صرح الرئيس مبارك رئيس جمهورية مصر العربية فى إيطاليا بضرورة إقامة مؤتمر دولى لمكافحة الإرهاب ، وهو موقف معروف عن رئيسنا المصرى وكرره فى الماضى كثيراً ، وبالرغم من عدم أتفاق العالم معه فى رؤيته هذه لأسباب سياسية ، إلا أنه ينبغى أن أذكر رؤيتى المتواضعة التى تختلف مع سيادته وأرجو أن لا يفسد الأختلاف فى الرأى للود قضية .
وحتى لا نتكلم كلام كتير بلا معنى ، أذكر هنا ما يتكرر بأستمرار فى أيامنا العجيبة فى مصر الحبيبة من أفتعال أزمات لا طعم لها ولا معنى ، وأقصد ما قام به محامى الرموز الإسلامية فى مصر من مطالبته بمحاكمة عاجلة للكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة لما تلفظ به من عبارات تسئ إلى عمرو بن العاص الغازى المشهور لأرض الفراعنة تلك الأرض التى أعتبرها هو وأصحابه بمثابة البقرة الحلوب التى تدر الخيرات عليهم وعلى أهلهم جميعاً ، وطالب هذا المحامى المصرى فى سرعة تقديم الكاتب المصرى إلى المحاكمة حتى يكون عظة وعبرة لغيره حتى ينكتم أنفاس كل من يتجرأ على الكلام بحرية ومن الأفضل لجميع المثقفين والمفكرين إن كان لهم وجود فى مصر التعيسة ثقافياً أن يضعوا لسانهم فى حلقهم ويسكتوا .
هذا المثال ليس بجديد لكننى أذكره لأنه الأخير حسب معلوماتى البسيطة ، لأنه يجسد إلى أى مدى وصل الإرهاب فى حياة المصريين ورئيسنا المحبوب يريد عمل مؤتمر عالمى لمكافحة الإرهاب ، قد يكون هذا تناقض أو محاولة فرعونية تريد أن تقول للعالم أننا حاربنا الإرهاب ونجحنا مائتين فى المائة وبلادنا نظيفة والحمد لله ، وما حدث فى طابا هو لعب عيال لا يقدم ولا يأخر وقضايا المنع والحجب والتطليق والتكفير دليل الحرية التى أنعم بها الله على مصر العظيمة.
الإرهاب يا سيادة الرئيس أن تترك محامى مثل هذا يتخصص فى رفع تلك الدعوات ويجد لها أذاناً صاغية من رجال القضاء المصرى والذى لا أعلم بدقة هل ينخر في جسد القضاء الفساد أم هناك أموراً وحسابات أخرى حتى نرى تلك المهرجانات الإعلامية الدينية ؟ وبالطبع أنت يا سيادة الرئيس أعلم بأمور دنيانا المصرية .
الإرهاب هو أن تبدأ الجماعات الدينية وأتباعها من أساتذة الجامعات فى إرساء سياسة فرق تسد بين الطلبة الآمنين منذ سنين طويلة وكانوا بيلعبوا ويمرحوا فى سلام ووئام ، وذلك بأن قام بعض الأساتذة الجامعيين بالفصل بين الذكور والأناث وكأن هذا الفصل هو الذى سيطور حياتنا التعليمية وسيقود جامعاتنا نحو التقدم والحرية والولوج إلى عالم الفضاء الرحيب وعصر المعلومات اللعين حتى نحصد فى الأعوام المقبلة جوائز نوبل وفيصل والشيخ زايد وغيرها من جوائز خلق الله .
الإرهاب يا سيادة الرئيس هو أن تترك دعوات القمع والحجر وغلق الأفواه تتزايد بأسم الدين أو السياسة وتصدرون لها قوانين وتضعون رقابات على الكتب وإبداعات المصريين بأستعمال قميص يعقوب الذى أصبح مهلهلاً مع الزمن ، هل نحن شعب فاضى لتضييع وقت رجال القضاء وأستهلاكه فى الفاضية والمليانة ؟ هل أصبحت المحاكم المصرية خالية من القضايا الحقيقية ؟ أم أن القضاء ناقص عقل هذه الأيام ؟
من أين ينبت الإرهاب يا سيادة الرئيس ؟ أليس الإرهاب محلياً ولم يتحرك أحداً لإزالته من المناهج التعليمية " المصرية " و " الدينية " وكأن الجميع تعلموا فجأة أن يمشوا بسرعة السلحفاة ، ألا يوجد بالشارع المصرى مئات وآلاف الكتب التى تدعو للإرهاب والتكفير وتلك الكتب هى التى أخرجت للعالم الجيل الجديد ممن بدأوا برأس السادات ثم ضاقت بهم أرض مصر فخرجوا إلى بقية بلاد العالم ؟
الإرهاب أن يترك حكام مصر مواطنين مصريين يرددون علانية وبكل بجاحة أن المسيحيين هم أهل ذمة وهو كلام كان مقبول أيام الغزو والإحتلال " العربى " لمصر ، أيام كان السيف العربى يعربد فى كل مكان بقداسة مطلقة ، لكنه كلام مرفوض جملةً وتفصيلاً فى عصرنا الحاضر ، لأن هذا الوصف لأهل مصر المسيحيين هو وصف عنصرى ظالم وفيه أعتداء صريح لا يرضى عدو أو حبيب ، وأهل الذمة كما يفسره الفقهاء هم المستوطنون الذين يعيشون فى بلاد المسلمين ، يعنى بالبلدى كده : جاء القائد الغازى المغوار عمرو بن العاص ليسلب حقوق المواطنة ويفرض الجزية على سكان مصر الأصليين وأن يدفعوها وهم صاغرون " مفيش أرحم من كده ! " ويجعل من نفسه وممن جاءوا معه من الغزاة سكان أصليين أباً عن جد ، أما المسيحيين فأطلق عليهم حسب الفقه والشرع الإسلامى لقب أهل ذمة يعنى غرباء جاءوا وأستوطنوا أرض الإسلام والعرب ، يعنى مصر أصبحت أرض الإسلام وأرض العرب والمصريين أصبحوا فى خبر كان .... يعنى أخوما عمرو بتاع البقرة الحلوب باع المية فى حارة السقايين !
الإرهاب يعنى أن يخون رجاء الأمن والقضاء الأمانة والضمير ليفعلوا ما فعلوا فى قضايا كثيرة ومن أبرزها قضية الكشح ، حتى تصبح هذه القضية وصمة عار فى جبين كل مصرى تستر عليها ويحاول التستر والهروب منها بشتى الحجج الواهية .
هذا الكلام أصارحك يا سيادة الرئيس المحبوب أصبح كلام معاد وأسطوانة مشروخة وكثيرين كتبوا هذا الكلام لعل وعسى يطلع علينا من يؤنبه ضميره ويطالب بالعدل والإنصاف للتاريخ الذى تم تزويره عمداً ويعاد تزويره وتجميله ليكون مقنعاً أكثر مما كان ، ولا أعتقد أننى سأجد من يقول من الرؤساء أو الوزراء علناً أن وصف أهل الذمة لمواطنى مصر المسيحيين هو كلام فارغ وجريمة عنصرية !
لك الحق يا رئيسنا المحبوب أن تعتبر هذا الكلام شوية رغى ، وأعرف أيضاً أنك تعرف وأنك سيد العارفين بأكثر وأكثر من هذا وذاك ، لكن الضعف البشرى جعلنى أعتقد أن التكرار يعلم الشطار ، ودفعنى لأكتب هذه الكلمات تعليقاً على تصريحك أثناء وجودك مع رئيس جمهورية إيطاليا ، وأعتقد أن مكافحة الإرهاب تبدأ من حيث بدأ السادات بزرع البذور والتى نضجت جيداً فى عهده ثم أستمرت إلى يومنا هذا ، وسيدفعنى إيمانى بصراحتك المعهودة إلى أن تكرر معى قولى المأثور بشرط أن تردده بإيمان حتى يستجيب لنا الله " الدين لله والوطن للجميع " .
2004 / 10 / 13
التعليقات (0)