الصوم أصبح عادة سنوية وتقليداً روتينياً لما قام به السابقون أيا كان إعتقاد وظروف هؤلاء السابقون ، وعلل رجال الدين أستمرارية العمل بتلك الأصوام بل وزيادة بعض الأيام عليها إلى محبة المؤمنين للصوم وميلهم الروحى إلى ضبط النفس والزهد والنسك للأقتراب من الله ، بل ووضعت الكنيسة أن تزداد القراءات الكتابية فى أيام الصوم وتزداد التسابيح والطقوس المصاحبة لها .
النصوص الكتابية موضوع المقال والذى يجب أن نقرأها جيداً ونفهم كلماتها لتقود أذهاننا فى بحثنا عن مسيحية المسيح الحقيقية هى " وأما الآن إذ عَرفتم الله بل بالحرى عُرِفتم من الله ، فكيف ترجعون أيضاً إلى الأركان الضعيفة الفقيرة التى تريدون أن تستعبدوا لها من جديد . أتحفظون أياماً وشهوراً وأوقاتاً وسنين ؟ أخاف عليكم أن أكون قد تعبت فيكم عبثاً ! " رسالة غلاطية 4 : 10 ، " فلا يحكم عليكم أحد فى أكل وشرب أو من جهة عيد أو هلال أو سبت .. " رسالة كولوسى 2 : 16 ، " إذاً إن كنتم قد متمَُ مع المسيح عن أركان العالم ، فلماذا كأنكم عائشون فى العالم تُفرض عليكم فرائض ؟ " كولوسى 2 : 20 .
كما يذكرنا كلام الرسول بولس فإنه واجب علينا أن لا نتشبه بالعالم بل أن نكون صورة حقيقية للمسيح تعكس المعرفة الصحيحة وتدين الفرائض والعادات التى هى ظل الأمور القديمة وأن يتقدم الإنسان المسيحى وسط مجتمعه نوراً للعالم الجديد الذى وضع مبادئه وتعاليمه السيد المسيح .
من خلال بحثنا عن كيفية نشأة الأصوام وعلى سبيل المثال صوم الأربعين أو الصوم الكبير ، نجد أنه قد أختلفت مدته حسب تقدير كل كنيسة فمنها ما يصومه أربعين يوماً ومنها ما أضاف إليه لأسباب معينة مثل الكنيسة القبطية التى أضافت إليه حتى أصبح مدته خمسة وخمسين يوماً ومن هذه الإضافات إضافة أسبوع هرقل وقصته أنقل جزءاً منها من كتاب ( أصوامنا بين الماضى والحاضر بقلم القس كيرلس كيرلس راعى كنيسة مار جرجس بخمارويه وتقديم لنيافة الأنبا أثناسيوس طبعة أولى سنة 1982 ) حيث يقول الكتاب ص 136" جاء فى كتاب قطمارس الصوم الكبير حسب طقس الكنيسة القبطية ما يلى : " والأصوام الزائدة المستقرة فى البيعة القبطية منها ما يجرى مجرى الصوم الكبير فى التأكيد وهى جمعة هرقل التى صارت مقدمة للصوم الكبير .. وذلك أنه لما رجع هرقل ملك الروم على بيت المقدس فوجده خراباً وقد هدم اليهود الكنائس والقبر المقدس وغيرها وأحرقوا النصارى بالنار ، فطلب منه أهل القدس قتل اليهود فأعتذر لأنه أعطاهم الأمان واليمين أى أقسم لهم ، فقالوا له : أما الأمان فقد علمه كل أحد منهم إحتالوا عليك فيه ، وأما اليمين فنحن وجميع النصارى بكل الأقاليم نصوم عنك أسبوعاً فى كل سنة على ممر الأيام وإلى إنقضاء الدهر ....!! وكتب البطاركة والأساقفة إلى جميع البلاد بصوم هذا الأسبوع الأول من الصوم الكبير ... " وهذه القصة مذكورة أيضاً بالتفصيل كما يؤكد لنا المرجع السابق فى كتاب " نظم الجوهر " لإبن بطريق .
لا أريد التعليق على ما سبق وهو كلام تاريخى ولن أدخل فى تفاصيل ما حدث بعد ذلك من هذا الملك وإذا كان صوم هذا الأسبوع كان تحت ضغط الحكام أم لا ، لكنى أريد الوقوف أمام هذا القسم أو اليمين الذى حسب عقلية القرون الوسطى يمكن أن يمحوه صوم بعض البشر نيابة عن هرقل ليسفك الدماء ، لا أريد أن أتصور وجود قصة مثل قصة صوم أسبوع هرقل إلى يومنا هذا فى كتاب كنسى وهو كتاب القطمارس وأن يظل مدة الصوم خمسة وخمسين تأكيداً لتلك الزيادات التى يقول عنها التراث الدينى أن من صام أكثر من المدة المحددة فله أجره عند الله وهو كلام ليس من المسيحية فى شئ ، وهل آن الآوان للنظر فى ما نملكه فى بيوتنا وأماكن عبادتنا من كتب تسئ وتشوه وجه الكنيسة جماعة المؤمنين والمسيحية بدون أن يفطن إليها أحد ؟ فتشوا الكتب وهى تكشف لكم عن عظمة تعاليم المسيح وفساد تعاليم البشر التى أفسدت عقائد الكثيرين .
يعنى ببساطة يصوم الناس لأن رجال الدين يقولون لهم ذلك ولأن التقويم يقول ذلك ولأنهم يحبون ذلك ، وإذا سألت كيف تصومون ؟ هل الأمتناع عن اللحوم أو بعض الأطعمة وتناول بقية الأطعمة طوال اليوم هو صوم ؟ تكون الإجابة صعبة القبول بل مرفوضة كلياً لأنها تعنى جهل الناس بمعنى الصوم والغرض منه والأنقياد الأعمى وراء تراث رجال الدين ، فالسيد المسيح لم يفرض أصواماً وصلوات طقسية تصبح روتيناً مع الزمن ، بل قال : متى صليت .. متى صمت أى وضع لنا أساس ومبدأ الحرية فى عمل الشئ ، إذا رجعنا إلى الإنجيل نجد أن التلاميذ والرسل صاموا وصلوا لأغراض معينة من أجل أن يكونوا متحدين فى طلباتهم لأختيار شخص معين للخدمة ليرشدهم الروح القدس راجع سفر أعمال الرسل 13 : 1 – 3 ، وعندما صام السيد المسيح لم يكون قبل صلبه وموته وقيامته كما يحدث ويصوم المسيحيين الآن ، بل صام المسيح بعد معموديته إستعداداً لبدء رسالته وخدمته التبشيرية ، وأترك للقارئ البحث عن أصل صوم العذراء مثلاً الذى يقول عنه المرجع السابق صـ173 " صوم السيدة العذراء من الأصوام المحببة جداً للمؤمنين ، وهو الصوم الوحيد دون سائر الأصوام كلها الذى فرضه الشعب على الكنيسة " ! .
إن الكتاب السابق هو من المراجع البحثية الإصلاحية الجريئة فى تاريخ الكنيسة المصرية الحديثة فى موضوع الصوم ، لكن للأسف تجاهله أو أهملته الغالبية أو تمت قراءته دون القيام بالتعمق فيما يقرأونه أو بدراسة وتحليل معانيه ،وأتمنى ممن لديه هذا الكتاب وغيره من الكتب الدينية أن يقرأ بذهن لا تعرف التعصب بل بذهن تصبو إلى معرفة الحق ومثالنا الأبدى هو قول السيد المسيح " وهذه هى الحياة الأبدية : أن يعرفوك أنت الإله الحقيقى وحدك ويسوع المسيح الذى أرسلته " إنجيل يوحنا 17 : 3 .
إن المسيحية جديرة بأن نقرأها من جديد حتى لا نثقل على أنفسنا بعادات وتقاليد وفرائض لا لزوم لها بل كلها أمور تستعبد الإنسان وتجذبه إلى الأمور الباطلة التى رفضتها تماماً تعاليم السيد المسيح .
أتمنى أن تدفع تلك المقالات شبابنا إلى المناقشة والبحث الجاد بفكر موضوعى للوصول إلى مسيحية المسيح الحقيقية التى ننشدها جميعاً ويعود المجتمع الإنسانى إلى صورته التى يريدها الخالق العظيم من إخوة وسلام ومحبة .
2005 / 4 / 27
التعليقات (0)