مواضيع اليوم

الإرهاب ...البركاني

جمعة الشاوش

2010-04-18 01:07:59

0


لم تعد الطائرات تسرح وتمرح في أجواء معظم الدول الأوروبية.ا..هكذا،وفي تحدّ سافر للإرادة الإنسانية، فعلتها الحمم البركانية الايسلندية كما أفادت بذلك الأخبار وكما عاش وقعها عليهم المعنيون من المسافرين جوا الذين لكلّ منهم حكايته ومغامرته مع سفرته التي تقرّر إلغاؤها نتيجة حظر جوي بمشيئة بركانية حوّلت سماء العديد من بلدان أوروبا إلى غمامة رمادية هي خليط من جزئيات الزجاج والرمال والصخور...
تفاصيل هذا الحدث تحدّثت عن إلغاء ما يربو عن 16 ألف رحلة جوية الجمعة المنصرم وعن خسائر باهظة تكبدتها شركات الطيران،وعن ضغط متزايد عن وسائل النقل البرية والبحرية في دول تتمتع بينها ببنية تحتية مرورية متطوّرة وراقية...
هكذا اضطرتّ سفينة الجوّ أن تبقى رابضة على الأرض،مشلولة عن الحركة،مربكة لنشاط أعداد ضخمة من المسافرين،مانحة للفضاء هدوءه وسكينة بعد أن سكتت عن الأزيز والضجيج-ومصائب قوم عند قوم فوائد-

الحقيقة أنّ هذا الإرهاب البركاني الذي طال الطائرات،وهي التي لم تتعاف بعد من الإرهاب الإنساني،يُوفّر فرصة استحضار هيمنة الطبيعة وتحكّمها في أقدار البشر وفقا لمشيئتها مهما بلغ الإنسان من تقدّم وثقة في قدراته على الانخراط المؤثّر في نواميس الكون،وهي قدرات تبدو ضحالتها وتواضعها إزاء سطوة الطبيعة فيما تغدقه عليه من منافع وما توقعه فيه من مهالك وآفات وكوارث...
تغضب الطبيعة وتعربد فيقف الإنسان حيال نزواتها منكسرا مهزوما رغم كلّ خبراته التي امتلكها في صراعه الأزلي لترويضها وسعيه لتسخيرها لأغراضه الحياتية النبيلة منها والشريرة...
وغضب الطبيعة،رغم أهواله وفواجعه،يُتيح للإنسان فرصا ثمينة للتّأمل والاعتبار والاتعاظ بأنّه لا يتحكّم في الكون إلا بالمقدار الذي تفرضه نواميس هذا الكون لا أوهامه في خلافة على الأرض يريدها أحيانا اعتداء عليها ومخالفة لنظام كوني محكم ليس من صنعه بل هو إحدى أجزائه التي لها أن تنشط في منظومة متّسقة مع نظام خالق الكون... وهو ما يعني أن يكون السعي البشري إلى تطوير مهاراته من أجل الاستفادة من عطاء الطبيعة ودرء مخاطرها لا تغذيتها بما يستفزها ويؤجج أوارها...،
ويُسجّل للإنسان،لدى إقراره بضعفه ومحدودية قدراته في مواجهة الطبيعة والتصدّي لثوراتها العاتية المدمّرة تضامنه اللافت مع أخيه الإنسان في صراعه معها،وهي التي تتحوّل عند إرهابها له والفتك به وانتهاك حرمات مكاسبه وتدمير عمرانه إلى صدارة اهتماماته وأولوياته قسرا وتوقظ فيه حسا إنسانيا رفيعا بالتكافل والتعاون والتطوع والكرم وتضميد الجراح وكفكفة الدموع وتحفّزه على البناء والتعمير بعد أن تخمد في أعماقه،إلى حين،نزعة العداء والتدمير...
هكذا تبدو الطبيعة الغاضبة،وحدها،ملهمة للإنسان حلول درء الأخطار عنه،مودعة فيه التعاطف والجلد والصبر التي تنعدم أو تضعف إذا كان التقصير بشريا، حيث يكون الاحتجاج والتقريع والتشهير...وحدها مسلّم لها بنتائج مفاجأتها له بفعل ما لم يضعه في حسبانه وإرباك مخططاته أو إفسادها... إنه لا يستطيع أن يثأر لنفسه منها ولا مقاضاتها في محاكمه ومنظماته الأممية ولا في مخابره ولا في دور عبادته...فقط هو يستمرّ في جهده ساعيا للتخفيف من آثارها الكارثية والحدّ من أخطارها المحتملة،وهي،في هيجانها،غالبا ما تهزمه لكنها لا تكسر إرادته في تشبّثه بالحياة وتجاوز ما تُلحقه به من متاعب وخسائر...
إنّه لمثير للإعجاب تعاطي الغربيين مع الإرهاب البركاني بكلّ هذا الهدوء وهذه السكينة،وهو الذي حرمهم من التحليق في الجوّ وأضاف لهم متاعب اقتصادية ومنع مسافرين من بلوغ أغراضهم المضبوطة في إبانها أو أفسدها...
الإرهاب البركاني الايسلندي،بكلّ إزعاجاته الحاصلة والمنتظرة،هيّن مقارنة بما فعلته الأعاصير والتسونامي والزلازل في بقاع عديدة من العالم-وأغلب الظنّ أننا نعيش راهنا عصر هيجان الطبيعة-لكنّ الأخطر مما تفعله الطبيعة الغاضبة بالإنسان،هو ما يفعله هذا الأخير بها وما يختزنه لها من ترسانة نوويية لتدميرها فضلا عن تهديد محقق لوجوده على الأرض...
الأشدّ خطورة والأكثر إيلاما والأدعى إلى الاحتجاج هو إرهاب الإنسان لأخيه الإنسان بكلّ هذه الحروب المشتعلة،والاستعباد المقيت،والجوع القاتل،والاستبداد المستفحل،ومصادرة الحرية والكرامة الإنسانية،وتأجيج نيران الحقد والكراهية بين بني البشر الذين استخلفهم الله على الأرض.ا..
في أوروبا حظر جوّي طارئ على كبرى مطاراتها بفعل إرهاب بركاني،وفي بقاع أخرى من العالم،في مقدّمتها"غزة الشهيدة"،حظر مزمن ومستمرّ جوي وبري وبحري بفعل إرهاب الإنسان لأخيه الإنسان.ا..

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !