الأمل

ما حَلِمَت بشئ فى حياتِها قَدر حلمها بذلك اليوم الذى يبتسم لها القَدر فتُنجب طفلاً جميلاً يُعوضْها حِرمان السنين

وما جعلت  (عبير) فى ذلك سبيلاً إلا سَلكَتْه، ولا غالى الا قَدَمته .وانتظرَت وطال انتظارها بما يحمله الانتظار من بطء الزمن وما يحمله الزمن من معاناة المشتاقين..

حتى جاء ذلك اليوم الذى أطلَ عليها شُعاع من الأمَل حيث عَرفت انها يمكنها القيام بعملية جراحية خطيرة ولكنها...ربما  تكلفها الكثير ليس فقط من المال وإنما أيضا حياتها.،حيث يجب استئصال جزء معين من جسمها حتى تتم العملية بنجاح.

كان عليها الاختيار، ولكن الحلم والأمل والاشتياق كانوا أكبر بكثير من مجرد التفكير،

حاول زوجها منعها من المخاطرة بحياتها فهى أهم عنده من كل شئ

إلا أن ابتسامة طفلها كانت اهم عندها حتى من حياتها

وكان اليوم الموعود......

استسلمت راضية لِأيدى الطبيب وهو يجهزها للعمليات ووجهها يعلوه ابتسامة الأمل ونظرة الخوف من المجهول.

ترقب الجميع الامر فى قلق وخوف شديدين فكانوا جميعا يدركون خطر ما اقدمت عليه  ومع ذلك كانت الفرحة تنتظر على ابواب قلوبهم 

ذلك اليوم الذى تمنحها الحياة ما تتمنى.

وانتهت العملية وانطلق الجميع الى الاطباء ودقات قلوبهم تسبقهم الا أن وجوه الأطباء الذين بادروا بالكلام لم تكن غير مطمئنة

(العملية نجحت لكن...كان ولا بد من استئصال اكثر من جزء من جسد المريضة التى تمكنت منها امراض عديدة توطنت من زمن  وكان وجودها سيعوق نجاح العملية.)

وقعت الصدمة على رؤسهم فألبستهم لجاماً أوقفهم عن النطق إلا من عيونً تذرف دمعاً اشفاقاً عليها ،وخوفا من رد فعلها حين تعلم بتلك المصيبة.

أفاقت عبير من العملية لتسأل فى لهفة عن نجاح العملية فطمئنها الجميع إلا انها لم ترى تلك الفرحة التى كانت تتوقعها منهم 

ولم تلبث تسأل حتى دخل الطبيب ليخبرها بطريقته الخاصة عن الأمر.

وكانت دهشة الجميع بمافيهم الطبيب حينما فوجئوا بابتسامة جميلة يكسوها الرضا وكلمات حمد ترددها لتقول بعدها (كل شئ يهون عشانه)

ومرت فترة من الترقب حدثت بعدها البشرى فلقد حملت عبير بالفعل....ياله من احساس ليس له مثيل

وبدأ الامل يكبر داخلها بكبر حجم طفلها المنتظر

حتى جاء يوم الولادة ..ولادة الحلم  .ولادة الامل.

وللمرة الثانية استسلمت لغرفة العمليات وعلى وجهها نفس

الابتسامة الا انها كانت مغلفة بذلك الاشتياق

فكلها ساعات وتحمل بين يديها طفلها ،ستسمع صوته ،ستنظر

فى عينيه،ستضمه اليها باشتياق الأرض الجدباء لنقطة المطر.

.وداعبتها احلام لعبها ولهوها معه حتى غابت عن الوعى وبدأت عملية ولادة الحلم

مرت الساعات على الجميع صعبة.ثقيلة.مخيفة.كانوا يرون الممرضات هنا وهناك يدخلن ويخرجن وفى ايديهن اشياء لا يفهمونها

وبالكاد أجابت إحداهن على أسئلتهم المتلهفة بأن:( الولادة متعسّرة) ، وانطلقت الدعوات تُدَوّى المكان

بان يلطف بها الرحمن ..ولم تمضى الساعات حتى سمعوا ذلك الصوت القادم من الداخل

نعم انه هو .صوت طفلها .نعم طفلها هى لا احد غيرها. انطلقت الزغاريد والتهانى والتهليل والحمد مختلطة بدموع الفرحة حينما اخبرتهم الممرضة ان عبير بخير وأنها انجبت بنت.ولم يفهموا لماذا هى ليست سعيدة مثلهم .ربما لانهم يريدوا العالم كله ان يفرح كفرحتهم التى لا تضاهيها فرحة اخرى

ولم يفهموا لماذا مرت ساعات ولم يظهر الاطباء كى يطمئنوهم حتى...حتى سمعوا تلك الصرخة التى صَدَعت قلوبهم

انه صوت عبير ،لماذا تصرخ بعدما فاقت ؟

انطلق الجميع نحو الغرفة التى نقلوها فيها بعد العملية ليروا دموعها تكسو وجهها وجوارها طفلتها  

سأل الجميع ماذا حدث؟؟ما الامر؟؟

لم تكن عبير فى حالة تسمح لها بالاجابة من فرط هيستريا البكاءالتى اعترتها فالتفتوا الى الطبيب علّهم يجدوا اجابة للهفتهم الحائرة

وليتهم ما تعجلوا الاجابة ..وليتهم ما سألوا.

فلقد ولدت الطفلة مشوهة  لا تُرى ملامحها الا بالكاد

أما العقل فاصابته بالاعاقة كانت كاملة.... 

لم يدرى احد كيف يتصرف الا انها فاجئت الجميع بصرخة عالية غاضبة؛ خذوها لا اريدها

حاولوا تهدئتها . .ظلت تبكى حتى المساء .هدأت وأرادت النظر اليها فلم تستطع ،تذكرت صبر ومعاناة السنين وذلك الامل الذى ملأ كيانها وروحها

سكنت تماما .لم يدرى أحد فيما تفكر وماذا ستفعل ..أدارت وجهها إلي الطفلة، فسألها أحدهم هامساً: ماذا كنتى تنوين تسميتها؟؟

لم ترفع عينيها وقالت دامعة :

لو كانت صحيحة..

كنت سأسميها

.

.

. 

.

حرية