مواضيع اليوم

الأندلس والأحتلال الأمريكي للعراق

زين الدين الكعبي

2009-05-06 15:37:19

0

حكم المسلمون الأندلس من عام 711 الى عام 1492  ميلادية أي لمدة 781 عام . وتسمى الأندلس اليوم بشبه جزيرة ايبيريا اللتي تنقسم الى دولتين هما اسبانيا والبرتغال . ولقد سماها المسلمون بالأندلس لأن شعبها الأصلي كانوا من قبائل الوندال اللذين ينحدر منهم الشعب الأسباني , وكما هو معرف فان حرف الجمع باللغة الأسبانية هو ال s ولذلك فان قبائل الوندال كانت تسمي نفسها بصيغة الجمع الوندالس أي الونداليين بالعربية ومن هنا جائت تسمية المسلمين لمستعمرتهم بالأندلس .

على الرغم من ان اثرالحضارة الأسلامية لا يزال واضحا في اسبانيا الحالية الا ان التعصب الأعمى لبعض المستشرقين وحقدهم على الأسلام والمسلمين يقودهم الى محاولة مسح كل اسماء العلماء والأدباء المسلمين من الآثار العلمية والأدبية والحضارية اللتي انتجها المسلمون . بل انهم حاولوا ويحاولون نسبة كل حضارة الأندلس في هذه الفترة الى انفسهم والى غير المسلمين .

فمثلا يقول المستشرق الأسباني كلوديو سانشيز في احد كتبه (( ان التركيبة السكانية في الفتوحات الأسلامية الأولى كانت قليلة من حيث العدد وهذه القلة العددية لم تستطع ان تؤثر في السلالة الأسبانية اللتي كانت كبيرة وواسعة الأنتشار )) وقد قاد هذا تعصب هؤلاء الى اعتبارهم كل العلماء المسلمين الأندلسيين مثل ابن حزم وابن الحاج كأسبان . وقالوا ان كل هؤلاء العلماء العظماء ما كانوا ليستطيعوا ان ينتجوا ما انتجوا الا لأنهم تأثروا بالمسيحيين الأسبان وكل ذلك لأثبات ان الأسلام دين جاهل وثني لا يمكن ان ينتج اتباعه مثل هكذا علوم راقية .

لايستطيع احد مهما كان حقده على الأسلام والمسلمين كبيرا ان يقول بأن المسلمين خربوا الأندلس او انهم دمروها او أي شيء من هذا القبيل . فكل الشواهد والشهود تقول ان الدولة الأسلامية في الأندلس كانت من اعظم ممالك اوربا واكثرها علما وادبا وبناء وحضارة في فترة ازدهارها . بل ان الآف الكتاب والمؤرخين الأوربيين وغير الأوربيين المنصفين يعزون التطور الحالي اللذي وصلت اليه شعوب اوربا الى العلم اللذي تعلموه من علماء الأندلس وعلماء المسلمين من امويين وعباسيين . فكما فعل العرب المسلمون الأوائل عندما قامت دولتهم الأولى على انقاض دولة الروم والفرس . ابتدأ الأسبان دولتهم من حيث انتهى المسلمون وترجموا كل الكتب العلمية والثقافية اللتي تركها المسلمون خلفهم عندما خرجوا من الأندلس وبنوا دولتهم على انقاض دولة المسلمين فيها . وهذا ديدن كل الحضارات الأنسانية . فكل الحضارات الجديدة لابد ان تبدأ من حيث انتهت اللتي قبلها ومن ثم تبدأ هي بالأضافة عليها حتى تكون بعد حين حضارة خاصة بها وتسمى بأسمها . وما خطاب الرئيس البرتغالي جورج سيماو عام 1997 في مؤتمر ملتقى الحضارتين العربية والأيبيرية الا مثال على انصاف الكثير من غيرالمسلمين للحضارة اللتي تركها علماء المسلمين حيث قال (( لقد تأثرت حضارة بلادي البرتغال بالحضارة العربية الأسلامية اللتي كانت موجودة في الأندلس , ونحن مدينون لهذه الحضارة بالكثير من حضارتنا )) .

على الرغم من تحفظي الشديد في اعتبار الدول الأموية والعباسية والأندلسية والعثمانية كدول خلافة اسلامية, واعتقادي الراسخ بأن هذه الدول انما كانت امبراطوريات مثل باقي الممالك الكبيرة , الا ان احدا لايستطيع ان ينكر حقيقة اسلامية شعوب هذه الدول المتعاقبة . وان كانت الخلافة الجمهورية الراشدة قد تحولت الى ملك عضوض منذ ايام معاوية فأن هذا لا يقلل من قيمة العلماء والأدباء والمبدعين الأسلاميين اللذين رفعوا دولة الأسلام الى مرتبة الدولة العظمى الوحيدة في العالم ايام هارون الرشيد .  لقد كان المسلمون يحكمون الأندلس حكما مباشرا وكان الملايين منهم يسكنون فيها. وكان الخلفاء والولاة والقضاة وظباط الجيش وقادته وكل وموظفي الدولة تقريبا من المسلمين سواء عربا كانو او من غير العرب . وكانت دواوين الدولة ومدارسها ومستشفياتها ومحاكمها وكافة مؤسساتها تستخدم اللغة العربية كلغة رسمية للدولة والدين الأسلامي كان دين الدولة الرسمي في الأندلس . الا ان روح التسامح بين المستعمر والسكان الأصليين كانت هي السائدة في معظم فترة حكم العرب للأندلس كما يجمع المؤرخون . وان كل المشاكل اللتي حصلت بين الشعبين انما حصلت في بداية ونهاية الأستعمار العربي الأسلامي لها , وهذا امرا طبيعيا تفرضه ظروف الصراع العسكري بين الشعبين في هاتين الفترتين .

لست اريد من كل هذا السرد ان ابين دور الحضارة الأسلامية والعربية في الأندلس . ولا ان اصنع صنع المتعصبين واقول ان الحضارة هي حكر على هذه الأمة او تلك . ولكني اردت فقط من كل هذا السرد ان اسأل سؤالا واحدا لكل من يدعي ان الأسلام دين فرض نفسه بحد السيف على الناس .

لو فرضنا فرضا ان الأمريكان قد قرروا فجأة ان يستعمروا العراق استعمارا مباشرا وان يسيطروا عليه سيطرة تامة كما فعل المسلمون في الأندلس لما يقارب الثمنمائة عام . وان يؤسسوا فيه كيانا تابعا لأمريكا يتمتع بالحكم الذاتي . وبدأوا بجلب عشرة ملايين مواطن امريكي الى العراق واسكنوهم في كل مدن ونواحي العراق . وجعلوا من الدستور الأمريكي دستورا للعراق . ثم عينوا حاكما امريكيا له وقرروا ان يجروا انتخابات لأختيار رئيسا للوزراء على ان يكون المرشحين من الأمريكان فقط . وكذلك لو جعلوا للأمريكان ثلثي مقاعد البرلمان كي يضمنوا تسيير أمور العراق حسب ما يرونه هم وجعلوا الثلث الباقي للمسيحيين العراقيين من دون المسلمين منهم  . وجعلوا كل الوزراء  ونوابهم وكل الموظفين الكبار في كل وزارات ودوائر الدولة في العراق من الأمريكان . وعينوا معظم القضاة والأطباء والمهندسين والمدرسين من الأمريكان . وجعلوا من الأنجليزية اللغة الرسمية الوحيدة للدولة العراقية . وغيروا كل مناهج التعليم العراقية ومنعوا أي درس للدين الأسلامي في المدارس . وفتحوا الباب على مصراعيه للتبشير بالمسيحية في كل البلاد وسخروا كل وسائل الأعلام للتبشير بها دون أي تبشير للأسلام ومنعوا الناس من الصلاة في المساجد او حتى رفع الآذان منها . ثم طفقوا يسجنون ويعذبون كل من لم يتحول الى المسيحية وان يمنعون اي مسلم من الوظائف ويفرضون عليه دفع الف دولار شهريا للدولة اذا لم يتنصر . ثم حموا كل هذا النظام بجيش وشرطة ومخابرات ومؤسسات امنية امريكية خالصة . ومكثوا في العراق على ذلك لمة 781 سنة بالتمام والكمال . ترى هل سيبقى العراقيون بعد كل تلك السنين مسلمين ملتزمين بدينهم محافظين على لغتهم وتاريخهم كما فعل الأسبان اللذين ظلوا على مسيحيتهم وتراثهم وتقاليدهم بعد 781 عاما من الحكم الأسلامي العربي لها ؟؟؟ . الا تدل هذه القرون الثمانية من حكم الأسلام لأسبانيا والبرتغال على ان هذا الدين لم ينتشر بالسيف ؟ . وان كل الشعوب اللتي دخلت الأسلام دخلت اليه برضاها بينما رفضه الأسبان والبرتغال فظلوا على دينهم من غير ان يرغمهم عليه احد ؟ .




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات