مواضيع اليوم

الإسلام السياسي

kamal kasem

2011-08-29 19:07:54

0

 

يمكن تحميل الملف بصيغة ورد من الرابط: http://www.archive.org/details/PoliticalIslam_221 

((الإسلام السياسي))

مقدمة

بُعث رسول الله صلى الله عليه و آله إلى أمة أمية قال تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (الجمعة:2)لا كتاب لهم ولا رسل مبشرين ومنذرين أتوهم قال تعالى: (وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (القصص:46) في شبة جزيرة العرب حيث القبلية والنصرانية واليهودية والصابئية والمجوس والدهرية و غيرهم، فأخرجهم هذا الرسول الكريم من الظلمات إلى النور أخرجهم مما هم فيه من الشرك إلى رسالة الله لكل الأنبياء ألا وهي التوحيد دين الفطرة الذي يدل عليه العقل السليم عند إعماله في التدبر فيما جاء به القرآن الكريم ينبه به الغافل. ولكن ما أنا بصدده ليس إظهار هذا الدين الفطري، بل لأبين حقيقة الإسلام بإظهار ما عليه المسلمين من دين هو خلاف ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله.

وسأبدأ من حيث وفات رسول الله صلى الله عليه و آله مقارنا ما عليه أهل الإسلام من دين ابتداء من عصر الخلفاء إلى عصرنا الحالي، وسنظهر من خلاله حقيقة الإسلام الغائب بما عليه المسلمين من حال، ولكن قبل هذا يجب أن تقعد المبادئ التي جاء بها رسول الرحمن صلى الله عليه و آله.

عصر الرسالة و النبوءة:

كانت رسالة خاتم الأنبياء و الرسل رسالة روحية فقط تهذب نفس الإنسان في علاقته بينه وبين ربه وبينه وبين أخيه الإنسان على هذا الأرض المستخلف عليه لاعمارها، وتشمل رسالة هذا الرسول الأمين مبادئ عامة يقوم على إثرها مجتمع مدني ينظم لنفسه بما يحتاجه من قوانين يسنها بما يتناسب واحتاجته مع اختلاف في كل عصر ومكان طبقا لتلك المبادئ السامية التي جاءت في كتاب الله منها العقل والمصالح التي من أجلها يحيا الإنسان حية طيبه، وهذا أحد أسباب كون الإسلام ذو روح متناسبة في كل زمان ومكان ولهذا كان هو الدين الخاتم.

غادر رسول الله صلى الله عليه و آله هذه الدنيا ولم يوص لأحد من الخلق من بعده ليكون خليفة له، فما هو إلا خاتم الرسول قد بلغ رسالات ربه، ولم يكن ملكا رسول بل كان عبدا رسولا، تركهم وعندهم كتاب الله يهديهم إلى ما يحتاجونه لإنشاء مجتمع مدني يعيش فيه الناس جميعا بمختلف أديانهم و عقائدهم في حرية شاملة، تركهم وفي كتاب الله قوله تعالى: (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) (الشورى:38)

 قد سيس أهل الإسلام الدين فأخرجوه من جلبابه جلباب التوحيد والعبادة وألبسوه ثوب السياسة، فأصبح الناس يقادون باسم الدين لا باسم المجتمع المدني.

عصر الخلافة:

مات رسول الله صلى الله عليه و آله بعد ثلاثة وعشرين عاما من الدعوة لدين الله بالتي هي أحسن وكان منهجه قوله تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (النحل:125) وكان منهجه قوله تعالى: (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً) (الكهف:29) وكان منهجه قوله تعالى: (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (البقرة:256) وكان صلى الله عليه وآله رسولا مبلغا ومبشرا ونذيرا قال تعالى: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) (المائدة:92) وقال تعالى: (وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ) (الرعد:40) وقال تعالى: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (البقرة:213) كان رسول الله صلى الله عليه وآله نموذجا للإنسان الكامل فقد كان مع جبروت من يدعوهم لما يحييهم حياة طيبة في الدارين يعاملهم بالرحمة والرأفة قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الأنبياء:107) وقال تعالى: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) (التوبة:128) وقال تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (آل عمران:159) فهذا رسول الله صلى الله عليه وآله في منهجه في الدعوة لدين الفطرة دين الحق دين العقل دين المواكبة والتطور كما وصفه الكتاب المبين، ملاحقا لاختلاف الزمان و المكان والظرف والحاجة والمصلحة التي من أجلها خلق الإنسان وهي الإعمار لهذا الكون، وقد حق لهذا الدين أن يكون هو الخاتم لأن أصل التشريع فيه عقلي لا نصي كما كانت تشريعات من سبق رسولنا من الرسل، ومن نظر في تشريعات من سبقونا سيجد هناك تدرجا في التخفيف فبني إسرائيل كان تشريعهم نصيا حديا فجاء عيسى ليخفف عنهم ما اكتسبوا بأيديهم قال تعالى: (وَمُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ) (آل عمران:50) فالسؤال الملح الذي يجب أن يطرحه العاقل: هل كان الله جاهلا أو صاحب مزاج يحكم تارة بالتخفيف وتارة بالصعب؟ حاشا و كلا، ولكن ليعلم الإنسان أن الأحكام تشرع حسب الظروف والملابسات ولا يكون هذا إلا بعد أن يكمل العقل الإنساني عندها يستطيع أن يشرع لنفسه ما يراه مناسبا في ظل هذه المبادئ العامة التي جاء بها الكتاب المبين.

الإسلام كما يعرفه القرآن:

أركانه ثلاثة!

شاع بين المسلمين بما توارثوه من رجالات الدين عبر القرون أن أركان الإسلام خمسة:

1.        شهادة أن لا لإله إلا لله وأن محمداً رسول الله. 

2.       إقامة الصلاة. 

3.       صوم رمضان. 

4.        إيتاء الزكاة.

5.       حج البيت.

طيب، ما هو الإسلام؟

الإسلام هو الاستسلام لله و الانقياد له كما قال تعالى: (إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) (البقرة:131).

وقال تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْأِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) (آل عمران:19).

وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة:62).

وقال تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (آل عمران:64).

وهي ذات الدعوة التي كانت للرسل كافة، قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) (الأنبياء:25).

فكيف ينقاد الإنسان لربه وهو يشهد الشهادتين ولا يصدق، ويقيم الصلاة ولا يعدل ويأتي الزكاة ويسرق ويصوم رمضان ويأكل مال اليتيم ويحج البيت بمال غيره..؟؟؟؟

إذن ما هو الشيء أو الأشياء التي يحتاجها الإنسان ليكون مستسلما لله تعالى قائما بالقسط؟

الجواب هي الأركان الثلاثة التي ذكرها الله في كتابه للإسلام وقد لا نسلم من قول عامة الناس: انظر لهذا الذي جاء بالتعريف الجديد لهذا الإسلام وأركانه وكأنه نبي يوحى إليه، نقول لهؤلاء ومن كان على شاكلتهم وهم كثر في عالمنا الإسلامي: هل سمعت سيدي رسول الله صلى الله عليه وآله يقول هذا؟

فإذا كان الجواب: لا.

قلنا: هل حثك الله ورسولك على الإتباع للناس وأفكارهم وعقلوهم ونهجهم، أما حثك وأنت عاقل بالغ رشيد على خلافه من النظر والتدبر في كتاب الله؟

فإن أجبت بالأخير قلنا: هذا ما نحن بصدد الحديث حوله وليس هو من قبيل النبوءة ولا الوحي.

ما هي هذه الأركان؟

نقول هي:

1.        التوحيد = الحرية.

2.       الإيمان باليوم الآخر = العدالة.

3.       العمل الصالح = المساواة.

قد يقول البعض لماذا هذا الثلاثة؟

نقول:

 الحرية:

أليس الإسلام للناس كافة؟ (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْأِسْلامُ...) (آل عمران:19).

أليس الله يريد للناس أن ينقادوا له ويعملوا ما أراده منهم باختيار؟ فهنا تأتي الحرية، والحرية تنقسم إلى قسمين قسم مطلقة و آخر مقيد، فالمطلق بينك وبين ربك وهذا يخص الإسلام إي الاستسلام لله والإيمان والكفر به قال تعالى: (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (الحجرات:14)، فالإسلام هو الانقياد لما جاء به من الحث و الأمر بما توارثناه من الأركان الخمسة التي هي ترجمة فعلية للشطر الأول من ركن الحرية الأول المسمى بالحرية المطلقة المسلوبة في عالمنا وعصرنا وبلدنا.

وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيداً) (النساء:136) وهنا تتجلى مطلق الحرية في الخطاب المتمثل في الإرشاد عن ماهية الإيمان فالله يخاطب من أمن بمحمد بماذا يؤمنون، وليس بالأمر والجبر عليه كما يفعل إخواننا في تطبيق أركان الإسلام الخمسة الموروثة على عامة الناس، فالمؤمن الحق جدير بأن يعمل الحرية المطلقة فيما أراد الله اختيارا لا جبرا.

(وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً) (الكهف:29) وهنا مطلق الحرية التي يأباها كثير من الناس على عباد الله وكأنهم بالوكلاء والمسيطرين ونسوا قوله تعالى لرسوله الكريم: (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) (الغاشية:22) و قوله تعالى: (َكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ) (الأنعام:66)، ولنا أن نسأل كيف ينتشر الإسلام من غير حرية؟؟؟ أليست العبودية والاستعمار والجبر من المنفرات لأي فكر ومنهج حتى وإن كان من أعلم الناس و أفضلهم في الدنيا؟ فكيف برب الأرباب؟؟؟؟ وكيف نريد أن ننشر الإسلام وقد قوضنا أحد أهم أركانه المولدة؟؟؟؟؟

أما الحرية المقيدة فهي خاضعة للزمان و المكان والأعراف، فالحرية الزمانية تعني أن الحرية في زمن الأمويين ليست هي ذاته في زمن الأيوبيين مثلا، وهكذا دواليك، أما المكانية فتعني أن ما هو في الصين غير ما هو في المغرب، وكذلك الأعراف فهي تختلف باختلاف الزمان و المكان و الناس و تخضع للتطور الاجتماعي لأي كائن حي.

فالدين لم يأت إلا لينظم للناس حياتهم بما يتوافق مع عصرهم وحالهم، ولهذا جاء القرآن ليوافق نصه هذا المفهوم الغائب في عالمنا فأصبح جامدا مكتسبا القدسية ذاته للنص القرآني الحمال للوجه بارتباطه بديناميكية التطور الزماني و المكاني المسنون لهذا العلم.

وهنا يأتي السؤال هل الحق في دين الله يتعدد؟؟؟

فإن قال قائل: يتعدد، قلنا: قد أخطأت الصواب، لأن الدين عند الله الإسلام، والإسلام واضح كما أسلفنا في بيان أركانه كما بينها القرآن، وإن قال قائل: لا يتعدد مثل ما نقول، فقد أصاب الصواب بالقرآن و العقل، فالذي يعد التشريع من الدين يكون قد أخطأ خطأ كبيرا، ودمج ما هو متغير إلى ما هو غير ذلك باسم الله الدين، فالإسلام شيء و التشريع شيء، فالذي يتعدد فيه الحق هو التشريع المتغير و المرتبط بالعلل و الأسباب و المسببات و المصالح و الظروف و الأوقات و الأماكن و الأزمنة...الخ، فالأحكام في كتاب الله ليست نصية، بل هي أحكام معللة مطلقا، تحتاج إلى عقل ليتدبرها وينفذها،

العدالة:

أليس الله قد أمر بالعدل وأراده؟ قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ ...) (النحل:90) وهنا تأتي العدالة. وهي ما يضمن استمرار الحياة كما أرادها الله لهذا الإنسان ليسهل عليه تصديقه و الانقياد له، فكم من مسلم كفر بعد إيمانه عندما راء الجور و الظلم هو شعار الدين ونبراسه اليوم في عالمنا الإسلامي بما ورثناه من الحديث المكذوب على رسول الله صلى الله عليه وآله، أليس الله بأحق أن يصون دينه بأن يجعل العدل من أركان دينه الذي يريده من عباده بالاختيار لا بالجبر؟ وهو قادر ولكن حاشاه أن ينقض ركنه الأول وهو الحرية التي قطعا يتولد منها العدالة بالرقابة الإدارية و المالية لا الرقابة الفكرية و الإبداعية السائدة في عالمنا اليوم، و التفتيش عن الحق بالإنصاف وصون الحقوق للجميع، والمحاسبة للحاكم و المحكوم في هذه الدنيا التي نعيش فيه في شتى مجالات الحياة اليومية و السياسية و المدنية، ولكن أين نحن من هذا فالشريف فينا يسرق و الحاكم يقتل والفقير يموت لانعدام الحرية التي تولد العدالة بما سبق وأن سطرنا في شتى مجالات الحياة.

المساواة:

أليس الله جاء بهذا الدين الذي هو الإسلام قال تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْأِسْلامُ ...) (آل عمران:19) بعد أن جعل الإنسان مستخلف في هذه الأرض ليكون مجتمعا مدنيا متعاضدا؟

قال تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (التوبة:60) وهنا تأتي المساواة في الحق في العيش والحياة على هذه الأرض لمن لم يساعده حاله على الاكتساب للرزق والعمل الواجب توفيره في مجتمع تكاملت في كينونته، أضف إلى ذلك أن الناس كلهم سواسية عند الله قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات:13) وأيضا لا فرق بين جنس و جنس وعرق وعرق وهي من الأمور التي تجعل من الإسلام إسلاما عالميا يدخل فيه الناس كافة وهو مراد الله قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (سـبأ:28) فكيف لا تكون المساواة أحد أركان الإسلام؟؟؟؟.

فلن يسود الإسلام الكرة الأرضية ويدخل الناس كافة في دين الله في غياب الأركان الثلاثة المغيبة في إسلامنا المنقول لا إسلام الكتاب المبين. قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة:62). فهذا هو الإسلام كما نص عليه القرآن الحرية = التوحيد، والعدالة = اليوم الآخر، المساواة = العمل الصالح.

هذه هي نتاج الإسلام.

كيف نصل لهذه النتائج؟

1.        بالحرية المطلقة، فالله لا يريد إسلام مفروضا، إذ كيف تفرض التوحيد على مسلوب الحرية، هل يصح هذا، وهل يقبله الله؟ فبلال رضي الله عنه كان عبدا مملوكا ولكنه كان حرا لم يقبل بالعبودية لغير الله، وهذا هو جوهر الحرية الواجب توفره للناس ليتم مراد الله.

2.       بالعدالة نصل إلى الإيمان باليوم الأخر، فالذي يفقد تطبيق العدالة في الدار الأولى سييأس منها في الآخر، ومن قال بعكس ذلك أصبغ على الظلم ثوب الشرعية.

3.       العمل الصالح، لا يتأتى إلا بالمساواة، فالذي يعيش المساواة ويشعر به حتما سيبدل الكثير لإنجاز العمل الصالح بخلاف من هو مهضوم في عمله وبيته و بلده وأهله.

الصلاة وكنهها:

قال تعالي: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) (العنكبوت:45).

هذا أمر الله لسيد الرسل محمد صلى الله عليه و آله، وهو تلاوة ما أوحي إليه من ربه على الناس ليستبينوا الحق من الباطل بكلمات الله بإعمال عقولهم في التدبر والتفكر فيها فإن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ...) (البقرة:286) وإقامة الصلاة التي أوكله الله ببيان هيئتها وعددها بعد أن أجمل الهيئة في الكتاب من سجود و ركوع وتلاوة...الخ (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (النور:56) وكذلك الوقت، وقد تواتر فعل رسول لله صلى الله عليه وآله و بيانه للصلاة هيئة وعددا ووقتا تواترا عمليا للصلاة الخمس في تلك الأوقات والهيئة المعهودة، ولكن هل هذا يجعلها واجبة وتاركها كافر مشرك خارج من الملة؟؟؟؟. هذا ما سيكشف عنه الكتاب المبين والحديث الموافق له.

ذهب فقهاء الإسلام ممن جاءوا بعد عصر الرسول و صحبه والتابعين ليقيموا محاكم التفتيش، والتقول عليه بالباطل و الحكم على من لم يؤدها بالكفر والقتل مستندين على حديث يخالف الكتاب الكريم أخرجه مسلم عن أبي سفيان قال: سمعت جابرا يقول سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة)) وقد قال تعالى: مقارنا الصلاة الحركية التي شرط قبولها النهي عن الفحشاء والمنكر بالصلة الروحية التي هي الرادع عن الإيتاء بالفاحشة والمنكر، بأن الثانية أكبر عند الله في قوله تعالى: (...وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) (العنكبوت:45)، ولو لم يكن الذكر هو استحضار الله في كل حركة وسكنة لما ختم الله تعالى الآية بقوله (...وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) (العنكبوت:45). وبناء على ما تقدم نخلص إلى القول بصحة الأحاديث التي جاءت فيها الرخصة بالصلاة صلاتين فقط؛ وذلك لأن أصل الصلاة هي الصلة الروحية وليست الحركية التي لا يحكم على تاركها بالكفر أو الشرك كما جاء في الحديث المخالف للقرآن، إذ الإنسان مكلف بالعمل الصالح وموضع و مصدر هذا العمل النفس المنقسمة إلى ثلاثة أقسام نفس مطمئنة ونفس لوَّامة ونفس الأمارة.

أخرج أحمد حديثا يفيد هذا المعنى عن نصر بن عاصم الليثي عن رجل منهم أنه أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأسلم على أن يصلي صلاتين فقبل منه.

وقد حكم أهل الجرح و التعديل بصحة سند الحديث وإن كان السند عندي لا يعني شيئا وإنما التعويل على المتن الموافق لما في كتاب الله، فلو كانت الصلوات الخمس واجبة وأحد أركان الإسلام الخمسة كما يقولون، ولا يقبل الإسلام إلا بها ويحل قتل من لا يؤديها و يحكم عليه بالكفر لما سمح رسول الله صلى الله عليه و آله لهذا الرجل أن يصلي صلاتين فقط، وقد جاءت أحاديث أخرى تبين ما هي هذه الصلاتين.

أخرج مسلم و البخاري في كتابيهما الموسوم بالصحيح حديثا يفيد هذا المعنى قال:حدثنا هدبة بن خالد قال حدثنا همام حدثني أبو جمرة عن أبي بكر بن أبي موسى عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من صلى البردين دخل الجنة))

كما أخرج الدارمي حديثا يفيد هذا المعنى قال: حدثنا عفان أخبرنا همام عن أبي جمرة عن أبي بكر بن أبي موسى عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من صلى البردين دخل الجنة)) قيل لأبي محمد: ما البردين؟  قال: الغداة والعصر.

كما أخرج أبو داوود عن وهب قال: سألت جابرا عن شأن ثقيف إذا بايعت، فقال: اشترطت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن لا صدقة عليها ولا جهاد وأنه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك يقول: ((سيتصدقون ويجاهدون)).

وهذا أمر آخر يفيد و يؤكد أن الإسلام ما هو إلا التوحيد أما ما اتصل به من صلاة و صدقة و جهاد...الخ فهي أمور تأتي مع الوقت والمعاصرة وليست من مقومات الإسلام بل من مقومات الإيمان برسول الله صلى الله عليه وآله، ولذلك قال صلى الله عليه وآله ((سيتصدقون ويجاهدون)) لا عن سابق علم ولا وحي فلا وحي إلا القرآن، بل عن فراسة المؤمن؛ لأنه إذا كان التوحيد موجود وهو أصل الإسلام فسيتبعه العمل الصالح وأي عمل صالح في الإسلام خير من الصدقة على الفقراء والمساكين واليتامى وأي عمل صالح في الإسلام خير من الدفاع عن الإسلام كما عرفناه لا إسلام السلاطين.

وقد يقول قائل: الحديث صحيح و لكن كان لسبب وهو تأليف القلوب أو لبيان فضل صلاة الغداة و العصر. قلنا: لو كان ما تقولونه صحيحا، ماذا يحدث لو لم تؤلف قلوبهم للقبول بالخمسة بدلا من الاثنين؟ وأصر الرجل عن شرطه و مات عليه، ماذا يكون حاله عند الله إذا كان الفرق بين الرجل و الكفر والشرك ترك الصلاة وعند رسوله في حياته؟ سيقول الرجل لربه: لقد بايعت محمدا على الصلاتين وعدم الصدقة وعدم الجهاد وهو نبيك ورسولك إلينا وقد قبل وقد قلت في كتابك: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ...) (المائدة:67) فكيف تحاسبني على عدم الصلاة خمسا أو الصدقة أو الجهاد وقد بلغني رسولك وقبل منى، أم تراه لم يبلغ؟

أو أن الرجل لم يصل إلا الصلاتين و أصر على شرطه ترى هل رسول الله صلى الله عليه و آله يخلف وعده وكلمته و ميثاقه؟؟؟، وهل سيتنازل أو يتسامح رسول الله صلى الله عليه و آله في عدد الصلوات الخمس إلى اثنين لو كانت واجبة وجوبا كاملا عدديا حركيا لا روحيا ليدخل رجلا في الإسلام بالخديعة؟؟؟؟؟

أما من اعتذر على أن الحديث لبيان فضل صلاة الظهر والعصر، فنقول له: إذا كان فضلهما بهذا القدر فلماذا المزيد ولا شيء أفضل من الجنة؟ وخلاصة القول أن الصلاة بذاتها لا تدخل جنة أو تخرج من نار لمجرد أدائها دون إعمال النفس في الانتهاء عن الفحشاء و المنكر، وإلا لما دخل من سبق نبينا من الموحدين الذين لا يعلمون من الصلاة إلا الصلة الروحية لا الحركية.

بعد الإجابة على هذه الأسئلة و التساؤلات نستطيع أن نستخلص الحكم على الصلاة وكنهها، وأن نظفر بتعرف الإسلام الحق الذي لولا تحريف السلاطين و فقهاء السوء لدخل الناس كافة دين الله الحنيف.

كنه الإيمان:

ما هي حقيقة الإيمان؟

الإيمان هو دعوة للإيمان بالغيب، و مكان الإيمان القلب الذي يصل الإنسان إليه بالعقل..

فالله غيب، و الرسل غيب لنا، و الكتاب غيب لنا، والملائكة غيب، واليوم الآخر غيب.

يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيداً) (النساء:136)

1.        هل ينادي الله المؤمنين من آمن بالرسول فقط (سواء كان ذلك بالمشاهدة في عصره أو بالسماع في عصرنا) دون المضمون أم بالرسول و المضمون؟

2.       آمنوا بالله (هل الإيمان بالله يكون بالأمر والإملاء والتلقين أم بالنظر والتدبر والتفكر كما جاء في كتاب الله؟) فإذا كان الأول فما الفرق بين من اتبع آبائه في الدين من أهل الشرك؟؟!! و إن كان بالتفكر والتدبر فما الحاجة للرسل؟؟!  إذ التفكر والتدبر لا يكونا إلا بالعقل، ولكي لا يتعلق أهل النص بقولنا (فما الحاجة للرسل) نقول: إن الرسل أرسلوا ليحركوا العقول الساكنة بالتدبر فيما جاءوا به من عند الله لا للتسليم وللتلقين دون نظر و تفكر كما روج له رجال الدين لتكون كلمتهم هي العليا، وهو أصل مشكلة المسلمين حتى اليوم.

3.        الإيمان بالرسول هل هو شرط للإيمان بالله؟ وماذا عمن لم ير الرسول وسمع به مثلنا بعد أن اكتمل العقل البشري بالمعرفة التراكمية؟ كما قلت إن الرسل لم يرسلوا إلا لسبب واحد وهو التذكير، والإيمان بهم لا يكون إلا للتبليغ والتبشير والنذير كما في كتاب الله، ولكن السؤال ماذا عمن دله عقله على الله ودله على العدل الإلهي والمعاد كما كان حال أهل التوحيد من الأحناف قبل الإسلام، هل يقبلهم الله أم يرفضهم رجال الدين؟ لا شك أن الله يقبلهم ولكن ماذا عن رجال الدين السدنة له؟  قال تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (آل عمران:64)

4.        الإيمان بالكتاب، أيضا الإيمان بكلام ينسب إلى الله، والذي يصدق هذا الكتاب هو محتواه الذي فيه الأمر بالتدبر والتفكر والتحقيق لا الاتباع فقط، وبه منهج لمبادئ التشريع، فالتشريع غير ثابت في هذا الكتاب بل به المبادئ العامة لتغيير التشريع حسب ما تقتضيه الحالة والظرف والزمان والمكان ويصب في خدمة هذا الإنسان المستخلف، وهذا من أحد دواعي التصديق بالكتاب بأنه من عند الله.

5.       الإيمان بالكتب السابقة، كان لأجل التصديق ومصدقا لخاتم الكتب، فالكتب السابقة كانت متطورة في التشريع بمعنى أن كتاب موسى كان نصيا فجاء عيسى وخفف عليهم بكتابه الإنجيل، والسؤال الذي يطرح نفسه: هل كان الله عاجزاً عن التخفيف عنهم لعجزه وعدم علمه السابق بحالهم أم لسبب آخر؟؟؟؟ الجواب: حاشا وكلا، فالله عالم حكيم، ولكن ليجعل الإنسان قابلا لتطور التشريع عند إرساله خاتم الكتب والأنبياء، فلا يجعلوا أحكامه التشريعية التي جاءت به كمبادئ، ثابتة لا تتغير مع تقدم الوقت واختلاف الظرف، ولكن الذي حصل هو العكس، فرجال الدين لم يروا ما أراده الله فخالفوا سنة الله في كتبه فجعلوا الكتاب الخاتم يحتاج لكتاب آخر ليخفف عنهم فجاءو بالحديث ، وذلك بتصلبهم على نصية مبادئ التشريع فيه ونسخها إن تعارض مع الواقع.

6.       أما الكفر بالله فهو يؤدي حتما إلى الكفر بالملائكة و الكتب و الرسل و اليوم الآخر، لأن الإيمان بالله حتما يؤدي إلى الإيمان بالجزء وهم الملائكة و الكتب والرسل واليوم الآخر. فالإيمان بالله هو إيمان بما يليه كما جاء في الآية. ولهذا ورد في الحديث الموافق للقرآن ((من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه دخل الجنة) وهذا يعني أن الأصل هو الغاية لا الفرع و لا الوسيلة أيا كانت هذا الوسيلة. فجوهر الإسلام وغايته هو التوحيد أم الوسائل و السبل التي تؤدي إليه فلا قيمة لها إن وصل للغاية بغيرها.

7.       وهناك أمر وضع بليل وهو الأيمان بالقدر خيره وشره، فهو ليس من أركان الإيمان في شيء، ولكنه أصبح كذلك عند العامة من الناس، وأصبح مركز الإيمان عندهم لأنهم يتعرضون للمصائب كل يوم على أيدي الناس والحاكم ولهذا وضع حتى أصبح هو الأصل. إن هذا الركن من أركان الإيمان السلطاني مهم للغاية بالنسبة للحاكم الذي صاغ الدين الجديد حكم ما تمليه عليه الحاجة في التحكم في الرعية وحاشا أن نكون مثل الأنعام حتى في الإشارة. فهذا حديث في أصبح الكتاب بعد كتاب الله بل هو في الحقيقة المقدم على كتاب الله وهو صحيح مسلم فضل عن أخيه البخاري، أخرج مسلم في صحيحه: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشرّه) و الحاجة لتمرير هذا الإيمان هو لهذا الحديث الذي أخرجه مسلم والذي يكشف حقيقة اللعب بهذا الدين الذي يأبى إلا أن ينتصر بالقرآن  (يكون بعدى أئمة لا يهتدون بهدي ولا يستنون بسنتي وسيقوم فيكم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس ) قلت : كيف أصنع إن أدركت ذلك ؟ قال: تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك)، فإن لم يكن هذا حث على قبول القضاء والقدر فلا أعرف ماذا يكون، خاصة بعد الحث على السمع والطاعة في ظل هذه الظروف من رسول نقل عن ربه خلاف ذلك: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)(النحل:90).

مراتب الإيمان

قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (البقرة:260)

هذا طلب من إبراهيم لربه بأن يريه كيف يحيى الموتى، ماذا قال له ربه، قال: أولم تؤمن ؟؟؟ وهي صيغة استفهام من العلام الخبير، وهنا نأتي لحقيقة الإيمان، والله هو العالم بما تخفي الصور، فهل نقول عندها أن الله كان لا يعلم حقيقة إيمان إبراهيم إلا بعد جوابه؟؟؟؟، أم أن استجابته وسؤاله عن سبب طلب إبراهيم فيه إقرار منه تعالى لحق الإنسان ومشروعيته في البحث عن مزيد من الاطمئنان؟؟؟؟

قال إبراهيم: (بلى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي)، أي أنني مؤمن، وألحق جوابه بالسبب وهو الاطمئنان الذي لا يتم إلا بالمشاهدة، وجواب سيدنا إبراهيم كان في سياق علم اليقين لا عين اليقين الذي طالب به، وهنا مفارقة بسيطة في التعريف بإيمان علم اليقين وإيمان عين اليقين فيما يخص إيمان إبراهيم بالله لأنه لم يكن إيمانه بالله إيمانا يقينيا مشاهدا، أي عين اليقين، بل كان علم اليقين بالعقل، و التدبر، قال تعالى: (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) (الأنعام:75) فما رآه من ملكوت السموات و الأرض بالنظر دله إلى علم اليقين الذي جاء في سياق الآية لا عين اليقين، وهو أن لكل مخلوق خالق، فأثبت العقل وجود الله، لا رؤية الله، لأن الله حكم بأنه لن يراه أحد ليثبت به ذاته بل إثباته لا يكون إلا بمخلوقاته قال تعالى: (وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) (لأعراف:143)، فالذات الإلهية في الإثبات هي من جرأ علم اليقين لا عينه كما دل القرآن على ذلك بخطاب الله لإبراهيم و غيره من البشر مما تدبر و عقل في إثبات الخالق بالمخلوق، و هناك أمور أخرى لا يكون الإيمان بها يقينا حقيقيا إلا بعين اليقين لا علم اليقين، وهي إحياء الموتى والملائكة ...الخ، وقد نفى الله عن البشر علم اليقين إلا من اختصهم به من الأنبياء و الرسل والبشر، قال تعالى: (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (البقرة:259)، وقوله تعالى: (وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (آل عمران:49)  أو عبرة بأنفسهم قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ) (البقرة:243)

·        فهل إيمان إبراهيم وعزير وبني إسرائيل بإحياء الموتى كإيمان زيد من البشر؟؟؟؟

الجواب بطبيعة الحال، لا، لأن الامتحان كان لأناس معينين، وأيضا الخبر ضمن كتاب أوجد الله بالعقل، فالغاية من الخبر هي الخضوع لا الإيمان.

·        وهل يلزمنا عين اليقين بما جاء ذكره في كتاب الله عن حقيقة الإحياء أم فقط إيمان علم اليقين أو إيمان الاتباع؟؟؟؟

·        وهل الإيمان بالاتباع يؤدي إلى الإيمان بعلم اليقين أو يوصل إلى عين اليقين؟؟؟

طبعا الجواب لا، فإيمان الاتباع لا يؤدي إلى علم اليقين؛ لأن علم اليقين لا يتأتى إلا بإعمال العقل و إعمال العقل عمل مخالف للاتباع دون نظر، كما أن علم اليقين لا يؤدي إلى عين اليقين إلا في المسائل التجريبية المادية المحسوسة لا الميتافيزيقية التي لا تكون إلا بالمشاهدة و الحس الذي حكم العقل الناقص ابتدأ باستحالته فيما يخص الذات الإلهية وما يتصل بها من أمور غيبية، فسيطر العقل الكامل عليها وهو عقل من تجلى له الحق فأصبح يتكلم باسمه وهم الأنبياء أو لنقل المفكرين العبقريين الذين أوجدوا الحل للخروج من التيه العقلي في الغيبيات وسببا الموجودات وموجدها.

·        ما هي متطلبات إيمان عين اليقين و إيمان علم اليقين وإيمان الاتباع ؟؟؟

متطلبات عين اليقين، هي المشاهدة وقد حكم القرآن بذلك في قوله: (ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ) (التكاثر:7) ما هي هذه التي سنراها عين اليقين؟؟؟ هي الجحيم، والجحيم مكان يعذب به الإنسان بعد البعث، والبعث أصلا من علم اليقين لا عينه، فكيف نثبت عين اليقين بعلم اليقين؟؟؟ هذا لا يتأتى لأن حكم العقل المسيطر على العقل الخاضع هو السائد بمفهوم الإيمان و التسليم.

·        قال تعالى: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) (الحجر:99) ترى ما هو اليقين المقصود به في الآية؟؟؟

·        هل هو يقين معرفة الله، أم يقين البعث، أم يقين الحق من الباطل...الخ؟؟؟

من خلال السياق يتبين أن اليقين هو النصرة، إذ لا يقين في معرفة الله ولكن يقين الحجة في وجود إله الناتج عن العجز العقلي، أما البعث فهو كما سبق وأن بينا، أما الحق والباطل، فالعقل المسيطر هو الحاكم باليقين به.

فجميع الأنبياء من نوح حتى سيدنا محمد بن عبدالله، قد تكلموا مع الله قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ) (الشورى:51)، ولا أريد أن أفسر كيفية الوحي من الموجد بعلم اليقين لا بعينه، فالقارئ سوف يدرك الكيفية إن كان متابعا لما دونت، فحصل لهم علم اليقين الأرفع درجة من درجة غير الأنبياء و الرسل في وجود الخالق من عجز العقل عند اليقين به، فنحن لا يقين لنا إلا يقين العقل العاجز المتدبر في خلق الله دون خطاب، أو إيمان تابع صرف.

وهنا خاطب الله جل جلاله الإنسان وطلب منه الإيمان فقط لا اليقيني بل إيمان العقل، ونبذ إيمان الاتباع والقرآن طافح بنبذ التقليد في الاتباع في الدين قال تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ) (البقرة:170).

وهنا نطرح سؤلا قد يتبادر إلى ذهن من يظن التناقض في كلام الله وكلامنا، وهي عبارة الاتباع الذي هو منبوذ وبين طلب الاتباع، فنقول اتباع ما أنزل الله لا يكون من غير تدبر ولا تفكر ولا تفقه وإن أعمل الإنسان ما سبق ذكره فهو لا يتبع بشرا بل يتبع ربا وهبه العقل ليعمله.

فمراتب الإيمان ثلاثة:

الأول: إيمان عين اليقين.

الثاني: إيمان علم اليقين.

الثالث: إيمان الاتباع.

الأول: لا يتحقق إلا بالمشاهدة، وهي أمور تختص بالله وبالغيبيات، وهذا النوع من اليقين ينفيه الله عن خلقه فيما يخص ذاته، إذ قال: (وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي)(لأعراف: من الآية143)، وقال: (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) (طـه:110)، وقال: (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (الأنعام:103) ، وهنا يطرح العقل سؤالا بعد أن أعجز الله خلقه من اليقين به عينا: هل هناك إله فعلا في هذا الكون؟؟؟

سؤال قد يستنكره البعض، وهو سؤال مشروع خطر على بال جميع الأنبياء، والهدف منه هو البحث عن الحقيقة التي لم يجعل هذا الإله سبيلا إلى معرفتها إلا الإيمان بالغيب دون اليقين كما سبق و أن بين هذه الفكرة الكتاب المبين، وقد يقول البعض اليقين في قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) (الأنعام:75) ولكن هل هذا اليقين المذكور في الآية هو عين اليقين أم علم اليقين؟؟؟ ، الجواب طبعا أن اليقين المذكور في الآية هو علم اليقين الناتج عن النظر لا عين اليقين الناتج عن المشاهدة، ولكن سيقال أننا استدللنا على وجوده بمخلوقاته، وعندها نقول: إذا لكل محدث (بفتح الدال) محدث (بكسر الدال)، فما هو أو من هو المحدث (بكسر الدال) لهذا الإله، وتستمر السلسلة إلى مالا نهاية، ولكن عندي لا تسلسل في الإجابة على هذا السؤال، فبناء على ما تقدم من إثبات وجود الله بالنظر و العقل، نقول: أن المحرك الرئيسي لكل ما سبق ذكره هو العقل، فالعقل هو الذي أوجد هذا الإله، بعد أن عجز عن الإجابة عن سبب وجود المخلوقات، فنسب خلق كل ما عجز عنه إلى قوة خفية أحاطها في كتابه (القرآن) الذي أنتج بالإعجاز غير المشاهد، ليخضع العقول لهذه القوة، بدلا من أن تتعدد العقول وتنتشر الفوضى باسمه، وبغض النظر عن حقيقته من عدمها، لدى المؤمن به تقليدا، فإن القرآن الذي يعتقد نسبتها إلى هذا الإله يقر أن الإيمان بالله لا يكون بعين اليقين، بل بعلم اليقين عندما أثبت وجود الله بالنظر والتفكر في المخلوقات التي نسبها لله المتعارف عليه والمستدل عليه بالنظر والعقل، عندما عجز هذا العقل عن الإجابة وظهر قصوره ولكنه في نفس الوقت أتم هذا القصور بإيجاد هذا الإله البديل عنه، لتكون له السيادة باسمه وهو أمر ملحوظ في كتابه الذي لا يخالف العقل أبدا، والذي به كيفية إثبات الخالق وهي بالعقل، وأحكامه التي تناسب الوقت و الحال والظرف، وكذلك يظهر هذا العقل في كتابه مراحل النمو الذي كان منذ العقل الأول وهو آدم إلى العقل الكامل وهو محمد، فمراحل النمو التراكمي تجده في التشريع الذي كان لموسى و عيسى و محمد، وهم من كان لهم كتب حفظت لنا عبقريات عقولهم فما جاء به موسى كان أشد مما جاء به عيسى وما جاء به محمد كان أخف و أكمل للبشر كافة في تشريعه لكمال العقل في ذاته.

أنا لا يهمني إن كان هناك إله أو لا، ولكن ما يهمني مضمون ما يدعيه أصحاب هذه الرسالات لله، فإن كانت رسالتهم كما جاءت في القرآن دعوة للحياة السعيدة في سلام و وئام وحرية وعدالة و مساواة  ومواكبة للوقت و الحال و إعمال للعقل الذي أوجد لنا الله ...الخ فهذا الدين أقبل، وإن كان يدعو إلى القتل و الفرقة و الفوضى و الحيرة و إهمال العقل و الفكر فلا أقبله.

الثاني: إيمان علم اليقين، وهذا في متناول الجميع من البشر الذين حباهم الله، الذي سبق تعريف كنهه، دون مخلوقاته كلهم بالعقل وحثهم على النظر به و التدبر، وهو الإيمان الحق للناس كافة.

الثالث: إيمان الاتباع، وهو ينقسم إلى قسمين:

القسم الأول: الإيمان بالله والملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر، وهذا النوع من الإيمان منبوذ في كتاب الله.

القسم الثاني: إيمان العقل التابع، بمعنى أن من آمن بالله عن طريق العقل فإنه حتما سوف يؤمن بما يتبعه من مخلوقات الله تعالى.

بعد الإجابة على هذه الأسئلة نسأل فنقول: لماذا حرم فقهاء الإسلام والقائمين عليه السؤال والبحث في الدين المحرك للعقول النابع منها؟؟؟؟؟

أبو بكر الصديق و الشورى:

مات رسول الله صلى الله عليه و آله ولم يستخلف أحداً لأنه لم يكن رجل دولة بل كان رسولا نبيا بلغ رسالات ربه و تركهم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، وترك لهم نصا جاء في كتاب ربه مرشدا ومؤيدا لما كانوا عليه ألا وهو (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) (الشورى:38) ، ولكن لم يكن لهؤلاء الصحابة من الحظ الكبير في الأخذ بهذه النصيحة و التوجيه الرباني فيما بينهم في اختيار أحدهم ليبدأ قيام دولة المجتمع المدني الجديدة التي كمل لها مبدأ تشريعها في كتاب ربهم، فقد اختار نفر من المسلمين وهو عمر شخص الرئيس الأول وكلاهما من قريش في مجلس يعج بالأنصار ولا أريد أن أخوض فيما جاءت به الأخبار التي فرقت المسلمين من بعد إلى فرق وطوائف متناحرة إلى يومنا هذا، ولكن الهدف هو إظهار ما خالفه أهل الإسلام الأوائل من مبادئ تشريع الله لهم.

فلم تكن شورى في اختيار أول رئيس للدولة بل كانت فلتة كما قال الرئيس الثاني عمر، وقى الله شرها، وهذا إقرار صاحب الأمر بهذا إن صح النقل كما نقله صاحب كتاب الثقات ابن حبان 2 / 157 قال: ((روي عن عمر بعد السقيفة أنه قال: (... إن الله قد جمع أمركم على خيركم صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وثاني اثنين إذ هما في الغار فقوموا إليه فبايعوه فبايع الناس أبا بكر بيعة العامة بعد بيعة السقيفة ثم تكلم أبو بكر فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: (أما بعد أيها الناس فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني الصدق أمانة والكذب خيانة و الضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه إن شاء الله، والقوى فيكم ضعيف عندي حتى أخذ الحق منه إن شاء الله، لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم بالبلاء، ولا تشيع الفاحشة في قوم إلا عمهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله)). والناظر لهذا النص يعلم أنه لم ينتخب أو أن الأمر لم كان شورى بين كافة الناس، بل كان فعلا مجبورين عليه، بدعوى عدم الفتنة...الخ، بل إن أمر الترشيح والاختيار قد سُلِبه أبا بكر فلم يكن له حتى الخيار في تنصيبه هذا الأمر، ولذلك قال: ((وليت عليكم )) والمعلوم للمتابع لما دار في السقيفة أنه لم يرشح نفسه ولم يرد الأمر ابتداء، وفي باقي خطابه الذي ألقاه فيه بعض التناقض الواضح فقد قبل المنصب دون تحقيق سنة الرسول صلى الله عليه وآله وهي الشورى، وهو أيضا يعلم والجميع يعلم ما كان عليه علي بن أبي طالب من خلاف وبني هاشم وأمية وقريش والعرب، فالسؤال من الذي قام وبايعه بعد خطبته هذه التي وسمت بالعامة وهي غير ذلك؟؟؟؟؟ الأمر الآخر ألا وهو الجهاد ولنا وقفة مع هذا الباب لاحقا بعد أن نفند أبواب الشورى التي سلبها المسلمين منذ ذلك الوقت حتى يومنا هذا.

ربما أملت عليهم الظروف على اختيار رئيس قبل أن يوارى جثمان الرسول الكريم الثرى، ولا يعنينا التفصيل ولكن يعنينا الأسباب، وأحد هذه الأسباب عدم الثقة بين الأصحاب وإلا لما بادر كلا الفريقين من المهاجرين و الأنصار إلى تنصيب رئيس للدولة قبل الآخر، ولا نعلم ما هي أسباب عدم الثقة ولكن قد يكون الخوف من المستقبل وما كشفته أيام التاريخ لنا فيما بعد وقد تكون عصبية الجاهلية للقبلية والمنطقية التي جاء الإسلام ليمحيها من عقول أهل ذلك الزمان إيذانا لعصر الحرية والعدالة و المساواة التي للأسف الشديد لم يتقن الرعيل الأول الدرس جيدا من رسولنا الكريم صلوات الله عليه و آله، ولكن علموا من جاء بعدهم درسا آخر اصبغ عليه أهل العروش الشرعية الإلهية والرسولية بمثل قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) (النساء:59) وقول منسوب لرسول الله صلى الله عليه و آله عن العرباض قال: ((وعظ رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس ورغبهم وحذرهم وقال ما شاء الله أن يقول ثم قال: ((اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وأطيعوا من ولاه الله أمركم ولا تنازعوا الأمر أهله ولو كان عبدا أسود وعليكم ما تعرفون من سنة نبيكم والخلفاء الراشدين وعضوا على نواجذكم بالحق)))، وفي حديث آخر   ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ)). فمن يستطع بعد ذلك اليوم أن يخالف ما سنه الخلفاء خلافا لسنة الله ورسوله صلى الله عليه وآله؟؟؟ لقد سن الخلفاء اختيار الفرد على الجماعة التي تكون شورى بين الناس في أمر يهمهم جميعا وهو أمر ليس من الدين في شيء، ولكنه جعل من الدين بفعل هؤلاء ليتسلط السيف و الألقاب مثل الزنديق و الفاسق و المبتدع...الخ مما يحفل به قاموسنا على رقاب المخالف السياسي و النقاد الحر والمجتهد الحر، وكلامنا هذا سيقيم الدنيا ولا يقعده وهو لأكبر برهان على صحة ما نقول، فهذا أول ما غيب من الإسلام الحق باسم السنة المخالفة لكتاب الله.

 الأمر الآخر الذي أساء فهمه أهل الإسلام هو فعل رئيس الدولة الجديدة ألا وهو قتل المرتد فقد واجه أبو بكر الصديق مرحلة سياسية اقتصادية كانت تهدد قيام الدولة على الوجه الذي يجب أن تقوم عليه أي دولة فقد امتنع قوم عن دفع الزكاة واحتجوا بأنهم كان يأدونها لرسول الله الذي كان يوزعها على مستحقيها والآن سيعطونها لفقرائهم و البعض الآخر ارتد عن الإسلام كليا، فقرر أبو بكر الصديق أن يحاربهم حتى لو منعوه عقالا كانوا يؤدونه لرسول الله صلى الله عليه و آله، وكأن الزكاة كان يستوجب أداؤها لغير رسول الله صلى الله عليه وآله وقد حدد الله مصاريفها فعلم الناس كيف يؤدونها بعد أن كان رسول الله الأمين يؤديها عنهم ليعلم صدق إيمانهم ولكثرة القادمين عليه من الفقراء و المساكين ومن حوله من أهل المدينة و من الآفاق و الوفود...الخ، أما بعده فالأمر بينهم وبين ربهم، أم أن الزكاة كان يصرفها رسول الله صلى الله عليه وآله في أموره الخاصة ودولته كما يقول من يحب أن يلصق برسول الله صلى الله عليه و آله أنه كان رسولا ملكا؟؟؟؟، ولنا في يومنا شاهد على ما نقول فكم من أهل الإسلام يؤدون الزكاة إلى الدولة؟؟؟ لا يوجد إلا في السعودية التي فرضت هذه الزكاة على التجار دون الأفراد ومع ذلك ينتشر الفقر في أطراف البلاد ولا تعلم له سببا يعقل، أما باقي دول العالم الإسلامي فلم تعد تعمل بهذه الفريضة واكتفت بالضرائب التي قامت عليها دولتهم وتركت هذه الفريضة بين العبد و ربه، فهل بعد هذا نحكم على من لم يؤدها بالكفر و الردة؟ إن فعلنا ذلك كان 99% من المسلمين مرتدين عن دين الله.

نعود للموضوع فعارض عمر الأمر واستشهد بقول رسول الله صلى الله عليه وآله (( من قال لا إله إلا الله فقد عصم دمه)) ونسي ما هو أهم في الاستشهاد بقول ينسب لرسول الله صلى الله عليه و آله على لسان عمر إن صح في كتاب لا نعرف كذبها من صدقها إلا بالعرض على الكتاب وهو قوله تعالى: (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً) (الكهف:29) ونسى قوله تعالى: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) (يونس:99) و قوله تعالى: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) (يونس:99) فما لبث عمر أن وافق أبا بكر الصديق كما جاءت به الأخبار في تلك الكتب على ما نوى القيام به إلا وسن سنة جديدة في الإسلام تخالف الكتاب المبين وأصبحت هذه السنة سيف الله المسلول على المعارضين السياسيين وأصحاب الأفكار والاجتهادات المخالفة لفقهاء السلاطين وحاشيتهم.

مفهوم الردة في الإسلام.

وتعالوا معنا لننظر في كتاب الله ماذا قال في حق المرتد عن الدين قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ( (المائدة:54).

فهذا حكم الله في من ارتد عن دينه، ما هو هذا الحكم: هو أن الله سوف يأتي بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم، أي الاستبدال. فهل الله مخلف وعده؟!.

وقوله تعالى: ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) (البقرة:217) وهذه الآية تحكم على من مات وهو كافر مرتد عن دين الله بإحباط العمل في الدنيا والآخرة وجزاؤهم في الآخرة الخلود في النار. فهل من حدٍ نسيه الله سبحانه وتعالى؟.

وقوله تعالى: (إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) (المائدة:33، 34) وهذه الآية الكريمة جاءت بحكم عام لكل من حارب الله ورسوله وهذا يقع من المسلم والكافر، إذ الحكم ليس في الردة، بل هو قاصر على الحرابة لله والرسول، وقد استثنى الله الذين تابوا قبل المقدرة عليهم بالمغفرة والرحمة، ولم يشترط الرجوع في الدين بل اقتصر الاستثناء على التوبة من محاربة الله ورسوله والسعي في الأرض فساداً، فتبين من هذا أن هذا الحكم لا علاقة له بالردة عن الدين، فلا مجال لتحميل الآية مالا تحتمل.

وقد ذكر الشيخ عبدالعزيز جاويش رحمه الله في كتابه (الإسلام دين الفطرة)، شرحا جميلا لمعنى الردة كما جاءت في كتاب الله وسياقه، ولعلنا نورده لتعم الفائدة قال رحمه الله: إن ذكر الردة جاءنا في موضعين من القرآن الكريم، ففي سورة البقرة جاءت آية: (وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (البقرة: 217) وفي سورة المائدة جاء قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ) (المائدة: 54)

وظاهر أن هاتين الآيتين لا تدلان على معاملة أهل الردة بما أفتى الفقهاء من القتل لمجرد الرجوع عن الدين، وكل ما دلت عليه آية البقرة، المذكورة آنفا، أن المرتدين مطرودون من رحمة الله تعالى، ومعنى الردة هنا، على ما يظهر من سياق الآية ومن روح الكلمة، أن معناها الارتداد عن منازلة الأعداء الذين كانوا لا يفتئون يقاتلون الرسول ليفتنوهم عن دينهم ويرجعوهم كفارا بعد إذ آمنوا.

يدلك على هذا التأويل ما جاء قبل ذلك من الآيات قال تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُو كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (البقرة:216/217)

يستنبط من ظاهر هذه الكلمات الكريمة أنها نزلت في قوم من المسلمين كانوا يهمون بالكف عن القتال، ويرغبون من أن يدفعوا عن دينهم، وأن يبذلوا مهجهم وأرواحهم في نصرته وتأييده، بغضا للقتال، وضنا بالأرواح وما علموا لجهلهم أنه ليس وراء إخلادهم إلى العدو وإعراضهم عن صده سوى أن يستذلهم ذلك العد ويتعبدهم، وأن الموت الذي يفرون منه لا ريب ملاقيهم، إلى ذلك يشير قوله تعالى: (وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ) اهـ

الزكاة في الإسلام:

الزكاة: تعني النماء و الزيادة.

الصدقات: هي قوة الشيء، وهي الأموال التي فرضها الله على أموال الناس، وتصب في المعنيين النماء و التطهير، قال تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (التوبة: 103).

ما هي هذه القيمة، هل هي في كتاب الله، أم هي من أمر رسول الله، أم من تحديد فقهاء الإسلام؟

درج المسلمون على تحديد فقهاء الإسلام لنسبة الصدقات التي فرضها الله في كتابه على أنه ربع العشر ناسبين ذلك لرسول الله صلى الله عليه و آله، كما درجوا على أن يسموا من امتنع عن الزكاة بالمعنى الوصفي التي هي الصدقات بالمعنى المالي على أنهم مرتدون عن دين الله، وللناظر الفهم، هل يريق الإنسان دمه و أهله وقبيلته لمجرد ربع العشر من ماله إن كمل نصابه كما قالوا، أم ما سنجيب عليه لاحقا؟؟؟؟؟

هذا هو مدخلنا لمعرفة قيمة الصدقات المفروضة من الله على عباده قال تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (التوبة:60).

فهؤلاء هم المستحقون للصدقات ولا قيمة فيها.

أما قوله تعالى: (وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (الأنفال:41) ففي هذا الآية توجد الأصناف والقيمة معا، ومعنى الغنم أي: أي شيء تغنموه، أي تكسبوه ولم يحدد حربا أو غيرها، ولكن قد يقول قائل: إن أصناف المستحقين الثمانية يختلفون عن الذين ذكرهم الله في آية الغنم التي تدعي أنها تفيد قدر الصدقات المفروضة؟؟؟

نقول: في الآية الأصناف الثمانية نجد المستحقين كالتالي:

1.        الفقراء.

2.       المساكين.

3.       العاملين عليها.

4.        المؤلف قلوبهم.

5.       الرقاب.

6.       الغارمين.

7.       سبيل الله.

8.       ابن السبيل.

أما آية الغنم فهي لمن يلي:

9.       لله، وهذا يصرف على من لم يأت ذكره في الآية.

10.     رسوله، وهذا ليس قابلا للتطبيق.

11.      القربى، وهذا حق معلوم.

12.     اليتامى، وهذا لم يأت ذكرهم في الأصناف الثمانية فيضاف إليهم.

13.     المساكين، هؤلاء موجودون.

14.      ابن السبيل، وهؤلاء أيضا.

أما العاملون عليها فهم ليسوا من المستحقين للصدقات، ولكن ذكروا لأجل إظهار مصدر تشغيلهم، والمؤلفة قلوبهم لم يوجدوا إلا في وقت معين وهو بداية الدعوة وقد فطن عمر بن الخطاب لهذا الأمر فأبطله، أما الرقاب وهذا أيضا ممتع اليوم لعدم وجود الرق في العالم والغارمين فسهمهم من سهم الله ورسوله. وبهذا العمل نكون قد جمعنا بين الآيتين و مستحقيها فيكونون كالتالي:

15.     سهم الله و رسوله، المتضمن الفقراء، والعاملين عليه، الغارمين، سبيل الله)

16.     المساكين.

17.     اليتامى.

18.     ابن السبيل

19.     القربى.

الآن نأتي على ما دلنا على أن الغنم هو الكسب: قال تعالى: (فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّبًا وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) (الأنفال:69)

ما هو الغنم؟

الغنم هو الكسب، والكسب لا يكون إلا حلالا طيبا.

ولكن علماءهم جعلوه ما أخذ بحرب فقط، ولا أدري كيف حصل هذا والله يقول: (فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّبًا وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) (الأنفال: 69)  وقد قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (الأنعام:141) فقال: كلوا، وقال: وآتوا حقه يوم حصاده، فكيف يصرف الغنم إلى ما صرف إليه من الأخذ بالحرب؟؟؟؟؟ وقد أشار إلى أن العمل والكسب في الزرع من الغنم وطالب بإيتاء حقه يوم الحصاد؟؟؟

مما ذكرنا يظهر لنا أن مقدار الصدقات المفروضة على الناس هي الخمس لا ربع العشر، وهي سبب من أجله يقدم الإنسان الغالي والرخيص في عدم إيتائه لا ربع العشر الذي لا يعد شيئا من أجله يفقد الولد و المال و الكرامة والدين...الخ كما حصل في أيام أبي بكر الصديق، فهذا أجدر لوقوع الحدث والامتناع من الدفع.

أما وقت ونصاب إيتاء الزكاة، فمن المتوارث عليه أنه عند اكتمال النصاب والحول، وهذا يخالف كتاب الله، إذ يقول الله تعالى في وقت إيتاء الزكاة: ( وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ )(الأنعام: من الآية141) هذا فيما يخص الزرع أما ما يخص التجارة والزرع أيضا، فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) (البقرة:267) أما النصاب فهو الكسب، وليس هذا مرتبط بوقت، إذا حاجة أصحاب الصدقات ليست مقيدة بوقت ولا نصاب، وإلا ذهب المقصد الأسمى من الزكاة وهو سد الحاجة على الدوام

لهؤلاء الناس المحتاجين لفريضة الله على الأغنياء من عباد الله.

استطراد:

من المعلوم أن ما عليه أهل الإسلام اليوم يختلف اختلافا جديرا عن ما نقول في أمر الزكاة، وكثير ممن سيقرأ هذا الكلام سينعتنا بكل ما سبق وأن وضعه أهل السلطة والدين فيما خالف دينهم السائد. ولكن في ضوء ما دونته واستنتجته يظهر جليا لكل ذي عقل أن ربع العشر ليس بذلك القدر الذي يفقد المرء حياته وخراب بلدة وموطنه وسبي أهله من أجله، ولكن عندما يكون الخمس هو المراد فهذا أجدر بالقتال من أجله. ولكن قد يقول أحدهم لماذا لم يثبت المنتصر هذه النسبة بعد انتصاره على من رفض دفعها للخليفة؟ نقول: لو فعل ذلك لاستمر الحرب بلا نهاية، ولهذا جنحوا إلى القول بربع العشر لكي يكون أسهل في التطبيق. ونحن نعلم أن الرسول لم تكن له دولة بل كانت له دعوة، ولكن من جاء من بعده أقامة دولة، وهذا الدولة أعمدة قيامها هو المال والحث على الجهاد ربما للشاهدة في سبيل الله، مع الله الإسلام الحقيقي قال من شاء فليؤمن و من شاء فليكفر، فلا يوجد مبرر للفتح العسكري إلا إن كان هذا من سياسة الدولة لا الدين، وأيضا، الغنيمة في الحرب. فمن غير هذه المكونات لا يمكن أن تقوم الدولة، والرسول استخدم هذه الدعائم لنشر دعوته بعد أن حورب، إذا ترك ينشر دعوته في سلام لم احتاج لهذه الدعائم التي سخرها من جاء بعده لقيام دولة بالسيف باسم الدين ليفقد الإسلام الحقيقي بريقه ويولد الإسلام السياسي الذي يختلف اختلاف الأبيض و الأسود.

وقت الحج في القرآن:

يقول الله تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) (البقرة:197).

1.        الحج أشهر معلومات = شوال + ذو القعدة + ذو الحجة.

2.       فرض = فرض: فرض فرضت الشيء أفرضه فرضا و فرضته للتكثير أوجبته. لسان العرب.

3.       فيهن = الأشهر المعلومة.

4.        فلا رفث و لا فسوق ولا جدال في الحج = العمل الناتج عن الفرض لا الفرض من غير عمل (لكي لا يبحر الآخرين في هذا الاتجاه).

على من يجب الحج؟؟

يقول تعالى: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) (الحج:27) هذا الكلام موجه لسيدنا إبراهيم صلوات الله عليه وآله.

 ويقول تعالى: (ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (النحل:123).

و (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (الأنعام:161).

و (وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً) (النساء:125).

و (قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (آل عمران:95).

و (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) (البقرة:130).

فكيف يحرم الحج على المسلم (كما عرفه الله (أي الإسلام) بإبراهيم) وهو للناس كافة؟

وكيف يعقل أن يخالف رسول الرحمة ملة أبيه إبراهيم المأمور بإتباعها؟

نحن نعرف أن المسجد محرم على المشرك بنص الآية: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (التوبة:28)

ولكن ماذا عن غير المشرك في دخوله للمسجد الحرام؟

ولماذا منع المشرك وغير المشرك ممن ليس تابعا لرسالة محمد صلوات الله عليه آله من دخول مكة بخلاف الحرم للمشرك؟؟؟؟

للإجابة على هذه السؤال نسأل بسؤال: هل أهل الكتاب وغيرهم مسلمين؟؟ الجواب: نعم، إن اكتملت فيهم أركان الإسلام السابقة الذكر من توحيد، وإيمان باليوم الآخر و العمل الصالح، وهي عيناها الشروط المذكورة في كتاب الله المهجور وهو القائل: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة:62).

وبناء على ما تقدم تصبح مكة ليست محرمة على أهل الكتاب والمشركين حيث يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (التوبة:28) فهل كفر المسلمون بهذه الآية، أم أنهم حرفوها عن موضعها، أم أن كلام الله اختلف عليهم و لم يفهموه؟؟؟

فهم لا يسمحون لأهل الكتاب أن يدخلوا مكة و المدينة، بحجة أن الآية أعلاه تقول ذلك، والناظر يجد أن المراد عدم اقترابهم من المسجد الحرام لا المدينين، هم مشركي قريش لا أهل الكتاب، وإن كان يطلق على أهل الكتاب بالمشركين لأنهم يقولون بأن المسيح ابن الله واليهود تقول عزير بن الله، فتعالوا نسأل أهل الكتاب عن صحة نسبة هذا القول لهم، فمن يقوله نمنعه ومن يرفضه ندخله.

وهذا سؤاله لأهل الذكر (أهل العلم بالتاريخ) هل وجد من العبيد من هو غير مسلم في مكة قديما؟؟؟؟ وهل كان العبيد إلا السبي؟

خلاصة القول: بعد هذا السرد التدريجي من الأسفل إلى الأعلى بداية من عدم حرمة دخول المدينتين مكة و المدينة لأهل الكتاب و المشركين أيضا، وحرمة دخول المشركين فقط المسجد الحرام بنص القرآن، مرورا بأن الحج للناس كافة وهم من كان مثل إبراهيم أي مستسلم لله ولا دخل لهذه الفريضة بالإيمان بمحمد لا من قريب و لا من بعيد فهذا شأن آخر، مرورا بتهيئة المكان و الزمان لمن يريد هذا الحج الذي فرضه الله على الناس كافة عند الاستطاعة ، وهذا الأمر متعذر إن كان الحج محصورا في أيام معدودات كما يقولون لا ثلاثة أشهر كما قال الله تعالى في كتابه وربطه الأمور السابقة لتكون مقدمة لحصول الحج الأكبر، فإن كان الحج أياما معدودات كما يقولون فعندها سيكون قوله تعالى: (فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) (آل عمران:97) لا قيمة له ، إذ لو أستطاع 20 مليون الحج فإنهم لن يسمح لهم بالحج في عامهم لأن المكان لا يستوعب الكمية، وعندها سيكون الله قد أمر بشيء لم يهيئ له المكان و الزمان وهذا فيه ما فيه، فضلا عن أن 2 مليون يموت منهم المئات و الآلاف من جرأ الازدحام، فهل الله يأمر بما فيه حرج للعباد ومشقة وموت لكي يفرح في يومه ذاك ويفتخر بعباده أما الملائكة وهم يدوسون بعضهم البعض مرضاة له؟؟؟؟ وقد تشبث الكثير بقوله تعالى: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) (البقرة:203) على أن الحج أيام معدودات كما فعل الرسول في وقته ونسوا أن هذه الأيام هي جزء من الأشهر الثلاثة التي فرض الله فيهن الحج، وأن الثلاثة الأشهر كلها أيام معدودات لمن أراد الحج، فالثلاثة الأشهر كلها يوم التروية و يوم عرفه ويوم مزدلفة ويوم النحر وأيام العيد ...الخ لمن أراد الحج فيهن ، وهذا هو الربط الذي غيبة المسلمون لقرون، فحرموا أهل البلاد مما أنعمه عليهم من ازدهار للاقتصاد في مدة الحج التي تكفل الله بها بعد طرد المشركين وتحريم المسجد الحرم عليهم والحج إليه في قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)(التوبة: 28) وحصول الألفة بين الناس كافة ممن قال فيهم الله: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة:62).

فلماذا هذا التحريف لكلام الله عن موضعه يا أهل الإسلام، إن كان دين الإسلام دين سلام ومحبة ودين الناس كافة؟؟؟؟؟

الصيام:

إن الصيام المتعارف عليه بين أهل الإسلام هو الإمساك عن الطعام و الشراب و الجماع من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وفي القرآن إنه إلى الليل، والليل لا يحل إلا بظهور النجم وهذا لا يتأتي بغروب الشمس، أما الصيام بنص القرآن فهو بالخيار كما قال الله تعالى: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ)(البقرة:184) فالذي يطيقه فليصم والذي لا قبل له عليه فليطعم مسكينا، وهذا بناء على ما نقوله بعدم وجود الناسخ و المنسوخ في القرآن، أما الذي يقول بالنسخ و المنسوخ فسوف يستدل بقوله تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (البقرة:185). أما غير ذلك من مبطلات الصيام الذي لم يأتي ذكره هو التدخين والإبر، فقد اختلف الناس منهم من اتبع رجال الدين حتى وإن خالفوا أصولهم الفقهية ومنهم من هداه الله إلى طريق الصواب.

الصيام السياسي:

الصيام أنواع وما يعنينا الآن هو صيام عاشوراء وهو اليوم الذي قتل فيه الحسين بن علي فقد قلد الناس رجال الدين في تطبيق تشريعهم الديني السياسي ونسى الناس التاريخ والدين، وأصبحوا للأسف الشديد قوم تبع لا يأتمرون إلا بأمر رجل يقول لهم هذا ما يقوله ربكم ورسولكم وبين أيديهم كتاب الله الذي هجروه ونسوا ما أمرهم به من التدبر والتفقه وعدم إتباع الآباء بعد أن ظهر الحق وزهق البطال وتركهم الله على المحجة البيضاء ليلها كنهارها. فالصيام قربة إلى الله وقد فطن بني أمية لهذا وجعلوا اليوم الذي نحر فيه ابن رسول الله قربة يتقرب بها أهل إسلامهم إلى الله، فوجهوا الحديث ليساعدهم  على تحقيق مرادهم، وقد نجحوا، فوجهوا حديث أخرجه البخاري قدم النبي صلى الله عليه وسلم ، واليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال ما هذا اليومُ الذي تصومونه، فقالوا هذا يوم ظهر فيه موسى على فرعون، قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه أنتم أحق بموسى منهم فصوموا). وكما قيل لكل فن رجاله فقد أجرى الدكتور صالح العجيري بحثا في هذا الشأن وهذا مفاده: قال الباحث الفلكي الدكتور صالح العجيري انه توصل بالحساب الفلكي الموثوق إلى أن هجرة المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم كانت يوم الاثنين 8 ربيع الأول سنة 1 هجرية المصادف 20 سبتمبر سنة 622 ميلادية وان ذلك يوافق 10 شهر تشري سنة 4383 عبرية وهو يوم صوم الكيبور «عاشوراء اليهود» العاشر من الشهر الأول من السنة عندهم.

ودلل العجيري في تصريح لـ «الوطن» على ذلك انه يستنبط من السير أن صاحب الشريعة الإسلامية الغراء سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم قد بارح مكة المكرمة مهاجرا قبيل ختام شهر صفر ببضعة أيام في الليالي التي يخبو فيها نور القمر وذلك بعد أن انتظر قدوم فصل الخريف فلم يشأ أن يهاجر مباشرة بعد بيعة العقبة التي تمت في فصل الصيف الحار ومكث ثلاث ليال في غار ثور متخفيا ثم خرج منه في غرة شهر ربيع الأول قاصدا يثرب التي سميت بعد الهجرة بالمدينة المنورة ووصل قباء في يوم الاثنين في النصف الأول من شهر ربيع الأول واستراح هناك أيام الثلاثاء والأربعاء والخميس وأسس بها أول مسجد في الإسلام الذي نزلت فيه الآية الكريمة (لمسجد أسس على التقوى من أول يوم) ثم شرف المدينة المنورة يوم الجمعة.

وقد اتفق الرواة في اليوم من الأسبوع على انه يوم الاثنين إلا أنهم اختلفوا هل هو يوم 2 أو 8 أو 12 من شهر ربيع الأول ولأجل تحديد اليوم المطلوب لزم معرفة اليوم من الأسبوع لمستهل السنة الأولى من الهجرة النبوية فمنه نعرف غرة شهر ربيع الأول من السنة وذلك بالحساب الفلكي الموثوق حيث أن ولادة هلال محرم سنة 1426 هي صبيحة الأربعاء 9/2/2005 الساعة الواحدة والدقيقة 28 وبذلك يتعين دخول محرم سنة 1426 هجرية يوم الخميس 10/2/2005 وفي هذا اليوم يكون قد مضى من السنين الهجرية 1425 سنة قمرية وحيث أن ادوار التقويم الهجري الكبرى هي 7 أيام ضرب 30 سنة يكون الناتج 210 سنوات بعدها تعود أيام الأسبوع لموضعها فنقسم 1425 سنة على 210 يكون الناتج 6 ادوار كبرى ويبقى 165 سنة نقسمها على 30 وهي دورة الكبائيس والبسائط في التقويم الهجري فالناتج 5 ادوار صغرى ويبقى 15 سنة نوزعها على سني الكبائس والبسائط.

وذكر الدكتور العجيري ان الكبائس 2، 5، 7، 10، 13، 15، وعددها 6 والبسائط 1، 3، 4، 6، 8، 9، 11، 12، 14 وعددها 9 وحيث أن أيام الدورة الصغرى هي 30 سنة ضرب 345 يوما جمع 11 يوما كبيسة فالناتج 10631 يوما وبضرب الأدوار الصغرى 5 ضرب 10631 فالناتج 53155 أما الكبائيس 6 ضرب 355 فالناتج 2130 والبسائط 9 ضرب 354 فالناتج 3186 ويكون المجموع 58471 يوما.

وأشار العجيري إلى انه بتقسيم الأيام 58471 على 7 يكون الناتج 8353 أسبوعا فنحذفها ويبقى صفر وحيث انه تبين أن أول شهر محرم سنة 1426 هو يوم الخميس فينتج أن أول شهر المحرم سنة 1 هجرية هو يوم الخميس فلكيا وبالرؤيا يوم الجمعة وحيث انه علم أن أول المحرم سنة 1 هجرية هو يوم الجمعة فإن أول شهر صفر لسنة 1 هجرية هو يوم الاثنين وحيث أن أيام الاثنين لا تأتي في النصف الأول من شهر ربيع الأول إلا في 1، 8 ، 15 منه وان الهجرة لم تحدث لا في يوم 1 ولا يوم 15 من ا لشهر فهي إذن حدثت يوم 8 من ربيع الأول وبذلك يتحقق أن هجرة المصطفى حدثت يوم الاثنين 8 ربيع أول سنة 1 هجرية ويصادف هذا اليوم 20 سبتمبر سنة 622 ميلادية.

عاشوراء اليهود ومن جهة أخرى قال العجيري انه جاء في الحديث النبوي الشريف أن الرسول الكريم قدم المدينة يوم عاشوراء فإذا اليهود صيام فقال ما هذا قالوا هذا يوم صالح اغرق الله تعالى فيه فرعون ونجى موسى فقال أنا أولى بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه ولا شك أن يوم عاشوراء لم يكن عاشوراء المسلمين الذي هو العاشر من محرم بدليل انه صلى الله عليه وسلم تساءل «ما هذا» كما أن الروايات الصحيحة قطعت أن الهجرة النبوية الشريفة حدثت في شهر ربيع الأول وليس في شهر غيره أذن فلعل عاشوراء هو عاشوراء اليهود فلليهود يومان في السنة كلاهما عاشوراء أولهما العاشر من شهر تشري أول شهور السنة العبرية والثاني في العاشر من شهر طبت رابع شهور السنة العبرية.

وقال أن ذلك يتطلب أن نبحث إن كان احد اليومين يصادف يوم الهجرة ا لنبوية حيث انه من المعروف من التقاويم أن يوم أشهر تشري مستهل سنة 7565 عبرية يصادف يوم الأربعاء 15 سبتمبر سنة 2004 ميلادية وهو غرة شهر شعبان سن 1425 هجرية وبذلك يكون الشهر الثاني من السنة العبرية هو «مرحشوان» يصادف شهر رمضان والشهر الثالث «كسليو» يصادف شوال والرابع «طبت» يصادف ذو القعدة والخامس شباط يصادف ذو الحجة والسادس آذار يصادف محرم مستهل سنة 1426 هجرية وبالرجوع إلى اليوم الذي حدثت فيه الهجرة يتضح أن 1425 سنة قمرية ضرب 12 يكون الناتج 17100 شهريا قمريا ومن المعلوم أن الدور في التقويم العبري هو 19) 12 شهرا = 228 شهرا يضاف إليها 7 شهور النسيئ) فيكون مجموع الدور 235 شهرا منقسمة 17100 شهرا قمريا على 235 فالناتج يكون 72 دولارا كاملا ويبقى 180 شهرا وهي تعادل 15 سنة قمرية واليهود ينشؤون فيها 5 سنين ذات 13 شهرا فإذا أنقصنا شهور النسئ وهي 5 من 15 سنة يبقى 14 سنة و 7 شهور نضيف 14 سنة إلى 72 دورا ذات 19 سنة (1368) ينتج 1382 سنة عبرية نطرحها من السنة العبرية 5765 فيكون الباقي 4383 سنة عبرية هي سنة الهجرة النبوية.

وذكر العجيري أن لتعين الشهر نرجع 7 شهور فتكون آذار شباط طبت - كسليو - مرحشوان - تشري - أيلول ونقف على شهر (آب) من سنة 4382 عبرية فهو المصادق لشهر محرم سنة 1 هجرية وبذلك يكون الشهر العبري المصادف لشهر ربيع الأول سنة 1 هجرية هو شهر تشري مستهل سنة 4383 وبما أن يوم الاثنين 8 ربيع الأول من سنة 1 هجرية هو بناء على رؤية الهلال وان مولد شهر تشري مبني على التوليد القمري والاصطلاح فان اليوم العاشر من تشري سنة 4383 عبرية وهو يوم عاشوراء يصادف يوم الهجرة النبوية الشريفة إذن فبالدليل الحسابي تتفق هذه النتيجة مع ما ورد في الحديث النبوي الشريف من انه دخل المدينة في يوم عاشوراء وكان يهود المدنية صياما.

وحول صيام المسلمين زمن الهجرة عاشوراء في شهر ربيع الأول ونصومه الآن في شهر محرم وقال العجيري أن العديد من العلماء أكدوا له أن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يوم دخل المدينة لم يكن اليهود يصومون عاشوراء نفس اليوم إنما بعد مرور عدة شهور وجدهم يصومونه وليس بالضرورة أنهم كانوا صائمين حتما يوم دخوله المدنية.

وذكر العجيري انه توصل إلى أن المسلمين زمن الهجرة صاموا عاشوراء اليهود ثم خالفوهم وتركوا صيام اليوم العاشر من أول شهر في سنة اليهود ونقلوه إلى اليوم العاشر من الشهر الأول في سنة المسلمين.

مشيرا إلى انه بالحساب الفلكي الموثوق تبين أن اليهود كانوا صائمين يوم دخول النبي صلى الله عليه وسلم المدينة بذات اليوم وليس في يوم آخر سواه وحسب ما تقدم وبالحساب الفلكي فان يوم الهجرة النبوية الشريفة هو الاثنين 8 ربيع الأول من سنة 1 هجرية لموافق 20 سبتمبر سنة 622 ميلادية المصادف 10 تشري سنة 4383 عبرية يوم عاشوراء اليهود كانوا صائمين نفس اليوم.

مفهوم الجهاد في الإسلام:

أورد الخليفة الأول كلمة الجهاد، فأي جهاد كان يعني؟ هل هو جهاد الكلمة أم جهاد السلاح أم جهاد الكلمة والسلاح؟؟؟ فإن قلنا أن الجهاد الذي قصده هو جهاد الكلمة فنقول قد صدق فإن الله يقول: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (النحل:125) وإن كان يقصد الجهاد بالسلاح لدفع العدوان فهو الصواب، فما من أمة يتربص بها عدوها إلا نهضت للحرب و الدفاع عن نفسها، بغض النظر عن دينها و ملتها، وأما إن كان يقصد جهاد الكلمة والسلاح فهذان أمران لا يجتمعان في الإسلام فلا (إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)(البقرة: من الآية256) (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (البقرة:190) ولا أظن أن الرئيس الأول كان يقصد الثالث بل الأول والثاني كلا على حدا، ولكن المسلمين اليوم تفهم الجهاد بمعناه الثالث فقط، وبهذا الفكر المخالف لمنطوق القرآن ومفهومه، شوه الإسلام و ألبس لباس الإرهاب والغلظة وضيق الأفق، فالمؤرخ المسلم وغير ينسبون ما قام به السلاطين و الملوك من فتوحات للإسلام، ولا ينسبونها للشخص القائم بها، وهذا ليطفوا على شخصية الملك أو السلطان خلافته في الأرض باسم الله والرسول، وأي شيء أكبر وطأة في نفوس الناس من الدين؟؟؟، فقد استغل الناس وشوه الدين باسم الدين وسفكت دماء وشردة أقوام باسم الدين والدين برئي منهم، بل إن أكبر خاسر هو الدين الذي وظف لأغرض سياسية وتوسعيه، جعلت منه دين السيف، دين الإكراه، دين الغلظة، دين الجبر، ولكن الله سبحانه في كتابه الخالد ضمن وضوح الرسالة لمن رجع لكتاب الله لا لكتب الأهواء وأقوال الرجال.

عمر بن الخطاب و الاجتهادات:

الأمر الآخر هو حرية التعبير و إبداء الرأي، لا أحد ينكر أن الصحابة كانوا يتأسون برسول الله صلى الله عليه وآله في الملبس والمشرب والأخلاق قدر المستطاع وقد كانت أبوابهم مفتوحة للعامة ولا يوجد حجاب بينهم وبين العامة وكان رئيس الدولة هو من يخطب الجمعة وفي هذه الجمع يأتي الناس ليسمعوا ما يقوله رئيس الدولة وكأنه مجلس الشعب الذي يعقد أسبوعيا وهو شبيه بما عليه بعض بلدان العالم العربي اليوم ولكن باختلاف جذري وهو حرية الكلام و المتابعة والمراقبة لما يتم الاتفاق عليه، فقد قال عمر بن الخطاب وهو على المنبر: ((أيها الناس اسمعوا و أطيعوا ))، فقال له سلمان الفارسي: ((لا سمع لك اليوم علينا ولا طاعة!))، فقال له عمر: ((و لمه؟))، قال سلمان: ((حتى تبين لنا من أين لك هذا البرد الذي ائتزرت به وأنت رجل طوال لا يكفيك البرد الذي نالك كبقية المسلمين!))، فنادى عمر ابنه عبدالله فقال له: ((ناشدتك الله هذا البرد الذي ائتزرت به أهو بردك؟، فقال: ((نعم!))، ثم قال عبدالله موجها كلامه للناس: ((إن أبي رجل طوال لا يكفيه البرد الذي ناله كبقية المسلمين، فأعطيته بردي ليأتزر به))، عندئذ يقول سلمان: ((الآن مر، نسمع و نطيع))، فقال عمر: ((إذا أحسنت فأعينوني، و إذا أسأت فقوموني! ))، فقال له سلمان: ((و الله لو وجدنا فيك اعوجاجا لقومناه بحد السيف))، فقال عمر: ((الحمد لله الذي جعل في رعية عمر من يقومه بحد سيفه!!)).

نستطيع من خلال هذا المشهد التاريخي المنقول ولا نعرف مدى صحته ولكن نتحرى الصحة في قراءته، فحرية الرأي قد سلبت ابتداء في سقيفة بني ساعدة وهي الأصل، ونحن نتساءل:

·        كيف يقوم رجل ليعترض على الخليفة في ملبسه؟؟ ولا يعترض على تهميش رأيه في اختياره لرئيس الدولة؟؟؟

·        أما هي من صناعة المنافحين عن العصر الراشدي الذين يحاولون أن يبيضوه نصرة للإسلام، وكأن الإسلام يحتاج نصرتهم الكاذبة؟

قد يقول البعض لقد ارتضوه طاعة لأبي بكر، نقول:

·     وهل أبو بكر أفضل من رسول الله صلى الله عليه وآله عندما ترك الأمر شورى بين الناس؟؟؟ ولنفترض أنهم ارتضوه لما هو عليه من حزم، وعندما رأو عليه من الثياب ما يفوق سهمه اعترضوا عليه ورفضوا الطاعة حتى يخبرهم من أين له هذا؟؟ أقول: هذا شيء جميل أن يكون المرء بهذه الشجاعة وهذا الفكر وهذه الحرية ولكن هذه الصفات لا تليق بمن يرضى أن يهمش صوته وهو أحد من له الحق في اختيار الرئيس للدولة و الترشيح له، فالذي يتجرأ على تهميش صوت الإنسان يعتبر المهمش نكره لا قيمة له وهذا ما حدث ولو تعذر من تعذر بكل المعاذير.

وقد يسارع آخر و يقول منعا للفتنة...الخ!! نقول:

·        وأي فتنة أشد من أن ينفرد شخص بقرار يخص الجميع وجاء القرآن يصف الشورى بأنها أمر يماشي صفة المؤمن المقيم للصلاة؟؟؟

 فبمثل هذه الروايات التي لا نعرف صحتها من عدمها هي التي شكلت واقعنا السياسي اليوم فأصبح الاضطهاد سمة أساسية من سمات الدين باسم الله و الرسول و السنة الرشيدية.

أمر آخر طالب به الله الناس و أمرهم به وهو الاجتهاد و النظر والتدبر والتفكر في أمور الدنيا والدين وعدم التسليم دون نظر واقتناع وخير دليل كتاب الله فقد قال تعالى: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) (محمد:24) وقال تعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (البقرة:164) وغيرها كثير أكثر من أن يحصى.

نقلت لنا الأخبار اجتهاده مع النص وهو الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، ولكن ما لبث هذا الاجتهاد أن يتحول بقدرة قادر إلى حكر على بعض الصحابة و بعض التابعين فقط بحجج وقواعد لم ينزل الله بها من سلطان، وضعها صعاليك السلاطين وتلاميذ الأرباب والرهبان فقعدوا القواعد و أصلوا الأصول وسردوا متطلبات للاجتهاد فيما أمر الله به الإنسان الاجتهاد فيه دون شرط أو قيد، ولسان حالهم يقول: ( ماذا يعقل الله في أمر الدنيا والدين)، سبحان الله، هو لا يعقل ولا يعرف شيئا ولذلك أكملوا له فقعدوا وأصلوا وأسردوا، حاشا وكلا أن يكون كما أقروا بفعلهم ونفاه لسانهم، ولكن الهوى والمصالح تتفوق على مراد الله في عالم السلطان.

من تلك الاجتهادات التي خالفت النص مخالفة جلية كما جاءت به الأخبار هي:

1.        تعطيل حد السرقة.

2.       إلغاء سهم المؤلفة قلوبهم.

3.       عدم تقسيم أراضي الفتح على المسلمين وإبقائها في يد أهلها على أن يدفعوا العشر من خراجها.

4.        إقراره وقوع الطلاق البائن في المجلس الواحد خلافا للقرآن والسنة الموافقة له.

5.       زيادة حد شارب الخمر.

6.       جمع الناس على صلاة التراويح.

7.       تحريم زاوج المتعة.

8.       إسقاط الجزية عن نصارى بني تغلب وإبدالها بالصدقة (الزكاة).

 وهو نص غير قرآني وإنما نسب إلى رسول الله صلى الله عليه و آله في أمر ليس بمحرم نصا في كتاب الله وإنما تحريمه متعلق بعلة، وسنأتي على القول فيه لاحقا.

1.      منع الزواج من الكتابيات مخالفا بذلك كتاب الله.

حد السرقة:

 فحد السرقة كما جاءت الأخبار به مؤيدا لظاهر القرآن، وهو حد لا يستقيم عندي مع ما جاء به الإسلام من كفالة لحق اليتيم والمسكين والفقير وعابر السبيل...الخ من مستحقين الزكاة وغيرهم، وسنتطرق لإظهار وجهة نظرنا في هذا الحد بعد التفصيل إظهار العلل التي استند عليها الخليفة الثاني في تجميد هذا الحد على أساس أن هناك حدا وهو قطع يد السارق، وحجة القائلين بهذا الحد النصي الذي لا يوجد له استثناء في كتاب الله أو تخفيف أو شفاعة، قوله تعالى: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (المائدة:38) فهذا أمر الله جاء حدا في من سرق أو هكذا فهموا القطع في الآية وهي غير ذلك عندنا، وقد جاءت الأخبار أن عمر بن الخطاب عطل حد السرقة في عام المجاعة، أورد ابن القيم في كتابه إعلام الموقعين هذا الخبر فقال: ((أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه اسقط القطع عن السارق في عام المجاعة) .... قال السعدي وهذا على نحو قضية عمر في غلمان حاطب ثنا أبو النعمان عارم ثنا حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه عن ابن حاطب أن غلمة لحاطب بن أبي بلتعة سرقوا ناقة لرجل من مزينة فأتى بهم عمر فأقروا فأرسل إلى عبد الرحمن بن حاطب فجاء فقال له: إن غلمان حاطب سرقوا ناقة رجل من مزينة وأقروا على أنفسهم، فقال عمر: يا كثير بن الصلت اذهب فاقطع أيديهم فلما ولي بهم ردهم عمر ثم، قال: أما والله لولا أني أعلم أنكم تستعملونهم وتجيعونهم حتى إن أحدهم لو أكل ما حرم الله عليه حل له لقطعت أيديهم وايم الله إذ لم أفعل لاغرمنك غرامة توجعك ثم قال: يا مزني بكم أريدت منك ناقتك، قال: بأربعمائة، قال عمر: اذهب فأعطه ثمانمائة)).

فالظاهر من كلام عمر أن تعطيل حد السرقة كان للحاجة والجوع، وعدم رأفة الناس بالناس.

·     روي عن الرسول صلى الله عليه و آله وسلم أنه قال: (لا قطع على مختلس ولا منتهب ولا خائن) أخرجه ابن حجر في كتاب (الدراية في تخريج أحاديث الهداية) 2 /110، وأخرج ابن حبان في صحيحه عن رسول الله صلى الله عليه و آله 10/317، قال: (لا قطع في ثمر ولا كثر) كما أخرج أبو داود في سننه عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال، قال: (لا قطع في الطعام).

·     حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا نصر بن باب عن الحجاج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا قطع فيما دون عشرة دراهم)) أخرجه ابن حجر في كتابه (الدراية في تخريج أحاديث الهداية) 2/109، و أخرج مسلم 3/ 1312 قال: (حدثنا يحيى بن يحيى وإسحاق بن إبراهيم وابن أبي عمر واللفظ ليحيى قال بن أبي عمر حدثنا وقال الآخران أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عمرة عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( يقطع السارق في ربع دينار فصاعدا))   

قال أبو حنيفة ومحمد: ((لا قطع في كل ما يسرع إليه الفساد نحو الرطب والعنب والفواكه الرطبة واللحم والطعام الذي لا يبقى ولا في الثمر المعلق والحنطة في سنبلها سواء كان لها حافظ أو لم يكن ولا قطع في شيء من الخشب إلا الساج والقنا ولا قطع في الطين والنورة والجص والزرنيخ ونحوه ولا قطع في شيء من الطير ويقطع في الياقوت والزمرد ولا قطع في شيء من الخمر ولا في شيء من آلات الملاهي)). أورده صاحب كتاب أحكام القرآن للجصاص ج4 ص74.

فالناظر لما أوردنا من نصوص بنى عليها الناس أحكامهم بالقطع والشرط للقطع و ما إلى ذلك من أمور استوجبت القول بالقطع لمن فهم القطع بأنه البتر، فمنها ما هو للرسول صلى الله عليه وآله ومنها ما هو للخليفة الثاني ومنها ما هو لأحد فقهاء الأمة المعتبرين، ولا يخفى علي القارئ الكريم أن يرى التناقض بينهم وما يعنينا ابتداء مقارنه ما نسب لرسول الله صلى الله عليه وآله من قول، فالأول يقول أن لا قطع في ما دون العشرة دراهم وآخر ينفي هذا النصاب بأن القطع في ربع دينار، ولا علم لنا عن حقيقة مقدار الدينار للدرهم، ومن جاء بالقدر عليه البرهان، والثاني ينفي القطع في الطعام والثمار والثالث ينفي القطع للمختلس والناهب والخائن، فالعقل هنا يسأل كيف أوفق بين هذه الروايات؟؟؟؟؟ الآية تشير إلى الإطلاق في القطع لمن ذهب أن القطع هو البتر، ولا تخصيص، فإن قلنا أن التخصيص جاء من قول رسول الله في الحديث الأول فإن الحديث الثالث ينفي صحة الحديث الأول، وإن قلنا الحديث الثاني جاء مخصص لتنفيذ الحد فالحديث الأول ينفيه لأن إن لم يكن طعاما فسيكون مالا لأجل الطعام، فأنا في حيرة وأظن القارئ الكريم في حيرة أيضا، فهل يا ترى رسول الله صلى الله عليه وآله يضعنا في هذه الحيرة وهو سيد البيان؟؟؟؟ بالطبع لا، وهذا ما فقه عمر إن صح الخبر وأنا لا أره صحيح لأننا لا نقول بالقطع أصلا، ولنا فيها اجتهاد سنودره بعد كشف حقيقة الأمر للقارئ، فالذي روي عن عمر أنه عطل حد السرقة لعلة المجاعة والحاجة، لكن يظل الحد ثابت ألا وهو البتر للأطراف على اختلاف الروايات من أين يكون البتر وهذا أحد الأدلة التي تساند ما نذهب إليه فلو كان القطع يعني البتر لما اختلفت الروايات في موضعه فمنهم من قال أن من الرسغ ومنهم من قال من مفصل الكوع ومنهم من قال من الإبط ومنهم من قال من المنكبين.

أما قول أبو حنيفة رحمه الله ففيه من العجب العجاب ولا أظنه صحيح لرجل اشتهر بالنظر بعين العقل والقرآن، فما نسب إليه فيه من التناقض ما لا يقبله العقل والكتاب، وكأنه يقول أسرق ما يعطب من الطعام و كأن العبرة من منع السرقة هو ما لا يعطب من الأكل وما إلى ذلك مما نسب إليه ولكن القطع في من سرق الياقوت والزمرد وهي أشياء لا توجد عن العامة من الناس بل عند السلاطين فقط، فكأن هذا النص صاغه رجل من فقهاء السلاطين ليرهب العامة من الناس بالقطع لأطرافهم على اختلاف من أين يكون القطع ليحفظ حق الطبقة العليا من أن تناله أيدي الجائعين و المظلمين، الذين أباح لهم حق السرقة للطعام الذي لا يستوجب القطع بمعنى البتر، ويحرم عليهم سرقة الياقوت والزمرد الذي لا يقتنيه إلا الملوك و السلاطين الذي يستوجب القطع بمعنى البتر.

 أما تأويلنا للقطع وهو اجتهاد سيرفضه من ضاق عقله بالتقليد وركن النظر مشيا وراء السيناريو المكتوب من أمد بعيد بتجهيل الناس أجمعين وبمهاجمة كل من تسول له نفسه في إعمال عقله في كتاب الله كما أمر الله ورسوله صلى الله عليه وآله، يقول تعالى: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (المائدة:38).

ذهب أهل الإسلام إلى الفهم أن المقصود بالقطع هو القطع المادي ليد السارق والسارقة، ودعموا هذا بالروايات التاريخية و الروايات الحديثية التي سبق أن أوردناها، كعادتهم في الترويج لدينهم السائد متناسين المقاصد القرآنية لدولة الإنسان دولة الشعب.

فالدولة التي جاء بها الشعب في إسلام محمد لا إسلام السلاطين من وظائفها الرئيسية هي الحفاظ على المواطن وتوفير سبل العيش الكريم فإن لم يجد بادرت بمساعدته كما هو الحال في الغرب الآن من ضمان اجتماعي و وظيفي، وكما كان في بعض العهود الإسلامية الأولى عصر الخلافة الراشدة التي كان للمسلم حق معلوم من بين مال المسلمين، وما أشبه حال دولة الغرب اليوم بتلك التي كانت على أرضنا قبل 1400 سنة.

فالقطع يقصد به من يستفاد من الأموال التي وفرتها الدولة له في حالة البطالة وقام بالسرقة، فإن الدولة تقوم بقطع هذه المساعدات جزاء بما كسبت يداه، لا القطع المادي لليد في حالة السرقة، فقطع اليد سوف يجعل من هذا الفرد عالة مستديمة على المجتمع و على الدولة التي أساس وجودها هو تقويم المجتمع ومساعدته وتأهيله، لا العكس الذي سيقع لا محالة بجعله من الناقصين عضوا مهم من جسده، وفي حالة المسلمين الحاضرة يرمونه رمي الكلاب لقدره وقضاه بمفهومهم العاطل.

ولنرجع إلى أصل القطع لليد، فقد سن هذا الأمر قبل الإسلام كما جاء في الأخبار وصاحب هذا الحكم الأرستقراطي الجائر هو الوليد بن المغيرة وهو من صناديد قريش وذلك ليحافظ على أموال السادة من قريش من السرقة وإبقاء الطبقية الاجتماعية على حالها كما هو الحال اليوم في الوطن العربي والإسلامي، فالسؤال هل يقر الإسلام هذا الأمر الذي شرعه أحد صناديد قريش ليزيد الفارق الطبقي الاجتماعي بين الناس في حين أن الإسلام جاء ليلغي هذه الطبقية بتوفير الدولة للمساعدة المادية والعينية للمساكين والفقراء من عباد الله؟

وللجواب على هذا يجب على الفرد المسلم أن يعي دور الدولة الصحيح في الإسلام قبل الحكم بعيون أهل إسلام السلاطين.

وقد يجيب البعض في ثقة ويقول نعم إن القطع هو الجزاء، لقوله تعالى: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (المائدة:38). فنقول له وهل القطع يعني البتر؟ فإن قال نعم، قلنا: وماذا عن قوله تعالى: (فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ) (يوسف:31) فالقطع غير البتر، أليس هذا صحيح؟ وقد يقول الآخر: إذا القطع تعني العلامة على اليد كما كان تفعل أوربا في القرون الوسطى بوضع علامة على باطن اليد لترد شهادته إن جاء للشهادة برفع يده أمام القاضي، وهذا يسقط قولك الأول بأن القطع حملته على قطع المعونة، نقول: لا ضير في الجمع بين الاثنين ولكن الأصل ما ذكرناه وهو روح الإسلام، وقد يباد قائل فيقول: ماذا عن من لم يكن ممن يستحق المعونة وقد سرق، ماذا يفعل به؟ أقول: هنا يأتي القانون المدني الذي وضع أساسه كتاب رب العالمين ليبني الناس قوانين تواكب متطلباتهم و تطوراتهم و ظروفهم و حاجاتهم لما فيه المصلحة العامة وضبط الأمور.

إلغاء سهم المؤلفة قلوبهم:

يقول تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (التوبة:60) هذا نص القرآن، وقد ألغى الرئيس الثاني هذا السهم؟ فالسؤال ما هو السبب الذي جعل عمر يلغي هذا السهم؟؟؟  

أورد صاحب المهذب 1/172 قال عمر: ((إنا لا نعطي على الإسلام شيئا فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)) والمعلوم أن الرسول قد أعطى المؤلفة قلوبهم، فما الذي تغيير؟ هل كان الرسول صلى الله عليه و آله يعطي المؤلفة قلوبهم رجاء إسلامهم أو رجاء كف أذاهم عن المسلمين في مرحلة التكوين أم ليشتري إسلامهم؟ الجواب عندي نعم للأول و الثاني لا للثالث وهذا ما نفاه الرئيس الثاني، فقد كان رسول الله صلى الله عليه و آله يتألف قلوب غير المسلمين لأمرين لا ثالث لهم إما رجاء إسلامهم وإما كف أذاهم عن الإسلام و المسلمين وليس ليشتري إسلامهم، وبعد أن أتما الله نعمته على رسول الله صلى الله عليه و آله بتمام الإسلام وتوفاه الله فمن جاء بعده رأى أن سبب التأليف قد انتهى وأن الإسلام ليس في حاجة لتأليف أحد بعد أن أصبح قويا منيعا عزيزا بأهله، ولكن تظل هناك مشكلة ((الفرض)) التي لا يقول البعض أنها لا تخضع للأسباب، فكيف نعلق سبب الإعطاء للصدقات للمؤلفة قلوبهم بالأذى أو عدمه ولا نطبق الشيء نفسه مع الأصناف الأخرى الواردة في الآية؟؟؟؟ فالمسكين والفقير صفة تتلبس الإنسان وكذلك سائر أصحاب الصدقات، فلماذا التمييز للمؤلفة قلوبهم على غيرهم؟؟؟؟ أقول: الفرض هو ما أوجبه الله ولكن هل كل ما أوجبه الله واجب؟ الجواب عندي، لا، فالله قد فرض الحج ولكنه لم يوجبه إلا إذا توفرت الأسباب وهي المقدرة و الاستطاعة وإلا فهو ليس بواجب، إذا الفرض غير واجب إلا إذا توفر أسبابه وأسباب تخصيص سهم المؤلفة قلوبهم قد انتهاء فيعطل إلى أن يأتي الوقت الذي يرجع فيه هذا السهو إذا وهن الإسلام و أهله كما هو الحال اليوم في العالم الإسلامي.

عدم تقسيم أراضي الفتح على المسلمين:

فلقد رأى عمر بن الخطاب أن المصلحة تقتضي عدم تقسيم الأرض على الغانمين وإبقائها في أيدي أهلها، وفرض شيء عليها يؤدي سنويا إلى بيت المال.

إقراره وقوع الطلاق البائن في المجلس الواحد:

(الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (البقرة:229) )

أخرج البيهقي في سننه 7/339: عن محمد بن إسحاق عن داود بن الحصين عن عكرمة عن بن عباس قال: طلق ركانة امرأته ثلاثا في مجلس واحد فحزن عليها حزنا شديدا، فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((كيف طلقتها)) قال: طلقتها ثلاثا، فقال: ((في مجلس واحد؟)) قال: نعم، قال: ((فإنما تلك واحدة فأرجعها إن شئت فراجعها)).

أي أن الطلاق يكون المرة تلو المرة واستمر هذا الأمر كذلك في عهد الرسول صلى الله وسلم وعهد أبي بكر وسنتين من خلافة عمر حيث تغيرت الأحوال وتتابع الناس في إيقاع الثلاث من غير تفريق فخشي عمر من عاقبة الأمر واستشار الصحابة فاستقر رأيهم على عقاب زاجر لهؤلاء المتهاونين، قال ابن عباس: كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر بن الخطاب طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر: إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة فلو أمضينا عليهم فأمضاه عليهم.

وهذا فيه مخالفة واضحة كغيره لسنة رسول الله صلى الله عليه وآله ويظل السؤال هل الأحكام معللة أم وقفية، فإن قلنا معللة فبما فعله عمر هو الصواب وإن قلنا أنها وقفية سواء كانت قرآنية أو حديثية فقد خالف عمر كتاب الله وسنة رسوله، ولا أظن أن أحد من الناس يقول أن عمر خالف رسول الله عمدا أو جهلا ووافقه الصحابة على ذلك، بل نقول أن أحكام وتشريعات الإسلام في القرآن وما يسمى بالسنة ليستا وقفية وإنما ظرفية معلله بعللها فإن انتفت العلة انتفى الحكم، وهذا أحد الأبواب التي أغلقت وجعلت من الإسلام حبيس القرون الماضية وهو من جاء ليحرر العقول و يواكب العصور و الأحداث؛ لأنه الدين الخاتم.

زيادة حد شارب الخمر:

لم يأت حد في كتاب الله لشارب الخمر ولكنه يقال أن رسول لله صلى الله عليه وآله جعل له حدا بأربعين جلدة لمن سكر، ونحن لا نعارض هذا الحكم إن صح عن رسول الله صلى الله عليه و آله، ولكن لنا في الخمر و التحريم قول سنورده في وقته أما الآن فنحن بصدد مناقشة ما سنة عمر خلافا لما سنه رسول الله صلى الله عليه وآله، وهنا يأتي السؤال الملح وهو، إن لم يكن هناك نصا في كتاب الله على حد من حدود الله، وسن رسول الله صلى الله عليه وآله له حدا، هل حد رسول الله موجب أم أنه ظرفي، فإن كان موجب فلماذا خالف الرئيس الثاني هذه السنة بزيادته إلى الضعف؟؟؟ وإن كان ظرفي فلماذا يتشدق بعض الناس بأن للرسول وحي آخر وهو السنة؟؟؟ أخرج أبو عوانة في مسنده 4/150: حدثنا يوسف بن مسلم حدثنا حجاج قال حدثني شعبة عن قتادة عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي برجل قد شرب الخمر قال: فجلده بجريدتين نحو الأربعين، قال: وفعله أبو بكر فلما كان عمر استشار الناس فقال عبد الرحمن بن عوف: أخف الحدود ثمانون فأخذ بها عمر.

أخرج أبو داود في سننه 4/164: حدثنا مسدد ثنا يحيى عن بن أبي عروبة عن الداناج عن حضين بن المنذر عن علي رضي الله عنه قال: جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر وأبو بكر أربعين وكملها عمر ثمانين وكل سنة.

فهذا رسول يسن الأربعين جلدة لحد شارب الخمر وهذا عمر يزيد فيه إلى الضعف، ولم يجد له من يعارضه بل وافقوه الناس على اجتهاده، وهذا لا يكون إلا لما استوجبته الظروف، فلماذا نمنع من الاجتهاد فيما فيه نص للرسول صلى الله عليه وآله ويترك عمر ليجتهد دون رقيب؟؟؟؟

ويجدر بنا أن نبين أنواع التحريم في كتاب الله ونبين قولنا في الخمر خاصة:

 أنواع التحريم في الكتاب المبين.

1.   تحريم النص.

2.  تحريم الصفة.

وسنأتي على القول في التفصيل لهما لاحقا، ولكن الآن دعونا نورد ما جاء في كتاب الله من التحذير و الإنذار من التقول على الله بأن هذا حلال وهذا حرام.

يقول الله تعالى في كتابه المبين: (وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ ).

الشاهد على حرمة التحريم و التحليل هو الافتراء على الله بالكذب في التحليل والتحريم، وهذا يقتضي أن ما هو حلال وما هو حرام تكفل الله به وببيانه في كتابه و إلا لما كان هناك داع لورود مثل هذا التحذير لينتهي من يتقول على الله الكذب في القول بالحلال و الحرام.

وقد جاءت في كتاب الله نصوص على لسان جبريل لسيد الرسل أجمعين تفيد انحصار هذا الحق في التحريم لله، قال تعالى:

3.   (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ...) (الأنعام:151)  فمن المحرم؟

4.     (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ ...) (التوبة:37) من المحرم؟

5.   (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ ...) (الإسراء:33) من المحرم؟

6.   (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ ...) (الفرقان:68).

من المحرم؟

7.   (قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ...) (التوبة:29) من المحرم الله والرسول أم الله؟

وقد يقول البعض هذا دليل من كتاب الله على أن رسول الله صلى الله عليه وآله له حق التحريم كما هو الحق لله؟

نقول له: وهل لسيدنا محمد حول و قوة أمام الله؟

أليس في هذا نوع من الشرك؟

أيحكم الرسول الله الكريم ويضيف على ما لم يحرمه الله عجزا منه؟

أم الأجدر أن نقول أن عطف الرسول على تحريم الله هو الصواب، أي أن رسول الله يحرم ما حرمه الله لا أن يأتي بشيء لم يحرمه الله كما يقول الكثيرون. ولكي لا يتقول الناس بما قد سبق ذكره فقد أنزل الله آية يقول فيها:

 (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ).

فلم يستثن الله الرسول صلى الله عليه و آله من القول بالتحريم أو الحكم به كما يقول من يستشهد بالآية السابقة، والأصل في الأشياء الإباحة حتى يأتي النص بالتحريم، وفي حالة الرسول فإنه قد حرم على نفسه العسل كما جاء في الخبر وهو من الحلال لقوله تعالى: (قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) (الأنعام:145). والعقل يشير أن هذه الآية نزلت بعد هذه الحادثة لأن رسول الله صلى الله عليه و آله لا يحكم بخلاف القرآن وهو أعلم الناس به، ولكنه ربما عمل بسنة من قبله في قوله تعالى: (كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِبَنِي إِسْرائيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرائيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (آل عمران:93). وهنا تجدر الإشارة أن المحرم لا يكون إلا في كتاب، فإن كان حق التحريم على النفس كان من حق إسرائيل فيما سبق فقد نهى الله عنه رسوله في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) ويجب أيضا الإشارة أيضا إلى أن الخطاب كان للنبي وليس للرسول وهذا فيه من الإشارة أن مقام النبوءة غير مقام الرسالة؛ لأن مقام الرسالة لا يوجد فيه حق لأحد في القول فيه بالحلال والحرام إلا لله.

أنواع التحريم:

1.        التحريم النصي بالاسم.

2.       التحريم الوصفي. وهذا ينقسم إلى ثلاثة أقسام كما جاء في كتاب الله تعالى.

        أ‌-        التحريم الوصفي لما هو محرم بالاسم، مثال ذلك (الشرك).

      ب‌-      التحريم الوصفي لما لم يأت فيه التحريم بالاسم وإنما بالوصف مطلقا، مثال ذلك (الزنا).

      ت‌-      التحريم الوصفي لما لم يأت فيه التحريم بالاسم و إنما بالوصف المتعلق بعلة، مثال ذلك (الخمر).

التحريم النصي:

وقد حصر الله بالذكر جميع ما هو محرم نصا في كتابه من الاعتقاد والمأكل والمشرب والسلوك، كقوله تعالى: (قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ   وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ).

فالتحريم النصي له عدة درجات فهناك الدرجة المغلظة وهي التي لا تغفر، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً) (النساء:48) وعلة الأمر بعدم الشرك هي أن الله خالقنا وحقه علينا عدم الإشراك، فهذا الشرك بالله لا يغفر البتة إلا إذا تعلق بعلة واحدة فقط وهي أن يكون الإنسان مجبورا على الشرك وقلبه مطمئن بالإيمان، كما في قوله تعالى: (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (النحل:106)، وفي هذه الحالة نقول: إذا انتفت العلة المتعلقة بالغفران انتفى الإعفاء والغفران من الشرك، ولهذا كان الشرك أكبر الكبائر عند الله.

