مواضيع اليوم

الأمم المتحدة إذ راودت الفلسطيني عن أرضه!

بلال الشوبكي

2011-08-20 15:58:48

0


الأمم المتحدة إذ راودت الفلسطيني عن أرضه!
 بلال الشوبكي


 يشهد العالم في هذه الأيام حراكاً فلسطينياً غير مسبوق لحشد المؤيدين له في ما بات يعرف باستحقاق أيلول، ونتاجاً للتغطية الإعلامية المكثفة لكل ما له صلة بموضوع إعلان الدولة الفلسطينية في أيلول من هذا العالم فإن الشارع الفلسطيني بات ينتظر شيئاً إيجابياً من هذا الحراك، آملاً في أن يرى فلسطين دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة. نسي الفلسطينيون أن مشكلتهم بوجود الاحتلال الفعلي لا بإعلان الدولة، فالضفة الغربية وقطاع غزة والقدس أراضٍ محتلة وفقاً للأمم المتحدة، وهي كذلك فعلاً، فلماذا نطالب بإعلانها دولة مستقلة، في حين أن الواقع يحتم علينا المطالبة بإستقلالها عن الاحتلال.


بعيداً عن نقاش موضوع إعلان الدولة في نيويورك، وقريباً من الإطار المؤسساتي الحاضن لهذا النشاط، وهي الأمم المتحدة، فإن في السطور القادمة تبيان لدورها منذ بدايات القرن الماضي، وكيفية مساهمتها في تغيير الأوضاع على أرض فلسطين.


أولاً: التأسيس لإسرائيل الحالية تم في أروقة عصبة الأمم
إذا ما اعتبرنا تجاوزاً أن الأمم المتحدة تمثل شخصية اعتبارية متمايزة عن شخصية الدول المكوّنة لها، باعتبارها كياناً مستقلاً يتمتع بمساحة حرة لاتخاذ القرارات الدولية، فإن هذه المنظمة تتحمل المسؤولية عمّا آلت إليه الأوضاع في فلسطين منذ انهيار الدولة العثمانية حتى يومنا هذا، فالأمم المتحدة تعتبر التطور القانوني لعصبة الأمم التي أسست لوجود إسرائيل حين انتدبت بريطانيا لحكم فلسطين.


مما هو سائد فلسطينياً وربما عربياً أن الجهة المسؤولة عن خلق الكيان الإسرائيلي على أرض فلسطين هي المملكة المتحدة، وهي كذلك فعلاً، لكن مسؤوليتها لا تنفصل عن مسؤولية عصبة الأمم التي أصدرت صك الانتداب القاضي بتخويل بريطانيا حق إدارة الأوضاع في فلسطين بشكل كامل، ومهدت الطريق لتنفيذ وعد بلفور حين أشارات إلى تشكيل وكالة يهودية تساعد في حكم البلاد، واعتبار اللغة العبرية إحدى اللغات الرسمية، وإمكانية اكتساب اليهودي الجنسية الفلسطينية، وأتبعت كل ذلك بلجان ومبادرات خلقت فكرة تقسيم فلسطين واعتبار الدولة اليهودية أمراً لا مفر منه، وقد كرست كل مبادراتها ومن خلال الدولة المنتدبة على اقتطاع جزء من فلسطين لليهود، فلم تبد إلا كمن يراود الفلسطيني عن أرضه.


في مثل هذه الحالة، كيف لأي فلسطيني أن ينتظر من المؤسسة التي زرعت بذور الاحتلال ونهاية حلم الدولة الفلسطينية أن تزرع بذور الاستقلال وتحول الحلم الفلسطيني إلى حقيقة؟ المسألة ليست حكماً عفوياً، أو رفضاً تعسفياً للتعاون مع هذه المنظمة، إنما هو الرأي القائم على دراسة سريعة لتاريخ هذه المنظمة، وبما أن المنظمة بفلسفتها وأسس عملها لم تتغير بشكل جوهري، فإن سياستها وما يمكن أن يصدر عنها لا يُتوقع منه أن يأتي مناقضاً لتاريخها المنحني للإرادة الصهيونية.


ثانيا: السياسة في قالب إنساني
الأمم المتحدة طبّقت المثل الشعبي القائل: "يقتل القتيل ويمشي في جنازته"، فالقائمون عليها يدركون ماهية الدرو السياسي الذي لعبوه، وما أسفر عنه من مآسٍ طالت أبناء الشعب الفلسطيني. حين انسحبت بريطانيا تاركة وراءها إسرائيل، كانت النتيجة مئات الآلاف من اللاجئين. الأمم المتحدة التي أنشأت هذا الوضع تعاملت معه بعد قيام إسرائيل كطرف ثالث ليس له ناقة أو بعير في كل ما جرى، وبدأت تطرح مبادارت وتؤسس لجان ومنظمات فرعية لحل القضية الفلسطينية.


القضية الفلسطينية كما صورتها الأمم المتحدة حينها لم تكن سوى قضية إنسانية، وبدأت تتعامل مع اللاجئين الفلسطينيين وكأنهم ضحايا كارثة طبيعية ولم تلتفت إليهم كشعب يحمل هوية وله حقوق سياسية. الخطورة تكمن في أن النظرة إلى القضية الفلسطينة من زاوية إنسانية فقط وتجاهلها كقضية سياسية يعني أن حل القضية سيكون حل إنساني، وهو ما لخصته الأمم المتحدة في بطاقة اللاجئ التي تخوله الحصول على بعض المواد التموينية التي لا تكفي إلا لإبقائه بين الحياة والموت. على أي حال، فإن الأمم المتحدة فشلت في إبقاء الوضع على ما هو عليه، فقد نجحت الحركة الوطنية الفلسطينية التي تمثلت آنذاك في حركة فتح والحركات اليسارية ومنظمة التحرير في إحياء القضية الفلسطينية كقضية سياسية، وهو ما أجبر الأمم المتحدة للتعامل مع الموضوع من هذا الجانب.


ثالثا: إزدواجية التعامل وقرارات دون تنفيذ
تعامل الأمم المتحدة مع القضية الفلسطينية من جانبها السياسي، امتاز بسمتين: الأولى هي الإزدواجية، ففي الوقت الذي تبدي فيه الأمم المتحدة حرصها الشديد على متابعة قضية سياسية ما والدفاع عن حقوق أصحابها بل وتبني بعض القضايا، نجدها تقف بشكل فاتر في وجه الاحتلال الإسرائيلي وفي معظم الأحيان فإنها تتعامل مع الاحتلال الإسرائيلي والشعب الفلسطيني كجهتين متساويتين من حيث المسؤولية عن العنف بينهما، فتراها تدين الطرفين، وأحياناً تبدي تفهمها للسياسات الإسرائيلية.


أما السمة الثانية فهي القرارات النظرية، فقد أثبت تاريخ عمل الأمم المتحدة أنه ليس كل ما يصدر عن الجمعية العامة ومجلس الأمن من قرارات قد تلقى طريقها للتنفيذ. حين بدأت الأمم المتحدة تطرح القضية الفلسطينية كقضية سياسية، وبعد كل حرب كانت تخوضها إسرائيل ضد الدول العربية وفلسطين، كنا نشهد قراراً أمميا لحل المشكلة. حقيقة الأمر إن هذه القرارات بمجملها ليست حلّاً للمشكلة، وإنّما تكريساً لشرعية الاحتلال، لكن بما أن الموافقة الفلسطينية على هذه القرارات قد تمت حين قبلت منظمة التحرير الاحتكام إلى قراري 242 و 338 لم تبد المنظمة الدولية أي إشارة جدية على ضرورة التنفيذ، ورغم أن وقف تنفيذ القرارات متعلق بإسرائيل إلا أنه لم يصدر عن مجلس الأمن والجمعية أي إدانة او تحذير لها، في الوقت الذي قرر فيه مجلس الأمن حروباً ضد بعض الأنظمة بحجة تهديدها للسلم والأمن الدوليين.


النقد السابق لسياسة الأمم المتحدة هو نقد غير مباشر لمن يعتقد حتى اللحظة أن هذه المؤسسة تمثل الإرادة الدولية لحفظ الأمن والسلام الدوليين. أما خلاصة القول: فإن الأمم المتحدة لا تمثل بأي شكل جسماً اعتبارياً مستقلاً عن إرادة الدول العظمى في العالم، ولمن يتتبع نشوء هذه المنظمة بداية القرن الماضي حين كانت عصبة الأمم يدرك أنها لم تكن وما زالت سوى أداة بيد الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، وأن هذه المؤسسة تعمل جاهدة من خلال الوجه الإنساني لها بتنفيذ أنشطة على مستوى العالم في مكافحة الفقر والأمراض والمشاكل البيئية لتعطي صورة أخلاقية عن عملها، لكن هذه المؤسسة التي تصور نفسها راعية للديمقراطية والحريات في العالم تفتقد للديمقراطية داخل أروقتها، فما حق النقض (الفيتو) إلا نفياً للديمقراطية بكل معانيها، وتكريساً للاستعباد وسياسة الوصاية من الأقوى تجاه الضعيف.


إن من ينتظر من الأمم المتحدة بكافة مؤسساتها أن تعمل شيئاً حقيقياً لخدمة القضية الفلسطينية، عليه أن يدرك مسبقاً أن نشاطه وثقله يجب أن ينصب على تكريس مقدّراته السياسية والاقتصادية والإعلامية والنشاط هنا يجب أن يكون عربياً وإسلامياً لا فلسطينياً فقط من أجل تثبيت بعض الدول على موقفها المؤيد للقضية الفلسطينية، وتحفيز دول أخرى على التأييد، وربما يكون مطلوباً إكراه بعض الدول على تنفيذ الأجندة العربية. الواقع العربي الآن ما زال عاجزاً عن تحقيق هذا الطموح، لكن إن استمرت حالة الحراك العربي وأفرزت أنظمة تغرد خارج السرب الأمريكي فإن هذا الطموح قد يغدو واقعاً.
مجلة القدس المصرية





التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات