مواضيع اليوم

الأيتام والأرامل حياة بائسة ومستقبل مجهول

رانيا جمال

2012-08-30 08:26:06

0

من المآسي التي خلفها النظام السابق في حروبه الرعناء هم الأيتام والأرامل ،ولم تنته هذه المآسي بسقوطه بل ازدادت بسبب سوء الأوضاع الأمنية واستمرار التفجيرات في المناطق الآهلة بالسكان ،مما أضاف أرامل وأيتاماً جدد ،ليواجهوا الحياة الصعبة في بلد لم يزل يرزح تحت ثقل تأثيرات عشوائية التخطيط والرعاية والتربية ولم تزل البنية الاقتصادية غير متينة ،وثمة معالجات غير جذرية في دور الأيتام وبعض المساعدات التي تمنح للأرامل ، وليس ثمة معالجات اجتماعية ،في هذا التحقيق نلقي الضوء على معاناة هذه الشريحة الكبيرة في مجتمعنا .

ام سعد زوجة شابة لم تتجاوز الثلاثين فقدت زوجها في احد الانفجارات قبل 5 سنوات لديها طفلان احدهم بالابتدائية وهي الآن تسكن مع اهلها تقول : انها مسؤولة عن اطفالها ،من الناحية التربوية ،لكن اهلي يقيمون بأطفالي ،واحيانا يساعدني اهل زوجي ،استلمت بعض المنح التي لا تكفي لإعالتهم ،والامر لا يتعلق بالوقت الحالي بل بمستقبلهم ،ليس من المعقول ان يكفل اهل زوجي واهلي معيشتهم وتعليمهم الى الابد ،يصر اهلي على تزويجي من رجل آخر لكني ارفض باستمرار لأني سأفقد اطفالي، ربما يحتضنهم اهل زوجي ويهملون او يعاملهم الزوج الجديد بطريقة لا ارتضيها لهم ،انا لا اطلب غير راتب كاف يحفظ لنا كرامتنا بدلا من طلب المساعدات من بعض الجمعيات والمنظمات كمواد غذائية وملابس لسنا شحاذين ،لقد فقدنا المعيل بسبب الصراع على الكراسي وبسبب التغيير ،ليس من المعقول ان ندفع نحن الضحايا ويرتع الآخرون بخير البلاد من دون ان يذكرنا الآخرون بما يجعلنا نعيش في عز .

المحامي اسعد الربيعي يقول :

أيتام تفترش الطرقات لعدم وجود المأوى الذي يؤويهم ، أما الأرامل فيمكننا رؤية بعضهن وهن يرتدين جلباب السواد متدافعات على أماكن وقوف المركبات راجيات الحصول على بعض المساعدات لسد حاجتهن من الطعام أو الدواء، ومنهن من يقفن على أبواب المساجد أملاً في الحصول على المساعدات المادية من مدفئة إلى بطانية لاتقاء برد الشتاء، وأخريات عملهن الأساس أكوام النفايات المتكدسة في الشوارع أملاً في الحصول على ما قد يفيد ، ومنهن من يعشن مع أطفالهن في الحدائق العامة، أو داخل غرف الاستراحة في محطات الوقود .ويعزز قوله بوثيقة صادرة عن الامم المتحدة : نشرتها منظمة مساعدات إنسانية عالمية، إلى أن 3 من بين كل 5 أرامل في العراق قد فقدن أزواجهن خلال سنوات العنف التي أعقبت الغزو الأميركي للعراق الذي وقع عام 2003. وأوضحت الدراسة، التي أجرتها منظمة الإغاثة الدولية، ومقرها لوس أنجلس، أن نحو 10% من النساء اللاتي يعشن في العراق، من الأرامل، وأن 59% منهن قد فقدن أزواجهن خلال الحرب التي قادتها الولايات المتحدة.

سيف مهند لم يتجاوز عمر 14 سنة يتكفل برعاية ام واشقاء ايتام ، يقول بعد ان تخلى عن اعانتنا جميع من في دوائر رعاية الايتام والارامل اضطررت لترك الدراسة لإعانة والدتي وأشقائي الأيتام بغية توفير لقمة العيش في هذا الظرف الصعب فنحن ليس لنا المعيل الذي يعيلنا حتى دار السكن ليس ملكنا بل نحن مؤجرين والاجور الشهرية انهكتني وصعوبة توفيرها بين الحين والاخر يستلزم تقليل المصروف اليومي لأتمكن من ادخار قيمة الإيجار ، فارجوا من الحكومة النظر لواقع حالنا وتقديم المساعدة لنا، بصراحة اتخيل نفسي بين الحين والآخر قد اتخذت طريقا غير لائق وخارج عن القانون لأحقق لعائلتي وضعا افضل ،لأننا نرى الخارجين على المألوف وعلى القانون والفاسدين في عيش افضل.

ام مصطفى ذهب زوجها ضحية خطف لم يتوان المجرمون عن قتله حتى بعد دفع الفدية الباهظة ولم يبق لديها غير فتاة صغيرة وابن معاق، لم تكن العائلة سابقا تعرف معنى العوز ولم تكن بحاجة لأحد بل كانت هي من تقدم المعونات للناس ، أما اليوم ففي الطرقات العامة تتوسل بالمارة لمساعدتها لمعالجة ابنها وهي تضطر في احيان كثيرة الى الخدمة في البيوت لإعالة عائلتها المتبقية، كما انها تشكو من آلام امراض الروماتيزم ،لكنها مضطرة لإنقاذ العائلة وهي قلقة مما ينتظرها من مآسي، ويشتد قلقها اكثر على ولدها ومستقبله لو فارقت هي الحياة، ماذا سيكون مصيره ومصير البنت؟

الباحثة الاجتماعية سرى خليل تشير الى جوانب اجتماعية ونفسية مهمة حيث تقول :الكائن الانساني كتلة من المشاعر والغرائز ولا يمكن تجاوزها او الغاؤها او تأجيلها لفترة طويلة ،فاليتم لا يعني الجوانب الاقتصادية فقط بل يعني الرعاية الاجتماعية وزرع الثقة بالنفس وفسح المجال للإبداع وزرع الشعور بان اليتيم انسان طبيعي يعيش في مجتمع لا يفر ق بينه وبين الآخرين ويمنحه الحق الطبيعي في الحماية وهو حرص ينبغي ان ينبع من فكرة الحاجة الوطنية الى طاقة بشرية يمكن ان تكون خلاقة ونافعة للمجتمع ربما اكثر من غيرها، وكذلك الامر بالنسبة للأرملة ،اذ يجب محاربة التقاليد الاجتماعية التي تحرمها من الارتباط بزواج جديد ايجابي والارشاد على الارتباط بهن باعتبارهن كائن طبيعي وعلى الدولة ان تشجع هذا الاتجاه بتقديم اغراءات مادية ومعنوية لتقلل من نسبة الارامل ليس فقط بالرواتب الضئيلة التي تمنح لهن ،بل بإيجاد فرص عمل لائقة تدمجهن في المجتمع وتخليصهن من مركب الشعور بالترمل والمسكنة والسلبية .

الاعلامي علي جبار يبدو اكثر تأثرا بالظاهرة ويضع المسؤولية كاملة على عاتق الحكومة والبرلمان فيقول : لم نر حلا ناجعا لإيقاف هموم هذه الشرائح من الايتام والارامل لا من الوزراء ولا من أعضاء البرلمان ،ونحن بلد يزخر بالمليارات النفطية، والنتيجة إن العراق اليوم يتصدر دول العالم ترملا وتيتما بسبب الحروب التي بدأت في الثمانينيات ولم تنته حتى الآن، ونتيجة تلك الحروب المتتابعة ظهرت أجيال متعددة من الأرامل والأيتام ، نساء وجدن أنفسهن مسؤولات عن أسر بلا مسكن تتألف من أيتام صغار وعجزة غير قادرين على العمل. كل ذلك يحصل لنسائنا في بلد الحضارات والمقدسات، بينما نجد الصراعات والخصومات والمنافسات على تقسيم السلطات وتوزيع المخصصات بين المسؤولين متجاهلين الآم النساء والأيتام المشردين ولو كانوا فعلا يشعرون بعمق تلك المأساة لجعلوها أول المشاكل التي يعالجونها في جداول أعمالهم، واقول بصراحة، البلد الذي تكثر فيه مظاهر تسول النساء المرملة وأيتام مشردة لا يصح ولا يحق لحكامه ادعاء المنجزات.

الدكتورة كاترين ميخائيل الباحثة العراقية بواشنطن اعدت بحثا اشارت فيه الى " ان مقولة: (الجنة تحت أقدام الأمهات) تُصبحُ عراقياً على ما يبدو (الجنة تحت أقدام الدولار)، وإلا فكيف تستمر هذه الكارثة في الاستفحال لنصل إلى هذا العدد الهائل لأكثر من مليون ونصف أرملة، أغلبهن يعشن مع أطفالهن الأيتام، والذين يصل عددهم تخميناً إلى ثلاثة ملايين في حالة من البؤس والشقاء، ومنهن في الساحات العامة والعراء، ناهيك عن مسلسل استغلال الإرهاب لهذه الظاهرة لجهة تسويقها إلى أهدافه المنشودة، حتى ان العديدات منهن ضاق بهن الزمن وأقبلن على الانتحار، وتقترح الدكتورة ميخائيل في بحثها : لابد أن يكون لهذه الشريحة نصيب خاص من نفط العراق، يُوزّع على الأيتام والأرامل لإشعارهم بأنهم فقدوا الزوج أو الوالد، وان الشعب العراقي والحكومة العراقية تشعر بمعاناتهم، ومن الممكن أن يدخل ذلك ضمن قانون الضمان الاجتماعي.. كذلك بالضرورة أن يكون في الدستور العراقي فقرة خاصة تضمن حقوق الأرامل والأيتام. كما أن على وزارة المرأة أن تكون مستقلة من دون هيمنة، بمعنى أن تكون وزارة سيادية وليست وزارة دولة.

وقد طالب النائب خالد الاسدي بتشريع قانون لرعاية الارامل والايتام، حيث قال: "الضرورة تقتضي بتشريع قانون يرعى الارامل والايتام بشكل خاص ويليق بهم ويحميهم من الانهيار والتفكك الاسري"، وقال ان لديه مقترح بهذا الشأن وقد تمّ عرضه على مختصين لتحويله الى مشروع قانون" ،واكد ايضا :"من المفترض على مجلس النواب أن يولي اهتماما بتشريع القوانين التي تنظم الاسرة، كون الدورة السابقة والحالية للنواب انصبت على تشريع قوانين التنظيم الاداري".
 

 
 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !