مواضيع اليوم

الأمن المائي في حوض النيل.

محمد مغوتي

2010-05-18 11:01:55

0

                        الأمن المائي في حوض النيل.
     تتناسل الأسئلة وتتعدد الآراء بعد الاتفاق الأخير الذي وقعته أربعة بلدان من دول منبع نهر النيل. فقد وقعت كل من اثيوبيا ورواندا وتنزانيا وأوغندا اتفاقا اطارا حول تقاسم مياه نهر النيل بصيغة جديدة، وتغيبت ثلاثة دول أخرى من دول المنبع هي كينيا وبورندي والكونغو الديموقراطية عن حفل التوقيع، فيما قاطعت مصر والسودان هذا اللقاء الذي احتضنته مدينة "عنتيبي " الأوغندية بتاريخ 14 ماي 2010.
    جاء هذا الاتفاق بعد عشر سنوات من التفاوض بين دول منبع ومصب نهر النيل من أجل الاتفاق على توزيع جديد للحصص المائية لكل بلد. وفي ظل التعثر المستمر للمفاوضات وتباعد وجهات النظر بين الطرفين، عمدت الدول الأربعة الى الاقدام على هذه الخطوة من جانب واحد. وترى هذه الدول في الاتفاقيات الجاري بها العمل حاليا اجحافا في حقها، وتعتبر أن الوقت قد حان لاعادة النظر في توزيع مياه النهر الذي يبلغ طوله أكثر من 6600 كلم، وهو عبارة عن تلاقي نهرين هما: النيل الأبيض الذي ينبع من بحيرة " فيكتوريا " ( البحيرة التي تتقاسمها أوغندا وكينيا وتنزانيا )، والنيل الأزرق الذي ينبع من بحيرة " تانا " في اثيوبيا. ويلتقي النهران في السودان ليشكلا نهرا واحدا يمر بمصر ويصب في البحر الأبيض المتوسط. والجدير بالذكر أن آخر اتفاق بشأن تقاسم مياه النيل يعود الى سنة 1959، وهو تعديل للاتفاق السابق الذي كانت بريطانيا الاستعمارية طرفا فيه، وبموجبه تم منح مصر حق الاستفادة من 55،5 مليار متر مكعب، بينما تحصل السودان على 18،5 مليار متر مكعب. وهو ما يشكل نسبة 87 في المئة من منسوب مياه النيل.
    رد الفعل المصري والسوداني كان رافضا بالطبع للاتفاق الاطار، حيث يعتبر البلدان أنه مفتقد للمشروعية القانونية. وتستند مصر في رفضها الى بند في اتفاق 1959 يمنحها حق النقض ضد أي مشروع على حوض النيل من شأنه أن يؤثر على حصتها المائية. ويعتبر هذا الملف نقطة خلافية أساسية، حيت ترى دول المنبع أن هذا الحق المصري " الفيتو" ينبغي الغاؤه في الاتفاقات الجديدة. لذلك يتضمن الاتفاق الاطار الموقع في أوغندا اقامة عدد من المشاريع المائية على النهر في دول المنبع ( الري وبناء السدود وتوليد الطاقة الكهربائية).و من هنا يأتي التخوف المصري. اذ من شأن مثل هذه المشاريع أن تؤثر على النصيب المصري من مياه النيل التي تغطي أكثر من 90 في المئة من حاجياتها الاستهلاكية. ويبدو أن اثيوبيا تعتزم المضي قدما في تنفيذ الاتفاق، حيث قررت بناء سد "تانا بليز" على نهر النيل الأزرق كخطوة في هذا الاتجاه.
     تصريحات المسؤولين في مصر قللت من أهمية الاتفاق المذكور، غير أن استعداد كينيا وبورندي والكونغو الديموقراطية للتوقيع بدورها( خصوصا وأنها أبدت موافقتها المبدئية) سيخلط الأوراق، حيث ستصبح مصر والسودان في مواجهة مباشرة أمام تحالف دول المنبع. وهو ما يهدد الأمن المائي بالمنطقة بشكل كبير. فقد كشفت هذه الأزمة عن غياب البعد البراغماتي في السياسات العربية. فمصر اختارت دور الزعامة، وظلت وفية للقب الذي أطلقه عليها المؤرخ اليوناني القديم " هيرودوت" حينما سماها ب " هبة النيل "، لذلك تتحدث السلطات المصرية عن حقها التاريخي في مياه النيل، دون أن تولي الاهتمام الكافي لمطالب الدول المعنية. وبدل محاورة هذه الدول باعتبارها ذات حق وسيادة على النيل، سمعنا في الآونة الأخيرة كثيرا من الخرجات الاعلامية التي تتهم اسرائيل( كالعادة ) بالوقوف وراء هذا الملف. وكان من الأجدر في ظل تحقيق التوازنات الاستراتيجية بالمنطقة أن تعمل مصر على مساعدة هذه الدول " الفقيرة " من خلال تمويل مشاريع تنموية ومحاربة التصحر. وتلك هي المفاتيح الأساسية التي ينبغي الاستعانة بها لحل معضلة المياه في المنطقة... والواقع أن أي تصدع في صفوف " دول حوض النيل " ستكون تبعاته خطيرة في منطقة لا تخلو من بؤر التوتر كما هو الشأن في منطقة البحيرات العظمى وفي دارفور وجنوب السودان.
     من المبكر الحديث عن حرب اقليمية حول المياه، لكن الاستمرار في مزيد من الاستماع ب" أذن طينية " لدول منبع النيل، يمثل تهديدا حقيقيا للأمن المائي في حوض النيل، وقد تكون حرب المياه هي عنوان المرحلة المقبلة، وحينها ستتكبد مصر والسودان خسائر لا قبل لهما بها.
                            محمد مغوتي.18/05/2010.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !