الأعيـان المغاربـة استبـدلوا الحـرف القرآنـي بالحـرف اللاتينـي فـي الكتابـة علـى شواهـد القبـور
د. عبـد الفتـاح الفاتحـي
كشف محمد العربي المساري وزير الاتصال الأسبق في مقالة تحت عنوان "طرد الحرف العربي من شوارع المغرب" بجريدة الشرق الأوسط الحالة المزرية لواقع فظيع، تحرف فيه الهوية الوطنية دون مدافع، تحريف بات يطال حتى الرموز الدينية للوطن، واستنكر المساري في مقالته السالفة كتابة الأعيان لشواهد القبور في مقبرة الشهداء بالحرف اللاتيني بدل الحرف العربي، حيث يقول: ومنذ بعض الوقت أخذنا نرى في مقبرة الشهداء الأعيان في الرباط عبارات مكتوبة بالفرنسية في شواهد القبور. وهي رطانة لو علموا غير مقبولة في موطن نودع فيه الموتى بلسان عربي مبين. (ويتذكر المغاربة كيف دفن الوزير الأول المغربي الأسبق عبد اللطيف الفيلالي في تابوت كتب بأحرف لاتينية بمقبرة الشهداء بالرباط).
وأشار المساري أن مظاهر القضاء على الحرف العربي تعددت، مقابل تعزيز حضور الفرنسية في الحياة العامة، وأوضح أن سلخ جلد المغرب بإبعاد الحرف العربي، يتزايد ضد مشاعر الشعب المغربي، الذي خرج دائما في مسيرات مليونية، عبر فيها بقوة عن ارتباطه بهويته وانتمائه العربي الإسلامي والأمازيغي والصحراوي والإفريقي.
ووصف المساري هذه الوضعية بمؤامرة الخيانة وتحريف الهوية الوطنية عبر القضاء على اللغة الرسمية اللغة العربية، مؤكدا أن اكتساح الفرنسية للحياة العامة عمل مدبر يتم تحت جنح الليل، فيما يستمر تلقي اللغة العربية للضربات من كل صوب ومن كل صنف أمام أعين الجميع وفي واضحة النهار.
واعتبر المساري أن استمرار احتلال الفرنسية للحياة العامة والإدارة العمومية على حساب اللغة الرسمية للوطن، يؤكد أن في الأمر شيء غير سوي في البلاد. وهو توجه عارم يحدث بغير قليل من المغالاة والشراسة، وبأسلوب ممنهج إقصائي ومستفز.
وأضاف المساري في المقالة ذاتها أن هيمنة الحرف اللاتيني واللغة الفرنسية على الشوارع العامة يجعل الزائر للمغرب يتخيل نفسه أنه يتجول في إحدى شوارع دولة أوربية، إذ يقطع عدة كيلومترات منذ خروجه من مطار محمد الخامس دون أن يرى لافتات مكتوبة أو بالأحرى تتضمن حرفا عربيا واحدا. ولم يستبعد المساري أن يكون الأمر مدبر بفعل فاعل، لأن شركات الإعلانات تصر على هذا التلوث البصري بوعي، فتتصرف في الحق والملك العام تصرف المالك المطلق وبدون رادع قانوني. واستغرب السكوت على جسارة ورعونة هذه الشركات، في ظل وجود قانون يفرض الحصول على ترخيص باستعمال العبارات والصور التي تفرض على أعين المارة. إلا أن هذا القانون يتجاهل، وتستمر خيانة هوية الشارع المغربي، فيخيل للزائر أن البلاد قد حل بها جنس أخر، أو أن أهلها غادروها، أو قرروا سلخ جلدهم.
وأكد المساري أن هذا الوضع غير الطبيعي لا يجب أن يستمر، في العصر الحالي، مشيرا أن المغاربة إذا كانوا يعتقدون وجود حزب أو لوبي في زمن سنوات الجمر والرصاص يدبر عبث السياسة في مسار الحياة العامة على النمط الفرنسي، فإنهم اليوم يعلمون علنا الفاعل دون أن تصله شكواهم، حرب معلنة حولت المغرب عن لغته الرسمية العربية الوحيدة إلى بلد مزدوج اللغة، وينتهي إلى بلد بلغة وحيدة هي الفرنسية.
تحول يجعلك -حسب قوله- تعتقد بأن أهل المغرب قد رحلوا دون رجعة ومعهم قوانينهم المنظمة للساحة العمومية، فلم تعد تطلب التراخيص من رئيس المجلس الجماعي أو من المجلس القروي في المدينة أو القرية لتعليق إعلانات إشهارية أو تجارية. لأن الفرنسية الفضاء العمومي والخاص من أصحابه في غفلة المغاربة، فانعدم الحرف العربي في أحياء بكاملها بالعاصمة الرباط، وساد استعمال الحرف اللاتيني في لوحات وواجهات المتاجر والمقاهي والمطاعم.
وأرجع المساري هذا التحريف إلى وجود إرادة ومنطق انقلابي يهدف إلى مسح الحرف العربي نهائيا من شوارع المغرب. دون أن يخفي أن المغاربة باتوا يتقبلونه، حيث يسود فتور من لدن القائمين على تطبيق القوانين، حتى أن بعض الدعاوى التي رفعت أمام القضاء لفرض الاحترام اللازم للغة الرسمية بقيت بدون عقاب.
وأضاف في مقالته أن التكاسل بشأن حماية اللغة العربية جعل حمية الناس في الدفاع عنها تنخفض، وانخفض معها عدد الشاعرين بمغص هذا التحريف، فلم تعد العامة تحس بالحجم الحقيقي لعواقب تحريف وتزييف الهوية الوطنية.
وقال في السياق ذاته أن الفرانكفونية لم تعد هي المشكلة، بل باتت المشكلة مع رهط من المغاربة الذين انعدمت لديهم الضوابط، ويريدون فرض ميولهم ومزاجهم على المغاربة بعقلية انقلابية، وفهم عبيط لمعنى الانفتاح.
وخلص محمد العربي المساري أنه آن لهذه الرعونة أن تتوقف، مشيرا أن كل ما تصنعه فرنسا في واجهة الدفاع عن التنوع اللغوي في عالم ينجرف نحو الأمركة، يشكل نفس الحجج التي يجب المحاججة بها في معركة «الاستثناء الثقافي»، لكي ندافع نحن عن خصوصيتنا العربية الأمازيغية الصحراوية والإفريقية.
التعليقات (0)