عقوق الوالدين من المحرمات لأن الله عطف الإحسان للوالدين على تحريم الشرك وهو يقصد حرمة الضد ولكنه آثر ذكر الإحسان على العقوق لهما لكبير درجة قدر الإحسان لهما، وعلة الأمر بالإحسان لهما جاءت في قوله تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً) (الإسراء:23/24) فعلة الأمر بالإحسان لهما هي التربية و الإنجاب وما يترتب عليهما.

قتل الأولاد هي جريمة حرمها الله ولكن هل العلة هي فقط الإملاق أم هي لحرمة قتل النفس؟ عندنا أن الحرمة لذات القتل وإنما الإملاق ذكر لأن الناس كانوا يفعلون ذلك فخصص لهم ذكر العلة التي بها يستبيحون قتل أولادهم، فالقتل هو المحرم، وقد قال الله تعالى: (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ...) (الإسراء:33).

تحريم الفواحش، ما هي الفواحش الظاهرة و الباطنة؟

الفواحش الظاهرة هي ما جاء تعريفها في كتاب الله على النحو التالي: هي ما يظهر من فعل من الأمور المخالفة لما فيه أمر من الله في الأمور التعبدية و أيضا ما كان له طريقة من الله في التطبيق من الأمور الاجتماعية. فالفاحشة هي خلاف المأمور به والمعمول به، أي الغريب و الشاذ عما جاء به الكتاب من الأمور التعبدية والاجتماعية. أما الباطن منها فهو ما لم يطلع عليه الناس من مخالفة تلك الأوامر و النواهي.

فالفاحشة صفة لعمل ما يوصف بالفحش و الفحش وهو الشاذ من الأمور المقننة، وقد حرم الله هذه الصفة ثانية في قوله تعالى: وقال تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) (لأعراف:33). وهذا يجب التفصيل في هذا النوع من التحريم.

التحريم الوصفي لما هو محرم بالاسم:

قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً) (النساء:48) فهذا الشرك من المحرمات التي خصها الله بالاسم وكذلك بالوصف بأنها إثم عظيم.

وقوله تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (البقرة:275) وهذا الربا محرم بالاسم، على اختلاف في معنى الربا.

التحريم الوصفي لما لم يأت فيه التحريم بالاسم وإنما بالوصف مطلقا:

قال تعالى: (وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاءَ سَبِيلاً) (النساء:22).

وقال تعالى: (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً) (الإسراء:32).

        والكل يعلم أن نكاح زوجات الآباء منهي عنه لأنه من ضمن الفحش لا من المحرمات نصا كما في قوله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً) (النساء:23).

وكذلك الزنا في قوله تعالى: (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً) (الإسراء:32) فالزنا من الفواحش التي لا توصف بالفحش إلا عند إيتائها ولا تدرج للوصول إلى هذه الصفة بمعنى أنك إما أن تأتيها وإما أن تبتعد عنها، فالحرمة ثابتة بالوصف لا محالة لعدم التدرج للوصول للصفة والصفة متحققة لا محالة عند إيتائها فتحريم الزنا هو تحريم ثابت بالصفة المتحققة لا بالنص.

التحريم الوصفي لما لم يأت فيه التحريم بالاسم وإنما بالوصف المتعلق بعلة:

ومثال التحريم بالصفة المعللة (الخمر) فهي منهي عنها ولم يأت فيه تحريم نصي بل التحريم متعلق بصفة الإثم قال تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) (لأعراف:33) والإثم هو البعد عند الخير والبطء عنه كما أن هذا البطء و البعد عن الخير لا يتحقق إلا بالعداوة والبغضاء والصد عن الصلاة و ذكر الله التي جاء ذكرها في كتاب الله قال تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) (المائدة:91) فإذا تحقق المنهي عنه أخذ الخمر صفة الإثم ومن ثم حكم الحرمة، وهذا لا يتأتى إلا بالشرب إلى درجة الإسكار وهي التغطية التي من أجلها سمي الخمر خمرا لأنه يغطي العقل إذا تجاوز حده وهذا هو المنهي عنه. وهذه أداة ما نقوله في عدم التحريم:

(يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ َتَفَكَّرُونَ) (البقرة:219)

 هذا ما جاء ذكره في الخمر في كتاب الله تعالى فأول الآيات نزولا هي الأولى اعتمادا على ما تقتضيه الآية من السؤال فقال تعالى: (فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ) ما هو الإثم وما هي المنافع؟

فالإثم هو البعد عن الخير والبطء عنه أما المنافع فهي مطلقة إما أن تكون صحية أو مالية.

 (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (المائدة:90)

 الرجس ما هو الرجس لغة؟

هي القذارة، فهل المقصود القذارة المادية أم الحسية التي تنتج عنها هذه الأعمال؟

فإن كانت القذارة الحسية فنقول: قد أصبت. والآن كيف تحصل هذه القذارة الحسية؟ أليس بكثرة الشرب و الزيادة فيه؟ فإن كان الجواب نعم. قلنا أليس من دواعي الوجوب أن يخاطبنا الله بما نعلم إن كان يقصد التحريم، كما حرم علينا ما جاء ذكره صراحة في الكتاب المبين بكلمة التحريم؟ (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (الأنعام:151)

فإن كان الجواب نعم، قلنا: لماذا إذا جعله نهيا خاضع للاختيار بقوله: فاجتنبوه؟

(إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) (المائدة:91)

وهنا يأتي الطلب بالانتهاء لعلة وهي وقوع العداوة و البغضاء في الخمر و الميسر، فإذا انتفت العلة انتفى الحكم وهو الطلب لا الأمر كما يحب البعض أن يصوره.

وكما أنه لا نسخ و منسوخ في كتاب الله وقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ...) (النساء:43)

 فالخمر ليس بحرم، فالخمر فيها منافع كما جاء في الآية وفيه مضار أيضا ومضاره أكثر في حاله الإفراط فإن كان للتداوي أو غيره من غير إفراط الذي يوقع البغضاء و العداوة بين الناس حال الشرب والصلاة مع الوعي كما في الآية فلا شيء فيها وإنما الله حذرنا من الإفراط و وأرشدنا في هذه الحالة للاجتناب حتى ينتهي السبب أو العلة المانعة التي تؤدي إلى الحكم على الخمر بالحرمة الوصفية التي جاءت في قوله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) (لأعراف:33)

وهذا ليس قولا بالتحليل للخمر لكي لا يتهجم أحباؤنا بل لنبين أن دلالة الألفاظ في الكتاب المبين وهو مبين بينة لك مسلم عاقل فهم. ونذكر الأحباب بقوله تعالى: (وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ) (النحل:116)

هذه الفواحش التي لم يأت فيها تحريم صريح بالاسم من الأمور التي يغفرها الله عند الاستغفار شريطة عدم الإصرار، كما في قوله تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (آل عمران:135) وهي تشمل جميع ما جاء ذكره في كتاب الله بلفظ الفاحشة أي بالصفة المطلقة وبالصفة المعللة.

أما البغي بغير الحق فهو أيضا من المحرمات ولكن هذا التحريم حرمته متعلقة بغير الحق، والبغي هو: طلب الشيء، والمعنى كل شيء يطلبه الإنسان بغير الحق فهو حرام أي فيه تعد على الغير وهذا مكمن التشريع له بالحرمة.

مال اليتيم: من الأمور المحرمة نصا وهو خطاب لكافل اليتيم وماله، فلا يقرب الكافل مال اليتيم طوال مدة كفالته لليتيم إلا بما هو أحسن لحال اليتيم لا حال الكافل حتى يبلغ المكفول القاصر رشده.

إيفاء الكيل والميزان: وهو ضمن المحرمات نصا فقد بعث الله لمدين أخاهم شعيب لينهاهم عن تطفيف الميزان و الكيل بعد رسالة التوحيد.

قول العدل: وهي الشهادة فشهادة الزور من المحرمات نصا، لما يترتب عليها من أذى للناس ومصالحهم، وما يترتب عليها من البغضاء و الكراهية.

إيفاء عهد الله: وهو لله ولعباده، فما هو لله يعرف بالإقرار بما جاء في كتابه، أما عهد الله للعباد فهو ملزم ومحرم نقضه لما يترتب على هذا الفعل من أمور تشحن النفوس بالعداوة و البغضاء التي تمس أرضية التعايش السلمي بين البشر الأمر الذي يؤدي حتما إلى الإعمار لا الفساد في الأرض.

التحريم الذي خص به المأكل بالاسم و الصفة والنية.

وقال تعالى: (قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (الأنعام:145).

قبل أن نخوض في ما هو المراد من الآية يجب أن نسأل هذه الأسئلة لنتبين الطريق للإجابة على مضمون هذه الآية الشريفة.

من القائل؟

محمد.

من الموحي؟

الله.

ما هو الموحى به؟

الكتاب.

هل ذكر الله المحرمات من المأكل في الكتاب أم ترك شيئا؟

الجواب: نعم ذكر المحرمات وهي: الميتة وهي صفة الجنس و الدم المسفوح ولحم الخنزير وهي حرمة اسمية، وما أهل لغير الله به وهي التحريم المتصل بالنية.

ونحن نسأل أين ما أوحي لمحمد من الذكر في تحريم المأكل؟

نقول: قال تعالى: (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (البقرة:173).

وهنا يأتي الوحي بالإجمال لا التفصيل فقد قال (إنما) وهي للحصر الموحى به من الطعام المحرم وهو لحم الميتة (أي الحرمة المتعلقة بصفة الميتة) والدم ولحم الخنزير (أي ما اختص بالاسم دون غيره) ولم يذكر علة له إلا الخنزير الذي نعته بأنه رجس، وما أهل لغير الله (أي النية) فهو فسق ، ولكنه استثناء التحريم لعلة وهي الهلاك، وهذا التحريم يأخذ نفس صفة التحريم المغفور لعلة.

وهنا يأتي الكتاب ليفصل مجمل المحرم من جنس الميتة على سبيل التمثيل لا الحصر.

قال تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (المائدة:3)

فهذه الآية جاء فيها التفصيل بأن المنخنقة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع من جنس الميتة على سبيل التمثيل لا الحصر، باستثناء ما استطعنا أن نذكيه قبل أن يتصف بصفة الميتة، وكذلك تحريم ما ذبح على النصب وهو في مقام الإهلال لغيرا لله بغض النظر عن نوعه وجنسه وإنما يعتبر فيها النية فإن كانت لغير الله فهي من المحرمات.

منع نكاح الكتابيات:

(الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْأِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (المائدة:5). فالله سبحانه أحل الزواج من الكتابيات بشرط واحد لا غير وهو عدم السفاح والصاحب فقط، وهو أمر يرفضه كل عاقل مسلما كان أم بوذي.

أخرج صحاب كتاب السنن 1/224: عن ابن سلمة يقول: تزوج حذيفة يهودية فكتب إليه عمر طلقها، فكتب إليه: لم؟! أحرام هي؟؟؟ فكتب إليه: لا، ولكني خفت أن تعاطوا المومسات منهن.

فكما نرى في جواب عمر أن حكمه كان على الظن والخوف من تعاطي المومسات، فأصبح هذا الاجتهاد قانون يعمل به يتبناه البعض ويرفضه البعض، ولكن ما يهمنا هو إعادة هذا النوع من الاجتهاد للحياة المدنية، وجعله لا يختص برجل دون أخر بل بمجلس ينتخب يشرع للأمة ما يصب في صالحها كما فعل عمر عندما كان الأمر في رجل واحد، لا مثل اليوم فإن الأمر في يد الأمة وحدها.

قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم:21) هذه سنة الله في خلقه دون تميز بين عرق ودين ونسب وجاه ..الخ، وليس ما نحن عليه اليوم مما ابتدعه الإنسان ليوسع الطبقية بينه وبين أخيه الإنسان.

ولكن الله فضل المؤمنين على غيرهم في الدار الآخر وفي الدنيا وقد فهم فقهاء الإسلام هذا التفضيل في الدنيا ببعض الآيات التي تخص الزواج ففريق حرم زواج المسلم من الكتابيات وفريق أجازه واجتمعوا جميعهم على تحريم زواج الكتابي من المسلمة بحجة الخوف عليها من الفتنة في دينه حيث أن الإسلام كفل للكتابية بقائها على دينه لمن أجاز الزواج من الكتابيات، وغفلوا أن الدين عند الله الإسلام أي أن دين موسى وعيسى ومحمد دين واحد وما طرأ عليهما هو من فعل البشر.

وهذه حجج القائلين بعدم جواز الكتابيات من المسلمين قال تعالى: (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (البقرة:221) ومنهم من احتج بقوله تعالى: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْأِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (المائدة:5) حاملا الخطاب للذكور دون النساء، وهذا فيه ما فيه من الوهن في الاستلال.

فقالوا: إن علة عدم جواز زواج المسلم من الكتابية هي الشرك، واستدل البعض على أن أهل الكتاب مشركين بقوله تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (المائدة:73).

 وقوله تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) (التوبة:30).

في حين أن البعض الآخر أجاز نكاح الكتابيات بناء على فعل الصحابة، ونحن نسأل الآن لماذا الاختلاف؟ وقد استدل البعض من الفقهاء من التابعين بقرأتهم لكتاب الله على حرمة زواج الكتابيات بسبب الشرك والآخرين لم يلتفتوا للآيات التي جاءت مانعة للزواج من ممن وصفوا بالشرك من أهل الكتاب؟

نطرح هنا أسئلة لعلها تقودنا للجواب و النتيجة الصحيحة:

هل الصحابة لم يفقهوا ما فقهه فقهاء التابعين لكتاب الله، ولذلك تزوجوا من الكتابيات؟

أم أن الفقهاء أعلم من الصحابة في استنباط أحكام الزواج من الكتابيات؟

أم أن الأمر ليس على إطلاقه في تسمية اليهود والنصارى بالمشركين؟

فإذا كان الأخير، فلماذا إذا يصر الناس على نعت النصارى واليهود بأنهم مشركين وليس مسلمين تابعين لدين الله الذي جاء به موسى وعيسى ولكن بتشريع ومنهج يختلف عما جاء به الخاتم للرسل سيدنا محمد صلى الله عليه وآله الذي جاء بمنهج الرحمة منهج الفطرة؟

جمع الناس على صلاة التراويح.

الصلاة فرض من الله على عبادة والذكر أكبر منها، وسنأتي على القول في أيهما أفضل، ولكن صلة التراويح لم سنها الرسول الله صلى الله عليه وآله بل الصحيح أنه نهى عنها في المسجد خشية أن تفرض، ولكن عمر بن الخطاب اجتهد في جمع الناس عليها في المسجد، والناس في عصره و فيما تلا من العصور أخذوا بهذه السنة المخالفة لسنة رسول الله بأتباعهم سنة رسول الله صلى الله عليه وآله القائلة في الحديث المنسوب له: ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ))، ونحن لا ننكر على عمر اجتهاده ولكن ننكر على من جعل اجتهاد عمر ملزم للمسلمين بعد أن حرمه عليهم في كل العصور الآلحقة.

الآن نأتي على ذكر ما هو أفضل من الصلاة الحركية عند الله قال تعالى: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) (العنكبوت:45).

هذا أمر الله لسيد الرسل محمد صلى الله عليه و آله، وهو تلاوة ما أوحي إليه من ربه على الناس ليستبينوا الحق من الباطل بكلمات الله بإعمال عقولهم في التدبر والتفكر فيها فإن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ...) (البقرة:286) وإقامة الصلاة التي أوكله الله ببيان هيئتها وعددها بعد أن أجمل الهيئة في الكتاب من سجود و ركوع وتلاوة...الخ (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (النور:56) وكذلك الوقت، وقد تواتر فعل رسول لله صلى الله عليه وآله و بيانه للصلاة هيئة وعددا ووقتا تواترا عمليا للصلاة الخمس في تلك الأوقات والهيئة المعهودة، ولكن هل هذا يجعلها واجبة وتاركها كافر مشرك خارج من الملة؟؟؟؟. هذا ما سيكشف عنه الكتاب المبين والحديث الموافق له.

ذهب فقهاء الإسلام ممن جاءوا بعد عصر الرسول و صحبه والتابعين ليقيموا محاكم التفتيش، والتقول عليه بالباطل و الحكم على من لم يؤدها بالكفر والقتل مستندين على حديث يخالف الكتاب الكريم أخرجه مسلم عن أبي سفيان قال: سمعت جابرا يقول سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة)) وقد قال تعالى: مقارنا الصلاة الحركية التي شرط قبولها النهي عن الفحشاء والمنكر بالصلة الروحية التي هي الرادع عن الإيتاء بالفاحشة والمنكر، بأن الثانية أكبر عند الله في قوله تعالى: (...وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) (العنكبوت:45)، ولو لم يكن الذكر هو استحضار الله في كل حركة وسكنة لما ختم الله تعالى الآية بقوله (...وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) (العنكبوت:45). وبناء على ما تقدم نخلص إلى القول بصحة الأحاديث التي جاءت فيها الرخصة بالصلاة صلاتين فقط؛ وذلك لأن أصل الصلاة هي الصلة الروحية وليست الحركية التي لا يحكم على تاركها بالكفر أو الشرك كما جاء في الحديث المخالف للقرآن، إذ الإنسان مكلف بالعمل الصالح وموضع و مصدر هذا العمل النفس المنقسمة إلى ثلاثة أقسام نفس مطمئنة ونفس لوَّامة ونفس الأمارة.

أخرج أحمد حديثا يفيد هذا المعنى عن نصر بن عاصم الليثي عن رجل منهم أنه أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأسلم على أن يصلي صلاتين فقبل منه.

وقد حكم أهل الجرح و التعديل بصحة سند الحديث وإن كان السند عندي لا يعني شيئا وإنما التعويل على المتن الموافق لما في كتاب الله، فلو كانت الصلوات الخمس واجبة وأحد أركان الإسلام الخمسة كما يقولون، ولا يقبل الإسلام إلا بها ويحل قتل من لا يؤديها و يحكم عليه بالكفر لما سمح رسول الله صلى الله عليه و آله لهذا الرجل أن يصلي صلاتين فقط، وقد جاءت أحاديث أخرى تبين ما هي هذه الصلاتين.

أخرج مسلم و البخاري في كتابيهما الموسوم بالصحيح حديثا يفيد هذا المعنى قال:حدثنا هدبة بن خالد قال حدثنا همام حدثني أبو جمرة عن أبي بكر بن أبي موسى عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من صلى البردين دخل الجنة))

كما أخرج الدارمي حديثا يفيد هذا المعنى قال: حدثنا عفان أخبرنا همام عن أبي جمرة عن أبي بكر بن أبي موسى عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من صلى البردين دخل الجنة)) قيل لأبي محمد: ما البردين؟  قال: الغداة والعصر.

كما أخرج أبو داوود عن وهب قال: سألت جابرا عن شأن ثقيف إذا بايعت، فقال: اشترطت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن لا صدقة عليها ولا جهاد وأنه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك يقول: ((سيتصدقون ويجاهدون)).

وهذا أمر آخر يفيد و يؤكد أن الإسلام ما هو إلا التوحيد أما ما اتصل به من صلاة و صدقة و جهاد...الخ فهي أمور تأتي مع الوقت والمعاصرة وليست من مقومات الإسلام بل من مقومات الإيمان برسول الله صلى الله عليه وآله، ولذلك قال صلى الله عليه وآله ((سيتصدقون ويجاهدون)) لا عن سابق علم ولا وحي فلا وحي إلا القرآن، بل عن فراسة المؤمن؛ لأنه إذا كان التوحيد موجود وهو أصل الإسلام فسيتبعه العمل الصالح وأي عمل صالح في الإسلام خير من الصدقة على الفقراء والمساكين واليتامى وأي عمل صالح في الإسلام خير من الدفاع عن الإسلام كما عرفناه لا إسلام السلاطين.

وقد يقول قائل: الحديث صحيح و لكن كان لسبب وهو تأليف القلوب أو لبيان فضل صلاة الغداة و العصر. قلنا: لو كان ما تقولونه صحيحا، ماذا يحدث لو لم تؤلف قلوبهم للقبول بالخمسة بدلا من الاثنين؟ وأصر الرجل عن شرطه و مات عليه، ماذا يكون حاله عند الله إذا كان الفرق بين الرجل و الكفر والشرك ترك الصلاة وعند رسوله في حياته؟ سيقول الرجل لربه: لقد بايعت محمدا على الصلاتين وعدم الصدقة وعدم الجهاد وهو نبيك ورسولك إلينا وقد قبل وقد قلت في كتابك: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ...) (المائدة:67) فكيف تحاسبني على عدم الصلاة خمسا أو الصدقة أو الجهاد وقد بلغني رسولك وقبل منى، أم تراه لم يبلغ؟

أو أن الرجل لم يصل إلا الصلاتين و أصر على شرطه ترى هل رسول الله صلى الله عليه و آله يخلف وعده وكلمته و ميثاقه؟؟؟، وهل سيتنازل أو يتسامح رسول الله صلى الله عليه و آله في عدد الصلوات الخمس إلى اثنين لو كانت واجبة وجوبا كاملا عدديا حركيا لا روحيا ليدخل رجلا في الإسلام بالخديعة؟؟؟؟؟

أما من اعتذر على أن الحديث لبيان فضل صلاة الظهر والعصر، فنقول له: إذا كان فضلهما بهذا القدر فلماذا المزيد ولا شيء أفضل من الجنة؟ وخلاصة القول أن الصلاة بذاتها لا تدخل جنة أو تخرج من نار لمجرد أدائها دون إعمال النفس في الانتهاء عن الفحشاء و المنكر، وإلا لما دخل من سبق نبينا من الموحدين الذين لا يعلمون من الصلاة إلا الصلة الروحية لا الحركية.

بعد الإجابة على هذه الأسئلة و التساؤلات نستطيع أن نستخلص الحكم على الصلاة وكنهها، وأن نظفر بتعرف الإسلام الحق الذي لولا تحريف السلاطين و فقهاء السوء لدخل الناس كافة دين الله الحنيف.

تحريم زاوج المتعة.

أولا أود أن أبين أنني أنكر المتعة ابتداء ولا اعتقد أن رسول الله صلى الله عليه وآله قد أذن بها يوما، وما جاء في كتب التراث لا يتعدى أن يكون كلام رجال سلطان وهوى، وليس من الدين في شيء، فالدين جاء ليبين الحلال من الحرام وقد عددها الله وبينهما في كتابه كما سبق وأن بينا في أنواع التحريم، فالزنا حرام، وسبب التحريم اختلاط الأنساب، والوقوع في الناس بشبة، والإرث، والحقوق...الخ من الأمور التي تتعلق بالزواج، ونأتي بعد كل هذا البيان والحث عليه نقول أن رسول الله صلى الله عليه وآله قد سمح بالتمتع بالنساء لساعة أو يوم أو يومين؛ وذلك لإطفاء نار الغريزة الجنسية التي وهبها الله الإنسان وجعل له طريق واحدة في إطفائها وهي الزواج الملزم بما يأتي معه من مسؤولية إلى نكاح إن صح أن نسميه نكاحا خل عن المسؤولية والارتباط؟؟؟؟ المبدأ الوحيد في كتاب الله الذي جعله الطريق لتكاثر الناس وحفظ الحقوق والقيام بالمسؤولية هو الزواج لا التسيب و الهروب منه قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم:21) والزواج لا يكون إلا بالميثاق الغليظ قال تعالى: (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً) (النساء:21) فكيف يصح هذا الخبر والتشريع في دين الله والله هو المشرع الأوحد له؟؟؟.

الآن نرجع لما نسب لعمر من تحريم المتعة أورد صاحب كتاب شرح معاني الآثار عن ابن عباس قال: (ما كانت المتعة إلا رحمة من الله تعالى رحم بها عباده ولولا نهى عمر عنها ما زنى إلا شقي). والذي يعنيني هو الاجتهاد على فرض أن الواقعة صحيحة، وهذا لا ينكره أحد على عمر ولكنهم ينكرونه على غيره، بل يجعلون من يجتهد مع النص القرآني والحديثي في موضع المحارب لله ولرسوله، وهذا شيء فقده المسلمين منذ أمد بعيد، وظلوا محنطين على فهم أهل القرون الأولى هذا إن صحت نسبة الكلام إليهم وتركوا النظر والتدبر ومواكبة المصالح والحوائج مع اختلاف العصر والزمان، كما أراد الله من عبادة ليتموا إعمار الأرض كما يريد الله بالاختيار لا الجبر والله قادر على أن يجعل الناس أمة واحدة ولكنه سبحانه يعلم ما لا نعلم.  

إسقاط الجزية عن نصارى بني تغلب وإبدالها بالصدقة (الزكاة).

أسقط عمر الجزية عن عرب نصارى بن تغلب وهذا فيه مخالفة للنص قال تعالى: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) (التوبة:29) لمن يرى عدم الاجتهاد مع النص وأبدلها بتلبية طلبهم بأن يدفعوا ما يدفعه أقارنهم من العرب، أي الزكاة، قد أورد صاحب المغنى9/273 قال: (مسألة: قال ولا تؤخذ الجزية من نصارى بني تغلب وتؤخذ الزكاة من أموالهم ومواشيهم وثمرهم مثلي ما يؤخذ من المسلمين: بنو تغلب بن وائل من العرب من ربيعة بن نزار انتقلوا في الجاهلية إلى النصرانية فدعاهم عمر إلى بذل الجزية فأبوا وأنفوا وقالوا: (نحن عرب خذ منا كما يأخذ بعضكم من بعض باسم الصدقة) فقال عمر: (لا آخذ من مشرك صدقة)، فلحق بعضهم بالروم فقال النعمان بن زرعة: (يا أمير المؤمنين إن القوم لهم بأس وشدة وهم عرب يأنفون من الجزية فلا تعن عليك عدوك بهم وخذ منهم الجزية باسم الصدقة)، فبعث عمر في طلبهم فردهم وضعف عليهم من الإبل من كل خمس شاتين ومن كل ثلاثين بقرة تبيعين ومن كل عشرين دينارا دينارا ومن كل مائتي درهم عشرة دراهم وفيما سقت السماء الخمس وفيما سقى بنضح أو غرب أو دولاب العشر)) اهـ.

هذا ما نقل لنا، والظاهر أن فيه مخالفة للنص، ولكن عمر بن الخطاب اجتهاد في النص حسب المصلحة، وهذا أكبر دليل على أن الاجتهاد لا يكون إلا مع النص، فلو جمد عمر على النص لقوى العدو وفتحت ثغور المسلمين في غنى عنها، ولهذا السبب قدر عمر و اجتهد في الأمر، ولكن الذي لا يستقيم عندي هو مطالبتهم له بأن يدفعوا مثل المسلمين، ولا شك أنهم كانوا على علم بما كان يدفعوه المسلمون من زكاة، فلسؤال كيف يضاعف عمر بن الخطاب عليهم الزكاة وهم قد طالبوا بالمساواة مع غيرهم من العرب؟؟؟؟ ربما يكون هذا من زيادات من أراد أن يبرر لاجتهادات عمر مع النص.

الناظر لما اجتهد فيه عمر بن الخطاب يجد أنها أمور ليست من الدين في شيء، فالدين هو الإسلام (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْأِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) (آل عمران:19) والإسلام بتعريف الكتاب هو التوحيد بالله والإيمان باليوم الآخر والعمل الصالح، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة:62) فهذه هي الأمور الثلاثة المشتركة بين جميع الرسل، وليست التشريعات التي كانت تناسب كل وقت وعصر، وإلا لما اختلفت ابتداء، حتى جاء تشريع خاتم الرسل الذي يستطيع من خلاله الاستحواذ على جميع التشريعات إما لسهولة استيعابه لها أو لتطوره و مواكبته لمتطلبات الحياة التي هي في تطور مستمر دون الركون إلى الوقوف إلى النص كما هو الحالة في باقي التشريعات التي سبقته.

 فالناظر في المسائل التي اجتهد فيه هذا الرئيس يجد أنها أمور تخص الأحوال المدنية والقضاء ...الخ وهذه أمور يتغير التشريع فيها حسب الوقت والزمان، وما كان في وقت الرسول صلى الله عليه و آله من تشريع فهو صالح لذلك الزمان وإلا لما تجرأ عمر بن الخطاب في الاجتهاد في أمور لا يقبل فيه غير قول الرسول صلى الله عليه وآله.

مفهوم الجزية في الإسلام:

(قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) (التوبة:29)

السابق للآية يحكي عن نصر الله للمسلمين وأيضا يحكي الأمر بعدم اقتراب المشركين من البيت بعد عامه هذا وهنا يأتي فهم الآية، إذا أخذنا في الاعتبار آيات عدم الإكراه في الدين والحرية العقائدية وعدم وجود الناسخ و المنسوخ في كتاب الله،  فيأمر الله بالقتال الذين لا يؤمنون لا بالله ولا باليوم الأخر وهم الدهريون وأيضا الذين لا يحرمون ما حرم الله ورسوله (وتحريم الرسول هنا عطف على تحريم الله لا خاص به) وهم من المسلمين ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب وهم النصارى واليهود وكل ما سبق ذكره هو نوع من التصنيف المجتمعي الذي كان يزور مكة، فالذي يأتي مكة أو ديار المسلمين يجب أن ينقاد لحكمهم (وهو ما يعرف الآن بالسيادة) وإلا القتال لهم يصبح واجب لإفسادهم للمجتمع، لا كما يفهمه الكثير أن القتال هو الهجوم والفتوح...الخ، فالأمر بالقتال هو الدفاع عن المجتمع ومبادئه، أما الجزية فهي في نظري تعتبر رسوم للدخول أو ضريبة ...للمجتمع المسلم مع احتفاظ غير المسلم بالحق بالبقاء على دينه واعتقاده و إلا فالقتال بمعنى الإخراج من المجتمع.

الناسخ والمنسوخ:

هذا هو ما استطاع به الحكام و الفقهاء تمرير مالا يمر على لسان الله باسم الرسول، ولكي يكون لهم مستند في ذلك كان واجب عليهم أن يجعلوه شريكا لله في الحكم والتشريع، فقد استدلوا على شراكته في التشريع بقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ...) (محمد:33)، وقوله تعالى: (...مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (الحشر:7)، وغيرها من الآيات الكثيرة، وكأن الآية الأولى تعني أن طاعة الله غير طاعة محمد، وأن لمحمد شأن غير الذي أرسل من أجله ألا وهو البلاغ قال تعالى: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ) (التغابن:12)، وأيضا، الآية الثانية جعلوها في غير موضعها فبتروها وحرفوا المراد منها فهي آية جاء في سياقها: (مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) وهي الطاعة في قبول العطاء لا التشريع، فصاحب الشريعة هو الله لا غير، وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل، فوظيفته البلاغ والتبشير والإنذار. وقد تلا عليهم رسول الله هذه الآية: (وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ) (النحل:116) فهو لم يقل على الله ومحمد بل نسب الحكم والتشريع لله، وكفي الله شاهد حين قال: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) (المائدة:48)

بعد هذا الاستدلال وكشف حقيقة التوطئة لتحريف ما لا يمكن تحريفه جعلوا الحديث الذي لا يرقى لدرجة ثبوت القرآن ناسخا للقرآن وجعلوا من النسخ أنواع نوع ينسخ الحكم والخط، أليس هذا بعبث؟ ونسخ ينسخ الخط ويبقي الحكم، أليس هذا بعبث أيضا؟، الأمر الذي يجر الناس على التقول على الله بما يشاءون لعدم وجود الخط ولكن ثبوت الحكم الذي من السهل وضع له حديث، ونسخ يبقي الخط وينسخ الحكم، أليس هذا داع لتعطيل أي حكم يريده أهل الأهواء؟. سبحان الله هذا بهتان عظيم تعالى الله أن تكون حجته على خلقه بهذا القدر من الأهواء الإنسانية. قال تعالى: (مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(البقرة:106) فبربكم أين البديل لما نسخ من أيه الرجم؟ فهذه الآية لا وجد لرسمها في القرآن ولكن حكمها ما زال يعمل به، فأين البديل؟؟؟ فإن بطل هذا بطل ما سواه. إذا كيف يعقل أن يتعبدنا الله بتلاوة ما يعمل به؟ وإن كان الناسخ و المنسوخ مهمان لهذا الدرجة فلماذا لم يدونهما الرسول لأهميته؟؟؟ أليس هذا نوع من أنواع التقصير، الذي ننزه رسولنا عنه في التبليغ؟ وفي نفس الوقت نكذب آيات من كتاب تدل على كمال التبليغ؟ ويكفنا جدلا أن هناك كثير من أهل الإسلام قديما و حديثا رفضوا القول بالنسخ، ولكن نورد هذا الأمور التي لم تناقش في كتبهم لكي ننبه من يسعفه تحرره من المورث عن خطورة هذا القول وما يجر إليه من حيث يعلم أو لا يعلم.

عثمان بن عفان وأبدية الرئاسة:

هذا هو الرئيس الثالث المنتخب من قبل الأغلبية التي اختارهم عمر الذي خالف سنة أبي بكر في تعيين خلفية له وخالف سنة رسول الله صلى الله عليه وآله في ترك الأمر شورى بين جميع الناس لا فئة معينة من الناس لانتخاب أحدهم ليكون خليفة له، فقد كانوا الستة يمثلون قومهم ويعدهم الناس المتحدثين باسم قبائلهم من قريش وهم عثمان (بني أمية) وعلي (بني هاشم) والزبير بن العوام (بني أسد ) وطلحة بن عبيد الله (بني تميم ) وعبدالرحمن بن عوف (بني زهرة ) وسعد بن أبي وقاص (بني زهرة) ولكن ماذا عن غيرهم من المسلمين من الأنصار وباقي العرب؟ فالقول القائل على لسان رسول الله صلى الله عليه وآله: (الأمر في قريش ما بقي في الناس اثنان) (أخرج مسلم)، يخالف كلام الله القائل: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات:13) فالرئيس الأول خالف الشورى في تنصيبه، التي تركهم رسول الله صلى الله عليه وآله عليها كما خالف سنة رسول الله صلى الله عليه وآله باختياره خليفة له وهو عمر وخالف الثاني الأول بأن نصب ستة بدلا من الاختيار المباشر، فكان ما كان من أمر تولي عثمان بن عفان رئاسة الدولة، والأمر الذي تولد عنه تشريعا قائما إلى يومنا هذا في العالم العربي و الإسلامي هو أبدية المقعد الرئاسي، والحكم المطلق للرئيس في مال المسلمين والإدارة، فقد روي عن عثمان بن عفان في كتب التراث قوله: (لم أكن لأخلع سربالا سربلنيه الله) وفي رواية: (لم أكن لأخلع قميصا قمصنيه الله) تاريخ الطبري 2/664، عندما طالبه الثائرون بالتنازل عن الرئاسة، فقال قولته الشهيرة التي أصبحت دستوراً لكل من يلي الأمر بعدها باسم الله والرسول، وبهذا المفهم من كلام من قتل على يد الثائرين على ظلم واستبداد الولاة الذي عينهم هذا الرئيس الثالث المخدوع المظلوم، أصبح لهذه الكلمات موضع قدم في ثقافة المسلمين العاطفية وخاصة بعد أن تمكن معاوية من إخصاب هذه الثقافة لدى العامة بعد أن تمكن من الأمر.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !