مواضيع اليوم

الأكبر سنّاً

شيرين سباهي الطائي

2009-12-29 11:26:29

0

لم تعُد الأمور كما كانت ولم نعُد نرى في الهيئة الملكية بينبع مثالاً رائعاً كما كنّا نراه سابقاً ونحنُ بعدُ لم نعمل بها أو ونحنُ قريبو عهدٍ بتعيينٍ فيها،وممّا يثيرُ في القلب غصّة ويُعقب في الخاطر أسفاً أن تبقى لهذا الكيان صفة لم تعُد ـ حسبما أرى ـ تنطبقُ عليه،فالناس هنا اصطلحوا على تسمية الفاخر من الأمور والمميّز من المنتجات بالملَكي تعبيراً عن اختصاصه بفئة معيّنة من المستهلكين ..

عندَما أنشئت الهيئة الملكية للجيبل وينبع قبل أكثر من ثلاثين سنة أُريدَ لها أن ترقى بعملها ونشاطها فوق كلّ روتين وبيروقراطية وتعقيدات إجراءات وأنظمة،وخطّ القائمون على إنشائها في ذلك الوقت لها طريقاً في البحر يبساً ومساراً في الصحراءِ خَضراً بامتيازات وتسهيلات وأنظمة تخصّها مرتبطةً بالسلطة العليا في البلاد مباشرة مستمدّة قوّة نظامها من جودة مُخرجاتها رغم حداثة عهدها ..

إنّ المؤسسات والكيانات الإدارية والحكوميّة مثلَ الشعوب وبها شبَهٌ من مسيرة حياة الإنسان،فالبداية الفتيّة للهيئة الملكيّة والشباب المزدهرُ لها والكهولة الجميلة لبنيتها التحتيّة وأدائها العملاق أعقبَهُ ترهّلٌ بشحومِ الاجتهادات الخاطئة وتورّمٌ بسياسات التغيير لمجرّد التغيير وتقرّحٌ بتخبّطات الاستراتيجيّات البعيدة كلّ البعد عن المعنى الطويل والحقيقي للمصطلح اللاتيني "للاستراتيجيّة" ..

من يعرِفُ الطريق الطويل والمضني لتنفيذ السياسات العامة والخاصّة والمسارات النظاميّة البحتة في الدوائر الحكوميّة قبل عشرين سنة كانَ ينظرُ للهيئة الملكيّة بينبع نظرةَ إكبارٍ وإجلالٍ وكأنها نافذة ضوءٍ في سماءٍ غائمة حتى في الأعوام العجاف التي تلَتْ حربَ الخليج الأولى وحربَ الخليج الثانية رغم مرور الدولة والنّفط بأزمة ماليّة معروفة تخطّتها بسلام ولله الحمد ..

لم يكنْ التأخير أو التأجيل أو التسويف يعرفُ طريقاً لمفاصل الحياة الإداريّة بالهيئة الملكية بينبع،ولم يكنِ الرضا بالرديء من المخرجات أو التغاضي عن السّيئ من الأداء من صفاتِ أغلب العاملين في هذا القطاع الحيوي الوادع في غرب وطننا الغالي،ولم تكن الهيئة الملكيّة حينها عاجزة عن حماية نظامها المتطور والعصري والانسيابي من التأثر ولو قليلاً بسماتٍ مزعجة في إدارات حكوميّة تبعدُ عنها أقل من عشرين كيلومتراً بينبع البحر ..

حتى برامج الحاسب الآلي في بدايات الهيئة الملكيّة ومنتصف عمرها كانت فائقة الأداء دقيقة التحليل صادقة البيانات،تفي بالغرض وترتبط ببعضها البعض وكأنها جسدٌ واحدٌ يتماسكُ ليكونَ أكثرَ احتمالاً لهجمات أمراض التفكّك والفرز والانفراد بالقرار ونزعة التحكّم الموجودة اليوم،فالموارد البشرية وحسابات الأصول وبيانات المخازن والمستودعات والمخططات التفصيليّة لكلّ شبرٍ في المساحة الأرضية المخصّصة للهيئة الملكيّة محصيّة إحصاءً يمكّنُ حتى عمال النظافة من معرفة البقعة التي تحتاجُ لمزيد عناية من غيرها ..

صحيحٌ بأنّ عدد سكان مدينة ينبع الصناعيّة كان قليلاً مقارنة بما هو عليه الآن،وصحيحٌ بأنّ عدد الشركات العاملة في المدينة الصناعية بلغَ أضعاف ما كان عليه سابقاً،وصحيحٌ بأنّ الاستغناء الفُجائي عن موظفين وعاملين وأيدي عاملة أجنبيّة قدْ أثّرَ نوعاً ما في تراجع الأداء،ولكنّ الذي ليسَ بصحيحٍ البتّة أنّ الشباب السعودي المؤهل والطموح والذكي الذي تزخرُ به الهيئة الملكيّة بينبع غيرُ قادرٍ على أن يشقّ في الأفق طريقاً بهذا الصرح العزيز فلذلك أوكلَ الأمرُ للأكبر سنّاً ..

ساكنُ المدينة الصناعية يعنيه من المجالات ما لا تراعيه الهيئة الملكية بينبع في الوقت الحالي،فهي تذهبُ بعيداً لتولي كلّ رعايتها وعنايتها رغم ضعفها للمصانع والصناعات والشركات الداخلة والخارجة والخطط التي تسرقُ من الزمن والوقت والتكاليف أضعافَ ما تمنحه للهيئة الملكيّة بينبع،ويبقى ساكنُ هذه المدينة الصناعية ينشدُ مستوصفات ومراكز رعاية طبية يتفقُ عددها مع الزيادة المطردة في السكان ولا يجدُ لذلك سبيلاً سوى سيفَ القطاع الطبي الخاص الشحيح ..

مثّلَت رقابة الهيئة الملكيّة بينبع على الأحياء والمساكن النموذجيّة التي بنتها بميزانيات هائلة نموذجاً قيّماً في المتابعة والمحافظة على المضمون والشكل،ومثّلَت عناية الهيئة الملكيّة بينبع بالنظافة العامة وصحة البيئة قلماً خالداً في سنينَ مضَتْ،ولكنّها اليوم تشكو فوضى عارمة يراها كلّ من يدخل الأحياء القديمة فيها وفوضى شبه قريبة لكلّ من يتجوّل في الأحياء الجديدة ..

وكلّنا يعلمُ بأنّ بداية الإنجازات مبادرات وهي الطريق لتُصبح الأحلامُ قراراتٍ والأمنيات واقعاً ملموساً،لكنّ الهيئة الملكيّة بينبع لم تستطع أن توازنَ بين القطاعات الحيويّة في المدينة الصناعية بالنظر لمهمّتها الكبرى في رعاية الصناعة البتروكيماوية في المنطقة فوفّرَت للتعليم مجالاً واسعاً وميداناً رحباً مسرفةً في بناء المدارس والمجمعات التعليميّة ما زادَ عن الحاجة ولو في الوقت الحالي على الأقل،وكفّرَتْ عن أخطاء الماضي باعتماد الكثير من مشاريع المساجد والجوامع،بيدَ أنّها نسيَتْ في المقابل تشجيع الاستثمارات الصغيرة والمتوسّطة في أغلب المجالات كالتعليم والأسواق ورياض الأطفال والصناعات الاستهلاكيّة والبنية التحتيّة للأراضي السكنيّة ..

اهتمّتْ الهيئة الملكيّة بينبع بمنح آلاف الهكتارات من الأراضي للشركات العملاقة في المدينة لتقوم ببناء مجمعات سكنيّة لموظّفيها وغابَ عن خططها وسياساتها الإجرائيّة العديد والكثير من موظفي الهيئة الملكية بينبع نفسها وهم يحفظون أرقام انتظارهم على قوائم التمليك والإيجار ولمّا ينبري لمشكلتهم صاحبُ مبادرة يعرضُ من العروض المتاحة ما يحلّ ولو جزءً من مشكلاتهم ..

وإضافةً إلى مشكلاتٍ فنيّة أو تنظيميّة أو ماليّة في تأخر ترقيات الموظفين والمعلمين منهم بالذات لا يجدُ موظّف الهيئة الملكيّة نفسه منسجماً مع ما تطرحُه الهيئة الملكيّة بينبع من شعارات وعبارات واستراتيجيّات لم ينالُه منها نصيبَ الأسد ولا حتى حظّ الأرنب رغمَ أنّها ووفقَ أحد الشعارات تقول بأنّ "الموظّف" هو الاستثمار الأول ..

منذُ أن قدمنا للعمل بهذه المدينة ونحنُ نسمعُ عن مشروع بناء مقرّ جديد ودائم لإدارتها غير المقرّ "التاريخي" الذي هي فيه الآن ولم ينته أو لم يبدأ العمل فيه ـ لا أدري ـ وكعلاجٍ لتضخّم عدد الموظفين وعدم قدرة "الإسبيس" على استيعابهم تمّ تفريق بعض الإدارات لتكونَ في بناياتٍ قديمة جدّاً وفي أقدم الأحياء بينبع الصناعية أُعيدَ تأهيلها لتصلح لاحتضان إدارة أو قسمٍ من إدارة متضخّمة هي أيضاً ..

إنّ المال موجود والإمكانيات هائلة ووليّ الأمر ـ حفظه الله ـ لم يبخل على الهيئة الملكيّة بتقدير ولا بدعم ولا بتسهيلات،وميزانيّة الهيئة الملكية لهذا العام تخطّت السبعة مليارات ريالٍ وينبع جزءٌ من هذه المنظومة الخُرافيّة،ولكنّ الإصرار على أن تبقى الأمور قيدَ الدراسة وتؤجّل البدايات لحينِ التداول وتتأخر المشاريع ليتمّ التأكّد من أنّها مشاريع وتضيعُ الأوقات في تحديد موعد للاجتماع ثم انتظار وقت انعقاد الاجتماع ثم تبادل التحيات في الاجتماع ثم الاجتماع والاجتماع والاجتماع ثمّ انتهاء الاجتماع ليتمّ تحديد موعدٍ قادم للاجتماع فهذه هي أم المعوقات ..

لم أزرْ رئاسة الهيئة الملكيّة بالرياض ولا الهيئة الملكية بالجبيل لكنّني أزعمُ أن لي معرفةً متوسّطة تخوّل لي الحديث عن الهيئة الملكيّة بينبع وأتوقّع بأنّ ما يحدثُ بها قد يكونُ من الأمور السلبيّة التي تنفردُ بها عن أختها في الجبيل لذلك حزِنتُ ..




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات