نحن فى عصر تسوده الحركات والأفكار الإصلاحية بشتى ألوانها والتى تكشف الأفكار العتيقة التى لا تنتمى إلى المنطق وواقع العصر ، وأصبح من الصعب أن يكون " الكلام فى سرك " أى فى الخفاء لقد أصبح كل شئ مكشوف والمعلومات متوفرة فى كل مكان لمن يبحث عنها بالطبع ، وستصل للجميع إن لم اليوم فسيكون فى الغد لأن الإنسان يتقدم وتتغير نظرته للأمور طبقاً للمعارف الجديدة التى تتيح له الدراسة والبحث المنطقى بعيداً عن العصبية والمشاعر والأحكام المسبقة ، لأن السنوات المقبلة لن يسمح فيها إنسان لنفسه أن يكون جاهلاً وإلا سيعزل نفسه بإرادته فى محيطه الجاهلى ويكون سخرية للآخرين .
تحدثت فى المقال السابق عن البابوية بأعتبارها رأس الهرم المسيحى ، والقاعدة التى بنوا عليها هذه البابوية هى الكهنوت الذى لا يوجد له أصل فى تعاليم السيد المسيح ولا رسله ، لكنه كالعادة نتج عن تأثير العالم على المؤمنين الجدد ورغبة القادة فى رسم شخصية دينية لها نظامها الخاص وملابسها الخاصة تمثلاً بالكهنوت اليهودى مما أنتج الكهنوت المسيحى وهو طبقة دينية لها السلطة الوحيدة فى أن تفكر وتدرس وتفسر وتشرح الأسفار الدينية للمؤمنين وسط مجموعة من الطقوس التى هى أيضاً لخدمة هذا الكهنوت وإعطائه المسحة الروحية اللازمة للتأثير فى نفوس العباد .
أيضاً قام رجال الكهنوت الكنسى بإستعارة الكثير من العادات والرموز الوثنية الشائعة فى عصور المسيحية الأولى مثل أستعمال الماء المقدس ورشه على المؤمنين للتقديس والتطهير كذلك أستعملوا البخور فى طقوسهم وقداساتهم والإستعانة بالشموع ووضعها أمام الصور والأيقونات فى الكنيسة وغير ذلك من الأمور التى تجعلنا نتساءل : هل الله لا يقبل صلواتنا وعبادتنا له إلا من خلال تلك الطقوس وتلك القداسات التى لم تذكرها كلمة الله ؟
إذا رجعنا إلى عصر الرسل نجد أن الجماعات المسيحية الناشئة أحتاجت إلى تنظيم نفسها والعناية بأفرادها ، وبدأ الرسول بولس بوضع بعض المبادئ لشخصية من يريد أن يخدم الجماعة المسيحية ويضطلع بمسئولية الرعاية والتعليم وغيرها من الأمور الخاصة بالجماعة المسيحية عندما ذكر فى رسالته الاولى إلى تلميذه تيموثاوس الإصحاح الثالث مؤهلات روحية للأشخاص الذين يرغبون فى القيام بأعمال الخدمة المختلفة ولم يذكر سواء بولس أو غيره من الرسل والتلاميذ أى شئ عن سر الكهنوت أو نظام الكهنوت الحالى فى معظم الكنائس المسيحية عدا البروتستانتية ، لذلك نجد أن كلمة قسوس وأساقفة أختفت تماماً من الترجمات الحديثة والتى كان يستخدمها رجال الكهنوت لإثبات وجود تلك الدرجات الكهنوتية ، لأن كلمة قس فى الواقع معناها شيخ يقود جماعة وكلمة أسقف معناها ناظر أو مدبر أو مشرف على الجماعة وكلمة شماس ترجمتها خادم .
هؤلاء المشرفين أو الشيوخ أو النظار والمدبرين يعملون جميعاً على تسديد الحاجات الروحية لأفراد الجماعة المسيحية وتدبير شئونها حسب تعاليم ووصايا المسيح ورسله ، تلك الترتيبات التنظيمية لا تحتاج إلى أسرار أو سلطان بابوى ، بل تحتاج إلى أفراد يحترمون تعاليم الله ويطبقونها فى حياتهم الروحية ناظرين إلى كلام الله وليس إلى كلام البشر .
إن الإخلاص فى الإعتقاد بديانة ما لا يكفى لنوال رضى الله ، لقد أفرط الفريسيون اليهود أيام السيد المسيح فى إختراع عقائد وتقاليد مختلفة عما أمرهم الله وأوصاهم به حاسبين أنهم بتقاليدهم الزائدة عن المطلوب سيرضى عنهم الله أكثر ، لذلك قال لهم المسيح " أبطلتم وصية الله بسبب تقليدكم ، يا مراؤون حسناً تنبأ عنكم أشعياء قائلاً : يقترب إلىٌَ هذا الشعب بفمه ويكرمنى بشفتيه وأما قلبه فمبتعد عنى بعيداً . وباطلاً يعبدوننى وهم يعلٌمون تعاليم هى وصايا الناس " إنجيل متى 15 : 1- 9 .
لا نريد أن يكون إيماننا مبنى على تعاليم بعيدة عن فكر الله ، ولا نريد أن نقع فى أخطاء الماضى الموروث وعلينا أن نصحح طريقنا ونتعلم من كلمات السيد المسيح ولا نستمر فى عبادة الله بأسلوب لا يرضاه ، وعلينا أن نسأل بجدية : إذا كان الكهنوت لا وجود له فى مسيحية الإنجيل ، لماذا يجب الأستمرار فى ممارسته ؟ ولماذا لا يجب الرجوع إلى الأصل الإنجيلى ؟
2005 / 4 / 22
التعليقات (0)