الجدل الذي يثار هذه الأيام حول مستقبل الأمازيغية في الدستور المرتقب، يعيد إلى الواجهة قصة " العداء " الذي يكنه بعض أبناء هذا البلد لهويتهم و جذورهم رغم أنهم يتشدقون باستمرار بالحديث عن التعددية و الغنى الثقافي و غيرها من الكلمات الفارغة من أي محتوى... إذ ما زالت أجندة العروبة تفرض نفسها بقوة كلما لاحت في الأفق بارقة أمل في النهوض بالأمازيغية إلى المستوى الذي يليق بها بوصفها هوية المغاربة التي تضرب عميقا في جذور التاريخ...
من حق كل شخص طبعا أن يبدي رأيه بخصوص التعديل الدستوري، و الأمازيغية تشكل واحدا من المواضيع التي ينبغي أن تلقى هذا الإهتمام، لأن أحكام الديموقراطية تفرض الإنصات لجميع الآراء. لكن موضوع دسترة الأمازيغية ليس في حاجة إلى توافقات من أي نوع، لأن الأمر يتعلق بفرصة لإعادة الإعتبار للأمازيغية. و بالتالي فإن الوصول إلى دسترة الهوية المغربية يجب أن يكون محط إجماع تفرضه أحكام التاريخ و الجغرافيا. لذلك فإن تحقيق هذا الطموح ينبغي أن يتجرد من أية حسابات إيديولوجية أو عرقية ضيقة. أعني أن الإقراربالهوية الأمازيغية للمغرب هو اعتراف بأمر واقع، ولا منة لأي أحد في أمر اختارته الطبيعة و فرضه التاريخ...و لأن الإختيار العرقي الذي ذهب إليه مغرب ما بعد الإستقلال قد نجح إلى حد بعيد في تعريب الكثير من جوانب الشخصية المغربية، فإن قوى الممانعة كانت دائما تقف في وجه أي تقدم في ملف الأمازيغية. و هي تفعل ذلبك بالواضح حينا و بالمرموز أحيانا. و مع تعدد الإشارات الصادرة عن القصرخلال السنوات الأخيرة في ما يتعلق بهذا الموضوع، حاولت هذه القوى تغيير خطاباتها بما ينسجم مع اختيارات العهد الجديد. لذلك غيرت كثير من الأحزاب لهجتها بهذا الشأن حتى لا تجد نفسها خارج النص. لكنه تغيير من أجل الإستهلاك الإعلامي الذي يتناغم مع شعار: " الأمازيغية ملك لكل المغاربة ". و هو شعار ظل يتردد باستمرار دون أن يرقى إلى التفعيل الميداني.... و اليوم بدا أن النقاش الذي دشنه الإعلان عن الورش الدستوري قد أعاد إلى الواجهة تلك اللغة المعادية للأمازيغية بشكل واضح. و المتتبع لمواقف الأحزاب السياسية " الوازنة" يؤكد هذه الحقيقة. و خصوصا تلك التي تتعلق بحزب بالعدالة و التنمية و حزب الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية و حزب الإستقلال. إذ مازال الغموض يكتنف حقيقة التصورات التي تقدمها هذه الأحزاب بخصوص مطلب دسترة الأمازيغية. لكن الخط المهيمن على مواقفها لا يحتاج إلى كثير من التخمين لمعرفة نوعية القرارات التي تتخذها بهذا الشأن. فقد ظلت المرجعية العروبية قاسما مشتركا بين هذه الأحزاب التي تتقاسم الولاء للعروبة، و ترفض الإعتراف بالأمازيغية إلا بوصفها مكونا فولكلوريا يسمح بتأثيث مشهد التعددية الذي يتم تسويقه على كافة المستويات.
هذه الأحزاب أصبحت تتحدث عن الدسترة حتى تتناغم مع الإرادة الملكية في التغيير و القطع مع الماضي، لكن هذا الماضي يفرض نفسه بقوة في المواقف المعلنة. و مرة أخرى يتبين أن لا صوت يعلو على صوت العروبة في خطابات هذه الأحزاب، وأن التنكر للأمازيغية مازال قائما في توجهاتها. فالحديث عن مركزية المكون الأمازيغي يقتضي تحويل الأقوال إلى أفعال. و لا يمكن أن يتحقق هذا المطلب إلا من خلال دسترة الأمازيغية كلغة رسمية للبلاد، مع ما يرافق هذا الترسيم من تغييرات في تحديد الهوية المغربية في ديباجة الدستور الجديد. أما هؤلاء الذين يتحدثون عن الأمازيغية بوصفها " لغة وطنية" إلى جانب العربية كلغة رسمية، فإنهم لا يقدمون شيئا يذكر. لأن وطنية الأمازيغية لا تحتاج إلى شهادة أو اعتراف دستوري. فهي كذلك منذ زمن بعيد اعتبارا لوضعها اللساني و مكانتها في الثقافة الشعبية و تفاصيل الحياة اليومية للمغاربة.... لذلك فإن الحديث عن " توطين " الأمازيغية في الدستور لا يعني إلا مزيدا من الإيغال في قتل الشخصية المغربية و الإبقاء على هذا الرصيد الهوياتي للمغاربة في سقف المستوى الثقافي. و الحال أن تصالح المغرب مع هويته و ماضيه يقتضي دسترة الأمازيغية كلغة رسمية للبلد إلى جانب العربية من أجل الحماية القانونية لهوية المغاربة و لغتهم و من أجل فرض الأمازيغية في الإدارة و المدرسة و الحياة. و هذا يعني ضرورة إعادة النظر في كثير من الإنتماءات التي فرضها الإختيار العروبي و على رأسها الكلام عن المغرب بوصفه دولة عربية أو جزءا من المغرب العربي... و ترسيم الأمازيغية وحده هو الذي يمنح للمغرب مكانته الإقليمية كما كان دائما طيلة فترات التاريخ التي سبقت مرحلة الحماية الفرنسية، دون أن يمنعه ذلك من إقامة علاقات طيبة مع محيطه العربي و الإسلامي و الإفريقي.
إن لحظة النقاش الدستوري تضع المغرب أمام تحد حقيقي من شأنه أن يحدد كثيرا من ملامح مستقبل بلدنا. و بما أن دسترة الأمازيغية تمثل إحدى أولويات التغيير الدستوري المنتظر، فإن هذه اللحظة تقتضي اعترافا حقيقيا بالأمازيغية يرقى بها إلى مستوى اللغة الرسمية حتى يكون لهذه اللغة الوطنية معناها الفعلي. محمد مغوتي.07/04/2011.
التعليقات (0)