بروفيسور مقارنات الأديان الأمريكي من أصل إيراني ريزا أصلان(Reza Aslan) أجاب في إحدى مقابلاته على السؤال حول إن كان الإسلام دين سلام أم دين عنف, فأجاب بأن الإسلام ليس له علاقة بالسلام أو بالعنف بل بالشخص نفسه, فإذا كان بطبعه مسالما أو عنيفا, فتصرفات الشخص هي التي تحدد طبيعة إسلامه. هناك الكثير من الإتهامات التي يتم توجيهها للإسلام والمسلمين بأن الإسلام إنتشر بالسيف وأنه دين حرب وعنف, تلك الإتهامات هي تقليدية بل مملة يتم تكرارها ثم إجترارها مرارا وتكرارا. المشكلة أنه في ردنا عىل تلك الإتهامات, فإننا نلجأ للنصوص الدينية والتراثية التي لايؤمن بها الطرف الأخر. الإتهامات هي بالتأكيد تقليدية كما ذكرت ولكن الرد عليها لن يكون تقليديا لأن سوف يغادر الساحة الدينية ليكون التاريخ هو ساحته. إن بعض المفكرين المسلمين يعترفون بالعنف المقنن(Controlled Violence) أو الدفاع عن النفس وأن غزوات المسلمين ليست توسعية بقدرة ماكانت ضرورة إستراتيجية للدفاع عن الدعوة الإسلامية.
ولايوجد نقطة نبدأ بها المقارنة التاريخية أفضل من الدولة الرومانية التي بدأت بقرية أو بلدة صغيرة في إيطاليا وكان روميلوس أول ملك على روما التي سوف تصبح لاحقا إمبراطورية من أعظم إمبراطويات العالم. الإمبراطورية الرومانية بشقيها الوثني والمسيحي إنتهجت سياسة توسعية إستعمارية عدوانية وشرسة تذكرني بالسياسة التي تنتهجها حاليا الولايات المتحدة الأمريكية التي يتفاخر يمينها المسيحي المتطرف بتلك العقلية الدموية. قامت الجيوش الرومانية بالغزو والنهب والسلب وتدمير مدن كاملة وحرقها في حال قاوم ساكنوها الغزاة. كما كانت الجيوش الرومانية تفرض التجنيد الإجباري على الأمم التي تقدم فروض الطاعة لروما وترغمهم على دفع الضرائب وتنزل كافة أنواع العقاب بكل من يقاوم أو يفكر بالمقاومة حيث كانت تساق النساء والأطفال والأسرى من الرجال ليباعوا في أسواق النخاسة ليكون مصيرهم إما جواري أو خدم في قصور أثرياء روما أو أن يتحولوا إلى أشلاء في حلبات المصارعة. وحين إعتمد الإمبراطور الروماني قسطنطين الأول وبعد سلسلة من الحروب الأهلية والصراعات الداخلية المسيحية كديانة رسمية للإمبراطورية الرومانية وذالك في أثر إنعقاد مجمع نيقية الأول سنة 325, بدأ عهده الدموي بحرق جميع كتب الطوائف المخالفة لقرارات المجمع وبإرتكاب مجازر وتحت راية الصليب ضد تلك الجماعات خصوصا الأريوسيين. وإستمر الحال كذالك حيث أنه وفي اعقاب كل مجمع مسكوني يتم حرق كتب الجماعات المسيحية المخالفة وإرتكاب مجازر بحق اعضائها وكل ذالك يتم تحت راية الصليب وبإسم المسيح. ولا يخفى على أحد ما إرتكبته محاكم التفتيش في الأندلس وفي أوروبا بحق المسلمين والطوائف المسيحية المخالفة وحتى اليهود من مجازر وتعذيب وعمليات قتل بأبشع الطرق.
ثم ننتقل إلى الدولة الفارسية التي ولدت من رحم الصراع ضد البابليين والأشوريين على يد كورش الكبير والذي يعد أول إمبراطور فارسي بحيث أنها لم تكن بأفضل من الدولة الرومانية بل وخاضت معها خلال فترة من الفترات صراعا شرسا وفازت فيه ولو بشكل مؤقت وإنتزعت السيطرة على الكثير من الأراضي من الجيوش الرومانية. الجيوش الفارسية كانت تفرض حكما دمويا عسكريا مباشرا على الأمم التي تحتلها حيث تفرض عليها الضرائب ويقتل كل من يحاول المقاومة, وأما إذا وافقوا على الخضوع لسلطانها فيتم سوق رجالهم للخدمة العسكرية في الجيوش الفارسية وأطفالهم ونسائهم لقصور الأثرياء كخدم وجواري. الدولة المقدونية التي كان أشهر ملوكها الإسكندر المقدوني لم تختلف عن سابقاتها في سياستها التوسعية والدولة الإسبارطية التي تأسست سنة 900 ق.م من تجمع 4 قرى صغيرة بقوانين عسكرية صارمة وخاضت صراعات دموية مع جارتها أثينا لعل أشهرها الحرب البيلوبيسينية والتي إمتدت ربع قرن تقريبا, فهي كذالك لم تتوسع إلا بإستخدام القوة العسكرية.
