بالتأكيد الوضع الآن يختلف فى كثير من وجوهه عما كان عليه إبان ثورة يوليو 1952 ، ورغم هذا علينا جميعاً أن ندرس الماضى وتجاربه وبخاصة جماعة الإخوان المسلمين حتى يستوعبوا الدرس الذى طالبهم المجلس العسكرى أن يستوعبوه فى رسالة ليست كسابقاتها ولن نذهب بعيداً ونتحدث كثيراً ولكن سنعرض فقط لمذكرات واحد ممن تحدثوا عن "الماضى" الذى طالبهم المجلس العسكرى بدراسته .... فى نهاية مذكراته كرر ـ بحزن ـ الحديث عن حكايته مع جماعة الإخوان وكان مما قاله ( .... كانت مشاعرى معهم ، مع الإخوان ، رغم أنهم تخلوا عنى وعن الديمقراطيةورفضوا أن يقفوا فى وجهعبدالناصر إبان أزمة مارس ، بل إنهم وقفوا معه ، وساندوه ، بعد أن إعتقدوا ـ خطئاً ـ أنهم سيصبحون حزب الثورة وأنهم سيضحكون على عبدالناصر ويطوونه تحتهم ، فإذا بعبدالناصر يستغلهم فى ضربى ، فى ضرب الديمقراطية ، وفى تحقيق شعبية له ، بعد حادث المنشية ، إن الإخوان لم يدركوا حقيقة أولية ، هى أنه إذا ما خرج الجيش من ثكناته فإنه حتماً سيطيح بكل القوى السياسية المدنية ، ليصبح هو القوة الوحيدة فى البلد ، وإنه لا يفرق فى هذه الحالة بين وفدى وسعدى ، ولا بين إخوانى وشيوعى ، وإن كل قوة سياسية مدنية عليها أن تلعب دوراً لصالح القيادة العسكرية الديكتاتورية ثم يقضى عليها ، لكن لا الإخوان عرفوا الدرس ، ولا غيرهم إستوعبه ، ودفع الجميع الثمن ، ودفعته مصر أيضاً ، دفعته من حريتها وكرامتها ودماء أبنائها ، فالسلطة العسكرية ، أو الديكتاتورية العسكرية لا تطيق تنظيماً آخر ، ولا كلمة واحدة ، ولا نفساً ولا حركة ، ولا تتسع الأرض لها ولأحد غيرها ، وكما قلت من قبل ، كان حزنى شديداً على عبد القادر عودة الذى صعد درجات المشنقة شجاعاً ، وتذكرت يوم استدعيته قبل ذلك بشهور فى شرفة القصر الجمهورى بعابدين ليطل معى على أنصاره فى الميدان ، ويطلب منهم الإنصراف بهدوء بعد أن قلت لهم إن عودتى هى عودة الحياة البرلمانية وإن المسئولين عن جرحاهم سوف يحاسبون ، والتحول من العمل الجماهيرى إلى الإرهاب أعطى دلالة بالغة على فقدان الثقة فى الشعب وهو ما سقطت فيه قيادات الإخوان المسلمين ، ولم يدفع الإخوان الثمن بمفردهم ، دفعه شباب مصر ، ورجالها ، ودفعه أيضاً أبنائى ، فالإرهاب يولد إرهاباً والدم يفجر الدم ، والقسوة تعشق القسوة ، والديكتاتورية العسكرية لا تحكم إلا بدولة المخابرات " . هذا هو الدرس الذى طالب المجلس العسكرى الإخوان أن يستوعبوه ...
( من مذكرات محمد نجيب أول رئيس لمصر )
التعليقات (0)