عندما يحمل الإنسان أهدافا عليا وغايات سامية تنوء بحملها الجبال؛ فان الأمر يحتاج إلى جهود جبارة وعمل متواصل لا هوادة فيه، وقد يصيب الإنسان الهم والحزن، أو يتسرب إليه اليأس والقنوط من تحقيق الأهداف أو الوصول إلى الغاية؛ فيحتاج عندئذ إلى محطة راحة يجدد فيها نشاطه، ويراجع أهدافه، ويعيد تقييم خطواته وأعماله، ويرتب أوضاعه، ويستروح من عناء الطريق ووعثاء السفر.
وهذا ما نتعلمه من رحلة الإسراء والمعراج، فرسولنا يحمل أهدافا عليا وغايات سامية، والطريق طويلة، والعقبات كثيرة، وما ينتظره في قابل الأيام أصعب مما مر، فقد أمضى عشر سنوات من الكفاح المستمر، لم يذق طعم الراحة، ولم يشبع من نوم أو طعام" فقد مضى عهد النوم" جهاد مرير لا هوادة فيه؛ لتغيير المفاهيم، وإصلاح الأوضاع، وتحطيم الأصنام: أصنام الجهل، والزيف، والاستبداد، والشهوات، عشر سنوات وهو يدور على المجامع، ويرتاد المنتديات، ويعرض نفسه على القبائل في تدرج ملحوظ :في بادىء الأمر قولوا لا اله إلا الله تفلحوا، وفى نهايته من يؤويني من يحميني حتى أبلغ دعوة ربى .
لكن القلوب المنغلقة لم تترك لنفسها فرصة للهداية، أو تفتح لنفسها طريقا للوصول إلى شاطىء الإيمان، بل تمادت في غيها، حتى وصل الأذى منتهاه، إنه ليس إعراضا فحسب، بل إيذاء نفسي وبدني بلغ الحلقوم، حتى ظن النبي أن ربه قد قلاه؛ فنادى خوفا ووجلا - والدماء تسيل، والبدن مكدود، والسفاهة فعلت فعلها في نفسه – " إن لم يكن بك غضب على فلا أبالى، ولكن عافيتك هي أوسع لي....".
والسنوات القادمة بما تحمله من جهاد وعمل، وحركة وهجرة، وبناء دولة، والخروج بالعداوة من حيز مشركى مكة إلى اجتماع القبائل، وتحزب الأحزاب، بل والعجم كذلك سيصبح لهم في العداوة نصيب.
مابين جهاد قد مضى، وجهاد هو آت؛ كان لابد للفارس أن يترجل، وللبطل أن يستريح، فكانت رحلة الإسراء والمعراج.
كانت رحلة الإسراء والمعراج؛ ليعلم أنه يسير على الطريق الصحيح..
وكانت رحلة الإسراء والمعراج؛ ليستريح قليلا قبل أن ينهض لمواصلة الكفاح..
وكانت رحلة الإسراء والمعراج؛ ليخرج من العالم الضيق المليء بالعدواة والأحقاد إلى عالم أرحب.. إلى ملكوت السماوات والأرض، ليرى الأمور على حقيقتها، ولينظر إلى الآلام من فوق، ويتنسم شذي النعيم المنتظر في نهاية الطريق ..
كانت رحلة الإسراء والمعراج؛ ليطوى صفحة من الكفاح، بما تحمله من هموم وأوجاع، صفحة لها لونها وشكلها، ويستقبل صفحة أخرى بلون جديد وشكل مختلف.. ليطوى مرحلة كان الكفاح فيها بالمنطق واللسان، ويستقبل مرحلة يكون الكفاح فيها بالسيف والسنان .
فما أحوجنا ونحن نسير نحو أهدافنا، ونجاهد في سبيلها، إلى أن نتوقف قليلا بين الحين والآخر؛ نراجع أهدافنا، ونقيم منجزاتنا، ونستروح من عناءنا، ثم ننهض لمواصلة الطريق، بروح جديد، وعزم أكيد.
التعليقات (0)