الإحباط العاطِفيّ
يُعَرِّفُ عِلمُ النَّفس الإحباطَ على أنَّهُ حالة أو ظرفٌ، يحولُ بين المرءِ وتحقيقِ إحدَى حاجاتِه الاجتماعيةِ أو النَّفسية. والإحباطُ غالبا ما يكونُ ناتجًا عن عواملَ خارجيةٍ. وقد ينشأ الإحباط أحيانًا نتيجةَ أمورٍ فرديةٍ شديدة الخصوصيَّة كعِلَّةٍ في الذّات أو عاهةٍ ما ، يشكو منها الإنسان ، أو انخفاضٍ في مستوى الذَّكاء ، أو عن رفعِ سقفِ أحلامِ الفردِ، وتعارضِ ذلك مع قدراتِهِ الفعليَّةِ لتحقيقِ أهدافٍ ، هيَ أبعدُ مِن أن ينالها ،أو أنْ يبلغَها بقدراتهِ أو مُؤهلاتِه. والإحباطُ يحملُ المرءَ على بذلِ المزيدِ من الجُهد، وقد تسيطرُ عليه حالةٌ غيرُ معروفةِ الأبعاد ، تجعلهُ يدورُ في الدائرة الصُّغرى، وتجعلُ ردَّاتِ فعلِهِ عصبيَّةً، ويسيطرُ عليهِ الغضبُ السَّريع، وفي بعضِ الأحيان يصبح الإنسانُ المحبَطُ كائنًا عدوانيًّا مشوَّشا ،عاجزًا عن فهم واستيعابِ المُتغيِّرات من حولِه .
علينا أنْ ندركَ أنَّالإحباط شعورٌ إنسانيٌّ طبيعيّ، يمرُّ بهِ كلُّ إنسانٍ نتيجة عواملَ عديدةٍ - كما ذكر آنفًا - من مشاكلَ ماديةٍ أو نفسيةٍ أو حتَّى في مجالِ تحصيلِ العلم أوأيِّ مجالٍ آخر.
من منا لا يعتريهِ شعورٌ بالإحباطِ وتسكنُهُ الهزيمة ، وتضيقُ في عينِهِ المسافاتُ وتطبقُ عليه الجدران؟من منا لم يبْكِ خوفا من فشله أو من خذلان الآخرِ له؟ من منا لم يسقطْ من برجِ أحلامه، ليرتطِمَ بصخورِ الواقع؟ كل واحدٍ فينا عانى، وربَّما يعاني من إحباطاتٍ عديدةٍ وليس من إحباطٍ واحد .ولكنَّ أكبرَ أنواع الإحباطِ، وأفظعَ حالات الخذلانِ، ذاك الذي يأتي مِمّنْ نحبّ ويُعرفُ بالإحباطِ العاطفيّ، فالكثيرُ من النَّاس إنْ لم يكنْ كلّهم كُسِرتْ قلوبهمْ من قبْلُ، والكثير مرَّ بحالةٍ من الإحباطِ العاطفيّ يومًا ما، شعرَ كلُّ شخصٍ أنَّ الدُّنيا لم يعدْ لها قيمة ، تكسَّرتْ بداخلهِ المرايا، واختلطتِ الألوانُ وبهتتْ معالمُ الحياة ، وسكنَهُ اليأسُ وتجرَّعَ كأسَ المرارة، وباتَ الحزنَ رفيقَ لحظاتِهِ والدمعُ لا يفارقُ عينَيْه، فيختبِىءُ من ذاتِهِ قبلَ أن يختبىءَ منَ المجتمع، وينتحِبُ بعيدا فيصبغُ الأشياءَ من حولهِ بسوداويةٍ، ويبتعدُ عن تحكيمِ العقل، ويتحولُ إلى شخصٍ حزينٍ يرى أنَّ الحياةَ انتهتْ، وأن السعادةَ أبعدُ ما تكونُ عنه، ولا يعودُ يصغي إلا إلى الصوتِ المبحوحِ الهرمِ القادمِ من عمقِ جرحه ، فيقع في مستنقعِ الاستسلامِ والضّعف .و قدْ تتملَّكُه هذه الحالة وتشلُّ تقدُّمَهُ وتقودهُ إلى الفشل،أو تكونُ لها نتائجُ إيجابية تضاعفُ مِن قوَّتِه، فالضربة التي لا تُميتُ تقوِّي وتُحوِّله إلى شخصٍ أكثرَ ثقة بنفسه، يعي أن الإنسانَ لم يوجدْ على الأرضِ ليكونَ فائزا دائما .فكلُّ شيءٍ بحيَاتِنا يخضَعُ لقانونِ التطوُّر الذي لا يسيرُ بالضرورةِ إلى الأمام . مِن هنا عليه أن يجمعَ شتاتَ خيبتِه ويلمْلِمَ غضبَه ،ويدفنَ يأسَه ويعكسَ كلَّ تلك الطاقاتِ السلبيةِ باتجاهِ الخروجِ من التجربة كائنًا ناضجًا فكيف يفعلُ هذا؟
في الإحباطِ العاطفي ؛على المرءِ أن ينهضَ ليرى الأمورَ بتجرُّد، فمن استطاع أن يُتابعَ الحياةَ دونَهُ لا يستحِقُ أن يبكيه.أن يبدأ بجمع كلِّ الأشياء التي تجعلُهُ سجين في المكانِ والذاكرة ،والتفكيرِ بها من زاويةٍ أخرى، أي إنها أشياءُ جميلة عاشَها وإن لم تكتملْ لكنَّها كانت جميلة ،أن يعي أنَّ فشلهُ العاطفي لا يعنِي نهايته، بل إنَّ القلبَ كالأرض يعيشُ فصولهُ وينتظرُ الغيثَ ليبدأ دورةَ ربيعه، وأخيرا أن يعي أنَّه لا يجبُ أن يتعلَّقَ بفكرته عنِ الحبيب، بلْ أن يُحاول رؤيتهُ على حقيقتِه التي قد لا تجعلُه يصدِّق أنَّهُ أحبَّه يومًا . ربَّما لو تمكَّن من تحويلِ الإحباطِ العاطفي إلى ذاكرة من تاريخِ الإحساس، بكلِّ فرحِها وحزنها ، حينَ تمُرُّ يبتسمُ ويبكي ،يكونُ قد فهم أنَّ لا شيءَ ثابت وأزليّ في الحياة...
التعليقات (0)