مواضيع اليوم

الإسلام الحركي و الإنقطاع التاريخي

فارس ماجدي

2010-04-28 07:28:50

0

 تيسير الفارس
لكي نتفحص مسألة الأنقطاع التارخي في السياق الإسلامي ونموضعها داخل إطارها العام ينبغي أن ننطلق من المعطيات القرآنية المكملة عن طريق معطيات الحديث النبوي، وتعاليم السلف والمصلحين المندمجين في العقيدة الإيمانية الإسلامية، والتي لم تتعرض لأي دراسة نقدية الى الآن، لقد تميز التراث الإسلامي باستمرارية لغوية وثقافية تسترعي الأنتباه والاعجاب والاهتمام حقا، أقصد استمرارية تواصلية فيما يخص نقل النصوص المقدسة التأسيسة وتأويلها والعيش عليها ، وهذه الاستمرارية كانت متواصلة حتى القرن الحادي عشر على الأقل فيما يخص الأدبيات العقائدية المكتوبة كلها بالغة العربية على أثر القرآن ، ولكنه أصيب للأسف بانقطاع سلبي فيما يخص المجالات الفكرية والثقافية والسياسية التي انتشرت فيها كل المسائل المرتبطة بالاعتقاد، هذه المسائل التي لم يتم التفكير فيها أو على الأقل طمست داخل نطاق اللامفكر فيه، إن القطيعة الأكثر ضررا ليست فقط بالنسبة للفكر الديني ، وإنما أيضا بالنسبة للتطور العام للمجتمعات المرتبطة بالظاهرة الدينية الإسلامية، بصفتها مرجعية إجبارية للقانون والسياسة والأخلاق والاجتماع، قد تمثلت بضرب الفلسفة ، فقد رفضت الفلسفة ثم حذفت كليا وبشكل دائم بعد موت ابن رشد ، نقول ذلك ونحن نعلم أن ابن رشد كان قد خاض مناظرة فلسفية كبرى مع الغزالي بعد موت هذا الأخير بثمانين عاما في كتابه تهافت التهافت ردا على تهافت الفلاسفة ، ولكن المناظرة بقيت ورقة ميتة في الناحية الإسلامية ولم تلق أي صدى يذكر، في حين أن الفلسفة الرشدية لقيت مرتعا خصبا في الجهة الأوروبية بين القرنين الثالث عشر والسادس عشر. فقد تحول فكر ابن رشد الى تيار طويل عريض دعي بالفلسفة الرشدية اللاتينية، وهذه القطيعة السلبية أصابت بالتدريج كلا من الفكر اللاهوتي والتفسير والفقه وعلم التاريخ، والفكر السياسي. إن الجهود التي بذلها الباحثون والمثقفون الليبراليون بين عام 1830ـ 19640 كانت مشتته ومبعثرة أكثر من اللزوم وكانت خجولة واستسلمت في الغالب للماحكة الجدالية والتبجيلية وبالتالي كانت عاجزة عن احياء الفكر العربي الإسلامي أو تجديدة بشكل جذري ودائم، وذلك لأن هذا الفكر قد ضعف كثيرا وفقد عصارته وروحه بسبب قرون وقرون من التكرار والاجترار المدرسي العقيم، وكان هذا الفكر التسليمي التواكلي ، لقد كانت هذه الجهود اليبرالية عاجزة عن مواجهة التحديات المتمثلة بضغط الثقافات الشفهية المهجورة . وكانت عاجزة كذلك عن مواجهة تحديات الحداثة القادمة الى العالم الإسلامي عن طريق النظام الكولوني المتعجرف الذي أدى الى تفكيك التراثات المحلية، ضمن هذه الظروف التاريخية تمت نشأة وتغذية مخيال من نوع خاص، إن أنظمة التركيبات المعرفية للعقل الديني من أنظمة لاهوتية وتفاسير وتواريخ ، سوف تفكك وتتحول الى ورشة عمل ، مثلها في ذلك مثل الأنظمة والاستراتيجيات المعرفية والمواقع الفكرية التي أنتجها العقل الحديث ودافع عنها ، هذا هو المنظور الواسع والعريض الذي يجب أن ننطلق منه ، إن الخيار الاستراتيجي هنا يتمثل في قلب الساحة الدينية بالصيغة الموجودة عليها حاليا ، كما لا تزال الانظمة اللاهوتية الأصولية المتنافسة المستمرة في احتكارها حتى الآن ، وكذلك كما لا يزال المقاولون السياسيون مستمرين في استغلال المخيال الديني واستخداهه كأداة أو كقوة لاعقلانية من أجل استنهاض الجماهير وتعبأتها بطريقة خاطئة تماما .
