الألقاب والطّبقات
بين الأمس واليوم في المجتمع اللبناني
بقلم: حسين أحمد سليم
حصول البعض على الألقاب, بما بذلوه في سبيل الوطن من تضحيات, وما كانوا يزدانون به من حسنات وفضائل ومكارم الأخلاق ورفعة المناقب, لفتت إليهم أنظار السّلطات العليا, فأسبغوها عليهم مكافأة لهم, وترغيبا لغيرهم باقتفاء أثرهم...
وقد قام من ذراريهم من اقتفى أثرهم وسار على خطاهم فاحترمهم قومهم وأصدقوهم الخدمة, وحاد آخرون عن الطّريق السّوي, فكان موقف العامّة منهم موقف نفور وتبرّم, حتّى إذا اشتطّ بعضهم في الغطرسة والظّلم والإستكبار والتّعالي على النّاس, شقّ عليهم الشّعب عصا الطّاعة, لأنّ الإنسان الحرّ لا يُطيق حيفا ولا ينام على ضيم ولا يركن لمستكبر...
وحملة هذه الألقاب شديدو الحفاظ عليها, لأنّها عندهم عنوان مجدهم الموروث, ومبعث ما لهم في حياتهم من رفعة شأن... وحاملو هذه الألقاب, والمتشبّثون بها, لما لهم من ماض مجيد في حقب الأيّام السّالفة, يجب أن يتذكّرو أنّ جدودهم لم يحرزوها عبثا بل لاستمساكهم بالفضيلة, وأنّ من واجبهم الإقتداء بأولئك الجدود والسّير سيرة تطابق سيرتهم الشّريفة, والجمع بين شرف اللقب وشرف العمل, يعلي من قدر المرء, ويُجمع النّاس ظاهرا وباطنا على تكريمه...
الألقاب الشّخصيّة
باشا:
لقب عثماني, كان لا يُمنح إلاّ بفرمان من السّلطة, وله درجات ثلاث: أمير الأمراء, مير ميران, بكلر بللرباي... وكانت هذه الألقاب تُخوّل صاحبها بارتداء الكسوة الرّسميّة المطرّزة بالقصب وحمل السّيف المذهّب.
مشير:
رتبة من أعلى رتب الجنديّة في الدّولة العثمانيّة, كانت الدّولة تنعم به على من تعيّنه في منصب المتصرفيّة إضافة إلى لقب باشا.
بك:
بمعنى أمير, وهو لقب كان يمنحه السّلطان أساسا بموجب فرمان مرفقا أو غير مرفق بإحدى الرّتب أو أحد الأوسمة, وفي آخر عهد الأنراك تساهلوا في أمر منحه, وأعطي الحقّ في ذلك للولاة والمتصرّفين, فأقبل النّاس عليهم يبذلون شتّى المساعي في سبيل الحصول عليه.
وقد كان للبكويّة وغيرها من الألقاب في اسطمبول ثمن خاصّ بكلّ منها يُعطى لمن يبذله... وقد عُيّنت لذلك لجنة خاصّة, فكانت هذه اللجنة تعدّ جدولا بأسماء الأشخاص الذين تكون الصّفقات قد تمّت بينهم وبينها وترفعها إلى السّلطان, فيُقّعها, وبعد ذلك يُوضع لها فرمان يُوجّه إلى صاحب العلاقة فيستقبله أهله وأنصاره بمهرجان وعراضات وهمروجات...
من اسطنبول جابو لو ياه!!! بيلبقلو حطّو لو ياه!!!
ومن خفايا العهد العثماني, أنّ لجنة الرّتب والألقاب والنّياشين الخاصّة ببيروت ولبنان كان مقرّها في دكّان حلاّق على ساحة البرج تحت فندق كوكب الشّرق, فكان الطّلاّب المقبلون عليها كثر, وكلّ منهم يساومها وستّفق معها على ما يطلب...
وراجت هذه الألقاب رواجا كبيرا في عهد المتصرّفين, فكان داود باشا يمنحها اكتسابا للأنصار والمؤيّدين, وقد خصّ بها فئة من الموظّفين حتّى قيل أنّهم كادوا يُصبحون جميعا "بكوات أصحاب سعادة"...
وجاء بعده فرنكو باشا فأسرف في توزيع الألقاب, ولكن لقاء بدل مالي يُدفع غالبا ليد صهره كوبليان.
وعلى الرّغم من سخاء فرنكو باشا بتوزيع الألقاب رأى في آخر الأمر نفسه في مأزق حرج إزاء تهافت القوم عليه من كلّ جانب, حتّى لقد ضاق ذرعا في إجابتها جميعا. وجلّ الطّلبات كانت تأتيه من جانب موظّفي السّراي, فلجأ إلى حيلة, آملا أن يروا فيها ما يحملهم على الإرعواء وضبط النّفس. حيث أقدم على منح لقب بك لرجل معتوه يستخدمونه لكنس أروقة السّرايا وسلالمها ولقضاء غير ذلك من الحاجات لقاء أجرة هزيلة.
أفندي:
كلمة أفندي يزنانيّة الأصل, معناها: المولى والسّيّد, أخذها التّرك عن اليونان, ثمّ وصلت إلينا من هؤلاء, فكانت عندنا تارة لقبا فخريّا يُعطى بمرسوم, وطورا إسم علم يُطلقه بعضنا على أولادهم: أفندي و فندي...
والمتصرّف داود باشا هو الوحيد بين المتصرّفين الذي كان يمنح لقب أفندي بمرسوم. ولقب أفندي كان يُطلق في اسطمبول على وليّ العهد, وعلى السّلطان نفسه... ولقب: أفندينا, يعني: صاحب الجلالة, وسلطان البرّين وخاقان البحرين... وكلمة أفندم, معناها: مولاي, وكلمة خانم, معناها : سيّدتي...
وأخيرا فُكّ عقال لقب أفندي وأفلت من أيدي أولياء الأمور, وأصبح مشاعا على ألسن القوم, يُسبغونه على من شاؤوا دون وزن ولا ضابط, على أنّهم كانوا يخصّونه على وجه العموم بالأدباء وموظّفي المكاتب ورجال الصّحافة ومعلّمي المدارس...
وبعد ذهاب دولة التّرك توارى أو كاد لقب أفندي, لو لم تتمسّك به دائرة الشّرطة اللبنانيّة وتعدّه لقبا رسميّا لرجالها بأن مهرتهم جميعا بإسم أفنديّة...
آغا:
يُطلق هذا اللقب عند التّرك على أصحاب الفروسيّة, وقد خُصّ عندنا في العهد العثماني برجال الجنديّة, وكان في أوّل أمره يُعطى بفرمان... وأخيرا أصبح لقب آغا مُشاعا غير مُقيّد, يُطلقه اللبنانيّون على من يشاؤون مجاملة من رجال الدّرك الجندرمة...
أستاذ:
من الألقاب المرتجلة التي شاعت أخيرا على الألسن. ولقب أستاذ معناه لغة: الملّم, المدير, العالم... وفي عرف أصحاب التّجارة كبير دفاتر الحساب... وكان التّلميذ يُنادي به معلّمه, ثمّ توسّع به القوم في إطلاقه على الأدباء وحملة الأقلام وكتّاب الدّواوين... ومنهم من كان يخصّه بالحقوقيين من القضاة والمحامين... إلى أن صار أمره فوضى في الأيّام الأخيرة, وصار يُطلق كما يطيب لكلّ من يُريد دون قيد أو قاعدة...
خواجا:
لفظة تركيّة هي خجى أو خواجا ومعناها معلّم المدرسة, كانت شائعة سابقا... وكادت تُحصر برؤساء المصالح والمصانع والمتاجر, وكبار الثّروات والملاّكين... وكادت تتوارى خلف ستائر الإغفال والإهمال...
البرنس:
لقب أوروبّي بمعنى الأمير. لم يستمر وآثر عليه القوم لقب شيخ.
المركيز:
لقب افرنجي بين الدّوق والكونت.
الكونت والفيكونت:
لفظة كونت مشتقّة من اللاتينيّة: كومس بمعنى رفيق, كانت تُطلق على القادة العسكريين للمناطق سابقا, وهي لقب شرف بين المركيز والفيكونت...
الكافاليير:
معناه الفارس لاختصاصه باديء بدء بمن يمتازون بشجعاتهم وفروسيّتهم...
التعليقات (0)