؟ وعندهم في مخازنهم من الأسلحة ما تكفى لإبادة العالم ألاف المرات؟؟
وسنتناول بعضاً مما ذكرناه بشرح مبسط لنعلم أين أخذهم العلم الغربى الحديث في طريق السعادة والإصلاح! لنرى كيف فشل في إنقاذهم من هلاكات محققة! قبل أن نستورده على أنه المنقذ والمصلح والربَّان!
فشل محاولة تحريم الخمر في أمريكا
أنفقت الولايات المتحدة الأمريكية في عشرينات وأوائل ثلاثينات القرن الماضي ميزانية هائلة للقضاء على الخمر، ففى 1919 أصْدرت قوانين صارمة لمن يتعاطى الخمر أو يتجر فيها، وجندت الدولة كل الدعايات اللازمة لتنفير الأمريكيين من الخمر.
ولكن لم تفلح لا القوانين الصارمة! ولا الجهود الطائلة ولا التكاليف المهولة في منع الخمر! بل وجاءت النتيجة عكسية فزادت نسبة المتعاطين لها والمتاجرين بها! وتفاقم الأمر، وامتلأت السجون!، وبعد يأسهم من تحريمها وتجريمها! وفشلهم في حمل المجتمع على ذلك! لم يجدوا حلاً إلا أن يتراجعوا ويلغوا قوانين تحريمها، وفى سنة 1933 أبيحت الخمرُ مرة أخرى! بعد أربع عشرة سنة من التجربة الفاشلة!!
إباحة التدخين وتجميله دعائياً مع ضرره القاطع!
والتدخين السبب الأول للوفيات في العالم كله! وهو من أكبر بنود استزاف أموال الناس في العالم بلا فائدة! ولكنه الباب الأعظم للأرباح الخيالية لأباطرة مزارع الدخان، وشركات التبغ الإمريكية والأوروبية!
وهو أيضاً الشيطان الأكبر الذى يصيب الناس في العالم كله بأمراض التنفس والقلب والدم، فتستمر تروس مصانع الأدوية تعمل بلا توقف ليستمر تدفق نهر المال إلى خزائنهم! وليذهب العالم إلى الهاوية! فأين صدق العلم؟! وأين احترام مبادىء الحياة البشرية؟! أين السعادة المنشودة؟!.
إباحة المخدرات وتقديمها في هولندا!
ومثالاً ثالثاً على المخدرات! فمع كل قوانين تحريمها وتجريمها! تأتي بعض الدول المتقدمة كهولندا وغيرها وتبيحها! بل وتقدمها مجاناً لمتعاطيها! لأنَّ جميع وسائل الردع قد فشلت! فقال علماؤها ومشرعوها وساستها: لا طائل من المنع! أبيحوها! لتوقفوها!!
والعالم كله يعلم - ولم يعد سراً - مَن المستفيد من تجارة وزراعة نباتات المخدرات، ومن استخلاصها وتوزيعها! إنهم قادة العالم وسادته من اليهود النافذين[4] في أمريكا وأوربا! والمتحكمين في قرارات المجالس العالمية! بل والمنظمات الدولية! وفضيحة مديرى منظمة الصحة العالمية وتآمرهم لإجبار العالم على شراء مصل أنفلونزا الطيور والخنازير من شركات الدواء لم تُنْسَ بعد! وما خفي كان أعظم! فقد عجز علمهم الحديث مع قوة حضارتهم عن حمايتهم من جشعهم! أو أن يصلح شأنهم! أو أن يقودهم للمجتمع المثالى!.
تحطم خرافة حرية ممارسة الجنس بأمان!
ومثالاً رابعاً أن الغرب كله أشاع وقنَّن أن الثقافة الجنسية العلمية الحديثة مع التطور الطبي ووسائل الحماية، كافية جداً لحماية أفراد المجتمع من أضرار الأمراض الجنسية المهلكة لأفراده نتيجة الإباحية الجنسية التى يجعلونها علامة على تطورهم وتحررهم من القيود الدينية!
فهل حمتهم الثقافة الجنسية الحديثة من أخطار الإباحية أو الجنس العابر[5]؟! هل وهبهم العلم السعادة المنشودة تحت وهم (حرية الأفراد حقٌّ مطلق!)؟! وستار (حماية الشباب من مضار الكبت الجنسي)؟! وإدعاء (حق الفتيات والنساء في الإجهاض إذا حصلن على حمل غير مرغوب)؟!.
ولأن هذا موضوع هام جداً وبالذات هذه الأيام لشبابنا الذين ربما يظنُّ بعضهم أن السعادة وإنصلاح الأحوال في أن يعيشوا تلك الحياة الغربية الحديثة من الجنس بلا رادع ولا رابط تحت ستار المدنية الراقية والتطور الإجتماعي والتحرر من الرجعية أو العقد أو الضوابط الدينية!
ولما كنت قد تناولت الردَّ على هذا في محاضراتى المختلفة، ولكني هنا استبدلته بـ "وشهد شاهد من أهلها!"، فلن أورد ردودى وإنما سأنقل الردَّ من أحد أكثر الكتب مبيعا في أمريكا في 2011 وهو كتاب أسمه الأصلى (Generations in Danger!) أى { أجيال في خطر } وطبع بالعربية تحت عنوان { الإباحيَّة ليست حلاً } لمؤلفته د. ماريان جروسمان [6]عالمة النفس الأمريكية الشهيرة التى تردُّ محطِّمةً فكرة الجنس الآمن، أو أنَّ حياة الغرب المتحررة من القيود هى جنَّة الشباب وواحة السعادة، فتقول:
( إن عدوى متنقِّلة إسمها "إتش بى فى" المسببة للأيدز هى الأكثر شيوعاً كمرض جنسي، وبعض أنواع عدوى الأمراض الجنسية خطير وممكن أن يتسبب في السرطان، ولكن هذا الفيروس يكاد يقف وراء كل إصابة بسرطان عنق الرحم[7]، الذى يقتل سنوياً حوالي أربعة ألاف إمرأة في أمريكا، وهو تقريبا نفس عدد ضحايا مرض الإيدز أيضاً).
وتتساءل د. جروسمان: لماذا يصاب هذا العدد الكبير بالفيروس مع وجود الثقافة الجنسية المكثفة والمحمومة؟ بل إنَّ تعليم ثقافة "الجنس الآمن" يبدأ أحياناً من السادسة الإبتدائية! لماذا لا تفلح التعاليم مع توفر وسائل الحماية في كل مكان وبالمجان! للطلاب؟ لماذا ينتشر الفيروس؟
وتجيب – وننقل باختصار- لأن مجال الصحة التناسلية قد تمَّ إختراقه بإيدلوجيات تروِّج بشدة لمبدأ الإباحية والتجريبية، فبدلاً من استهداف منع العدوى كما كنا سابقاً؛ أصبح هدفنا تقليل المخاطر بترويج ما يعرف بفكرة الجنس الآمن، وهى فكرة قد ثبت فشلها، وأنا أقول في مواجهة ذلك إن عدوى "الإتش بى فى" قابلة للتجنب تماماً، وهى ليست بتبعة محتَّمة للنشاط الجنسي كما تدَّعي نشرات التثقيف الصحى الجامعية في أمريكا لتقنع الشباب أن الفيروس يصيب الكلَّ وقتاً ما، وهذا منافِ للحقيقة؛ فعلى الرغم من كثرة أمراض الجنس وعددها 25 مرضاً متنوعاً، ومع وجود 25 مليون حالة إصابة جديدة منها و20 مليون إصابة بالإيدز سنوياً، وأيضاً إصابة 43% من فتيات الجامعة بأمريكا ممن قمن بالفحص الطبى بالفيروس القاتل وهن مرشحات لسرطان عنق الرحم، فمع هذا كله؛ فإن الذين يتمتعون بحماية كاملة من الإصابة هم من لم يمارسوا الجنس حتى الزواج وإذا ما تزوجوا التزموا الإخلاص الجنسي.
وفى موضع آخر تقول: (وبعد أن كنا في الثمانينات نعتبر الشذوذ والسادية والمازوكية[8] من الإضطرابات العقلية، أصبحت رابطة النفس الأمريكية لا تصنفها كذلك إلا إذا سببت لصاحبها قلقاً أو إعاقة، وأصبحت نشاطات المثليَّة (الشذوذ) تعتبر ترفيهاً في عرف إدارة الجامعة).
ونهاية تكشف السرَّ وتقول: (وفي كتاب عن تلك الحالة الخطيرة كتب رئيس سابق للرابطة النفسية الأمريكية يقول: يوجد الآن لدينا الإحساس الباطن بالترويع الفكرى الموجود تحت مظلة الصواب السياسى[9]، وهو ما صرح به مؤخراً بعض علماء النفس وراء الكواليس؛ أن مجال علم النفس وعلم الإجتماع قد تمت السيطرة عليه من قبل أجندة ليبرالية متطرفة، وأن بعض وجهات النظر تتعرض للتشهير والقمع، وهناك قصص رعب من الإسكات والتهديد)، وأضافت جروسمان: (لقد كنت أحتفظ بآرائي لنفسي من الخوف، وكنت أختبىء في الخزانة ولكن طفح الكيل ولم أعد أتحمل شعور الغضب! ولذلك قدمت هذا الكتاب للنشر) انتهى، ولا تعليق.
إذاً رأينا أنَّ العلم الحديث وحده، أو النهج الغربي للحياة الحديثة ليس هو سبيل الإصلاح أو السعادة المنشودة للأفراد والمجتمعات .. فأين السبيل إذاً؟ .. وكيف الطريق لإصلاح وخلاص الأفراد والمجتمعات؟
ولنجيب على ذلك فلنلج الآن إلى رواق المدخل أو التمهيد للإجابة أخي الكريم، وهو رواق عجيب تهبُّ علينا منه نسمات الغيوب مما أنبأنا به الحبيب المحبوبr، فهيا معاً إخوانى الكرام إلى الفصل الثانى :[1] صحيح مسلم، عن عروة بن الزبير
[2] متفق عليه عن أنس بلفظ: ("يَهْرَمُ ابْنُ آدَمَ وَيَبْقَى مِنْهُ اثْنَتَانِ الْحِرْصُ وَالأَمَلُ ).
[3] زاد المعاد في هدي خير العباد، روى فى الصحيحين
[4] إقرأ كتابنا"بنو إسرائيل ووعد الآخرة"، باب:وسائل وألوان إفساد اليهود فى الأرض، ص92-109.
[5] الجنس العابر أو الكاجوال هو ممارسة أى أحد للجنس مع أى أحد ماداما متفقان وبرغبتيهما، وآمن يعني باستخدام وسائل الحماية المطاطية مع محاولة تقليل عدد الشركاء، فيتجنبوا الإصابة وهو ما ثبت كذبه قطعاً.
[6] الفضل فى تعرفي على الكتاب هو مقال د.عزة بدر بمجلة (صباح الخير) بعنوان: الجنس الكاجوال خطر على المرأة .
[7] يمكنكم أيضا العودة إلى كتابنا " المؤمنات القانتات" وهو منشور على موقعنا بالشبكة مجاناً، الدرس الخامس عشر: تكريم الإسلام للمرأة، مبحث: وقاها من أمراض الجنس والسرطان، ومبحث : أعطاها حقوقها الجنسية.
[8] السادية والمازوخية أمراض نفسية حياتية وجنسية، الأول يعني التلذذ بتعذيب الغير، والثاني التلذذ بتعذيب النفس.
[9] أى أن أمريكا قائدة العالم ورائدة التحرر المطلق من جميع القيود وأن ما تفعله هو الصواب ويجب أن يقبل الكل بهذا.
التعليقات (0)