هل يعني أنسحاب القوات المقاتلة الأمريكية من العراق بدأً لمرحلة التحرير ؟ ، أم بدأً لمرحلة جديدة من مراحل الأحتلال الأمريكي أقتضتها المستجدات الجديدة على الساحة العراقية والأقليمية والدولية ؟ .
جاء أنسحاب الفرق المقاتلة الأمريكية بصورة سرية وسريعة وتحت جنح الظلام وبدون أي أحتفالات بروتوكولية أو شعبية مرافقة لمثل هذه المناسبات . على عكس ما حصل في بداية الأحتلال من مشاهد دراماتيكية وأستعراضية مدروسة من قبل أختصاصيي دعاية وأعلان "كما أعلن لاحقا " بدأت بصور الأنفجارات اللتي هزت بغداد في اللحظات الأولى من بدء عملية أحتلال العراق ، ومرورا بصور القادة العسكريين والسياسيين اللذين يصرحون من على منصات حاملات الطائرات وفي الخلفية صور القاذفات والمقاتلات ، وأنتهاءً بصور أسقاط تمثال الطاغية في ساحة الفردوس .
هذا الأختلاف الواضح بين الصورتين له دلالاته العميقة والواضحة واللتي لا يمكن أن تخطئها عين المراقب .
أحتلت الولايات المتحدة الأمريكية العراق بدون أذن من الأمم المتحدة لتعطي مثالا سيئا يكرس قانون الغاب بين الأمم وعلاقاتها مع بعضها ، فاضحتا زيف شعاراتها عن الشرعية والقانون والعلاقات الدولية المتحضرة اللتي لا وجود لها على أرض الواقع .
وبعد أن أنكشف زيف أدعائها عن ملكية نظام المقبور صدام لأسلحة الدمار الشامل ، تكرست أكثر القيم اللتي تمجد القوة الغاشمة اللتي بأمكانها تركيع القانون والشرع وأسكاتهما . فمادامت القوة موجودة فأن أيجاد المبررات لأستخدامها يكون سهلا ومقبولا بحكم الواقع لابحكم القيم والأخلاق .
أما حلم الدولة العراقية العصرية ، العلمية ، المتقدمة والغنية والديموقرطية . دولة المؤسسات اللتي لاصوت فيها يعلو على صوت القانون والحق فقد تحطم على صخرة جرائم الأحتلال ومرتزقته اللتي سالت من جرائها دماء العراقيين .
وبعد أن تبين أن تفتيت الدولة العراقية ومؤسساتها على يد اليمين المتطرف ورأسه المجرم بوش كان متعمدا ، لم يبقى ألا أن نقر نحن العراقيون بأن الأحتلال ما جاء ألا لبناء عراق جديد مبني على اسس طائفية وعرقية دبرت في أجتماعات واشنطن ولندن مع السساة اللذين يتصارعون على الكراسي اليوم ، واللذين جائوا مع الأحتلال ليضعوا للعراق دستورا فيدراليا تفتيتيا مفصلا على مقاس الميليشيات والأحزاب اللتي أبتلعت أكثر من ترليون دولار في ثمان سنوات كانت قادرة على بناء دولة بحجم العراق ثلاث مرات من الصفر . وما ذلك ألا خدمتا لأسياد اليمين المتطرف من بني صهيون اللذين وضعوا في قرارات مؤتمر بازل تفتيت الدول المحيطة بالكيان الصهيوني المرتقب آنذاك هدفا أولا يخلصهم من المطالبين بالحق بعد ذلك .
وحتى بعد أن عرف القاصي والداني كل هذ الحقائق ، ظل الأحتلال متواصلا في كذبه ليبرر عمله بتخليص العراقيين من جور نظام الطاغية المقبور . وأذا بنا نصبح محكومين بعشرات الطغاة وسراق البنوك والنفط .
هذه الحقائق هي اللتي غيرت الصورة الأولى للأحتلال . صورة الفخر والنصر الى الصورة الثانية . صورة أنسحاب القوات المقاتلة تحت جنح الظلام . ربما خوفا من تناقل صور العراقيين وهم يقذفون جنود الأحتلال بالأحذية كما قذف رئيسهم من قبل .
ولكن هل بدء الأمريكان بالأنسحاب من العراق حقا . وهل هم تاركوه لأهله وشعبه يحكمه كما يشاء ؟
أن بناء سفارة بحجم دولة هاييتي في قلب بغداد ، وترك خمسين ألف جندي في قواعد ثابتة ، وأستقدام آلاف المرتزقة العاملين بشركات الأمن سيئة الصيت لحماية المصالح الأمريكية بدلا من الجنود النظاميين ، وبقاء مئات الطائرات المقاتلة في مطاراتنا ، لايمكن أن نسميه تحريرا أو تسليما للعراق الى أهله كما يحاول لأحتلال والساسة العراقيين أيهامنا .
بل أن تكتيكا جديدا للأحتلال قد بدء لأمتصاص نقمة الشعب العراقي المظلوم اللذي بدأ يثور على واقعه الأليم بمظاهرات البصرة والناصرية والرمادي واللتي قد تنتشر الى كافة أنحاء العراق مما يهدد الوجود الأمريكي المهم في العراق لخوض الحروب القادمة مع أيران ولبنان وربما دول أخرى .
كما أن الضرورة تقتضي أعادة لأنتشار القوات المقاتلة الأمريكية يمنع وقوعها بيد القوات المقاومة لوجودها في المنطقة . خاصة وأن شعوبنا ستكون وقودا يغذي هذه الحروب المرتقبة وهي اللتي لا ناقة لها ولا جمل فيها .
من أجل كل ذلك تغيرت الصورة بين دخول الأحتلال وخروجه . فالحرب أو الحروب والأهداف لم تنتهي بعد لذلك لا داعي للأحتفالات والكذب من جديد . خاصة وأن أوباما قد وعى جيدا عاقبة الكذب على شعبه على الأقل ، والمتمثلة بالفوز التأريخي بعدد الأصوات اللتي حققها هو وحزبه .
ونحن أذا لم نخرج الأحتلال اليوم أخراجا حقيقيا مستغلين الظرف الأقتصادي العالمي وقرارات الأمم المتحدة الملزمة للأحتلال بالأنسحاب في حالة طلب الحكومة العراقية ذلك ، فيجب علينا أن نستعد من الآن لتحمل كما جديدا من المآسي سيصيبنا ودولا وشعوبا مجاورة لنا لامحالة . خاصة وأن حربي العراق وأفغانستان قد كشفتا أن الجيش الأمريكي ليس ذلك البعبع اللذي كنا نعتقد . ولنا أن نتصور الوضع أذا ما قرر الصهاينة جر الولايات المتحدة الى حرب لاتريدها في قرارة نفسها كما يظهر من كلام عقلائها من الساسة وقادة الجيوش .
التعليقات (0)