الأمازيغوفوبيا. " البرابرة أبناء مازيغ هم سكان المغرب الأقدمون جاءوا من اليمن والشام عن طريق مصر و الحبشة. " كانت هذه أول معلومة تلقيتها في مادة التاريخ، وأنا أدرس في الصف الرابع ابتدائي. وبعد ذلك تعلمت في " مدرستي الحلوة " معنى الهوية والانتماء. وببراءة الطفولة كنت أردد مع الآخرين: أنا مغربي أنا عربي بلادي كنوز من الذهب.
قبل ذلك، وفي بداية حياتي المدرسية، كانت الأسئلة تحاصر عقلي الصغير، وأنا أعيش تمزقا هائلا بين لغة المدرسة و لغة البيت. وحينها لم أكن أدرك أن تلك الأسئلة كبيرة، وتعبر عن أزمة هوية حقيقية. كنت أسأل أمي: لماذا لا تتكلم المعلمة في القسم كما تتكلمين معي أنت وأبي واخوتي و أهل قريتي جميعا؟. أمي التي لم تذهب الى المدرسة يوما كانت لا تجيبني لأنها لم تكن تمتلك الاجابة أصلا. وبحكم التطبيع مع " اللغة العالمة " بدأت أكتب أولى الخواطر بلسان العرب، و كانت كلماتي المبعثرة، التي أوهمت نفسي أنها من قاموس الشعر، تقطر حزنا وأسى على الواقع العربي... نعم لقد نجحت المدرسة في تعريب أفكاري، فبدأت - كما يفعل كل الآخرين - أكتب عن فلسطين و العراق و القومية العربية، وكأني فارس جاء ينثر أكاليل العروبة من بلاد نجد أو الشام... لكن عجلة الحياة تدور، ومعها تتغير المعطيات و تنضج الأفكار. لقد بدأت أسئلة الصبا تعاود اقتحام ذاتي من جديد. لكن موقفا خاصا سيظل عالقا بذهني دائما، أيقظني من نوم العسل العربي. وكانت براءة الطفولة هي من قذفت بالأسئلة في وجهي من جديد. طفل لا يعرف فك طلاسم معادلة في الحساب.( المقارنة بين الأعداد باستعمال الرمزين أصغر وأكبر)، فهممت لمساعدته، و بعدما شرحت له الأمر من خلال عدة أمثلة، ولكي أطمئن الى أن الطفل قد أدرك المسألة، طلبت منه أن يشرح لي كلمة " أصغر " بلغته الأم ( الأمازيغية )، وكان جواب الطفل بغاية الصدق و الوثوق : " هو الأداة التي نستعملها في الحرث ". وقد كان الطفل محقا، فالمحراث في الأمازيغية يسمى " أصغار "... هنا أدركت حجم المشكلة التي لا ينتبه اليها الكثيرون عن جهل أو عن سوء نية. وهنا أيضا استرجعت بعضا من أسئلة طفولتي المشاغبة. أسئلة الهوية الضائعة.ومن هنا أخيرا بدأت رحلة جديدة لفهم الذات.
في المغرب وشمال افريقيا أرض أمازيغية تبعا لمنطق التاريخ والجغرافيا، لكن الهوية تقرر لها أن تكون عربية. ومثلت المدرسة أعلى سقف لأماني التعريب التي راودت أصحاب القرار، ومنذ البداية أنتجت منظومة تربوية غير سليمة، فلغة البيت التي تربت عليها النسبة الغالبة من المغاربة لا تجد لها حضورا بين كراسات التلميذ، بل ان رسم حروفها على الأسوار، كان جريمة حتى الى عهد قريب. ورافق هذا التوجه عملية تعريب ممنهجة شملت الأرض والانسان. وأصبح الاغتراب عنوانا للأمازيغية في بلدها. أما شعارات التعدد و التنوع فقد كانت مجرد كلمات فارغة من المحتوى، لأن الأمازيغية ظلت دائما ديكورا خلفيا لتأثيث مشاهد الاحتفالية والفولكلورية... غير أن اعتماد السياسات الرسمية لهذا النهج في دول شمال افريقيا يعبر عن اختيارات ايديولوجية يحركها هاجس الخوف من الأمازيغية. انها الأمازيغوفوبيا بمفاهيم علم النفس المرضي. ومرض الخوف هذا يمثل القاسم المشترك بين الأطياف الفكرية التي قد تتناقض في كل توجهاتها، لكنها تلتقي في موقف محدد وموحد من الأمازيغية، وهو الدعوة الى اذابتها وأحيانا الى استئصالها، وذلك بدعوى الحفاظ على وحدة النسيج الاجتماعي. فالاسلاميون كما القوميون لا ينظرون الى الأمازيغية كثقافة وهوية ثابتة للمغاربة، بل يعتبرونها تهديدا للعروبة والاسلام. وباسم الدين يعتبر التيار الاسلامي العربية لغة وهوية المغاربة لأنها لغة القرآن. وباسم الامتداد الوجداني مع الشرق يعلن التيار القومي ولاءه للعروبة، ويتنفس هموم ومآسي و قضايا الشرق في كل لحظة وحين. وفي الحالتين معا لا تنفصل الهوية عن اللسان.
ان هذا الانسلاخ عن الجلد، يعبر عن فقدان للبوصلة، و هذا التداعي الحر نحو التماهي مع الشرق يفقد الهوية المغاربية أصالتها، ولا يجعل بلاد المغارب أرضا عربية الا على سبيل الامتداد الجغرافي. ونكون بذلك عربا من الدرجة الثانية. محمد مغوتي.20/05/2010.
التعليقات (0)