ظهور خامنئي الأخيرفي خطاب مشحون بالكراهية والعداء للسلام وعدم التطبيع مع العالم يوحي بأنّ المرشد قد أرغم فعلاً على التوقيع على الإتفاق النووي رغم أنه يحاول أن يظهر بمظهر الزعيم المنتصر والمتحكم في اللعبة النووية. نشوة النشوة اإنتصار التي عبر عنها التيار المؤيد للإتفاق في إيران تدفع خامنئي نحو قرارات يمكن أن تكون كارثية على الإتفاق. لأنّ تلميح خامنئي الى إمكانية تعطيل الإتفاق، رغم التقدم الذي حصل حتى الآن ، إذا ما عارض هذا الإتفاق طموحات نظامه الصاروخية؛ توحي بتخبّط هذا الرجل ومن وراءه الساسة الإيرانيين المعارضين للإتفاق. إنّ الإنتصار الذي يحلم خامنئي بتحقيقه في المنطقة لا يتحقق سوى بسياسة معاندة للغرب فتراجع طهران أمام السداسية ستنتج تراجعاً تلقائياً في نفوذها في المنطقة العربية.
في إطار سايسة الممانعة و المقاومة التي يمارسها قادة طهران الملتفين حول المرشد فقد صرّح مستشار خامنئي في الشؤون الدولية علي أكبر ولايتي في حديث له مع وكالة فارس للأنباء بإنّ نفوذ إيران في الدول العربية و صورايخها سوف لن يخضعا للإتفاق لإنهما ركنان تستند عليهما القوة الإقليمية للنظام الإيراني قائلاً "إنّ إيران سوف لن تتخلى عن نفوذها في الدول العربية لأنّ أفضل طريقة لمواجهة الأعداء هوالذهاب لقتالهم في قعر دارهم وليس الإنتظار حتى الإنقضاض عليك في داخل بيتك."
خامنئي ومستشاروه يتهربون من الإجابة على مصير الإتفاق ففي حال رفضت طهران تطبيق جميع بنوده حتى تلك التي تتعارض مع الأمن القومي الإيراني ستواجه مصيراً أسوداً من هنا فإنّ تنازلها عن النووي يعدّ تحصيناً أمام تنازلات أخرى كما يرى هؤلاء المسؤولون الإيرانيون وليس استسلاماً، رافضين أي تنازل آخر من قبل إيران في ملفات أخرى بعد التنازل النووي. إذن الإتفاق النووي هو تنازل إيراني وليس انتصاراً كما يعرّفه القاموس السياسي للنظام الإيراني.
إنّ التناقض الذي تركه الإتفاق على المعادلات السياسية في إيران لهو دليل على تخبط سياسي في طهران وبين تياراته السياسية تحديداً كما بين القوى الإقليمية والدولية. فالواقع أنّ الإتفاق النووي الذي وقعته إيران مع السداسية رغم أنه لم يقنع الأطراف الشريكة في اللعبة النووية لكنه يبقى الإتفاق الذي لابد منه لكلا الطرين . فمن ناحية ينتقد المتطرفون الإيرانيون الإتفاق بوصفه "إهانة للكرامة الوطنية" بسبب فشلهم في تبرير حدوثه بعد معاناة إقتصادية استمرت لأكثر من عقد.
في نفس الوقت يعتبره المعارضون الإقليميون والدوليون خطيراً لأنه سيشعل سباق التسلح في المنطقة حسب زعمهم .لكنّ الإيرانيين الذين يؤيدون الاتفاق يستدلون بأنّه سيعيد لإيران مكانتها و أموالها بعد التوقيع عليه ، في الوقت الذي يأتي استدلال المؤيدون الدوليون ليوضحوا بأنّه أفضل من عدمه وحقق في نفس الوقت هدفين مهمين هما تجنب الحرب وتصنيع إيران للقنبلة النووية. كل هذه النزالات الدبلوماسية الإقليمية والدولية و الداخلية في إيران وقعت في التناقض لأنّ مطامح هذه الجهات و مصالحها تعارضت في ظل هذا الإتفاق.
التعليقات (0)