دأبت الحكومات العربية على اعطاء الشعب العراقي ليل نهار دروسا في كيفية التعاون فيما بينهم ونبذ العنف وركزت خصوصا في دروسها هذه على نبذ الطائفية المقيتة واللتي ادت وتأدي الى الوقوف حائلا دون استقرار العراق وتقدمه . ودائما ما نسمع الرؤساء والملوك العرب وهم يلومون العراقيين على ما آلت اليه امورهم نتيجة الطائفية اللتي استشرت بين العراقيين قبل وبعد الأحتلال .
وكثيرا ما تغنت الأنظمة العربية بحياديتها وأبتعادها عن الطائفية في بلدانها ورعايتها لكافة ابناء شعوبها دون تفرقة وخصوصا اللأقليات , ونرى كل يوم اذاعات هذه الحكومات تنقل لنا رعاية هذا الملك اوذاك وهذا الرئيس او ذاك لأتباع شعبه من الديانات الاخرى وكيف يشاركهم افراحهم واتراحهم واعيادهم . وهذا في رأيي عين العدل والصواب .
الا ان الجميع يعرف خوف هذه الأنظمة وحساسيتها المفرطة من التنظيمات والأحزاب الدينية بكافة توجهاتها نظرا لما لهذه الأحزاب من قدرة على حشد الشارع في اي بلد عربي واسلامي , حيث ان الخطاب الديني اصبح مسموعا لدى كافة شعوب المنطقة بسبب ما آلت اليه امورها بعد عقود من التجارب مع القوى العلمانيية والقوميية والوطنية والشعوبية لم تفلح كلها في حل مشاكل هذه الشعوب الأمر اللذي ادى بهذه الشعوب الى الرجوع الى خط الدفاع الأخير واللذي غالبا ما يلجأ اليه الأنسان اليائس من حياته الا وهو الدين .
وتستخدم الحكومات العربية في حربها مع الأحزاب الدينية بالأضافة الى اساليب البطش اساليب كثيرة اخرى منها اساليب تثقيفية واعلامية تكشف من خلالها عيوب الأحزاب الدينية ومثالبها وخطورة افكارها على المجتع حسبما تقول . ومن الأمور اللتي دائما ما تأخذها هذه الحكومات على الأحزاب الدينية طائفيتها وخطابها المنافي للمواطنة الحديثة كما تدعي , الأمر اللذي يؤدي برأيها الى تمزق المجتمع وتقاتله .
لست اريد هنا ان ادافع عن هذا الطرف او ذاك او ابين من هو اللذي على خطأ ومن هو اللذي على صواب . ولكني اريد ان اسجل غضبي وانزعاجي من استخدام هذه الحكومات لأسلوب الطائفية الحقيراللذي تنكره على الأحزاب الدينية لالشيء الا لأنها وجدت هذا الأسلوب ينفعها في محاولاتها لتسكين حالة الأحتقان الشعبي في بلدانها والناتج اصلا من اخطاء وخطايا سياساتها الداخلية والخارجية .
الكل يعرف ان ايران ومنذ قيام ثورتها ( واللتي سميت بعد نجاحها بالأسلامية ) غيرت سياساتها تجاه الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة والكيان الصهيوني من النقيض الى النقيض . فبعد ان كان نظام الشاه الحليف الأول للغرب وشرطيه , الأمين على مصالحه في المنطقة , جاء النظام الاسلامي في ايران ليصبح العدو رقم واحد للغرب والخطر الداهم على الكيان الصهيوني فيها . وقامت ايران اول ما قامت بعد الثورة بأنزال علم نجمة داود من فوق مبنى السفارة الأسرائيلية في طهران ورفع علم الثورة العربية علم فلسطين مكانه . ومن ثم دعمت ولازالت كل القوى العربية المناهضة للاحتلال الصهيوني الأمر اللذي اثار جنون الأنظمة العربية واللتي كانت قد اتخذت قرارها ان ذاك وعقدت العزم على عقد معاهدات ما يسمى بالسلام مع اسرائيل تحت حجج لم تقنع الشعوب العربية الى الان . فقامت بتحريض نظام صدام على الدخول مع ايران في حرب احرقت الشعب العراقي بكل طوائفه واكثرهم من الشيعة كان من نتائجها وقف المد الديني ( ولا اقول الشيعي ) مؤقتا في المنطقة . ومنذ ذلك الحين اصبحت هذه الأنظمة وعلى رأسها نظام صدام ودول الخليج ومصر تستخدم اسلوب يصور الصراع بينها وبين الأحزاب الدينية والوطنية المقاومة لسياساتها وللنفوذ الأجنبي والأحتلال على انه صراع بين المسلمين السنة والمسلمين الشيعة بل انها اصبحت توحي بانه صراع بين المسلمين السنة والشيعة الموالين لأيران وكأنها تقول بعدم اسلامهم , واصبحت تجتر افكار بائدة طالما استخدمها الأمويون والعباسيون والعثمانيون في صراعهم مع القوى اللتي كانت تثور على بطشهم وجبروتهم , واليوم اصبحت الأنظمة العربية من المحيط الى الخليج فجأة حامية الأسلام والمذهب السني والمدافعة عنه . فنرى النظام المغربي وهو يغلق مدرسة لايدرس فيها اكثر من مئتي طالب وطالبة بحجة نشر المذهب الشيعي , ونرى كيف تحمل دول الخليج الشيعة ومذهبهم مسؤولية ازدياد المعارضة الشعبية في بلدانها وكيف تقوم كافة هذه الأنظمة بصرف الأموال واسناد كل القوى المناهضة لحزب الله وحلفائه في لبنان واستخدام الشعارات الطائفية لتشويه صورة المقاومة اللبنانية مدعية انها منظمة شيعية وليست وطنية وتخدم مصالح ايران لامصالح الدول العربية . وبنفس الأسلوب اصبح النظام المصري فجأة حامي الأسلام والمذهب السني وهو اللذي يضطهد كل يوم كل من ينتمي الى الأحزاب الدينية في مصر وعلى رأسها تنظيم الأخوان المسلمين اللذي لا أعتقد ان احدا يستطيع ان يدعي ان احد اعضائه ينتمي للمذهب الشيعي . حتى بتنا نرى كل يوم مسرحيات مكشوفة عن اكتشاف تنظيمات شيعية تابعة لأيران وحزب الله تعمل على الأراضي المصرية لنشر التشيع وكأن التشيع اصبح سبة او كفر . ومن المضحك المبكي اصبحنا نسمع ان هذه التنظيمات التابعة لحزب الله اللذي كسر انف الجيش الأسرائيلي باعتراف قادته تستخدم اساليب الدعارة والفسق للترويج للمذهب الشيعي في المجتمع المصري ؟؟!!!! .
لقد اسقط في يد الأنظمة العربية الخانعة للأمريكان وانكشف امر كذبها على شعوبها بأدعائها ان ظروف المنطقة واختلال موازين القوى فيها لاتمكن العرب من تحرير اراضيهم وان الدول العربية لاتستطيع الوقوف بوجه المجتمع الدولي المساند للأحتلال الصهيوني بينما برهنت منظمات مقاومة صغيرة مثل حزب الله وحماس عكس ذلك معتمدةً على ايمان اعضائها وعلى القوى الشعبية العربية وعلى مساعدة ايران الدولة الوحيدة اللتي تقف مع هذه القوى منذ ثلاثين عام . لذا تحولت الحكومات العربية اللتي تطلق على نفسها كذبا لقب المعتدلة الى الأسلوب اللذي تستخدمه الآن في التحريض على الشيعة والتشيع وتصوير الصراع بينها وبين القوى العربية المقاومة للمشروع الصهيوني على انه صراع بين السنة والشيعة وحشدت في سبيل ذلك الأقلام المشبوهة ووعاض السلاطين واصبحت تخرج علينا كل يوم بمسرحيات خائبة لاتقنع عاقل ولا مجنون .
كل ذلك لن يغير من حقيقة الصراع الدائر الآن بين الأنظمة العربية وقوى المقاومة ولن تنفع هذه الأساليب الدنيئة الا في تأجيج المشاعر الطائفية بين افراد الشعب العربي واللتي ستنعكس حتما الى عنف يضرب المنطقة في كل مكان , عنف لايعرف المه اكثر من العراقيين واللبنانيين اللذين اكتووا ويكتوونن به كل يوم .
التعليقات (0)