هناك اعتراض ينبغي أن نأخذه بعين الاعتبار هنا ، وهو ذو جوهر تبجيلي وايديولوجي وهو كذلك جدير بالتوقف عنده لأنه صادر عن تيار الحركيين المسلمين الذين يمثلون قاعدة اجتماعية كبيرة، وهذا التيار الحركي يدعو الى أسلمة الحداثة ، والفكرة الأساسية هنا أن الإسلام ليس فقط نظاما من العقائد واللاعقائد الثابتة، المتلقاة المطبقة بشكل دوغمائي ، وإنما هو ايضا مزود بكل المبادئ والمناهج والمجريات المنطقية الاستدلالية، وكل الأجهزة المفهومية للتفحص والضبط ، وكلها أشياء تهدف الى تأسيس أو اعادة تأسيس صلاحية ومشروعية كل أنظمة الوجود البشري ، إنها تؤصلها أو تعيد تأصيلها كلما كان ذلك ضروريا، ويرى أصحاب هذا التيار الحركي أن مجمل هذه المجريات والمنهجيات كانت قد لخصت ونقلت حرفيا وبكل أمانة في التراث الاسلامي الحي . وبالتالي فهي لا تختزل الى أي نظام معرفي آخر سابق أو لاحق ولا علاقة لها بأي معرفة خارج المعرفة التي يتضمنها هذا التراث الأمثل والأعلى ، ولا يمكن للنظام المعرفي الاسلامي أن يتأثر بأي نظام معرفي آخر أو يسمح له بأن يحرفه عن وجهته السديدة بحسب رأيهم ، ثم يقولون بأن كل الأنظمة المعرفية ونماذج العمل التاريخية المنتجة من قبل الحداثة الأوروبية من أجل خلع المشروعية على هيمنة الغرب على بقية العالم، تهدف الى تفكيك هذا التراث الاسلامي وازالته من الوجود فكرا وممارسة، وهي لا تزال تحاول تصفيته نهائيا على المدى البعيد أو القريب إذا أمكن ، لا يوجود في هذا المحاجة التي يتبعها الحركيون الأصوليون فقط مجرد منافسة محاكاتية مع الغرب من أجل السيطرة على الذروة المعرفية أو الهيبة الفكرية من أجل تشكيل نموذج مثالي أعلى للهيمنة، يكون منافسا للنموذج الغربي الذي يحاولون التحرر منه أو تحاشيه، وإنما يوجد فيها أيضا نوع من المطالبة بامتياز وجودي يزعمون أن الإسلام يمتلكه دون سائر الأديان أو سائر الأنظمة المعرفية الأخرى، وهذا الأمتياز الوجودي هو الذي يؤسس أو يؤصل الصلاحية الفكرية والعلمية والأخلاقية والسياسية والتشريعية لكل المنتجات التاريخية التي يرضى عنها الاسلام بالمعنى المثالي.
إن أتباع هذا التيار لا يكلفون أنفسهم عناء امتلاك الوسائل التي تمكنهم من رؤية الخلط الواضح وتحاشيه, أقصد الخلط بين نضال سياسي مشروع تاريخيا، أي النضال ضد وضعهم الحقيقي كمهيمن عليهم، وبين عملية خلع الصلاحية المعرفية على موقفهم الفكري ، فهذه العملية ترتكز كليا على اعتقاد لم يتعرض حتى الأن لأي تفحص علمي أو فلسفي ويوجد هنا نموذج ممتاز لموضوع ابتدأ العلم الاجتماعي الجديد بالاهتمام به ودراسته في العالم الأوروبي ، ولكنه متروك عرضة للصحافيين وتقاريرهم الوصفيه السطحية فيما يخص العالم الإسلامي ، في الواقع إن مفهوم الامتياز الأنطلوجي ليس حكرا على الاسلام والأصولين وإنما هو موجود في كافة الأديان والطوائف الدينية. كما أنه موجود لدى الحركات الطوباوية كالاشتراكية العلمية والخلاص الشيوعي عن طريق البرولتاريا . نقول هذا الكلام مع الأخذ بعين الاعتبار لبعض التصحيحات والتعديلات التي تفرضها علمنة الفكر . فليس الأمر متطابقا تماما بين الطوائف الدينية وبين الحركات الشيوعية ، إن الإشارة الى الله أو ذكر إسمه باستمرار أو التعلق به بصفته ضمانا للامتياز الوجودي قد نزع في الواقع من الساقات المؤسساتية واللاهوتية والروحية التقليدية ، لكي يعدل من أجل أن يتلاءم مع بنى المخيال الاجتماعي المشكل عن طريق الخلط المستمر ما بين العقلانية العلمية المرقعة من هنا وهناك ، وبين اعتقاد متجذر في اعماق غائصة القرار لتدين يغلي غليانا مخيفا، أقصد التدين المتعدد الأشكال والمتوحش والفوضوي لأنه محروم من كل ذروة عليا للضبط والمراقبة، ينبغي أن ننظر الى كل ذلك بصفته معطى تاريخيا واجتماعيا ونفسيا لا يزال فجا أو خشنا. ونحن نصفه كذلك ضمن مقياس أن العلوم الاجتماعية لم تتوصل بعد الى استيعابه داخل استراتيجية صحيحة للفهم والدراسة أو داخل فضاء متين للإدراك والمعقولية، وهي لم تتوصل الى ذلك حتى الآن لأنها لا تزال سجينة التحديات والأطر المعرفية للاستشراق الكلاسيكي.من هنا نلحظ تلك المسافة الكبيرة التي تفصل تيار الحركيون الأسلاميون عن التاريخ المعاش ، أي بوصفهم يمثلون حالة متميزة داخل المجرى العام التي تنساق فيه رؤيتهم للواقع الذي يعيشونه ، في حين ان تيار الحداثة الأوروبية يتحرك بعيدا في عملية تأسيس وانبثاق الوعي.

كاتب أردني مقيم في نيوزلاندا
 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !