اللهم قد بلغت
الأوضاع تزداد ضبابية مع فريق "المصباح"(1) و"الميزان"(2)
(1) حزب العدالة والتنمية المغربي
(2) حزب الاستقلال المغربي
كاد يجمع أغلب الفاعلين السياسيين والاقتصاديين والاجتماعيين والمتتبعين للأوضاع في بلادنا على أن القلق والتذمر والارتباك والخوف من الغد عدم الاطمئنان عليه هي سمات بارزة تنطلي منذ البداية على الدخول السياسي والاجتماعي والجامعي لموسم 2012 – 2013، هذا ما. لقد أجمع هؤلاء على حقيقة مرّة أضحت اليوم بارزة للعيان أكثر من أي وقت مضى. هذه الحقيقة المرّة مفادها أن المغرب اليوم لا يتوفر على الإمكانيات والموارد البشرية القادرة على إنجاح الأوراش الإستراتيجية التي تمّ إطلاقها.
في واقع الأمر إن هذه الحقيقة بمثابة تشخيص واقع حال مطبوع بالفشل الذريع إن على صعيد الطموحات المعلن عنها بخصوص تفعيل آليات التنمية الداخلية والذاتية، أو على صعيد القطاع الخاص الذي مازال يتخبط في وضعية عدم الانسجام بين العرض والطلب في مجال التشغيل.
من بواعث القلق والخوف الخسائر الفادحة الاقتصادية التي صعقت المنظومة الاقتصادية الوطنية منذ النصف الأوّل من السنة الجارية، سيما في جملة من القطاعات الإستراتيجية والحيوية التي تشكل العمود الفقري لاقتصادنا، وعلى رأسها قطاعات الفلاحة والسياحة والتجارة الخارجية والصناعة ومجال الشغل الذي فقد 109 آلاف منصب والباقية ستأتي.
وحسب المندوبية السامية للتخطيط لوحظ تصاعد تذمر الأسر المغربية، إذ أن مؤشر الثقة انخفض على التوالي 3 مرات مسجلا تدنيا مزدوجا بمقدار 2، 2 نقطة ثم تدنيا تاليا بمقدار 5، 1 نقطة مقارنة مع نهاية 2011. وقد صرّحت 5،5 بالمائة من الأسر فقط عن قدرتها على إمكانية القدرة على الادخار، في حين تصادف باقي العائلات صعوبات جمّة وغير مسبوقة في تكييف الدخل مع المصاريف وتكاليف الحياة اليومية. هذا في وقت لم يمل فيه الوزير المكلف بالاقتصاد والمالية من التأكيد على أن قانون المالية لسنة 2013 سيواصل مجهود الاستثمار في القطاعات الاجتماعية ( الصحة، التعليم، السكن الاجتماعي والاقتصادي).
كما ساهم تراجع عدد المغاربة المقيمين بالخارج المتوافدين على الوطن في حشد حدة القلق العام المستشري. علما أن تحويلات هؤلاء عرفت تقلصا غير مسبوق ومقلق منذ نهاية شهر يوليو الماضي، إذ سجلت تراجعا فاقت نسبته 2،5 بالمائة مقارنة مع السنة الفارطة.
كما أن القلق الشديد على وضعية وأحوال قطاع الصحة العمومي يتزايد يوما بعد يوم بشكل ملفت للنظر في صفوف الفئات الشعبية. سيما وأن قطاع الصحة العمومي ما فتئ يعرف العجز تلو العجز في أكثر من صعيد. ومن بواعث القلق العام أيضا، تضاعف عجز الخزينة والتصاعد الصاروخي للمديونية الداخلية. إذ حسب تقرير صادر عن الخزينة العامة للمملكة حطّمت المديونية الداخلية رقما قياسيا جديدا، حيث فاقت في شهر يوليو الماضي 342،6 مليار درهم مسجلة ارتفاعا بنسبة 8،6 بالمائة منذ مطلع السنة الجارية (2012).
كما تضاعف عجز الخزينة خمس مرّات، إذ بلغ 23،6 مليار درهم، في حين لم يكن يتجاوز 4 ملايير درهم في يوليو 2011.
ومن بواعث القلق العام تزايد إصدار الشيكات دون رصيد ومنع الأشخاص من إصدار الشيكات البنكية، وفي هذا السياق أكّد بنك المغرب أن العدد الإجمالي للأشخاص الممنوعين من إصدار الشيكات بلغ 402 ألف و510 شخصا خلال سنة 2011، مسجلا بذلك ارتفاعا ناهزت نسبته 4 بالمائة مقارنة مع السنة التي سبقت، علما أن 92 بالمائة من هؤلاء أشخاص طبيعيون.
كما أقرّ البنك المركزي أن الشيكات المرفوضة أو الملغاة وصلت إلى 641 ألف شيك خلال سنة 2011 ، وبلغت قيمتها 19،8 مليار درهم، وأغلبيتها الساحقة شيكات دون رصيد. وقد بلغ عدد هذه الشيكات سنة 2010، 639 ألف بقيمة تفوق 18 مليار درهم.
ومما يقلق أيضا أن هناك شبه طلاق بين الحكومة والقطاع الخاص على ارض الواقع المعايش رغم تناسل الخطابات الرنانة بخصوص التواصل بين الطرفين.
لازالت العلاقة بينها مطبوعة بضعف الثقة المتبادلة وفقر التنسيق والتشاور. هذا في وقت تحمّل الحكومة المسئولية بهذا الخصوص للقطاع، في حين يعتبر هذا الأخير أن الحكومة هي التي تتحمل مسئولية طبيعة العلاقة بين الطرفين لاسيما فيما يخص غياب التنسيق والتواصل والتعاون بين "العمومي" و"الخاص". إن هذا الاتهام المتبادل صعّب مهام كل من الحكومة (القطاع العمومي) والمقاولات (القطاع الخاص).
وما يقلق حقا، أنه في الوقت الذي ترتكز فيه كل الآمال على مدى التعاون بين القطاع العمومي والقطاع الخاص لإخراج منظومتنا الاقتصادية من عنق الزجاجة نعاين شدّ الحبل بين الطرفين، كل طرف ينتظر المبادرة من الآخر.
وتتناسل معلومات ووجهات نظر، مستندة على معطيات، حول إمكانية الزيادة في سعر الخبز، رغم أن الحكومة تستمر في الإقرار باستبعاد هذا الأمر. ويتزامن هذا مع إعادة النظر في الاتفاق – الإطار القائم بين الحكومة والجامعة الوطنية لأرباب المخابز والذي أضحى متجاوزا بفعل تصاعد أسعار الطاقة واليد العاملة جراء ارتفاع "السميك" وكلفة النقل، الشيء الذي نال من هامش الربح. علما أن تكاليف نقل الدقيق كانت تمثل ما يناهز 80 بالمائة من الكلفة الإجمالية لصناعة الخبز، لكن أضحت لا تمثل إلا 55 بالمائة بفعل تصاعد المصاريف الأخرى سيما تلك المرتبطة باحتياطي الحبوب وتنامي أسعارها على الصعيد العالمي والصعوبات التي أضحى المغرب يصادفها في التزود بالحبوب.
حسب وزارة المالية إن حاجيات البلاد من الحبوب تفوق 7، 1 مليون طن سنويا، أي ما يعادل 590 طن شهريا. وفي موسم 2011 – 2012 استورد المغرب 5، 5 مليون طن من الحبوب منها 2، 9 مليون طن من القمح الطري. ومن المُؤكد أن واردات الحبوب ستتضاعف لاحقا، وفي هذا السياق تم الإعلان مؤخرا عن مناقصتين دوليتين مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي همّت 600 ألف طن، وقد سبقتهما مناقصة همّت 300 ألف طن من القمح. ومن المعلوم أن كلا من الولايات المتحدة وروسيا عرفتا موسما جافا قلّص من قدرتهما التصديرية لذا توجب على المغرب التوجه إلى أسواق أخرى (أوروبا، أمريكا اللاتينية) لكن عليه أداء سعر أعلى.
وفعلا سجلت أسعار الحبوب ارتفاعا مطردا على الصعيد العالمي، إذ أن سعر القمح الطري تصاعد بأكثر من 20 بالمائة، في حين أن سعر الشعير تضاعف ليصبح 500 درهم للقنطار متجاوزا سعر القمح الصلب. ووطنيا ارتفع سعر القمح الطري من 290 درهم للقنطار إلى 350 درهم، والقمح الصلب من 350 إلى 380 درهم.
وأعلنت الجامعة الوطنية لأرباب المخابز عن تخوفها من عدم قدرة الحكومة على تزويد السوق الداخلية بالقمح خلال الشهور المقبلة، كما أعربت عن عدم اطمئنانها عن نهج تعاطي فريق ابن كيران مع هذه الأزمة التي تذكرنا بما عايشته بلادنا في الثمانينات ( "شهداء الكوميرا").
كل المؤشرات تفيد أن الحكومة ستصادف صعوبات جمّة في ظل الإنذارات التي ما فتئت تبثها المنظمات الدولية، سيما منظمة التغذية العالمية ("الفاو") والبنك الدولي.
التعليقات (0)