الإصلاح الجامعي على ضوء نظام إدارة الجودة الشاملة
دراسة تقويمية لرهان جودة التكوين بالجامعة المغربية
إن مقاربة الإصلاح الجامعي على ضوء نظام معايير إدارة الجودة الشاملة يتم عبر دراسته من الجوانب الكمية والكيفية أثناء التنفيذ أو الأجرأة أي قراءة سيرورته بعد مرور أربع سنوات على العمل به عبر المحاور التالية:
- الإصلاح الجامعي ونظام إدارة الجودة الشاملة من خلال مدخل التدبير الإداري.
- الإصلاح الجامعي ونظام إدارة الجودة الشاملة من خلال المدخل اللوجستيكي.
- الإصلاح الجامعي ونظام إدارة الجودة الشاملة من خلال المدخل البيداغوجي.
إن الحديث عن جودة التعليم في عصر تحديات العولمة والثورة التكنولوجية للاتصال والتواصل يعد قضية موت وحياة بالنسبة لأي مجتمع من المجتمعات كما يؤكد ذلك صاحب قصة الحضارة أرنولد تونيبي لأنه الوسيلة الأهم في حل مشكلاتها وإلا أهملت، مما يجعل التعليم العالي يبقى دائما بوابة المستقبل، وأن التفكير في تجديده وتطويره أمر لازم.
وعليه فإن الحديث عن تقويم إصلاح منظومة التكوين على ضوء نظام إدارة الجودة الشاملة، يعدو ضرورة لتقوية مناعة المجتمع المغربي، كي يتفاعل ايجابا مع تحديات العولمة وحداثتها، وما بعد حداثتها بمفاجأتها السياسية والمعرفية والتكنولوجية والاقتصادية، التي تتابع بسرعة تفوق كل التوقعات. عبر بناء سياسات تعليمية ديمقراطية مواطنة تستجيب لمعايير الجودة الشاملة، وتمكن من النهوض بتوفير فرص التكوين والتدريب وتعزيز مهارات الطالب داخل وخارج إطار المنظومة التكوينية، بالاعتماد على الأنشطة الذاتية، ومن أجل هذه الغايات يبقى تحقيق رهان جودة التكوين النوعي رهينا باستيفاء هذه المبادئ:
1- مبدأ تكافؤ الفرص.
2- دمقرطة التعليم العالي عبر توفير شروط التكوين للجميع.
3- مبدأ العلاقات الجدلية بين التربية والمحيط.
4- مبدأ التجديد الشامل لأنظمة المنظومة التربوية تمشيا مع التطورات الحاصلة.
5- مبدأ التكوين المندمج والمستمر مدى الحياة.
فالأنساق التكوينية الحديثة تتأسس على تغليب المقاربات الاقتصادية المبنية على التنافسية، مفرزة بذلك اتجاهات حديثة جعلت من المنظومة التكوينية عملية استثمارية يجب أن تثمن بعائد يعادل ويقارب قيمة الاستثمارات المعتمدة فيها، كالاستثمار في الموارد البشرية، الشيء الذي جعل جامعة اليوم قد ارتبطت بالإنتاجية، ودخلت في خط التنافسية من حيث عملية إنتاج الأطر والكوادر والأيادي الكفأة والمؤهلة تأهيلا جيدا، يمكن مؤسسات البلاد من تجاوز تحديات العولمة حيث التنافس على أعلى مستوى، إلى درجة اعتبرت معها الجامعة مدخلا حقيقيا لرفع تحدي شراسة المنافسة العالمية عبر الاستثمار في الإنسان، وحتى يتحقق هذا المسعى يبقى على كل مكونات المنظومة التكوينية أن تتفاعل بشكل متكامل بناء على كافة المستويات، التي تشكل أساسيات التكوين الهادف.
إن فهمنا للدور الريادي الذي يجب أن تضطلع به مؤسسات التكوين الجامعية في بناء المجتمع، ووعينا منا بالتحديات التي تواجه المغرب على ضوء التحديات التنافسية القوية في عالم العولمة المتنامي، يتطلب منا إعادة صياغة فلسفة التربية والتكوين بالجامعات ومؤسسات التكوين المهني، ثم إعادة هندسة أدوار ووظائف ونظم مؤسسات التعليم العالي، في أفق ضمان جودة عمليات التعليم العالي، وأكيد أن تحقيق هذا الرهان يستلزم مراجعة شاملة لكافة الشروط والمواصفات والمعايير المتعلقة بالتعليم العالي في كافة مراحله وأسلاكه، ومنذ ولوج الطالب لمؤسسات التعليم العالي، وتنقله بين التخصصات وعبر المسالك التعليمية على تنوعها، وحتى تخرجه وتوجهه نحو سوق العمل، ولان متطلبات تنمية المجتمعات الحالية رهينة بسعيها المستمر للتفاعل مع عالم يتغير وتتبدل متطلباته، وحاجياته وأساليبه وآلياته بسرعة مذهلة.
وأن يحمل الإصلاح الجامعي شعار الجودة والتكوين النوعي فلأنه أمر لا مفر منه نحو تحقيق هدفه الاستراتيجي "ربط الجامعة وانفتاحها على محيطها السوسيواقتصادي" رهان بعيد المنال ما لم نسعى إليه بجودة العمليات التكوينية، لأن قضية انفتاح وربط الجامعة بمحيطها، هي رهانات استراتيجية لا يمكن تحقيقها إلا باحترام ضوابط نظام إدارة الجودة الشاملة، وذلك بتوفير الظروف والمتطلبات اللازمة لذلك. فإذا كانت الجودة هي تحقيق راهنية العصر وإشباع حاجيات المجتمع والمحيط، فإن مؤسسات التعليم العالي مطالبة بأن تؤجرأ عملياتها، وفق نسق جدلي يربط الجوانب الكمية والكيفية واحتياجات المحيط، ولن يتحقق هذا المسعى إلا بتطبيق أسلوب إدارة الجودة الشاملة بالمؤسسات الجامعية، ولذلك فإن مرمى جودة التعليم العالي تتحقق عبر منظور شمولي مندمج من دون تجزيء عملية الإصلاح إلى مكونات معزولة عن بعضها البعض.
إن جودة التعليم العالي بما هي تفكير استشرافي للتفوق والمنافسة لن تتأتى إلا باستجابة الإصلاح الجامعي لنظام معاييرها يمكنه ذلك من السير وفق نسق تطوري للمؤسسات المعاصرة، وهذه هي ميكانزمات تحديثه بما يسمح له بالإجابة عن انتظارات وحاجيات مؤسسات المجتمع.
إن رهان تحقيق جودة التعليم العالي يتطلب توجيه كل الموارد البشرية والسياسات والنظم والمناهج والعمليات والبنى التحتية بصورة كلية، من أجل خلق ظروف مواتية للابتكار والإبداع، ولضمان تلبية المنتوج التعليمي للمتطلبات التي تهيئ الطالب بلوغ مستوى جيد من التكوين والتأهيل، وبالتالي إعداد منتوج تعليمي وتكويني مطابق للمواصفات والمعايير والمتطلبات التنظيمية والقانونية.
فلقد أشارت الدراسات المرتبطة بنظام إدارة الجودة الشاملة إلى أن تطبيق معايير هذا النظام، يجب أن يراعي التفكير والتخطيط المستقبلي بتصنيف وتحديد دقيق للأهداف البعيدة المدى والمتوسطة والقريبة، وإشراك كل الأطراف التي لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بمؤسسات التعليم العالي في العمليات الإنتاجية والخدماتية، ومنحهم الامكانيات اللازمة للمشاركة في التدبير التشاركي في جو من الديمقراطية والشفافية تنفيذا لمبادئ الحكامة الجيدة ليؤدوا وظائفهم المهنية على درجة عالية من الجودة.
إن الدعوة إلى اعتماد مبدأ الحكامة الجيدة، فلأنها سبيل ترسيخ قيم ثقافة إدارة الجودة عبر إشراك الموظفين والأساتذة والطلبة وكل الفعاليات المهتمة بجودة التعليم على أساس التزام الإدارة بمتطلبات الجودة وبمنح صلاحيات للموظفين لتطبيق أسس وضوابط ومعايير نظام إدارة الجودة الشاملة.
إن الحاجة لإقرار أسلوب نظام إدارة الجودة الشاملة فلأنه وسيلة فعالة لتعزيز مركزية مؤسسات التعليم العالي بالنسبة للمجتمعات في مواجهة التحديات العالمية المتسارعة والمتنافسة سواء كانت عالمية إقليمية أو محلية:
عالميـاً: وجود اهتمام شمولي ومندمج، عولمة، انفتاح، ثورة المعلوميات، انتشار التعليم العالي على أعلى المستويات، المنافسة في تكوين كفاءات عالية.
إقليميـاً: وجود تنافس بين وقوي على مستوى الإقليمي أو القاري.
محليـاًََ: وجود مسعى مساهمة الجامعة في التنمية المحلية عبر مواءمة تخصصاتها مع حاجيات المحيط، لتجاوز ارتفاع تكلفة التعليم العالي.
فإذا كانت هذه هي الدواعي التي تحتم علينا قراءة الإصلاح الجامعي على ضوء نظام إدارة الجودة الشاملة، فلأنها سبيل لتطوير أداء منظومة التعليم العالي بالمغرب، ولهذا صار لزاما على الجامعة المغربية أن تهيئ معايرا لضبط وضمان جودة مدخلات ومخرجات مؤسساتها التكوينية العامة والخاصة لتطوير أدائها وضمان جودة مخرجاتها.
إن تفاعل وتكامل المدخلات وبالموازاة مع العمليات التكوينية عبر أسلوب إدارة الجودة الشاملة يجعلنا نتوقع مخرجات لمهارات وكوادر مكونة ويد عاملة مؤهلة تشبع وتحقق أمال وطموح المجتمع، لأن التعليم العالي هو استثمار في أغلى ثروة وهي الثروة البشرية صناعة العقول والمواهب والمبدعين والمفكرين وصناع القرار، ولذلك فإن العديد من الدول تبادر إلى إصلاح منظومة تعليمها العالي ضرورة تفرضها تحديات العصر، وتكيف عملياتها لتجعل مخرجاتها التكوينية على قدر عظيم من الجودة والإتقان، غير أنه يجب أن نؤمن بما لا يدع مجالا للشك، أن هذا الرهان مستحيل التحقق ما لم تنضبط سيرورة الممارسة التكوينية في سياقها الشمولي لضمان وضبط تحقق نظام معايير إدارة الجودة الشاملة عبر تكامل المداخل المركزية الثلاث، جودة التدبير الإداري وجودة المكون اللوجستيكي وجودة الجانب البيداغوجي.
دوافع مقاربة الإصلاح الجامعي على ضوء معايير نظام إدارة الجودة الشاملة.
يقول ساليس في كتابه ”إدارة الجودة الشاملة في التعليم إن للجودة منظورين أساسيين:
الأول: أن تتطابق السلعة (أو المُخرج) مع المواصفات التي وضعت لهما.
الثاني: أن يلبي حاجة الزبون. وهذا هو منظور ”التصور“ أو الانطباع. Perception
ويؤكد دافيس وبيرنهام في تعريفه للجودة الشاملة على أربع مكونات أساسية لـ TQM هي:
مكانة ”الزبون“
التأكيد على القيم والرؤى.
إدارة العملية التربوية عن قرب.
الاهتمام بإدارة الأشخاص.
ومن هنا ينطلق مفهومنا "لجودة التعليم العالي"، الذي يعني لنا مجموع خصائص ومميزات العمليات التكوينية وباقي الخدمات على تلبية متطلبات الطالب، وسوق العمل والمجتمع وكافة الجهات الداخلية والخارجية المستفيدة. والجودة في التكوين هي قدرة مؤسسات التعليم العالي على تعديل مناهجها ووسائلها ومقاصدها بما يتناسب والحاجيات الجديدة أو المستقبلية للمحيط، ليبقى تحصين هذه الأهداف مرهونا بمدى ضمان وضبط جودة المخرجات عن طريق الالتزام بأداء الأنشطة والأساليب بدقة وإتقان.
إدارة الجودة الشاملة لها جانبان: الجانب الأول هو فلسفة الجودة الشاملة، والتي تقوم على أهمية تحقيق رضا الطلبة والآباء والممولون والمستثمرون عبر الخدمات والعمل على تطوير وتحسين أداء العملية الإدارية والتكوينية، وباقي خدمات مؤسسات التعليم العالي، وإلى غير ذلك من مبادئ الجودة الشاملة، أما الجانب الثاني فهو جانب الأدوات والآليات أو ما نقصد به الجانب اللوجستيكي الذي تستخدم في تطبيق الجودة الشاملة. ويبقى نجاح سيرورة إدارة الجودة الشاملة رهينة بالقيام بحملات تحسيسية بثقافتها التنظيمية، وعبر التكوين على القيم والاتجاهات والأدوار والسلوك والعادات، التي يحملها أفراد التنظيم، لجعل الثقافة التنظيمية أكثر إيجابية نحو التطوير وأكثر تحفيزا لبذل الجهد اللازم لتطوير الأداء، يتجاوز القيم السائدة التي تعيق الوصول بسرعة وبسهولة إلى الأهداف المرجوة.
خصوصيات مرحلة التكوين الآنية والمستقبلية
من اجل تجويد مخرجات التعليم العالي يكون من اللازم علينا أن نتحرك من خلال خلق لجن وفرق عمل لوضع وتصميم معايير جودة منظومة التعليم العالي الخاصة بكل مؤسسة جامعية، بناء على حاجيات محيطها البيئي، وذلك عبر استعراض واقع التعليم العالي عبر مقاربة شمولية تستوعب كافة المناح المتصلة بقطاع التربية والتكوين، تحققها يستلزم الانطلاق من بلورة تصور ورؤية واسعة تعكس فلسفتنا الوطنية تجاه التعليم العالي ولدوره في التنمية المجتمعية، ولتحقيق هذا المسعى، يبقى علينا أن نشتغل وفق مقاربة تشاركية مع كل الفعاليات المهتمة بالحقل التعليمي.
إن الدواعي العلمية الموضوعية التي تفرض علينا اعتماد نظام إدارة الجودة الشاملة بالتعليم العالي فلأن الجودة:
-مقاربة ومنهج للقرارات الرزينة والأداء المتميز.
-تفكير استشرافي للتفوق والمنافسة.
- تحقق أبعادا حضارية.
ومن أجل اعتماد أسلوب إدارة الشاملة فلابد من النزاهة والشفافية في التدبير والتخطيط لتجاوز مشكلات تطبيق ممارسات الجودة داخل الفضاءات الجامعية وتوفير متطلبات إقامة منظومة مغربية للجودة الجامعية.
معايير الجودة الشاملة المأمولة في مؤسساتنا التعليمية
ينهض نظام إدارة الجودة الشاملة بالمؤسسات الجامعية على عشرة معايير تصف خصائص نظام إدارة المؤسسات التعليمية بصورة شمولية يمكن تطبيقها ونوردها على النحو التالي:
الإدارة الإستراتيجية: تعمل على وضع السياسة التكوينية وتحديد الأهداف المسطرة واقتراح الخطط البرامج الكفيلة بتحقيق الأهداف المأمولة.
إدارة الجودة: تعمل على إيجاد الظروف والشروط أو ما يمكن تسميته بمتطلبات اللازمة بتوفير الخدمات، التي تحقق انتظارات الطلبة والآباء من المؤسسة التعليمية.
الاهتمام الطالب: ويهدف هذا المعيار إلى بناء منهاج تكويني وتخطيط برامج وأنشطة تكوينية، وفق المهارات التي يتطلبها سوق الشغل والمحيط/المجتمع لضمان إيجاد فرصة عمل مريحة للطالب بعد التخرج.
الموارد البشرية: توفير موارد بشرية مؤهلة ومدربة بالحلقات الدراسية وتنظيم الدورات التكوينية تمكنهم أداء عملهم بفاعلية و مردودية عالية.
تكافؤ الفرص: و يضمن هذا المعيار تكافؤ الفرص لجميع الطلبة للحصول على خدمات مؤسسات التعليم العالي وسوق الشغل مما يعزز لديهم الرضا والشعور الوظيفي.
الصحة والسلامة: أي وجود بيئة صحية آمنة لجميع المتعلمين والعاملين والزائرين بالمؤسسة الجامعية.
خدمات الإرشاد والاستقبال: نحتفي من خلاله بالطالب من خلال دعمه بشتى الوسائل معرفيا وأكاديميا ونفسيا و اجتماعيا، حتى يستطيع الاندماج مع الوقع التكويني الجديد بشكل إيجابي بدون ضغوطات.
أسلوب إداري حديث: اعتماد نظم التسيير الإداري المبني على التواصل مع كافة الفاعلين في المؤسسة.
تصميم المنهاج والعمل على تفعيله: بناء مناهج تكوينية ومواد ومعارف للتعلم بحسب حاجيات المحي البيئي وفق تسق بيداغوجي يحرص على تكامل المعارف النظرية والعملية واختيار الطرائق والوسائل الديداكتيكية الأنسب.
التقييم ومنح الشواهد: منح الطلبة الشواهد والمؤهلات التي يستحقونها استنادا إلى ضوابط تقييمية موضوعية ونزيهة، حفظا لمصداقية المؤسسة.
إن جودة التكوين تتم عبر تكامل تحقق ضوابط الجودة لكل العناصر المشكلة لمنظومة التكوين.
الجودة في الجانب البيداغوجي
مع تفعيل وأجرأة العملية التكوينية وفق ضواط أكثر حداثية من حيث اعتماد وفهم واقع المنهاج التكويني والعملية التكوينية والعمل على تحقيق أهدافها الخاصة بناء على طرائق بيداغوجية أكثر فعالية عبر التفاعل المباشر بين الطالب والأستاذ عن طريق أسلوب الحوار والإشراك وتجاوز طرق التلقين صاحبه تطوير عمل الأستاذ من ملقن إلى مدرب وقائد يوجه ويشرف على تقديم الموضوعات عبر طرق حديثة كالعصف الذهني وحل المشكلات، اتخاذ القرار، اختيار البدائل. والتحول من قيم التعليم التنافسي إلى قيم التعليم التعاوني والتحول من تأكيد القيم الذاتية إلى تأكيد قيم الجماعة.
إذ صار الأستاذ اليوم مطالبا بتطوير أدائه بالتكوين المستمر على المهارات القيادية لتدبير درس الجامعة المتسم بالجودة على مستوى التدريب على مهارات تحليل التعليم وتنظيمه (تصميمه) وتقويم التعليم تقويما دوريا وفوريا آنيا.
كما يبقى على منهاج الإصلاح الجامعي أن يلائم مضامينه مع الواقع أو المحيط، وذلك باعتماد دراسة وتحليل الشروط الخارجية لبيئة المؤسسة، وتحليل حاجياتها محليا وجهويا وقاريا. وتفعيل مكوناته عبر البعد البيداغوجي الذي يتطلب التحرك على ثلاث مستويات هي: جودة الطرائق البيداغوجية والوسائل الديداكتيكية الحديثة والتدريب العملي نحو ضمان مهارات وكفايات عملية.
معايير الجودة الشاملة للجامعة المغربية
- جودة المدخلات أثناء بداية التكوين.
- جودة الأطر المكونة.
- جودة العمليات البيداغوجية للتكوين.
- جودة مناخ مؤسسات التكوين.
إن تطبيق نظام الجودة الشاملة يبدأ من فلسفة المجتمع تجاه مؤسسات التعليم العالي وشمولية الإصلاح للمنظومة التربوية أو التكوينية طلبة بنيات منهاج ووسائل ديداكتيكية برامج التكوين المستمر لهيئة التكوين ثم التقويم والمتابعة لسيرورة عمليات التكوين.
معايير جودة الطالب
- القدرة على الإبداع والابتكار.
- القدرة على التفاعل الجماعي وممارسة النقد الذاتي.
- القدرة على الاستقلالية الذاتية وتكاملها.
- القدرة على إصدار قرارت حاسمة في وضعيات مختلفة.
- القدرة على التكيف مع كل الوضعيات المستقبلية.
- المقدرة اقتراحية لحل المشكلات المتنبأ بحصولها.
معايير جودة الأستاذ الجامعي
- مستوى علمي جيد.
- القدرة على متابعة التكوين الذاتي أو المستمر.
- جودة أداء العمليات التكوينية أثناء تفعيل الدرس.
- القدرة على استعمال الوسائل الديداكتيكية.
- القدرة على التدبير البيداغوجي لجماعة الطلبة.
- مهارات الممارسة القيادية في إدارة جماعة القسم /فريق عمل /لجن
معايير جودة المنهاج التكويني
- التجدد والمرونة مع متطلبات العصر.
- ملاءمة المنهاج للمحيط البيئي وحاجيات المجتمع.
- ملاءمة المنهاج لحاجيات المكونين يجذب اهتماماتهم.
- تكامل الممارسات النظرية والتطبيقية.
- تحسين نوعية مناهج التكوين بتضمنها لقيم وتخصصات تتلاءم والحاجيات المجتمعية الملحة والأكثر تنافسية.
- اعتماد مناهج تكوينية تشارك المكونين في إعدادها وتسطير مضامينها.
- يزاوج المنهاج التكويني بين النظري والعملي.
معايير جودة إدارة الجامعة
- إدارة دينامية ومتجددة.
- إدارة تتنبأ بالمشكلات وتقترح لها حلولا قبل حدوثها.
- إدارة تسعى إرضاء الطلبة الآباء والممولون...
- إدارة تدبر القضايا بناء على ما استجد في عالم الإدارة المعاصرة.
معايير جودة البنيات اللوجستيكية للجامعة
- فضاءات وقاعات التكوين مجهزة بالوسائل الديداكتيكية الحديثة.
- تتوفر على كافة المرافق للطلبة مرافق صحية تربوية واجتماعية ورياضية.
تعاني مؤسسات التعليم العالي من ارتفاع تكلفة التكوين الشيء الذي أفرز اختلالا حقيقيا بين ناتج مخرجاته (output) الذي يقل بكثير عن مدخلاته (input)، وقد أدت هذه الظاهرة إلى أن يكون العائد البشري للتعليم جد محدود أو منخفضا إلى أدنى مستوياته. ويعزى سبب ضعف مردودية مخرجات العملية التكوينية والتأطيرية إلى ارتفاع ظاهرة الهدر أو التسرب الجامعي، هذا من الجهة الكمية، أما من الناحية الكيفية فقد أدى ضعف الخدمات التكوينية والتقصير في جودة التكوين وعدم العمل على تطوير أداء العملية التكوينية الداخلية، بالإضافة إلى التقصير في عملية الإنفاق الكافي على مؤسسات التعليم العالي مترتبا عنه كنتيجة حتمية ضعف المردودية الكيفية، انخفاض الكفاءة الداخلية لنظام التعليم الجامعي، وضعف الكفاءة المهنية لدى المتخرجين وضعف إنتاجيته التي يفترض أن تتسق وأهداف التنمية السوسيواقتصادية والثقافية.
أضف إلى ذلك أن الجامعة المغربية اليوم تعرف نقصا حادا على مستوى البنيات التحتية، وكذا على مستوى هيئة التدريس مقابل ارتفاع عدد الطلبة المسجلين بالجامعة المغربية ناهيك عن جودة الكيف، لذلك يبقى على الجامعة أن تعيد النظر في بنياتها بصورة شمولية نحو تحقيق رهان الجودة، الرهان الذي يبدو صعب المنال في ظل فوضى وارتباك الوضعية الراهنة.
كما أن اعتماد الدولة لسياسة تقشفية تجاه تخصيص أرصدة مالية كافية لتجهيز المؤسسات الجامعية، بحيث أن ميزانية تجهيز المؤسسات الجامعية تقل بشكل مهول سنة بعد أخرى مما يؤثر سلبا على جودة التكوينات المنشودة، مما يستدعى الرفع من قيمتها دعما لتنامي مطلب رهان الجودة غير أن قيمة الميزانية المخصصة للتعليم العالي ظلت في تراجع منذ التسعينيات بوتيرة صارت تهدد مصداقية شهادة منظومة التكوين في المستقبل.
توصيات
- جعل الجامعة أكثر ملاءمة على مستوى التخصصات والتكوينات المقترحة مع حاجيات محيطها.
- المواءمة بين تكوين ومؤسسات التعليم العالي وحاجيات البيئة بحسب الأولوية.
- تحسين نوعية مناهج التكوين بتضمنها لقيم وتخصصات تتلاءم والحاجيات المجتمعية الملحة أو الأكثر تنافسية، ولن يتم ذلك إلا من خلال منطق تكاملي بين الوسائل والمحتويات بالإضافة إلى الإشراك والتشارك للفئة المستهدفة (الطلبة)
- دعم التخصصات في القضايا الفكرية والثقافية حتى لا يكون تعليمنا مهنيا آليا صرفا فقط.
- دعم التكوين المستمر للأساتذة التعليم العالي، حتى تتلاءم تكويناتهم مع أهداف المنهاج الذي يجب أن يزاوج بين النظري والعملي.
- إعادة توزيع الموارد البشرية بشكل تعادلي على باقي المؤسسات الجامعية حيث يتمركز معظمهم كما وكيفا في جهة الرباط والدارالبيضاء.
- إعادة توزيع التجهيزات بشكل تعادلي على باقي المؤسسات الجامعية والمواقع حسب التساوي جهويا ووطنيا ومحليا، حيث يتم تركيز معظم التجهيزات داخل المواقع الجامعية القريبة من المركز أو في المعاهد الجامعية ذات الاستقطاب المحدود، مما يحرم منها كم هائلا من الطلبة في باقي المؤسسات الجامعية الأخرى.
- تقريب الإعلام من فضاء الجامعة عبر إنشاء قنوات فضائية تُعْنَى بالتعليم الجامعي.
- توسيع دائرة مشاركة الطلبة في صناعة القرار وعدم الانفراد البيروقراطي.
- توفير مناخ ملائم للتكوين يزاوج بين النظرية والتطبيقية عبر إيجاد شراكات مع المقاولات وإيجاد تداريب ميدانية للطلبة.
- المزيد من دعم وتقوية اللغة العربية بأسلاك التعليم العالي.
- مكننة التعليم العالي بما يوازي التكوينات النظرية والعملية نحو أفق تحقيق الكفايات اللازمة التي تتناسب ومطالب سوق الشغل بمحيط الجامعة.
- دعم الفضاءات الطلابية للإبداع وتطوير المهارات والكفايات عبر تشجيع النوادي العلمية والفكرية الحرة.
- دمقرطة البنية الداخلية لتسيير وتدبير مؤسسات التكوين عبر إشراك الطلبة وإدماجهم في الحياة الجامعية.
- إن مؤسسات التعليم الجامعي وبشكل متساوي وتعادلي في حاجة إلى دعم بنية خدماتها الصحية والرياضية.
ولقد صار من المفروض على مؤسسات التعليم العالي أن تحسم في مبدأ دمقرطة التكوين وتكافؤ الفرص "التعليم والتكوين للجميع"، بحيث أن خدمات التكوين المقدمة في مؤسسات التعليم العالي، تخضع خدماتها لتمايزات فلا تقدم للجميع، إن تراجع الفلسفة التعليمية مع مجيء الإصلاح الجامعي عن التعليم الجماهيري لصالح التعليم الانتقائي أي التعليم النوعي لتجاوز ظاهرة الهدر الجامعي، وإعادة تدبير وترشيد المؤسسات وتركيز التعليم والتكوين في بيداغوجيا مهنية عملية صرفة، مما يعزز تراجعا عن مبدأ تكافؤ الفرص والتكوين للجميع، هذا بالإضافة إلى غياب ممارسات متكافئة داخل نفس المدن والمعاهد الجامعية، على مستوى يعادل بين كل المواقع الجامعية الأخرى. إن رهان الجودة في التعليم تقتضي مزيدا من الدعم لمبدأ تكافؤ الفرص نحو تحقيق التعادلية التعليمية، "حق التعليم مكفول للجميع" دون استثناء ولكافة الطبقات الاجتماعية، بل يبقى لزاما على الدولة تحقيق دمقرطة التعليم ودعم أبناء الأسر الفقيرة بمنح ذات قيمة مادية معقولة لتجاوز ارتفاع تكلفة التعليم العالي.
وخلاصة القول فإن عملية الإصلاح مدعوة لأن تنحو منحى إدماج الكلية في سياق الجامعة الشاملة المندمجة، تسمح بتنويع التعليم داخل المؤسسات بحسب حاجيات المحيط، وباستعمال وتدبير أحسن للموارد المادية والبشرية وفق نظام إدارة الجودة الشاملة.
عبد الفتاح الفاتحي
أستاذ اللغة والتواصل
التعليقات (0)