الإتحادات الطلابية السودانية إلي أين ؟
بقلم / الزبير محمد علي
حلقَت نسور النصر بعيداً عن فضاءات القوي المعارضة في الملحمة الانتخابية حامية الوطيس التي دارت رحاها في جامعة سنار الأسبوع الماضي .
ومن غرائب الأحداث في هذا الزمن الذي لا تنقضي عجائبه ، أن تفوز الثعالب الطلابية لنظام الإنقاذ بثقة الطلاب ، وأن تُشكل المجلس الثلاثيني لجامعة سنار ، وأن تتربع علي عرش الإتحاد إلي شهر فبراير من العام القادم .
كنت ولازلت أعتقد أن الجامعات السودانية هي الخنجر المسموم الذي تهابه خاصرة الأنظمة الشمولية ، وهي الرياح العاتية التي تدفع المُناخ السياسي في السودان باتجاه الديمقراطية .
وليس هذا الحديث من باب الوهم السياسي ، بل هو من صميم المسلمات القطعية التي نطقت بها الدفاتر التاريخية السودانية ؛ ذلك أن التاريخ يقول أن الجامعات السودانية لم تنحني قط للبطش ، ولم تستسلم أبداً للذل ، ولم يعرف وجهها الركوع للطغاة ، ولم تعرف سواعدها التحية لجنرالات الحكم الاستبدادي في السودان ؛ وإليك البيان التالي :
أولاً : في النصف الأول من القرن العشرين كان المُناخ السياسي في كلية غوردون مُشكلاً من تيارين هما :
الحركة الإسلامية : وهي تُمثَل الوريد السوداني لحركة الإخوان المسلمون في مصر .
ثانياً : الحركة السودانية للتحرر الوطني ( حستو ) وهي تُمثل رافداً طلابياً للمعسكر الاشتراكي .
هذين التيارين رُغم الاختلاف الأيديولوجي بينهما ، إلا أنهما شكلا تياراً حياً في رياح التغيير التي اقتلعت الصنم الاستعماري الذي جثم علي صدور أمتنا السودانية حتى مطلع النصف الثاني من القرن العشرين .
ثانياً : هذه الحيوية الطلابية لدي الجيل الأول من الطلاب ورثتها الأجيال اللاحقة فيما بعد ، لذلك شهد النصف الثاني من القرن العشرين وعياً طلابياً بالقضية الوطنية بلغ ذروته في المواقف الآتية :
• إصدار إتحاد طلاب جامعة الخرطوم لمُذكرة تُطالب قادة نظام نوفمبر بالرجوع إلي ثكناتهم .
• إشعال ثورة التجديد في أكتوبر 1964م .
• مشاركة الطلاب الفاعلة في محاولات إسقاط نظام مايو ، حتى تُوجت تلك المحاولات بانتفاضة رجب أبريل عام 1984م .
ثالثاً : عندما أتي نظام الإنقاذ بانقلابه المشئوم ، وجد معارضةً طلابية استطاعت أن تهزم رافده الطلابي في انتخابات جامعة الخرطوم عام 1991م ، وفي انتخابات جامعة سنار عام 1995م .
وكان الفتح الأكبر في بداية الربع الأول من القرن الواحد وعشرين ؛ حيث أطاحت المعارضة السودانية بطلاب الإنقاذ ، واستطاعت أن تكتسح بجدارة إتحادات جامعات الخرطوم ، سنار ، كسلا ، جوبا ،البحر الأحمر ، القضارف ، الدلنج ، الجزيرة ‘ شندي ، كردفان .
وللأسف الشديد ؛ فإن الكبوة الكُبري حدثت بعد عام 2007 م ؛ حيث استطاع المؤتمر الوطني أن يعيد إلي حضنه كافة الإتحادات الطلابية ، وأن يكتسح انتخابات الجامعات المذكورة آنفا عدا إتحاد طلاب جامعة جوبا .
في اعتقادي أن هناك تسعة عوامل أطاحت بالمعارضة في الجامعات :
• أولاً : عدم قدرة الأحزاب المعارضة علي تمويل الحملات الانتخابية الطلابية .
• ثانياً : صراع الأحزاب المعارضة فيما بينها حول تقسيم المكتب التنفيذي للإتحاد ، جعل التجربة النقابية للإتحادات الوطنية في بعض الجامعات ضعيفة .
• ثالثاً : الخطاب العلماني المتعصب لدي بعض أحزاب المعارضة خلق نسبياً فجوة وجدانية بين القاعدة الطلابية والتنظيمات المعارضة.
• رابعاً : الاختراق الأمني لبعض الأحزاب أدي إلي حالة من فقدان الثقة بين الطلاب والتنظيمات المعارضة .
• خامساً : عدم تعاون إدارات الجامعات مع الأجسام النقابية المعارضة ، أثر بصورة سالبة علي أداء الإتحادات الوطنية بعد فوزها .
• سادساً : إرهاب أجهزة الأمن للطلاب ، وإدخال ثقافة مفادها ( أن المعارضة إذا فازت سوف لن تنعم الجامعات بالاستقرار الأكاديمي ).
• سابعاً : السلوك الفردي غير الأخلاقي لبعض الكوادر التي تتحدث باسم المعارضة في الجامعات ساهم في تقليص فرص فوز القوي الوطنية بالإتحادات الطلابية .
• ثامناً : تدخل قيادات المؤتمر الوطني خارج الجامعة في الشئون الطلابية ، وقيادة الحملات الانتخابية أحياناً لطلابهم .
• تاسعاً : الصرف البزخي الذي يصرفه المؤتمر الوطني علي تمويل الحملات الانتخابية ، وعلي شراء الأصوات الطلابية .
هذه العوامل المذكورة هي التي أطاحت بالإتحادات الطلابية الوطنية لصالح طلاب المؤتمر الوطني ، وهي التي قطعت شرف بقاء الإتحادات الطلابية في حضن القوي السياسية المعارضة .
إن عملية استعادة الإتحادات الطلابية لحضن القوي المعارضة يحتاج إلي جراحة عاجلة تُخاطب جذور العلل ، وزاويا الخلل ، وتخرج بدواءٍ يمثل رؤية للحل .
إن حدث هذا ؛ فإن المُناخ الطلابي لامُحالة سيساعد علي إنجاح عملية الاستعادة المذكورة آنفاً ، وإن لم يحدث ، فإن القوي المعارضة سوف تخسر وجوداً نوعياً داخل الدولة السودانية ؛ وهذا حتماً سيقود إلي انخفاض في منحني التطور الديمقراطي في السودان .
صوت الأمة
التعليقات (0)