الإسلام وحرية اعتقاد الإنسان
*السيد محمد علي الحسيني
الکمال والقوة الاعتبارية للدين الإسلامي تكمن في القدرة الديناميکية على الحوار والجدل وطرح الحجة تلو الحجة، والتي تأتي من سعة أفقه و اتسامه بروح المعاصرة المستندة إلى أصالة تستند على جذور وأسس راسخة، ولذلك فإن الإسلام قد منح دائما مساحة کبيرة لحرية النقاش والجدل والمحاججة، بل وحتى جعل التشکك والاستدلال والتيقن أساسا للاعتقاد، بمعنى أنه لايطالب باعتقاد شکلي ولفظي.
الکثير من الآيات القرآنية الکريمة، تعطي أمثلة حية وفريدة من نوعها على المساحة المتاحة لحرية الاعتقاد و التفکير، وكل آيات القرآن الكريم تؤكد على ذلك بدءً من الآية الکريمة:"لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي"، وقوله تعالى:" إنك لا تهدي من أحببت"، فهذه الآيات ترسم خطا بيانيا لحرية العقيدة، ذلك أن حلاوة وقوة الاعتقاد تأتي من الاقتناع الراسخ به، وکما قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام):"نوم على يقين خير من صلاة في شك".
الاعتقاد في الإسلام مبني على أرضية راسخة ..أساسها الثقة والحرية
الإسلام الذي جاء ليکرم الإنسان ويرفع من شأنه ومن منزلته، فإنه وکما نرى قد راعى کثيرا الجانب الاعتقادي لديه لأن لهذا الجانب أهم وظيفة ومهمة في تکوين الشخصية الاعتبارية للإنسان، والإسلام يريد للإنسان أن يکون على ثقة وقناعة راسخة بما يعتقد به، لا أن يکون ذلك على أسس واعتبارات مهزوزة ووقتية غير راسخة.
ومن هنا، فإن الجماعات والتنظيمات المتطرفة -من كل المذاهب- التي تسعى کل جهدها من أجل أن توحي بأن الإسلام دين إستبدادي يفرض الأمور عنوة وقسرا على الناس رغم أنفهم، لاتتفق مع الإسلام و مبادئه وقيمه السمحة التي تدعو للحرية والانفتاح والتضحية والإيثار، وأن أمة کريمة معطاء يصفها القرآن الکريم"ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة"، لايمکن أبدا أن تکون أمة مستبدة و مضطهدة ومقصية للآخرين.
حرية الاعتقاد في منظور الإسلام أهله لاستقطاب المكونات الإنسانية
البناء الفکري والاعتقادي للإنسان، يعتبر الأساس والأصل الذي يرتکز عليه الإنسان في انطلاقته وتعامله وتعاطيه مع الموضوع من کل النواحي و على کافة الأصعدة، وقطعا فإن هذا البناء لو کان قسريا أو انعدمت فيه الإرادة والاختيار الإنساني، فإنه لن يکون متسما بالرزانة والاتزان والحبکة اللازمة، وإنما يمکن أن يکون في حالة هشة وغير متماسکة، والإنسان في مثل هذه الحالة لن يکون عنصرا مفيدا بالنسبة للمجتمع لأنه يتسم بالقلق وعدم الاستقرار، وبطبيعة الحال فإن أي إنسان لم يکن لديه معتقد و فکر ما يٶمن به من أعماق ذاته، فإنه سيکون قلقا وغير واثق من نفسه و معتمدا عليها.
هذه الحقيقة المهمة التي أوردناها، هي في الواقع أحد الأسرار الکامنة خلف التعامل الرحب و الاستثنائي للإسلام في تسامحه مع قضية الاعتقاد، لأنه يريد جميع المکونات الإنسانية حتى تلك التي لاتٶمن بالإسلام أن يکون لها محتوى إنسانيا بالمستوى المطلوب الذي يمنحها القدرة على العمل والتعامل والتواصل و التأثير والتأثر مع الواقع الموضوعي، أما الرٶى والأفکار الضيقة والمتطرفة التي ينسبها المتطرفون للإسلام، فإنها في الحقيقة لاتمثل إلا من يدعو إليها لأن"وهنا الأهم مافي الأمر"، الإسلام براء تماما من هکذا أفکار ومعتقدات متطرفة تصادر التسامح والتعايش السلمي والمحبة والإخاء.
جريد اليوم
--
التعليقات (0)