لا يوجد خلاف على حقيقة أن الإسلام وجميع الرسالات السماوية بريئة من الإرهاب وأصحابه الذين تؤكد الأيام أنهم جرثومة في كل مجتمع ومرض معدٍّ يحتاج إلى استئصال وتطهير. ففكر العنف قديم منذ الأزل وموجود في جميع العقائد والملل والنحل والنظريات، وكل مجتمع به هذه الفئة التي تتخيل أنها تحتكر الفكر السليم والحقيقة مثل إرهاب أو تكفير المجتمع والشعوب بالآراء الجانحة أو بالعنف تحت حجة ضرب مصالح الامبريالية والصليبيين الجدد (كما يدعون). كذلك، ومن الطرف الآخر ضرب العقيدة الاسلامية وإيغال الوهن بينها وبين ممارسها، وذلك بتصوير الإسلام لاهوتاً للعنف، ونبذ الآخر من خلال تكفير باقي الديانات الأخرى. وهذا ما يمارسه "المتنفعون" لكل من الانجيليين والمتصهينين في مواجهتهم للإسلام لإضعاف علاقة متبعيه مع القرآن الكريم أو جَّر الفرد المسلم للوله بالدنيا وملذاتها دون الالتفات للآخرة وغنائمها.
الفكر التكفيري ضرب المسلمين في مقتل، فلم يعُّد المسلم مسلماً حقاً إن لم يؤيد العمليات الارهابية، بل وخارج عن الملة إن لم يكن هو أو أحد أقاربه ممن ينتحرون جراء العمليات التفجيرية ضد الغربيين. لقد ابتلت الدول العربية والإسلامية بنار التكفير والتعصب والجهل وضيق الأفق وضيق مساحه التسامح، وبالطبع تتضافر هذه العناصر مجتمعة مع البطالة والفساد الإداري والترهل الاجتماعي والمشاكل الاقتصادية لتتحول المجتمعات إلى سبيكة قابلة للتفكك والانصهار، ومكمن الخطر هنا أن عناصر التخريب بالداخل تتعاون مع عناصر الخارج والخاسر الوحيد هو الأوطان والأديان الذي يزعمون أنهم إنما يفعلون ما يفعلون بإسمها والله برئ منهم لأن حرمة دم الإنسان أغلى من حرمة المسجد والكنيسة والدير والمعبد، وحرمة دم المسلم أغلى عند الله من حرمة الكعبة على قداستها. وإذا جاز في جميع الاديان والأعراف والقوانين الدولية محاربة المعتدي والمحتل بكل السبل بما فيها العمليات الاستشهادية كما يحدث على ارض فلسطين لرد عدوان غاصب، فإنه لا يجوز محاربة بنى الوطن الواحد تحت أي ذريعة وشتان بين الاستشهاد وطلب الشهادة في الحق وبين الانتحار لوجه الباطل.
وهذه الأفعال الآثمة لا تمت إلى الدين الإسلامي بصلة، وتنطلق من دوافع ضالة فالمسألة في الفكر المنحرف الذي يقود هذه الفئة المتطرفة فكرياً والمارقة عن الإسلام وتعاليمه السمحة. فالشباب مضللون ومغسولة أدمغتهم فهم يتحركون من قبل قيادات تخطط وتمول كل العمليات ونحن ما زلنا في محاربة هذا الفكر المتطرف ونحاول مسك العصا من الوسط حتى وصل التخطيط إلى تفجير معسكرات لقوات أميركية حلت ضيفة بعد أن ساهمت في أفعال ايجابية، واستهداف مبان ومرافق أمنية تسهر على حماية الوطن. وحينما يتفكر المرء في هذه الخلايا الإجرامية، وهذه العمليات الإرهابية الظالمة يتساءل بحرقة وألم: بأي عقل يفكر هؤلاء؟ وعلى أي منطق يستندون؟ وبأي حجة يتشبثون؟ وإلى أي شريعة يحتكمون؟ وأي مصلحة يستهدفون؟ وأي غاية يقصدون؟ حين يغدرون بالعهود، وينقضون المواثيق، وينتهكون الحرمات، ويرتكبون الجرائم والموبقات، ويدمرون المصالح والمكتسبات، ويروعون الآمنين والآمنات، ويشوهون صورة الإسلام وأهله، ويصدون عن سبيل الله وهم يزعمون نصرة دين الله، والانتقام للمستضعفين من المسلمين!! فالعدوان على الأوطان الآمنة خروج عن تعاليم الإسلام.
أما الأفكار المروجة حول الاعتقاد الديني الذي يقرن بالتطرف والإرهاب! فيجب أن نؤكد على نقطة أساسية هي أن الإسلاموية ليست حركة تقليدية بل حركة ثورية. وهناك جرائم تحدث باسم الإسلام لا يجب أن تقترن بالقرآن، بل على إيديولوجيا سياسية، وإن حاول البعض ايجاد بُّعدا استراتيجيا للإسلام في هذا الشأن. فهذه مسؤولية مشتركة وعلى المسلمين العمل على محوها من مخيلة البعض... فهناك مسلسل بدأ في العالم العربي، فخلال عدة سنوات، كل الحلول السياسية العلمانية المطبقة في العالم العربي فشلت، من حركات ثورية وأفكار يمينية ويسارية، ولم تتمكن تلك الأفكار من تنمية الأقطار العربية لا من تطويرها وتحديثها، بل على النقيض تقاطع هاذين الفكرين، الفكر اليميني واليساري العلماني وخصوصية الاعتقاد في العالم العربي المرتبطة بالإسلام، أدى إلى إنشاء هذه الحركات، حركات بدأت تتشكل منذ القرن التاسع عشر. إذن المشكلة تكمن في هذا الخلط بين الأصولية المرتبطة بالإرهاب والإسلاموية والإسلام، ولكن لا ننفي أو نحجم فكرة أن الإسلاموية حركة تغذت من مجموعة من الأفكار منها الدين، وإذا احترمت قواعد اللعبة فلا يجب محاربتها. في حين علينا محاربة الأصولية المرتبطة بالإرهاب. أما إن جنحت الإسلاموية للتطرف فهي لا تقدم نفسها كحركة "دينية"، بل كحركة ثورية. لذلك، من الخطأ أن نعود إلى القرآن مع كل عملية إرهابية لمعرفة الأسباب، بل يجب أن نعود إلى الميدان السياسي لمسببات الفعل.
إذن، لماذا نغفل عن الأسباب الحقيقية لهذه المشكلة؟ مما ينشأ عنه فشلنا في معالجتها وحلها، لأننا لم نحسن تشخيصها ومعرفة أسبابها. ولماذا نظلم بلادنا ومناهجنا وجامعاتنا وجمعياتنا، ونتهم علماءنا وقضاتنا ومدرسينا وأساتذة جامعاتنا والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر بما هم منهم براء. نعم مسؤوليتهم في معالجة هذه الفتنة والتصدي لها كبيرة جداً، ومؤثرة جداً، لكن هناك فرق شاسع بين أن نطالبهم ببذل المزيد من الجهد في معالجة هذه الفتنة والتحذير منها، وتسهيل مهمتهم وتشجيعهم على معالجتها، وبين أن نتهمهم بأنهم وراءها والمشجعون عليها، مما يعني المطالبة بعزلهم وتحجيم دورهم، وحينها سيكون الخاسر الأكبر هو البلاد وأهلها، وسيحرم الناس من تأثير هؤلاء في معالجة هذه الفتنة وإماتتها، وسيتخذها أولئك المتطرفون دليلاً على أن الدولة تحارب الإسلام وأهله، فيتفاقم شرهم، ويكثر المغترون بهم.
التعليقات (0)