مواضيع اليوم

الأنثى والماء والمحرّم وتعرّي الجسد المحجوب

روح البدر

2009-07-16 14:24:31

0


الأنثى والماء والمحرّم وتعرّي الجسد المحجوب

ساهمت السينما بمنح الماء مدلولات جنسية تضفي على الجسد بعدا إغوائيا جاذبا إضافيا، فضلا عن طاقته الذاتية الدارجة. صارت الماء إشارة الى طبقة اجتماعية ما وإلى الاستحمام وإلى النظافة وإلى قابلية الجسد ليحصل على كل معايير الجذب: التعري، الفتنة، المباشرة. ومسألة علاقة المرأة بالماء، وإن كانت تمتلك في الدراسات الانثروبولوجية مغزى محكما مابين فعل التكوين وفعل الولادة، فإن العلاقة المشهدية الجديدة، البصرية، تمت على أساس من مفهوم التعري وحسب. الماء تساوي التعري وتساوي القابلية والجاهزية.

امرأة في حمام عصري، يتعالى منه البخار، وتبدو صورتها من وراء الزجاج مشوّشة وموحية وخصبة. ويبدو لون الجسد ممزوجا مابين الأبيض الحليبي والأحمر الآجري. يمكن أن تنتقل الكاميرا الى الزوج المنتظر، ويمكن أن تنتقل الى منحرف يحمل سكيناً، ويمكن أن تنتقل الى متلصص مختبئ في مكان ما. تلك المرأة المائية هي كل هذا اللاشعور وكل تلك الاحتمالات، في هذا المعنى هناك رابط مابين المرأة والماء والعنف. فالماء وإن كانت تمتلك مدلول الخصوبة كالمرأة، فهي تتضمن معنى الموت أيضا. هذا التقطه السينمائيون بقوة، بسبب الأثر الدارويني على السينما الغربية. ومع هيتشكوك فإن دم المرأة يسيل من بالوعة الحمام الذي تستحم فيه. هنا ينطوي الجسد على معنى تحريمي ما اكتسبته الثقافة الغربية من الأديان الشرقية. هكذا: امرأةٌ في حمام تعني الموت والحياة واللذة والقانون.

يمتلك الحمّام معنى طفوليا أيضا، فهو مكان اكتشاف الجسد الأول والتعرف عليه. تظل هذه النقطة ماثلة الى الأبد. إنه مكان الأسرار وبيت الأنا الأول. أمّا تداخله الأوحد مع الجسد المحرّم، الممنوع، فهو كون فعل التعري نفسه ممنوعا ويتعرض للردع. مكان الجسد العاري هو مكان سري لايُخْترق إلا بتسوية ما بين الأطراف. علاقة المرأة بالماء هي علاقة أوتوماتيكية. الماء عارية، لجسد نسوي عارٍ، أصبح المكان محرّماً. من هنا كان النهر الفرعوني لايرضى إلا بضحية نسوية من أجل الخصب ومن أجل المواسم. إمرأة في ماء الموت تعني إرضاء لقوة الخصب. فهي الخصب وهي التعري وهي بيت الحياة والأسرار.

بعد كل هذه القرون، تطل امرأة من وراء زجاج يغطيها بخارٌ وتحجبها شفافية الزجاج النسبية. يمكن أن يأتي قاتلٌ على طريقة هيتشكوك، ويمكن أن يأتي متلصصٌ على طريقة الطفل ضعيف البصر في فيلم "الساحر". كانت إشارة المخرج الكبير داوود عبد السيد رائعة ومملوءة بالرموز، دفع بطفل ليراقب حمام النساء وهنّ ينظفن أجسادهن ويجمّلن بشرتهن. ثم تقول أمُّه: " لاتخافوا منه، إنه لايرى" . وحقا، كيف له أن يخرق بيت الأسرار إلا من خلال انعدام إمكانية رؤيته؟ لايحق له، في هذا المكان، إلا أن يكون كفيفاً. إشارة مبدعة من مخرج محترف.

الماء والمرأة مفردات لغة واحدة، حركة محددة وانسيابية، قاتلة ودافعة الى الحياة. زرقاء وبيضاء وحمراء وخضراء. التراب يشرب الماء، ثم تعود الماء الى نفسها في حركة موجودة في الأساطير القديمة. إذا كانت الأرض هي المرأة فماذا يعني أن يشرب الترابُ الماء؟ تتضح الإشارة بالمقدرة المفرطة التي أعطيت للمرأة في الثقافات القديمة. كان الرجل يخافها ويعتبرها منتصرة في كل الأحول، ولأنه نصّبها إلهةً اسطورية عليه فإن شرب التراب للماء هو وحدة الشخصية الأنثى، سعة المرأة كاحتواء الأنوثة للكل. عودتها الى نفسها ولايأخذها إلا نفْسها. صورة مستمدة من الماء تماماً. لاتنتهي علاقة المرأة بالماء، وبالعنف، وبالخصوبة. علاقة مفتوحة على كل المدلولات. كالمرأة نفسها، كالماء نفسها.
 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !