يضم عالمنا الإسلامي الکبير الکثير من الأمم والشعوب العريقة والأصيلة بين جوانبه ومن هذه الأمم العريقة والأصيلة، الأمة الکردية، وقد أبلت هذه الأمة بلاءً حسنا على مر العصور وکان لها دور مشهود له في بناء صرح الحضارة العربية الإسلامية وقدمت الکثير من أجل ذلك وحفرت على جبين هذا التاريخ بأحرف من نور، مايثبت دورها ومکانتها وأن أسماءً مثل التابعي"ميمون بن جابان" وقد کان أحد عملة الحديث النبوي الشريف، حيث ورد اسمه في عدد من مصنفات الحديث مثل "أسد الغابة" لابن الأثير، و"تجريد أسماء الصحابة" للحافظ الذهبي، وقد انتقل ميمون من بلاد الأكراد إلى المدينة المنورة ليتعلم الحديث النبوي والفقه على كبار الصحابة والتابعين في نهاية القرن الأول من الهجرة، کما أن الناصر صلاح الدين الأيوبي، وهو أشهر من نار على علم في تاريخنا العربي الإسلامي والدور المشهود الذي أداه خصوصا البعد التسامحي في تعامله مع الصليبيين والذي جسد فيه روح الإسلام ونهجه التسامحي والاعتدالي الوسطي، وهذا لعمري نقطة نظام لابد من الوقوف عندها والتأمل فيها إذ أن صلاح الدين الأيوبي لم يجسد قيم الشجاعة والبطولة والبسالة منقطعة النظير التي يشتهر بها الأکراد عامة، وإنما قرن الشجاعة بقيم التسامح والاعتدال وبذلك مثل شخصية متکاملة نموذجية صارت مثلا ونموذجا يشار له بالبنان عبر التاريخ وفي مختلف الأزمان والعصور.
*الأكراد يثبتون دورهم الحضاري في الخارطة الإسلامية*
الأکراد الذين يتواجدون وبصورة کثيفة في ترکيا وإيران والعراق وسوريا وبصورة أقل في لبنان وأرمينية وأذربيجان وجورجيا، شارکوا في جميع المناسبات في السراء والضراء وعبر العصور المختلفة باقي الأمم الأخرى المنخرطة ضمن الأمة الإسلامية الکبرى، وقد کان لهم في کل عصر وفترة تاريخية دور ومکانة يثبتون خلاله حضورهم وتأثيرهم في عملية صناعة التاريخ وصياغة أحداثه، وإضافة للإسمين البارزين اللذين مر ذکرهما أعلاه، فقد أنجبت الأمة الکردية أعلاما رفدوا الحضارة الإسلامية بفيض کبير من إنجازاتهم وإبداعاتهم المشهود لها ومنهم على سبيل المثال لا الحصر:(أبن خلکان، وأبن تيمية وسعيد النورسي وابن الأثير والدينوري) ومن عصرنا فإن أسماءً لامعة نظير(عبدالرحمن الکواکبي، أحمد شوقي، عباس محمود العقاد، عبدالباسط محمد عبدالصمد،المفتي احمد كفتارو)، وغيرهم بما يثبت حقيقة أن الأکراد لم ينقطعوا ولم يتوقفوا عن أداء دورهم الحضاري المعطاء.
*تهميش دور الأكراد في المرحلة الراهنة إضعاف للأمة الإسلامية*
إن الأحداث المٶسفة التي جرت خلال العصر الحديث والتي لها أسباب وعوامل متداخلة لانريد الخوض فيها وإثارة الجروح والآلام، فقد راحت وانقضت ولکن من المهم جدا الاتعاظ منها وأخذ الدروس والعبر منها والتي من أهمها الإقرار بحق الأمة الکردية في العيش بسلام وأمن وأن تحظى بحياة حرة کريمة، وعدم الانتقاص من شأنهم لأي سبب أو دافع کان فهم أمر واقع لاينکرهم إلا مخالف للواقع والتاريخ، وأن الإسلام قد أوصى به خيرا ولا ولم ولن يعطي الحق لأحد بالتقليل من دورهم ومکانتهم أو إقصائهم وتهميشهم کما جرى خلال الفترات السابقة والتي دفع الجميع أثمانها غاليا.
*الأكراد إخوتنا في الدين والإنسانية والمصير والانفتاح عليهم تجسيد لقيم الإسلام التسامحي*
إننا إذ نعيش عصرا لامناص فيه من الإيمان بقيم ومبادئ التسامح والتعايش السلمي والتواصل والتعاون والإيمان بالآخر، خصوصا وأن الإسلام الذي جمعنا في بوتقته، قد أکد على قيم ومبادئ التسامح والمحبة والتآلف وحث على نبذ العصبية والانغلاق والانعزال عن الآخر ورفض الکراهية والأحقاد، بل وأن الإسلام الذي يقول بکل صراحة وشفافية منقطعة النظير:" ولا تستوي الحسنة ولا السيئة، ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم"، فهل يعقل ويمکن أن نتعامل مع إخواننا في الدين والإنسانية والتاريخ والجوار بمنطق وأسلوب يغاير ويختلف عن ذلك خصوصا وأن الإسلام قد أوصانا وأمرنا بصورة قاطعة لالبس فيها:" ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير"، ومن هنا فإننا محکومون شرعا بالتعامل بکل ماهو أحسن مع إخوتنا الأکراد الذين هم إخوتنا في الدين والانسانية والمصير وإن الانفتاح عليهم وترك الموروثات السلبية جانبا والتي لاتزيد الطين إلا بلة أمر لايخدم الأمة الإسلامية قبل غيرها، وهذا مايجب الانتباه له جيدا ولاسيما وأن البشرية في طريقها للانفتاح وتقبل الآخر وجعل التعايش السلمي أساسا للحياة وإننا کمسلمين جديرون بأن نجسد مبادئ وقيم ديننا التسامحي الوسطي الاعتدالي ونقوم بتفعيله على أرض الواقع ففي ذلك الخير لنا جميعا ويدفع بأوضاعنا نحو الأفضل ويقضي على کل أسباب الخلاف والانعزال والله من وراء القصد.
* السيد محمد علي الحسيني
التعليقات (0)