الفتوحات الإسلامية لم تخرج عن السياق التاريخي لجميع الأمم التي سبقت الإسلام والتي إعتمدت القوة العسكرية كأساس للتوسع: الأمبراطورية الرومانية, الإمبراطورية الفارسية, الإسكندر الأكبر, الإسبارطيين وغيرها الكثير من الأمم والممالك. إن ظروف الدولة الإسلامية الوليدة في شبه الجزيرة العربية لم تختلف عن كل ما سبق وذكرته عن الأمم التي سبقتها. فقد بدأت بالرسول عليه أفضل الصلاة والتسليم وزوجته خديجة بنت خويلد رضي الله عنها وصبي هو علي إبن أبي طالب سلام الله عليه ورجل بالغ هو أبو بكر رضي الله عنه. وقد إكتملت في وقت قريب النواة التي إنتشرت من خلالها الدعوة الإسلامية والتي بلغت 40 صحابيا قويت شوكتها بإسلام حمزة إبن عبد المطلب وعمر إبن الخطاب رضي الله عنه. إن أشخاصا مثل عمر إبن الخطاب وحمزة إبن عبد المطلب كانوا من صناديد قومهم وعثمان إبن عفان كان من أثرياء قريش فلا يعقل أنهم أجبروا على الدخول في الإسلام أو أكرهوا عليه والرسول عليه أفضل الصلاة والتسليم في أضعف مايكون عليه حاله في بداية الدعوى.
ومن يقرأ تاريخ الدولة الإسلامية الوليدة سوف يكتشف أن جميع المعارك التي خاضتها الجيوش الإسلامية كانت خلالها تفتقد لميزة التفوق العددي على خصومها كغزوة بدر وأحد والخندق, ولذالك من المستبعد تاريخيا أو عقليا أو منطقيا أو تكون حروب توسعية عدوانية كما كانت حال الإمبراطورية الرومانية على سبيل المثال والتي كانت ترسل جيوشا في حروبها قد يصل تعدادها إلى 250 ألف جندي كما في غزوة مؤتة والتي بلغ تعداد جيوش الإمبراطورية الرومانية 200 ألف مقاتل مقابل 3 ألاف مقاتل من المسلمين. وتذكر بعض الإحصائيات أن عدد الضحايا الذين سقطوا في جميع الحروب التي قادها الرسول عليه أفضل الصلاة والتسليم في حياته لم يزد عن 600 قتيل من المسلمين وخصومهم. أما أسباب تلك الغزوات على سبيل المثال: غزوة بدر كان سببها رد أموال المسلمين التي نهبتها قريش حين طردتهم من مكة وصادرت بيوتهم وأموالهم, معركة أحد كان سببها محاولة قريش غزو المسلمين في عقر دارهم في المدينة المنورة والقضاء على الدعوى الإسلامية, معركة الخندق(غزوة الأحزاب) كانت دفاعا عن النفس حيث قامت قوات من قريش وحلفائها بغزو المسلمين في عقر دارهم وحصار المدينة المنورة, غزوة مؤتة كانت بسبب إرتكاب والي الإمبراطورية الرومانية في البلقاء حماقة قتل الصحابي الحارث إبن عمير الأزدي حين تعرض له حاملا رسالة إلى عظيم بصرى, وقتل الرسل في الأعراف العلاقات بين الدول فهو إعلان حرب. وحتى في مرحلة لاحقة للعهد المصطفوي, إستمرت ميزة التفوق العددي لصالح خصوم المسلمين خصوصا في حروب الردة وغزوة اليرموك التي تذكر بعض الإحصائيات أن عدد قوات المسلمين فيها بلغ 36 ألف مقاتل مقابل 240 ألفا من خصومهم.
الجيوش الإسلامية كانت تقوم بإتاحة ثلاثة خيارات لأي مدينة تقترب منها وهي: الإسلام, دفع الجزية, الحرب. ولكن المؤرخين الغربيون والمستشرقون ومن لف لفيفهم من مسيحيين محافظين يتجاهلون أنه في حال إختار سكان المدينة عدم قبول الإسلام ودفع الجزية فسوف يتم إعفائهم من الخدمة العسكرية في الجيوش الإسلامية ولهم كافة الحقوق ويتمتعون بكافة الإمتيازات من حرية العبادة وعدم التعرض لهم ولأماكن عبادتهم. الدولة الرومانية أو الفارسية لم تكن تتيح أيا من تلك الخيارات للمهزومين فعلى الشعوب المحتلة دفع الجزية وإرسال أبنائهم للخدمة العسكرية وبناتهم للخدمة في قصور الأثرياء والسياسيين كجواري وخدم أو يباعون في أسواق النخاسة ولم يكونوا يتمتعون بأي حقوق أو إمتيازات من تلك التي يتمتع بها السكان الأصليون. إن تلك الخيارات الثلاثة لم تكن متوفرة لسكان مدينة دريدسن الألمانية التي تم تدميرها بشكل كامل خلال الحرب العالمية الثانية حين قصفها طيران الحلفاء بكافة انواع القنابل خصوصا الحارقة بدون أن يكون لذالك العمل الشنيع أي فائدة عسكرية أو أن تكون المدينة تحتوي على أهداف عسكرية ذات أهمية. كما أن تلك الخيارات الثلاثة لم تكن متوفرة لسكان مدن طوكيو وهيروشيما وناغازاكي فقد قصفت الأولى مرارا وتكرارا وضربت المدينتان الأخريتان بالقنابل الذرية, ومرة أخرى من غير أن يكون لذالك أي فائدة عسكرية سوى إستعراض قوة أمام الإتحاد السوفياتي والذي كان متصلبا في مواقفه خلال المفاوضات مع الحلفاء حول تقسيم اوروبا بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية.
وبالنسبة لمعاملة الأسرى فحدث ولا حرج بداية من جرائم ريتشارد قلب الأسد بحق أسارى المسلمين في عكا وليس إنتهاء بجرائم الحملات الصليبية التي كانت تقتل النساء والأطفال والشيوخ مرورا بجرائم الإمبريالية الإستعمارية الغربية البريطانية والهولندية والإسبانية والبرتغالية خصوصا في جزر الملايو والخليج العربي والهند. إن معاملة المسلمين لأسرى الحرب كانت بالتأكيد سابقة تاريخيا لإتفاقية جنيف وذالك منذ بداية الدعوى المحمدية. ففي غزوة بدر تم العفو عن الأسرى مقابل فدية أو تعليم القرائة والكتابة. كما أنه يحرم في الإسلام إسائة معاملة الأسير أو ترويعه أن تعريضه للعذاب النفسي أو المعنوي أو منع الطعام والشراب عنه. إن أساليب التعذيب النفسي والجسدي التي أهدتها إلينا الحضارة الغربية تبدأ من منع تقديم الطعام والشراب, التعذيب بالإغراق وبواسطة الكلاب, الضرب المبرح, إغتصاب نساء من أسرة السجين في حضوره بل وإغتصاب السجين نفسه في احيان كثيرة, الحبس الإنفرادي في أماكن مظلمة لفترات طويلة حتى يفقد السجين الإحساس بالزمان والمكان والإيهام بالإغراق وغير ذالك الكثير. جيوش المسلمين كانت تتلقى الوصايا من الرسول عليه الصلاة والسلام بعدم التمثيل بجثة الكلب العقور وعدم قطع الشجر وعدم قتل الشاه إلا لمأكل وعدم قطع النخيل وغير ذالك مما يطول ذكر من أخلاق المسلمين في الحروب.
إن أساس الإتهامات التي يسوقها الإعلام الغربي بإتهام الإسلام بالإرهاب والعنف وأنه إنتشر بالسيف تعود جذورها إلى حالة الصراع الداخلي التي تخوضها الحضارة الغربية في عقر دارها, فتلك الإتهامات نوع من الهروب للأمام وتعليب مصطلح الإسلاموفوبيا لتقديمه إعلاميا وإعتبار الإسلام شماعة تعلَّق عليها كافة أخطاء ومخازي وسلبيات الحضارة الأوروبية. الحضارة الغربية تحتضر وذالك ليس مبالغة بل من يرى الحقيقة على أرض الواقع يستطيع أن يشاهد أن الأنانية وحب الذات والفردية قد أدت إلى إنتشار أوبئة إجتماعية حيث ترافق ذالك مع فراغ روحي حيث تشير التقارير إلى إرتفاع أعداد الملحدين ومعتنقي الأديان الأخرى خصوصا الإسلام الذي يعد أسرعها إنتشارا في أوروبا. وأنا في هاذا الموضوع تجنبت ذكر نصوص دينية سواء إسلاميا أو مسيحية لانني كما ذكرت في بداية الموضوع قد غادرت ساحة النصوص الدينية والتراثية إلى ساحة التاريخ ووقائعه.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
رابط الموضوع على مدونة علوم وثقافة ومعرفة
https://science-culture-knowledge.blogspot.ca/2018/03/blog-post_18.html
الرجاء التكرم بالضغط على رابط الموضوع بعد الإنتهاء من قرائته لتسجيل زيارة للمدونة
النهاية
التعليقات (0)