كتب أ. مجدى داود
منذ أن تم انتخاب باراك أوباما ذو الأصول الإسلامية رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية والكثير من عامة المسلمين يعتقدون أن الرجل سيكون مختلفا في تعامله مع المسلمين , ومع قضاياهم المعقدة وخاصة القضية الفلسطينية , وقد ازداد هذا الإعجاب حينما ألقى الرئيس الأمريكي خطابه الشهير في القاهرة في شهر يونيو الماضي , فعلق البعض آمالا كثيرة عليه , حتى أن أحد الدعاة وهو الشيخ عائض القرني قد كتب مقالا في جريدة الشرق الأوسط بعنوان ( أهلا وسهلا ... بباراك أوباما ) مهنئا الرجل على خطابه الذي ألقاه .
الذين أعجبوا وتفاءلوا بوجود باراك أوباما اعتمدوا على خطاباته التي ألقاها هنا وهناك وخاصة خطابه في القاهرة , ومن ذلك موقفه من الاستيطان ودعوته إلى وقف فوري له كي يتم الشروع في مفاوضات السلام المزعومة من أجل إقامة الدولة الفلسطينية المفترضة ودعوته لإقامة دولة فلسطينية, وإعلانه النية للعمل من أجل تقوية العلاقات بين الولايات المتحدة والشعوب الإسلامية , ولكن بعد مرور خمسة أشهر على خطاب القاهرة وحوالي عشرة أشهر على توليه مهامه كرئيس للولايات المتحدة , تغيرت مواقف الرجل وأصبح يتكلم بذات اللسان الذي كان يتكلم به بوش من قبل .
ومن هذه الأمور التي تغيرت بشأنها مواقف الرئيس الأمريكي باراك أوباما هو موقفه من وقف الاستيطان , فالرجل بعد أن كان قد وعد بالعمل على وقف الاستيطان خرج علينا بعض المحللين السياسيين ليخدعونا ويخدعوا أنفسهم متنبئين بتوتر العلاقات بين الإدارة الأمريكية والحكومة الصهيونية بسبب الاستيطان وما يترتب على ذلك من إحراج الكيان الصهيوني دوليا وفقدانه الدعم الأمريكي اللا محدود .
ومنذ أن انتخب أوباما وزاول مهامه كرئيس للولايات المتحدة والكيان الصهيوني يكشف يوما بعد يوم عن مئات الوحدات الاستيطانية الجديدة في الضفة الغربية ومدينة القدس الشريف ويسمى هذا العدوان على الأرض بالنمو الطبيعي للمستوطنات , حتى عندما قدم نتنياهو عرضا بوقف الاستيطان لاستئناف مفاوضات السلام المزعومة استثنى من ذلك مدينة القدس الشريف وذلك يدلل على النية الصهيونية عدم التفريط في القدس الشريف في أية مفاوضات .
ولكن هي الإدارة الأمريكية تتراجع عن موقفها من الاستيطان , وها هي هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية تقول أن وقف الاستيطان ليست شرطا لبدء المفاوضات وتطالب السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس المنتهية ولايته بالبدء فورا في المفاوضات المزعومة , وهو نفس الكلام الذي قاله مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط ( جيفري فيلتمان ) حيث قال (المناقشات التي نجريها مع الإسرائيليين بشأن (تجميد) المستوطنات ليست شرطا نريد تلبيته قبل بدء المفاوضات ).
إن تغير موقف الرئيس الأمريكي هو بمثابة ضربة قاصمة لكل الذين تفاءلوا خيرا بالرجل واعتقدوا أنه قد يغير من الأمر شيء , وضربة قاصمة كذلك وكارثة حلت على رؤوس الذين راهنوا عليه في إقامة هذه الدويلة المزعومة كي يقولوا لخصومهم أنهم كانوا على حق حينما ساروا في طريق المفاوضات , ولهذا فترى اليوم هؤلاء يتخبطون وينتقدون مواقف الإدارة الأمريكية بعدما فضحتهم على رؤوس الأشهاد , وقد تحدث "آرون ديفيد ميلر"- وهو مفاوض أمريكي سابق يعمل حاليًا بمركز "وودرو ويلسون إنترناشونال سنتر"- يوم الثلاثاء لمجموعة ماكلاتشي الصحفية في إيجاز عن تحليله لاجتماع يوم الثلاثاء قائلاً أن "نتنياهو حصل على واحد صحيح، بينما حصل كلاً من عباس، وأوباما، وعملية السلام (الإسرائيلية- الفلسطينية) على صفر".
ولكن هل حقا تغير موقف أوباما بشأن الاستيطان وغيره من الأمور التي تهم المسلمين خلال الأشهر القليلة الماضية ؟ أم أن الرجل كان فقط يردد كلمات وأولها بعض المفتونين به تأويلا يوافق أهواءهم؟!
في الحقيقة أن الرجل منذ قدومه إلى الإدارة الأمريكية ومواقفه واضحة يراها الأعمى ولكن الذين في قلوبهم مرض فقد طبع الله عليها فلا يفهمون ولا يفقهون , وفى هذا يقول الكاتب الأمريكي نعوم تشومسكي ( أما فيما يتعلق بخطاب أوباما في القاهرة في حزيران / يونيو فإنه لم يقدم الشيء الكثير , ولكن أوباما استخدم أسلوبه المعتاد الذي يعطى المستمعين ما يريدون أن يسمعوه , وقد أعلن أوباما في مقابلة مع توماس فريدمان نشرت في النيويورك تايمز قبل خطابه بيوم واحد أن " هناك نكتة في البيت الأبيض مفادها بأن الرئيس سوف يستمر في قول الحقيقة إلى أن تصبح الحقيقة غير صالحة للاستعمال وليس هناك مكان أهم من الشرق الأوسط لقول الحقيقة فيه " ) .
فالرجل لم يعترف يوما بحق الفلسطينيين في إقامة دولة كاملة السيادة وإنما كان يردد دائما أن الأولوية الأولى لأمن الكيان الصهيوني الغاصب , ودافع الرجل في أكثر من موقف الكيان الصهيوني الغاصب وعن حقه المزعوم في الدفاع عن نفسه , وكأن هذا العدو هو الضحية والفلسطينيون هم الذئاب البشرية التي تمتلك ترسانة عسكرية ضخمة , وكأنهم هم الذين ارتكبوا جرائم حرب ضد إسرائيل , وكأن تقرير جولدستون قد برأ إسرائيل من كل التهم التي ننسبها إليها .
كل ما في الأمر أن الرجل أراد أن يخدعنا بكلامه المعسول خاص أنه استشهد ببعض آيات القرآن الكريم , وهو يدرك تماما أن هناك الكثير من مدعى الثقافة والتحضر والخوف على المصلحة الوطنية سيصفقون له ويهللون ويثنون عليه ويمدحونه ويصفونه بأحسن الصفات , وقد نجح الرجل في ذلك ولمسنا إعجاب الكثير من المسلمين به دون أن يكون هناك أي سبب واقعي فعلى يرونه على الأرض لكي يظنوا بالرجل خيرا .
إن موقف أوباما من الاستيطان ليس مجرد موقف شخصي , فمن المعروف أن للوبي الصهيوني في الكونجرس الأمريكي يدا هي أطول من يد الرئيس الأمريكي نفسه , وله تأثير كبير على السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية ومن أهم المنظمات التي تدير أعمال هذا اللوبي الصهيوني منظمة إيباك .
إن هذا التغير الواضح في موقف الرئيس الأمريكي باراك أوباما ليفرض علينا ألا نلهث وراء كلمة يقولها أوباما أو غيره , بل علينا أن ندرك حقيقة المواقف لا ظواهرها , ودراسة الأمور والواقع دراسة جيدة متأنية , فلا ننساق وراء بعض الكلمات والخطب الرنانة التي يقولها هذا وذاك دون أن ننظر في فحواها وفى مدى صدقها وصدق قائلها وهل هو يريد ذلك فعلا ؟وهل هو قادر على فعله أم لا؟.
كاتب مصري إسلامي.
"حقوق النشر محفوظة لموقع "قاوم"، ويسمح بالنسخ بشرط ذكر المصدر"
التعليقات (0)