الألف ميل للإمام وليس للوراء
النظام عايش لسه النظام موجود ولسه الثورة مستمرة
هكذا وجدت نفسى اجيب عن سئوال لصديق عزيز بأحدى المحطات الفضائية يحدثنى من القاهرة ويسأل تفتكر بكرة هيحصل ايه !!! فأجبته لسة النظام عايش ، ولسة النظام موجود ، بس برضه الثورة مستمرة
لا خلاف بين علماء الاجتماع أن الحركة الثورية كما انها لا تبدأ فجأة فإنها لا تنتهى ، بل تمر بمراحل متعددة مختلفة، ويرى كثير من هولاء العلماء بأن " الثورة" لها دورة حياة قد تستغرق سنة أو بعض السنة أو جيلا أو عدة أجيال وهى فى ذلك شأنها شأن أى حركة اجتماعية تنتقل من مرحلة لأخرى بطريقة لا يشعر بها المجتمع ،
وينتهى علماء الاجتماع فى ذلك إلى أن "الثورة" تتخذ شكلا زجزاجاً متعرجاً غير مستقيم وتتميز بتلقائية وعدم التنظيم لكنها سرعان ما تتتبلور فى شكلاَ منظماً بسبب وضوح و تبلور الأهداف وتبني وسائل وأساليب معينة لتحقيق تلك الأهداف، و ظهور القيادة و الزعامة الجماهيرية لها لتنتهى بإقامة نظام اجتماعي جديد ، ويصف جيروم ديفز مراحل دورة حياة الثورة بوجود حركة محسوسة لدى الأفراد يعبرون عنها أمام بعضهم البعض. ومن ثم التحريض والإثارة والدعاية، فالشعور الاجتماعي بالحاجة ومن ثم التنظيم، وأخيراً تتمخض الحركة عن تكوين مؤسسات لها ومن ثم نشأة وظهور الوجه المكتبي لهذا التنظيم المؤسسي ومن بعدها جمود هذا التنظيم وعدم مرونته. في حين يرى داوسون وغيتز أن الحركة تمر بأربع مراحل تبدأ بالقلق والاضطراب الاجتماعي وعدم الاستقرار، ثم مرحلة الهياج الجمعي، فالمرحلة الشكلية وأخيرا المرحلة المؤسسة.
وتاثر عبد الناصر بالفكر التقدمى يوم أن عّرف الثورة فى كتابه "الميثاق" بأنها " عمل شعبى تقدمى يمثل حركة المجتمع بأسره مستجمعاً قواه ليقوم بأقتحام الموانع والعوائق التى تعترض طريق حياته كما يتصورها ويراها " وأضيف من عندى " وكما يحلم بها" ،
هذه المقدمة اللازمة والطويلة كانت فى تقديرى رسالة لكل ما وقف مشدوهاً محتاراً متشاءماً ومحبطاً ، مما يجرى على الساحة فى مصر ،
لأنه وأبتدأَ من جمعة الغضب 28 يناير كانت أرهاصات الثورة تتجمع وتعتصم بميدان التحرير مطالبة العدالة الأجتماعية والحرية والكرامة انسانية ، ليزيدها عنف السلطة توسعاً والمناداة بشعار الثورة التونسية " الشعب يريد إسقاط النظام " ويتحول ميدان التحرير إلى تجمع عفوى لإيدولوجيات مختلفة وقوى متعددة وفئات وطبقات تجمعت مدفوعة بالغضب ، وبعد سلسلة من محاولات النظام إيجاد مخرج آمن بالتفاوض والحوار ودفع الاعلام التابع لتغيير صورى وتحول لهجة الخطاب الحكومى وتعديلات وزارية ـ أنتهى المشهد بحلول مساء الحادى عشر من فبراير ظهر النائب/ عمر سليمان ويقول " بسم الله الرحمن الرحيم أيها المواطنون في ظل هذه الظروف العصيبة التي تمر بها البلاد قرر الرئيس محمد حسنى مبارك تخليه عن منصب رئيس الجمهورية وكلف المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة شؤون البلاد. والله الموفق والمستعان"
وكان واضحاً لمن تبصر ودقق أن هذه الكلمات أعدها المجلس الاعلى للقوات المسلحة وكنت واحد من الذين آمنوا بذلك من نظرة تبدو سطحياً حيث أن عبارة " والله المستعان" دائماً من تنتهى بها بيانات الجيش وتعليماته وأوامره حتى على مستوى وحداته وتشكيلاته ،
على أى حال أنقلب المشهد فى التحرير إلى العاب نارية ، واحتفالات ، وشمل مصر كلها عدا نجوع وقرى بعيدة لم تكن تدرى ما يدور فى القاهرة والمدن الكبرى ، ونسى المجتمعون بالتحير بيان يوم احد الشهداء 6 فبراير والذى تضمن مطالب عشرة وقعتها كل القوى التى توحدت فى التحرير وهى (1) رحيل الرئيس بمعنى التنحي عن السلطة و تقديمه لمحاكمة عادلة عما ارتكب طوال سنوات حكمه من انتهاكات للقانون والدستور وحقوق الإنسان بوصفه المسؤول الأول كونه رأس النظام ومحاسبته عن مصادر ثروته وأفراد عائلته (2) حل مجلسي الشعب والشورى لثبوت تزوير الانتخابات التي اجريت مما يجعل بقاءهما غير دستوري ولا معنى لقيامهما بإجراء تعديلات دستورية في ظل الطعن في شرعية وجودهما (3) تولي السيد رئيس المحكمة الدستورية العليا رئاسة البلاد لفترة انتقالية طبقا لمواد الدستور الحالي يتولى خلالها الإعلان عن تأسيس جمعية وطنية لوضع دستور جديد للبلاد علي أن يترأس هذه الجمعية الفقيه الدستوري الدكتور يحيى الجمل يتم بعدها دعوة الشعب للاستفتاء علي الدستور الجديد لإقراره (4) تشكيل حكومة انتقالية لتسيير الأعمال يشارك فيها كل قوى المعارضة الوطنية (5) تولي الجيش حفظ الأمن والحفاظ علي الممتلكات العامة والخاصة (6) تولي الشرطة العسكرية مهام الشرطة المدنية لحفظ النظام في البلاد (7) عزل قيادات الشرطة ومدراء الأمن وقيادة أمن الدولة والأمن المركزي ووضع ضباط وجنود الشرطة تحت تصرف الشرطة العسكرية (8) التحفظ علي المسؤولين السابقين ومنعهم من السفر تمهيدا لتقديمهم لمحاكمة عادلة (9) تجميد اموال المسؤولين السابقين وأسرهم لحين لمعرفة مصادرها (10) الإعداد لأنتخابات رئاسية وتشريعية وفقا للدستور الجديد حال الانتهاء منه بعد اقراره من الشعب في استفتاء عام.
ومع وضوح تلك المطالب واصرار القوى على عدم التنازل عن اياً منها وأعلان ذلك صراحة فى لقاء نائب الرئيس بدأت سلسلة مناورات حكومية بدأت بتشكيل لجنة للحوار وتعديلات فى وزارة شفيق ، وتصريحات لرئيسى مجلس الشعب والشورى اعقبها أعلان المستشارسري صيام رئيس محكمة النقض ورئيس مجلس القضاء الأعلى، أن المحكمة بدأت في توزيع كل الطعون الانتخابية المقدمة ضد أعضاء مجلس الشعب على دوائر المحكمة لسرعة البت فيها و البالغ عددها 1527 طعناً تخص 195 دائرة انتخابية ، و أن المحكمة ستوالي العمل فيها بصفة مستمرة حتى يتم الانتهاء من كل الطعون ، واصدر المجلس الاعلى للقوات المسلحة بياناً بعد أنعقاده بدون رئيسه يعلن فيه انه فى حالة أنعقاد دائم ، ليصدر فى يوم الجمعة 11 فبراير بياناً أخر يتعهد فيه صراحة بإجراء تعديلات دستورية وانتخابات حرة نزيهة ، وضمان تنفيذ الإصلاحات التي تعهد بها الرئيس حسني مبارك في خطابه الخميس ، وتعهد بإنهاء حالة الطوارئ فور انتهاء الظروف الحالية، والفصل في الطعون الانتخابية لأعضاء مجلس الشعب وما يتبعها من إجراءات، وإجراء التعديلات الدستورية ، وإجراء انتخابات حرة نزيهة وصولاً إلى مجتمع ديمقراطي حر" وطالب البين الذى حمل رقم (2) بعودة الحياة الطبيعية" في البلاد، محذراً من المساس بأمن وسلامه الوطن والمواطنين" ويتعهد بعدم الملاحقة الأمنية للمتظاهرين الشرفاء الذين رفضوا الفساد وطالبوا بالإصلاح"
أصدقائى وصديقاتى ، لعلى أطيل عليكم بعض الشىء لكنى قصدت التذكير بما حدث لنعرف ما يحدث الآن ،
وإزاء الاصرار من جانب قوى الإحتجاج وتوحد مطالبها ضحى المجلس الاعلى للقوات المسلحة برئيسه وصدر بيان " التخلى" الذى تضمن العبارات المثيرة للغط والخلاف وعكس بوضوح أننا متوجهين إلى الضبابية والرمادية فى كل شىء ،
وبدأت التحولات والانقسام ،
أطلقت القوات المسلحة سراح الالاف من السلفيين المحكوم عليهم ، والمعتقلين ، وبعضهم لم تكن مدة عقوبته أنتهت ،
وتوقف محاكمات كثيرة منها قضية التنظيم الدولى للإخوان ، وأطلق سراح عدد ممن حُكم عليهم من قيادى جماعة الأخوان المسلمين وتسابقت المحطات الفضائيه لاستضافتهم بحيث سيطروا على كافة البرامج والمحطات ،
ومضى شهر ولم يظهر فى الأفق أى ملامح سوى حل مجلسي الشعب والشورى ، وتشكيل وزارة كل اعضائها عدا عضوين من لجنة السياسات التى تتبع الحزب الوطنى إضافة للدكتور يحى الجمل ، وبدأ الانقسام يشتد بطرح قضايا ودعوة القوى للتنازع حولها وليس للحوار ومن سخرية القول أن المجلس تبنى وجود القوى التى قامت الثورة ضدها من الحزب الوطنى والاحزاب الكرتونية التى أيدت حسنى مبارك وقالت فى معتصمى التحرير أنهم مخربون ، وتسابق الجميع للقفز على الثورة ، وتنازعت القوى فيما بينها فى مواجهة طرح منهجى ومنظم لقضايا كان قد سبق الاتفاق عليها وأخصها الدستور والتحول الديمقراطى ضمن المطالب العشر يوم احد الشهداء ،
وكانت هناك خطة محكمة فيما يبدو لإستضافة شباب الثورة فى الفضائيات ، وحصلت جماعات غير منظمة على الملايين من المعونات ، وشهدت حركات نشطاء انشقاقات واتهامات ، ودعى المجلس العسكرى إلى استفتاء على تعديل اثنى عشر مادة من مواد الدستور التى تفترض بديهيات الشرعية سقوطه مع سقوط الحاكم ،
وبدأ حوار ممنهج أخر لدفع الجماهير للتصويت مع التعديلات ، سواء بزعم الاستقرار ، أو التحول من حكم عسكرى إلى حكم مدنى ، او رضاء الله ، واعود بالذاكرة لندوة حضرتها لمناقشة تلك التعديلات وقلت فيها للحاضرين الحق أنى حاصل على درجة الدكتوراه فى القانون الدستورى لكنى بحاجة لمن يفهمنى ما معنى أن يتم الاستفتاء على دستور ساقط" وتبارت التيارات السلفية على الشاشات ومن فوق المنابر للدعوة ضد العلمانيين الكفرة والليبراليين اللى هيقلعوا امك الحجاب للقول " نعم" واعتبر المجلس العسكرى أن نعم تفويضاَ شعبيا له بشرعية توليه الحكم كما جاء فى البيانات العديدة ،
وانتهى الخلاف إلى صدور أعلان دستورى متضمناً عكس ما توافقت عليه القوى أيضاَ وعاد البعض إلى المطالبة بمجلس رئاسى مدنى وظهرت مقولة " الدستور أولا" واستمر الحزب الوطنى والمجالس المحلية وعمداء الكليات ورؤساء الشركات مما حرك جموع الموظفين والعمال والطلاب للاعتصام والاضراب بلا تحديد ، وتطور الامر إلى ارتكاب العديد من جرائم قطع الطريق دون أى تدخل من الدولة لفرض هيبتها ـ والاعلان عن وجودها من الاصل ـ وسارعت حكومة الحزب الوطنى إلتى تعودت على مواجهة الاضرابات امنيا باللجوء إلى اصدار مرسوم بتجريم الاعتصامات لم يكن من الممكن تطبيقة وبدأت أحداث الوقيعة بين الحين والاخر بين الجيش والشعب وتعددت مسألة ومحاكمة مدنيين أمام المحاكم العسكرية واصبح كل شىء يجرى فى الخفاء التحقيقات والمحاكمات وخطوات التحول ، وانفجرت الجماهير ازاء الصمت فقرر المجلس بث المحاكمات ونقل الرئيس للمحاكمة وسارت الأمور بشكل هزلى كما راينا وتصاعدت الفتاوى بين مؤيد ومعارض واستمر الحزب الوطنى مديرا لشئون البلاد وعاد اعضاءه إلى أحزاب جديده تأسست دون أعتراض كما تم تعيين اعضاء مجلس ادارات البنوك من بين اعضاء لجنة السياسات ،
وبين الحين والآخر تدفع الادارة الحاكمة المجتمع إلى مزيد من الخلاف باثارة قضايا لل تحتاج إلى الجدل تارة قوانين الانتخابات ، وتتمسك برفض القائمة المطلقة ، وتارة بتفعيل قانون اعلان حالة الطوارىء فيما يناقض ما جاء بالبيان رقم (2) وتارة باستدراج القوى السياسية إلى التناحر وتارة بالتشكيك فى ذمة الجمعيات دون أعلان عن وقائع محددة وطرح اتهامات ثابته ، ويتغاضى عن احزاب دينية واعانات بالملايين ووجود غير شرعى لحركة الاخوان المسلمين ومصادرة صحف ووقف بث محكمة وعدد من التصرفات الغريبه والمستغربة بينما انفردت التيارات الاسلامية والسلفية وحدها بدعم تلك الادارة منفردة واصبحت عوناً للمجلس العسكرى فى كل خطواته بحيث تتسابق إلى تاييد كل ما يتخذه المجلس وكأنها نكاية فى سائر القوى وأصبح الخلاف سيد الموقف وليس الحوار مما عمق مساحة الابتعاد عن المطالب التى توافقت عليها القوى يوم أحد الشهداء قبل سقوط مبارك مع بوادر صعود الفاشية الاسلامية وطرح قضية تطبيق الشريعة الاسلامية والمرجعية الاسلامية وتطبيق الحدود وانتشار الشائعات على مواقع التواصل الاجتماعى والاحتجاجات غير المنظمة والمنظمة واعمال التخريب ضد أمن الوطن على مشارف الحدود الشرقية والغربية ، وتسعى قوى خفية لجذب الاهتمام بمحاكمة مبارك وشهادة المشير وحوار الشريعة والحدود المهم أن نبتعد أكثر فأكثر عن المطالب التى قامت من أجلها الثورة ،
امتلئت الساحة بالضجيج بلا طحين كما يقول المثل العربى واستمرت حركة الاضرابات العشوائيه لتأكل تسعة مليارات دولار من الاحتياطيات النقدية فى اقل من اربعة اشهر دون هوادة ومشهد ضبابى لا تعلم إلى اين لكن تستذكر مقدمتى هنا لتعرف اننا فى مرحلة من مراحل الثورة وعلينا تحملها تمتلى بالفلول والاعوان والبقايا المتمسكة بوحدة جهودها لافشال الثورة ومنتسبيها المنتشرين فى كل مكان ، واختراعات وابتكارات العسكر اليومية وتشريعاتهم التى لم يرضى عنها أحد سواهم ،
لكن الثورة ستستمر وتتوحد مجدداً وتستذكر أحد الشهداء والمطالب العشرة التى لم يتحقق منها بعد سوى رحيل مبارك مع بقاء سلطته ،
واصبح عليك أن تتواجة فى نقطة حوار مع كل هؤلاء ، ولا انسى تجربتى يوم أنضممت إلى جماعة وضعت شعاراً لها "الألف ميل " ظناً منى انها تبحث أو تحث على مبادرات مجتمعية لدفع المجتمع نحو هذه الاميال لأجد نفسى وسط جمع من الفاشية الاسلامية وفلول الحزب الوطنى واذكار الصباح والمساء وحرمة البنطلون وأفضال الشيخ فلان ودور الشيخ فلان ، ولم نبدأ خطوة واحدة أو نتحدث عن مبادرة ، شهوراً طويله فآثرت ألا اضيع وقتى هناك مع أنى ادركت أنى فى قلب مصر الثورة كما نشاهدها جميعاً ونعيش فيها هكذا ،
أكثر من ستين عاماً تحت القمع والديكتاتورية تحتاج بالقطع إلى سنوات من التعرف على معنى الديمقراطية الحقيقة وعن معنى الدولة ، فقليل من الصبر حتى يكتمل الجنين الذى ولد بعملية قصيرية قبل موعده وعلينا ان نحافظ على بقاءه حياً فقط وسوف ينمو ويصبح فتى يافع نفخر به ، قامت الثورة تحت وطئة ديكتاتورية مبارك وأسوار القمع وسياج الطوارىء وكبت الحريات ، ولن تتوقف ستنموا ربما بعد أن يشيخ الأخوان والأسلاميين محدثى الفرقة ، ومشاركى العسكر ولكنها قطعا ستستمر وتنمو
ومضة ضوء
قال كمال الدين اتاتورك إن اؤلئك الذين يميلون في حل المشاكل إلى طرق المساومة لا يصلحون لان يقوموا بثورة
التعليقات (0)