مواضيع اليوم

الإثارة الصحفية.. والطريق المسدود

nasser damaj

2009-06-29 05:27:35

0

الإثارة الصحفية.. والطريق المسدود 
بقلم: خليل الفزيع 

     رغم التقدم الذي طرأ ولا يزال يطرأ على علاقة القارئ بالصحافة نتيجة تعدد الوسائط المعرفية من جهة، وزيادة وعي القارئ من جهة أخرى.. لا زالت بعض الصحف تصر على ركوب موجة الإثارة الصحفية لجذب بعض القراء المهتمين بالأخبار والتحقيقات المثيرة، ومتابعة ما يطرح في هذا المجال بعناوين عريضة وعلى مساحات كبيرة دون أن يكون لذلك أي مردود ثقافي أو معرفي أو متعة ذهنية بالنسبة للقارئ، وذلك من باب تقليد الصحف الصفراء في الغرب ذات الاهتمام المركز على فضائح المشاهير، والتي تجد قبولا حسنا من عامة القراء، مع أن للغرب تقاليده وثقافته التي تستسيغ هذا النوع من الثقافة الهزيلة وتروج له بحماسة كبيرة.
     في عالمنا العربي عاش القارئ تحت سيطرة صحافة بلاده، وأثرها المباشر عليه، ودفاعه المستميت عنها، وبحثه الدائم عن أعدادها وإن كان خارج الوطن، لأنها وسيلة علاقته بالمجتمع وطريق معرفته لما يدور في مجتمعه من أخبار ومستجدات، فالإنسان مرتبط ببيئته وذكرياته فيها مهما تقدم به العمر، ومهما نأت به الديار، لذلك يظل ارتباطه وثيقا بصحافة بلاده، حتى وإن غضب من تقصيرها في بعض الأمور، وحاول هجرها، لكنه لا يلبث أن يعود إليها ليبحث فيها عن الجديد من أخبار مجتمعه وبلاده، وإن أشبع نهمه المعرفي من مصادر أخرى يجدها محلا لثقته.
     ولجوء بعض الصحف إلى الإثارة يعني عدم وضوح الرؤية لدى القيادات الصحفية حول رسالة الصحافة في الإصلاح، وخاصة في المجتمعات النامية التي تحتاج إلى من ينير لها دروب التنمية لتضع أقدامها على أرض صلبة، أي أن الصحافة مطالبة بمحاربة الفساد الإداري، والبيروقراطية الإدارية، والتلاعب بالمال العام، وغياب حرية الرأي، وانعدام الديمقراطية، والتفرد بالقرار، والسيطرة الفئوية على مقدرات الوطن، والتأسيس للانتماء الوطني المتجسد في الحفاظ على منجزات الوطن وحمايتها من التخريب، ونبذ الفتنة حرصا على الوحدة الوطنية.. وإن كان هذا هدف الصحافة في كل المجتمعات، فإنها في المجتمعات النامية ملزمة بذلك أكثر، مع بخلق رأي عام وقيادته في مساره الصحيح المنسجم مع تطلعات المجتمع وطموحات أفراده.
     أما الانشغال بالإثارة الصحفية والتركيز على فضائح مشاهير الفن والرياضة والسياسة فإنه لن يتيح للصحافة تحقيق أهدافها التثقيفية والإعلامية، بل ينحرف بها إلى طريق مسدود، أو مسارات معوجة لن تصل عن طريقها إلى خدمة القارئ والمجتمع، وهذا لا يعني تجاهل رغبة القارئ في المعرفة والاطلاع على أخبار الشخصيات التي يحرص على متابعة أخبارها سواء في السياسة أو الرياضة أو الفن أو غير ذلك، ولكنه يعني عدم التركيز على الجانب السلبي في حياة تلك الشخصيات، تركيزا يطمس جوانبها الإيجابية، ويقدمها كنموذج للشر والسوء وعدم الانضباط، وهو اتجاه يقود إلى تصور مواقف، وافتعال أحداث لا تخرج عن إطار الكذب والافتراء والتزوير.
     ومن يتبع هذا الأسلوب الأرعن في التعامل مع القارئ ينسى أن وعي القارئ كفيل بفضح مثل هذه الإثارة الصحفية، مع أن الصحفي الذكي هو الذي يعتقد أن القارئ أذكى منه، وبالتالي فهو يحسب له ألف حساب، قبل أن يقدم على تزوير الواقع وطمس الحقائق والجنوح إلى الإثارة الصحفية الممجوجة والمستهجنة من معظم القراء. كما أن الإثارة الصحفية ستؤدي حتما إلى تسطيح ثقافة القارئ بدل أن توجهها إلى المعرفة الجادة والمركزة على الوعي بمسئولياته كإنسان ومواطن عليه واجبات بقدر ما له من حقوق.
     والصحافة العربية من خلال قياداتها ومؤسساتها الرسمية والأهلية ملزمة بإتباع إستراتيجية إعلامية تنبذ الإثارة الصحفية، وتلتزم بميثاق شرف يطيح بكل التوجهات الهادفة إلى تسطيح ثقافة القارئ من خلال إشغاله بثقافة هزيلة عن الثقافة الأصيلة البناءة التي تحترم عقله وروحه ومسئولياته تجاه مجتمعه ووطنه وأمته.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات