الإخوان بين جمعة الإنقاذ وجمعة التطهير
الإخوان المسلمون ، مع أني أتحفظ على هذه التسمية وأفضل أن أنعتهم بالإخوان فقط ، لأنه عندما نقول الإخوان المسلمون فهذا احتكار للإسلام واختزاله في أفراد هذه الجماعة فقط ، لو كان تحفظي في غير محله ، فبأي تسمية ننعت باقي مسلمي العالم الذين لا ينتمون لهذه الجماعة.؟ ، إذن هو احتكار للدين ووضع الناس في موضع قد يـُجبرون فيه على الإنتماء لهذه الجماعة حتى ينالوا هذه التسمية.
فهذه الجماعة لها أكثر من ثمانين عاما تعمل في السياسة على حساب الدين ، وإن صح التعبير فهي تمتطي الدين للوصول لأهداف سياسية بحتة ، وتجعل من الدين وسيلة رخيصة للضحك على البسطاء من الناس ، وإقناعهم وتعبئتهم وغسل عقولهم للإستفادة منهم في العمل السياسي من ناحية ، ولكي يظهروا أنهم قوة لا يستهان بها في المجتمع ، ومنذ نشأة هذه الجماعة وفي السنوات الأولى كان حسن البنا يهتم بهذا الشأن ، وكان طموحا ونشيطا لكي ينتشر الفكر بين معظم الناس مهما كانت مناصبهم أو وظائفهم.
ورغم قِـدَم هذه الجماعة وخبرتها السياسية وتواجدها المستمر في المشهد السياسي طوال عقود مضت ، إلا أنها لم تنجح مطلقا في حشد الشعب المصري على قلب رجل واحد للقيام بثورة حقيقية لقهر حاكم مستبد ، أوتغيير نظام حكم فاسد يستعبد الناس ويسرق أحلامهم وأموالهم ، وبمراجعة تاريخهم سريعا ، سنجد أنهم جماعة متلونة ولا تثبت على رأي أو فكر محدد ، لأن العمل في السياسة يتطلب التلون والتشكل وتغيير الخطاب حسب المواقف ، لكي يتناسب مع العصر والحدث الذي يقال فيه ، ولكي يحظى بقبول معظم الناس ، ومن أهم ما يؤيد هذا هو تعريف جماعة الأخوان حسب مؤسسها البنا نفسه فقد عرفها بأنها (دعوة سلفية ـ وطريقة سنية ـ وحقيقة صوفية ـ وهيئة سياسية ـ وجماعة رياضية ـ ورابطة علمية وثقافية ـ وشركة اقتصادية ـ وفكرة اجتماعية) ، وبهذا التعريف فهو ضمن إرضاء جميع الأذواق ، ولو رجعنا لما قاله حسن البنا في تعريف الدولة الإسلامية قال: (أن يكون للبلاد الإسلامية حاكم واحد ، ويكون له الولاية الكاملة على كل بلاد المسلمين ، لكنه قبل الحاكم الإسلامي لابد من وجود الدولة الإسلامية وهي تعني بحسب المرشد( مجتمعا إسلاميا ـ ثقافة إسلامية ـ اقتصاداً إسلامياً ـ تعليما إسلامياً ـ تربية إسلامية) ، وهنا لابد أن يجيب الأخوان اليوم عن هذا السؤال البريء : هل توافقون على هذا الكلام الذي قاله مرشدكم الأول؟، وكيف نوفق بين هذا الكلام وبين تصريحاتكم اليوم عن الدولة المدنية والديمقراطية وحرية العقيدة وحق القبطي والمرأة في الترشح لرئاسة الدولة.؟.
أما عن ضعف هذه الجماعة سياسيا وعدم قدرتها منذ ثمانين عاما على تنظيم ثورة حقيقية على نظام الحكم في مصر ، فهذا من وجهة نظري له سببين:
السبب الأول: أن هذه الجماعة تعيش مع الأنظمة السياسية في حالة تزاوج غير شرعي ، و تتبع لغة المصالح والصفقات.
السبب الثاني: أن هذه الجماعة أضعف ما يكون رغم عمرها الطويل ، ومن السهل جدا هدم هذا الكيان والبنيان الهش الذي تم بناؤه في الأساس على الخديعة والكذب واستغلال الدين في غير موضعه للضحك على الطبقة الفقيرة في العلم والمال ، بالإضافة لبعض المغريات المادية التي ينفقها الأخوان.
ويتجلى ضعف وهشاشة هذه الجماعة التي تعتبر أقوى فصيل وتيار سياسي في مصر أنها لم تسطع الوقوف في وجه نظام حاكم فاسد مثل نظام مبارك ، وفي المقابل جاء الدكتور البرادعي وخلال عام ونصف أو أقل وقرر أن مصر ستتغير ، وبمساعدة مجموعة من الشباب الذين ظلمهم المجتمع ووصفهم بأنهم عيال سيس ، استطاعوا تفجير ثورة عظيمة سلمية بيضاء قهورا بها نظام مبارك وخلعوه من سدة الحكم في مدة قياسية ثمانية عشر يوما ، وكان دور جماعة الأخوان في هذه الثورة واضح تماما ، فقد التزموا الصمت في البداية وكانوا يرفضون المشاركة ويعتبرون التظاهر أمر غير لائق وقال لي أحدهم وهو زميلي في العمل أن المطالبة بالإصلاحات تكون بأسلوب مهذب ومؤدب ولا تكون بهذا الأسلوب ، كان هذا يوم الأربعاء الموافق 26 يناير 2011م ، وبعد أن نجحت الثورة وبدأ انهيار النظام قفز الأخوان على أكتاف الثوار واعتلوا منصات الهتاف والتوجيه ليظهروا في الصورة ، وفوجئت بزميلي في العمل أنه ذهب للتحرير أكثر من مرة ليشارك في الثورة التي كان يرفضها ، ولكن المصلحة تحتم عليه أن يغير رأيه وقناعته عملا بمبدأ الطاعة العمياء الذي علمه لهم حسن البنا حين قال (طاعة الأوامر في المنشط والمكره).
لم يشارك الأخوان في جمعة إنقاذ الثورة يوم 1 أبريل ، وكانت حجتهم انشغالهم بيوم اليتيم ، ولكن هذه حجة لا يصدقها طفل رضيع ، لأن أعداد الأخوان كبيرة جدا ولا يمكن على الاطلاق أن ينشغلوا جميعا في هذا العمل.
لكن غيابهم له أسباب من وجهة نظري ، وحسب رؤيتي أنهم لا يخطون خطوة إلا بحساب ، فقبل جمعة الإنقاذ شاعت أخبار كثيرة تطالب بالقبض على رؤس النظام مثل عزمي وسرور وشريف ونظيف ، كما أشيعت أخبار عن التحقيق مع مبارك ونجله ، وهذه الأخبار كانت تفيد الأخوان في أمرين :
الأمرالأول: أن هؤلاء قد قاموا بتهريب كل أموالهم خارج البلاد ولذلك يعلن المجلس العسكري أنه سيتم التحقيق معهم خلال أسبوع بعد أن انتهوا من تهريب كل شيء خارج البلاد ، وعملية تهريب الأموال في حد ذاتها هي مكسب للأخوان.
الأمر الثاني : هو عملية خداع للمصريين وتسكين لهم لكي لا يذهبوا لميدان التحرير يوم الجمعة ، ، وعملية اختبار للثورة والثوار ووضعهم في امتحان نجحوا فيه ببراعة وانضم إليهم ائتلاف ضباط الجيش وائتلاف ضباط الشرطة ، وهذا ما أزعج الأخوان.
وانتظر الأخوان بعيدا لكي يشاهدوا الموقف ويحددون الأصلح والأفضل لهم ، فوجدوا أنه من الأفضل عدم المشاركة ، لأنهم خبراء في العمل السياسي فاستشعروا أن هذا التباطؤ في محاكمة رؤوس النظام أو استدعائهم للتحقيق معهم كان هدفه الأساسي منحهم الفرصة الكافية لتهريب أموالهم خارج البلاد والتخلص من بقايا لأي أدلة أو مستندات تدينهم جميعا ، وهذا ما فعله تماما أحمد شفيق خلال 38 يوم كان وسيلة لتهريب المليارات ونقلها لحسابات سرية ، وكذلك وسيلة لكي يتخلص جهاز أمن الدولة من فرم وحرق المستندات.
ونرجع لموضوع تهريب الأموال الذي سيحدث كارثة اقتصادية كبيرة جدا نتيجة تهريب كل هذه الأموال خارج مصر ، وليس من المتوقع حسب سير الأحداث بهذا الشكل بالطيء أن نأمل في عودة الأموال المنهوبة بسهولة أو في وقت قريب ، وهذه الأزمة الاقتصادية لابد لها من حل فوري ينتشل الدولة من مغبة الوقوع في انهيار اقتصادي لا تحمد عقباه ، وهنا يظهر الأخوان بوضوح مرة أخرى ، حيث أنهم جاهزون ماليا ومستعدون بالتضحية بالغالي والنفيس لإنقاذ البلاد من هذه الأزمة الاقتصادية لأن هذا العمل سيرفعهم فوق الأعناق ولن ينسى لهم المصريون هذا الجميل ، ومصادر التمويل معروفة ، لا يخفى على أحد القدرة الاقتصادية للتنظيم العالمي للأخوان ، ولا يخفى على أحد أن الوهابية السعودية تمثل لهم مصدرا هاما للتمويل ، ومن هنا سيكون الأخوان في صدارة الترتيب في نظر الشعب المصري كله ، وهذا ما ينتظره ويتمناه الأخوان ، ليحصدوا من ورائه المكاسب التي لا تحصى ولا تعد.
بعد أن انقضى الأسبوع التالي لجمعة الإنقاذ ولم يحدث أي جديد ، إلا تكرار نفس الإشاعات التي تنتشر هنا وهناك عن استدعاء مبارك وجمال للتحقيق ، وحصر تركة رؤوس النظام عزمي وسرور وشريف ونظيف ، وكلها أخبار باهتة كاذبة مضللة مسكنة للثورة ، ولما شعر الأخوان أنهم قد أخطأوا حين تغييبوا عن جمعة الإنقاذ ، بادروا بالاعتذار أنهم كانوا في يوم الطفل اليتيم ، وكانوا في أوائل الصفوف في جمعة التطهير ، وخطب الدكتور صفوت حجازي الذي وصفوه بأنه الأب الروحي للثورة ، ويبدو أنهم شاركوا خصيصا لتمرير هذه الكذبة على أسماع الثوار ، وهذه سرقة وكذب وبهتان ، لأن الأب الروحي للثورة وملهمها الأول هو الدكتور محمد البرادعي ، لأنه الشخص الوحيد الذي قالها بصوت عال في وجه مبارك ونظامه الفاسد (سنغير) وأسس الجمعية الوطنية للتغير ، وخلال سنة ونصف تقريبا كان سببا في تفجير هذه الثورة التي أطاحت بنظام مبارك الفاسد الذي عاش معه الأخوان على مدى ثلاثة عقود يقبلون تزوير الانتخابات ويقبلون المشاركة في مجلس شعب مزور ، ويقبلون الاشتراك في الحياة السياسية الفاسدة في كل شيء ، طالما في النهاية يحصدون مكاسب خاصة بالجماعة ، واليوم يكذبون ويقولون أن صفون حجازي هو الأب الروحي للثورة ، كان من الممكن أن تكذبوا على المصريين قبل 25 يناير ، ولكن اليوم أصبح من الصعب عليكم خداع المصريين بمعسول الكلام ، وأعتقد أن ما حدث من هتاف اليوم ضد جماعة الأخوان كان سببه هذه الكذبة التي قالوها على صفوت حجازي ، وأعتقد أنهم يفكرون في ترشيحه في الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية وهذه خطوة في تلميعه وتجهيزه لهذا الحدث.
أخيرا::
يجب على الشعب المصري أن يقرأ كل هذه المتغيرات والتقلبات في سياسة الجماعة وفي تصريحاتها ، ويقارن مواقفها المتباينة منذ بداية الثورة ، فخلال أقل من ثلاثة أشهر تباينت مواقفهم واختلفت تصريحاتهم أكثر من مرة ، وظهرت حقيقة أنهم يبحثون عن مصالحهم ومكاسبهم الشخصية ، ومن أهم مكاسب هذه الثورة أنها أظهرت وبكل تأكيد فشل الأخوان وفشل أي تيار ديني مهما كان حجمه أو قدراته البشرية و إمكاناته المادية في القيام بإصلاح حقيقي عن طريق ثورة سلمية بيضاء صادقة هدفها الأول والأخير هو القضاء على أي نظام حكم فاسد والمطالبة بحقوق الإنسان والحرية والديمقراطية للجميع دون البحث في عقائد الناس وأشكالهم وألوانهم ، وتقسيم الشعب لفئات ودرجات حسب الدين والمذهب والمعتقد ، نجح الشباب المصري (شباب الفيس بوك) فيما فشل فيه الجميع ، وهنا يجب أن نؤمن بحقيقة هامة جدا أن السلفيين و الأخوان والجماعة الإسلامية وجميع التيارات الدينية حتى الصوفية لن ينجحوا في تغيير أي شعب ، ولن ينجحوا في قهر أي ظلم ، ولن ينجحوا في إصلاح أي فساد ، ولن ينجحوا في تنظيم ثورة مثل ثورة 25 يناير ، والدليل تاريخهم الطويل وفشلهم في تحقيق أي شيء يفيد المجتمع ككل ، فهم يقومون بحملات تعبئة خاصة لخدمة مصالحهم وأهدافهم المنشودة ، وهذا هو الواقع المُـر الذي تجرعه المصريون منذ نشأة هذه التيارات الدينية.
التعليقات (0)