في مصر تقام حلقات لقراءة القرآن في كل بلدة ومدينة وقرية وكل حلقة تتكون من خمسة إلي عشرين فردا أو أكثر يقرأون القرآن مجرد تلاوة ويجلسون في مجموعة ومعهم شيخ أو قارئ يجيد القراءة ...يقرأون بالترتيب قدرا يتفقون عليه(ربع لكل واحد مثلا) حتي يكملوا جزءا علي الأقل ..أعرف من هذه الحلقات واحدة كنت أحضرها أحيانا كثيرة وكان في هذه الحلقة رجل يدعى السيد أبو بركات وهذه اسمه الحقيقي ...كان هذا الرجل أميا لا يقرأ ولا يكتب لكنه كان شغوفا بالقرآن إلي حد كبير ...لم أحضر بدايات هذا الرجل في الحلقة لأنها بدأت منذ أكثر من سبعين عاما بلا توقف يموت منها رجال ويلتحقون بها آخرون ويتجدد أعضاؤها باستمرار إلا من يداوم عليها ...كان من شدة حب هذا الرجل للقرآن أن تمنى من شيخ الحلقة أن يعلمه قراءة القرآن فأشار عليه الشيخ أن يقرأ في كل اجتماع لهم آخر صفحة من القرآن أي الثلاث سور وهي الإخلاص والفلق والناس حتى حفظ الرجل شكل الكلمات ثم بدأ في زيادة الصفحات حتى أكمل القرآن قراءة وتلاوة في بضع سنين ...حكي لي هذه القصة بعض أقطاب الحلقة وأنا بدوري حكيتها مرارا بين زملائي في كلية الهندسة بالقاهرة حيث انتقلت إليها سنة 65 كانت بلدتي تبعد عن القاهرة ثمانين كيلومترا تقريبا كان الشيخ سيد أبو بركات رحمه الله من جيران أسرتنا وكان فلاحا وبعد ذلك في كبره أصبح حارسا كما يحدث كثيرا في مجتمعنا ...كان من عادة هذا الراحل الكريم في كل عام أن يقوم بإيقاظ الصائمين للسحور فيمشي في طرقات بلدتنا يصيح بكلمات بسيطة وينادي علي أهل كل بيت باسم صاحبه ويوقظهم أيضا لصلاة الفجر في الأيام العادية ...كانت شوارعنا في هذه الفترة خالية من المصابيح إلا مصباحين من مصابيح الكيروسين يحملهما عمودان من الخشب واحد في أول الطريق العمومي وآخر علي باب حارتنا والتي يسكن فيها الشيخ سيد ...هذان المصباحان يزودهما بالكيروسين ويشعلهما كل ليلة زغلول العامل بالبلدية ونقضي تحت ضوئهما الخافت ليلتنا نتسامر ونتحادث ...نعود إلي الشيخ سيد أبو بركات ....في بعض الأوقات تجد في ذهنك قصة لا تدري كيف تجذرت في نفسك وتتساءل هل كانت حقيقة أم أسطورة !!! بعد أن حكيت قصة الشيخ سيد مرارا علي مدي سنين طويلة قلت في نفسي لا بد أن أسأله هو نفسه عن صحة هذه القصة وهل تعلم القرآن فعلا وهو لا يقرأ ولا يكتب!!!!!وفي إجازة كنت أختلسها كل شهر أو شهرين آتي إلي بلدتنا لأزور أهلي وفي المقرأة سألته: هل صحيح يا عم الشيخ سيد أنت لا تقرأ ولا تكتب ؟ قال أيوه يا أستاذ ما دخلتش الكتاب ولا اتعلمت !! فحمدت الله أنني لم أخترع قصة أكررها وأفتري بها علي الله وعلي الناس وعلمت أن الله قادر علي تحقيق أمنية الشيخ سيد ولو كان أميا ...لأن الفضل بيد الله ....وأيضا يقول الله : إتقوا الله ويعلمكم الله ...رحم الله الشيخ سيد ومن علمه وإخوانه في المقرأة وبارك في خلفهم ومن اتبعوهم في هذا الميراث الحسن ....وسبحان من لا تنقضي عجائبه في خلقه
التعليقات (0)