مواضيع اليوم

الأعيان يغتنون والشباب يتمردون، فما العمل؟

إدريس ولد القابلة

2010-07-26 00:46:55

0

الأقاليم الجنوبية
الأعيان يغتنون والشباب يتمردون،
فما العمل؟

اعتمدت الدولة على الأعيان والشيوخ ومنحتهم جميع الصلاحيات السياسية والاقتصادية وغيرها، بموازاة مع صلاحياتها، وذلك لتمكينهم من الاطلاع بتسيير وتدبير الشأن الاجتماعي بالأقاليم الجنوبية، وتأطير الشباب لتقوية المد الوحدوي.

فعلا، عوّلت الدولة عليهم كثيراً؛ فهل قاموا بهذه المهمة الموكولة لهم؟ وبأي طريقة؟ وما هي الحصيلة؟


لم يعد يخفى على أحد الآن أن النسق الاجتماعي بالأقاليم الجنوبية اعتمد على نظام قبلي حاد، تنعزل فيه كل قبيلة عن الأخرى، وتخضع كل منها لرئيس (شيخ) يختاره كبراؤها وأعيانها، ويتحاكمون إليه لحل كل خلاف. ورغم أن هذا الوضع سائر الآن نحو الأفول بفعل واقع الأمر – أراد من أراد وكره من كره – إلا أن الأعيان والشيوخ لعبوا دوراً مهماً بتوكيل من الدولة على امتداد 34 سنة، لكن العديد منهم (وليس كلهم، إذ لا نتوخى التعميم بأي وجه من الوجوه)، مع الأسف الشديد، فشلوا بامتياز، في القيام بما اضطلعوا به من مهام حيوية كان معوّلا عليها، لاسيما على الصعيد الاستراتيجي والسياسي والاجتماعي والاقتصادي.


فإذا كانت ظرفية خاصة وعوامل جيوسياسية – إقليميا وعالمياً – قد حتمت على الدولة الاعتماد على الأعيان والشيوخ في المراحل الأولى، فإنه – حسب رأي الكثيرين – من الخطأ الاستمرار في هذا النهج وعلى نفس الدرب إلى حد الآن؛ باعتبار أن الاعتماد على هؤلاء لاستيعاب واحتواء الساكنة، لاسيما الشباب – بنفس التصور والنهج والآليات قد يشكل ضربا للمشروعية – في دولة الحق والقانون ودرب المسار الديمقراطي- هذا في ظل بروز نخب جديدة مرتبطة – أكثر من الأعيان والشيوخ - بالإرث السياسي والتطلع أكثر للمستقبل في نطاق مفهوم الدولة الحديثة، بعيداً عن المنظومة التقليدية المتحكمة في العلاقات بين القبائل وأهاليها.
نعم، في ظرف معين – لاسيما أيام إدريس البصري– صُنعت وفُبركت "نخبة" من الأعيان والشيوخ اهتمت بمصالحها أكثر من اهتمامها بخدمة الوطن، وكانت النتيجة، في نهاية المطاف، "إسكات الأعيان" وتمرد الشباب على نهج تدبير الأعيان والشيوخ للأمور، وفقدان الثقة في الكثير منهم.
إن أسلوب الاعتماد على الأعيان والشيوخ لم يكن ليدوم طويلا، وبذلك حدث خلل، خاصة وأنه، لظروف يعرفها المجتمع، اعتمدت الدولة على الأعيان والشيوخ، إلا أن هذا الاعتماد تزامن مع طريقة خاطئة لتجسيد تصور المغفور له الملك الراحل الحسن الثاني من طرف من أوكلت لهم المهمة، وبذلك أُفرغ التصور الملكي وتوجيهات جلالة الملك الراحل، أحياناً كثيرة، من محتواها من قبل القائمين على الأمور بالأقاليم الجنوبية (ودائما نقول إننا لا نعمّم)، وكان من المفروض فيهم تطبيقها بكل أمانة إخلاصاً لخدمة الوطن دون سواه.
إن تراكم مثل هذه الانحرافات من طرف كثير ممن أوكلت لهم المهمة التاريخية، أدت مع مرور الوقت، إلى استفحال غضب أوسع لفئات الشباب وفقدان ثقتهم في القائمين على الأمور بالأقاليم الجنوبية من أعيان وشيوخ.
وفي هذا المضمار، يعتقد البعض أن الدولة لم تنجح في تشكيل نخبة من أبناء الأقاليم الجنوبية الوحدويين للتصدي للانفصاليين ومواجهتهم. في حين – وهذه حقيقة وجب الاعتراف بها – نجحت نسبياً الجزائر وصنيعتها البوليساريو في تكوين الشباب الموالين لهما.
ومهما يكن من أمر، قامت الدولة بمجهودات جبّارة، ومنحت الأعيان والشيوخ جميع الإمكانيات بدون حساب لتأطير الشباب وكسب ثقتهم، لكن الحصيلة كانت عكس ذلك. فاليوم هناك شباب في الأقاليم الجنوبية، منهم من حصلوا على الشهادات لكنهم ظلوا مهمشين بفعل أنانية وجشع الأعيان والشيوخ، مما أحج غضبهم وهزّ ثقتهم في القائمين على الأمور بتلك الأقاليم التي منحتها الدولة أكثر مما منحته إلى جهة أخرى بالمملكة.
ويتساءل العديدون الآن ماذا فعل أولئك القائمون على الأمور من أعيان وشيوخ لكسب ود الشباب وثقتهم، والاستفادة من تكوينهم في تدبير الأمور بأقاليمهم؟
النتائج على أرض الواقع توقع على حصيلة سلبية. أضحينا الآن نعاين شبابا تكوّنوا في الكليات والجمعيات والمعاهد العليا لينقلبوا علينا؛ وهذا أمر يتحمل فيه جملة من الأعيان والشيوخ المسؤولية فيما آلت إليه أوضاع الشباب. فالدولة منحتهم كل ما كانوا يطلبون، وأوفت بكل عهودها معهم، إلا أنهم فشلوا في القيام بالدور الموكول إليهم إلى حد جعلوا البلاد تجني أحيانا شوكاً عوض الورد رغم كل المجهودات المبذولة.
بعد استرجاع الأقاليم الجنوبية، قامت الدولة بمجهودات جبّارة لتطويرها وتنميتها، وصرفت أموالاً طائلة لتأهيلها وإلحاقها بركب باقي جهات المملكة، وتحققت فيها نهضة عمرانية وثقافية غير مسبوقة بجهة أخرى، وبذلك أدمجت تلك الأقاليم في أجواء العصر الحديث بعد أن كانت على هامشه؛ وهذا أمر يشهد به الجميع الأعداء قبل الأصدقاء.


فهناك من يذهب إلى القول إن بعض الأعيان والشيوخ، كانوا كلما شعروا بشيء من التهميش، أو استشعروا علامات قربه، لجأوا إلى تحريك ورقة الشباب أو الورقة "الاجتماعية". بل هناك منهم من عزف على وتر "الانفصال" صراحة لمساومة الدولة قصد الاحتفاظ بموقعه، أو المطالبة بالمزيد من الامتيازات؛ وهذه علامة من علامات وجود الخلل لدى هؤلاء الأعيان والشيوخ وليس لدى الدولة، علماً أننا لا نعمم هذا الواقع على الجميع، لأن هناك من الأعيان والشيوخ من قاموا بالمنتظر منهم.


بالرجوع إلى الواقع الملموس، نلاحظ أن أوضاع هؤلاء الأعيان والشيوخ تحسّنت بشكل ملفت للنظر؛ إذ اغتنوا غنى فاحشاً، لكنهم فشلوا فشلا ذريعاً في المهمة التي اضطلعوا بها، وهذا بديل ما وقع بالأقاليم الجنوبية، وكيفية استغلال الأحداث في اتجاه واحد لا ثاني له،؛ هو السعي لتنمية المصلحة الخاصة عوض خدمة الوطن.


لكن، ألم يكن من المفروض أن تكون المهمة الموكولة للأعيان والشيوخ الآن من نصيب مؤسسات المجتمع المدني، من أحزاب سياسية ومؤسسات تنتمي – روحاً وقالباً – لنسق الدولة الحديثة؟

 

والحالة هاته، أليس مطروح على الدولة فتح حوار مباشر مع فئات الشباب دون وساطة الأعيان والشيوخ؛ باعتبار أن التيار انقطع بين هؤلاء والشباب الساخط على الأوضاع والغاضب عليهم؛ وباعتبار أنهم لا يمثلونهم ولا يحملون طموحاتهم وهمومهم؟
وقد أسر لنا أحد المصادر العليمة بإشكالية الأعيان والشيوخ بالأقاليم الجنوبية، أن الأمر انطلق منذ عهد إدريس البصري؛ إذ عمد إلى توزيع هذه الأقاليم على بعض القبائل حسب أهميتها وتواجدها بمخيمات تندوف. يقول المصدر: "فبقدر ما تتوفر على أقارب في موقع المسؤولية لدى الانفصاليين، تحظى بالأهمية والعكس صحيح، وهذا ما ساهم في تأجيج غضب فئات واسعة من شباب الأقاليم الجنوبية". ويضيف مصدرنا: "إذا كانت من محاسبة، فوجبت محاسبة الأعيان والشيوخ الذين لم يقوموا بالدور الموكول إليهم، وليس الدولة التي لم تبخل عليهم بأي شيء... لقد اضطلع الأعيان بتدبير الأمور على صعيد الأقاليم الجنوبية؛ وهذا ظاهر بوضوح عبر خريطة المواقع؛ إذ ظلت عموماً ولاية العيون بوجدور مقسمة بين الركيبات التهلات وإزركين، أما إقليم السمارة فهو مجال الركيبات البيهات، ووادي الذهب وأوسرد من نصيب أولاد دليم، وبوجدور لأولاد تدرارين والعروسيين"، ويختم كلامه قائلا: "إن مرحلة الاعتماد على الأعيان والشيوخ قد ولّت، علاوة على أنهم لم يقوموا إلا بالاهتمام بمصالحهم ومراكمة ثرواتهم، غير مهتمين بالدور المنوط بهم، ولم يتم تشجيع المواطنين في الأقاليم الجنوبية على احترام القانون ليتمّ حلّ جملة من مشاكل شبابنا. إن رغبة الأعيان والقائمين على الأمور في إبقاء الحال على ما هو عليه، متشبثين بإبقاء نهج التدبير على ما هو عليه، مادام ينمي مصالحهم ومواقفهم، هو السبب في كل ما نجنيه الآن من فئات واسعة من شباب الأقاليم الجنوبية".


ضرورة رد الاعتبار لمؤسسات الدولة

إن أكبر ملاحظة يمكن أن يلاحظها الباحث في شؤون الصحراء المغربية، والتي تعتبر من أكبر العوائق التي تعرقل التدبير السليم لملف وحدتنا الترابية، هي تلك المتعلقة باغتناء العديد ممن يسمون بأعيان الصحراء – إن صحت التسمية سوسيولوجيا ــ فكُثُرٌ هم الأشخاص الذين كانوا إلى يوم قريب أناسا عاديين لا مكانة لهم، فتحولوا إلى أغنياء الصحراء، وسموا أعيانا، واعتبرت حالتهم أكبر نموذج مشوه للمشهد السياسي بالصحراء. فهم فاقدون للكفاءة العلمية، ولا يمتلكون مشروعية حقيقية للعب الدور الذي نصبوا فيه أنفسهم؛ إذ اعتبروا أنهم أكبر وسيط يمكن أن تخاطب عبره الدولة سكان الصحراء، وخصوصا الشباب منهم. ولكن هذه الوساطة التي منحت لهم من طرف الدولة لم تأت من فراغ، بل كانوا هم صانعو الحدث لربح رهان موقع الوسيط. وأكبر نموذج على افتعال الأحداث واستغلالها لربح رهان الاغتناء الذاتي والتسلق إلى أعلى المناصب هو أحداث العيون سنة 2005. فبعد هذه الأحداث، سيستولي هؤلاء الأعيان على تسيير شؤون الصحراء، مما لم يسمح بظهور نخب جديدة قادرة على تكسير المؤسسات السياسية التقليدية التي عمرت كثيرا في هذا الإطار، وإزاحة هؤلاء الأعيان المتجاوزين تاريخيا وسياسيا. بيْد أن صحراء المغرب الحديث لم تعد تسمح باستمرارية هذا الواقع، مما يستدعي إعادة الاعتبار لمؤسسات الدولة للقيام بدورها في مدن الصحراء المغربية.

الحقيقة الضائعة في أحداث مدينة العيون 2005

شهدت مدينة العيون سنة 2005 العديد من الاحتجاجات، وأحداث عنف مصاحبة بنبرات انفصالية وصلت إلى حد فقدان الأرواح. ففي هذه الأحداث، راح المغربي لمباركي حمدي ضحية للعبة لعبها من يسمون بأعيان ووجهاء الصحراء؛ فقد استغلوا الظروف الاجتماعية والمراهقة السياسية للشباب الصحراوي في تلك الفترة لتنفيذ مشروع لطالما كان خامرا في عقولهم. فالحقيقة الغائبة في هذه الأحداث هي أنها مفبركة، واستطاع الأعيان من خلالها نسج خيوط حكاية لم تنته تفاصيلها بعد؛ فبعد تجييش الشباب وتحريك عواطفهم واستغلال مراهقتهم السياسية وظروف بطالتهم، لجأ بعض هؤلاء الأعيان إلى مدينة الرباط، ليطلقوا من هناك مساوماتهم للدولة حول كونهم من يمكن إسكات هؤلاء الشباب، وأن التحكم في زمام الأمور لن يكون إلا عن طريقهم، وأنهم المحاور الوحيد الذي يمكن أن يقنع هؤلاء الشباب بالعدول عن احتجاجاتهم. وستبقى أحداث 2005 التي هزت مدينة العيون وصمة عار في جبين بعض الأعيان الذين رسموا صورة مشوهة وغير صحيحة للمشهد السياسي بالصحراء، وكرسوا منطقا ابتزازيا في العلاقة مع الدولة، ومنطقا استغلاليا في علاقته بالشباب الصحراوي. أما الحقيقة الثانية التي يجب ألا نغفلها في هذا الباب، هي أن هناك مؤسسات بالصحراء أنشئت بغرض احتضان هؤلاء الأعيان، ولا دور لها سوى ذلك، وعلى رأس هذه المؤسسات المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، وأن تعيين خليهن ولد رشيد على رأسه لم يكن من قبيل الصدفة، بل هو مكسب من هذه الأحداث بعدما كان الرجل في الظل لفترة طويلة. وحتى لا نجمع كل الأعيان في نفس هذه الخانة، وجب ا التنبيه إلى أن من أعيان الصحراء من أبانوا عن وطنيتهم الحقة والصادقة.

ضرورة إعادة الاعتبار لمؤسسات الدولة بالأقاليم الجنوبية

من بين المسائل المستعجلة والتدابير التي تفرض نفسها اليوم في علاقة مع الطريقة والمنهجية التي يدبر بها الشأن السياسي والاجتماعي بمدن الصحراء المغربية، مسألة تجاوز أي وسيط يدعي أنه هو لوحده من يستطيع محاورة الشباب والمجتمع الصحراوي المغربي. فالمفروض في واقع تدبير شؤون الأقاليم الجنوبية اليوم أن تقوم مؤسسات الدولة وهياكلها وأجهزتها بأداء مهامها مباشرة في العلاقة بالمواطن، دون تدخل الوجهاء والأعيان، وبالتالي فرض ثلاثية منطقية وعقلانية هي (الدولة – المؤسسة – المواطن)، وبالتالي إغلاق أي باب من شأنه أن يفتح المجال لابتزاز ومساومة الدولة، أو استغلال الشباب المغربي بالأقاليم الجنوبية.

لكن ماذا يقول الشباب بهذا الخصوص؟

 


مصطفى عمي، عضو المكتب الوطني للشبيبة الاتحادية
وساطة شيوخ وأعيان الأقاليم الجنوبية أصبحت متجاوزة، بل أضحت مصدر مشاكل وعالة على الدولة

 


أكد مصطفى عمي، في تصريح للصحراء الأسبوعية، أن وساطة شيوخ وأعيان الأقاليم الجنوبية بين الصحراويين والدولة أصبحت متجاوزة، بل أضحت مصدر مشاكل وعالة على الدولة؛ بحيث إن هذه الفئة لم يعد يهمها سوى تكييف مصالحها مع الدولة، والبحث عن نقط ضعف ملف الصحراء من أجل استغلالها والضغط بها لكسب امتيازات إضافية. فهذه الفئة خلقتها الدولة في مرحلة معينة، بحكم مكانتها في القبائل بهدف الوساطة بينها وبين الصحراويين، من أجل تعبئة القبائل لدعم الوحدة الترابية، لكن للأسف فهذه الفئة أدت أدوارا سلبية. الآن، توجد نخب شابة مثقفة، وزعامات محلية جديدة يمكنها أن تلعب أدوارا أخرى؛ من خلال ظهور فعاليات المجتمع المدني والنسيج الجمعوي في الأقاليم الجنوبية، مما جعل نخب الأعيان والشيوخ متجاوزة. ذلك أنه على الدولة أن تعيد رسم المشهد السياسي في الأقاليم الجنوبية، وتتجاوز دور الأعيان الذين يستغلون مكانتهم لجني وتجميع الامتيازات، في غياب أي دور لهم لصالح سكان وشباب الأقاليم الجنوبية، مشيرا إلى أن خير دليل على ذلك هو أن أغلب التمثيليات التي تضمها مؤسسة الكوركاس هي فقط تمثيليات جامدة لم تقم بأدوارها المنوطة بها، في حين أن القضية الوطنية تحتاج لأشخاص يمكنهم التنقل عبر مختلف دول العالم للتعريف بالقضية الوطنية والدفاع عها، بالتنسيق مع جميع الفئات، من أحزاب سياسية وفعاليات المجتمع المدني. ولا أعتقد أن الأعيان والشيوخ، بحكم كبر سنهم، قادرون على تحمل عناء التنقل والسفر للقيام بذلك.
كما أضاف أن الهيئات المنتخبة، البرلمانية منها والمجالس الجماعية والحضرية، تحتاج لأشخاص قادرين على وضع مخطط استراتيجي للتنمية المحلية، لأن مجمل المشاكل التي تستغلها جبهة البوليساريو في الداخل مرتبطة بما هو اجتماعي، ولا يمكن التغلب عليها إلا بوجود تنمية حقيقية ومخطط استراتيجي؛ وهذا الأمر لن يكون إلا بوجود مجالس منتخبة حقيقية تشكل من النخبة المثقفة، لا الأعيان والشيوخ الذين يكونون معظم المجالس المنتخبة في الأقاليم الجنوبية. كما أشار إلى أن هذه الوضعية هي التي دفعت بالكثير من الشباب إلى الارتماء في أحضان الانفصال، بفعل تنامي غضبهم وسخطهم على الوضع، بعدما يجد الشاب نفسه أمام أبواب موصدة في بلده. وفي المقابل، يجد جميع الإمكانيات متوفرة ومتاحة من طرف جبهة البوليساريو، وتخول له التنقل عبر دول العالم وتقديمه كزعيم حقوقي، وأيضا تمكنه من الحصول على مجموعة من الامتيازات، وهذا ما جعل جبهة البوليساريو ومنذ سنة 1975 تعمل دائما على تغيير قيادتها من خلال إحداث مناصب في الخارج لاستيعاب هذه الطاقات الشابة التي برزت لديها؛ سواء كسفراء أو ممثلين أو وزراء لها، في حين أن التمثيليات التي توجد بالمغرب هي نتاج لنفسها، بل إن أغلب الطاقات الموجودة بالأقاليم يتم تصريفها نحو بوليساريو الداخل؛ لأنه لم يتم استثمارها واستغلالها واستقطابها بشكل جيد. لهذا، فإن دور الأعيان والشيوخ قد انتهى، وحان وقت تفعيل آليات المؤسسات والقانون، وتمكين ذوي الكفاءة من النخبة الشابة لتحل محل الأعيان الذين ستبقى مكانتهم الرمزية والاعتبارية، من خلال منح الفرصة وإعطاء المشعل لهذه الأطر والكفاءات الشابة المثقفة في إطار تجديد النخب، الذين هم مستعدون للعمل والاشتغال بجد مع تفعيل آليات المراقبة، واستبدال الطاقات التي لم تقم بدورها واستبدالها بطاقات أخرى، بحكم وجود الخلف لهذه الطاقات، من أجل تقوية الجبهة الداخلية التي تعتبر المشكل الحقيقي لقضية الصحراء، بالإضافة إلى تقوية الجبهة الخارجية للتعريف للدفاع عن القضية الوطنية في المحافل والملتقيات الدولية.


احميدة محمد، شاب من الداخلة وفاعل جمعوي وسياسي

 


إن الحديث عن دور الأعيان ــ المنتخبين ــ في تدبير الشأن المحلي )صناعة القرار)، حديث يقودنا إلى طرح مجموعة مشكلات اجتماعية / اقتصادية؛ وهو حديث ذو شجون. وبخصوص تبيان رأيي كشاب )منتخب،( فأنا أبسط الملاحظة التالية، وأعتقد أن الكثيرين يشاطرونني الرأي. من المهم الإشارة إلى أننا نقطن في منطقة تعرف مخاضا، إن صح التعبير، لاستقبال مولود على المستوى السياسي – التدبيري؛ وهو الجهوية الموسعة. وعليه، فهي تحظى باستثناء على مستوى معالجة المشكلات الاجتماعية )توزيع البقع الأرضية، توزيع رخص الصيد التقليدي، السكن الاجتماعي، تزكية بعض المشاريع المحلية في مجال الاستثمار ...(. كل هذا وغيره لا يحظى به إلا من كان محسوبا على الأعيان من ذوي الحظوة.
في تقييمي، دور الأعيان على مستوى تسهيل وتبسيط مرور القرار المحلي هو دور شكلي، ولم تعد له أهميته إذا ما أخذنا بعين الاعتبار سياسة الارتجال التي عكست فشلها في مثل هكذا حالات ) توزيع الدور السكنية على مستوى القبائل، وما يسمى بطائق إنعاش القبائل...(. هذه كلها تسجل الفشل الذريع على مستوى الإشراك في القرار المحلي؛ لذلك فإنني لا أبالغ إذا قلت إن دورهم دور شكلي.
وتجربة )اللجنة المستقلة للمتزوجين( غير المستفيدين من الامتيازات والحقوق الاجتماعية بجهة واد الذهب لكويرة خير مثال نستشهد به على قولنا، وتأكيد لرأينا فيما قلناه بخصوص دور الأعيان؛ على اعتبار أن صانع القرار ــ في شخص السيد والي الجهة ــ الذي فتح حوارا مع اللجنة المذكورة ــ وهي بالمناسبة تشمل إقليمين كللت جهودها بنجاح ــ عكست في ذات الوقت إن صح تعبيرنا ثورة اجتماعية على كل ماله صلة بالأعيان؛ وهذا يدفعنا إلى القول إن شباب اليوم لا يؤمن بأي وساطة، حتى ولو كانت في إطار ما يسمى بالمجالس المنتخبة؛ لأنها عاجزة عن فهم دورها القانوني والدستوري.



محمد ماء العينين، إعلامي ـ العيون
الأعيان لا يمثلون سوى أنفسهم ولا يسعون سوى لتحقيق مصالحهم الخاصة

بخصوص قضية الأعيان بالصحراء، فلا بد من الإشارة إلى أن من أهم المعيقات الأساسية لكثير من المبادرات التي أقدمت عليها الدولة فيما يخص الأقاليم الجنوبية، تتجلى أساسا في الاتكال على هذه الشريحة دون غيرها من بقية فئات المجتمع، مع العلم أن فئة الأعيان أصبحت لا تمثل إلا نفسها، وأبانت كثير من التجارب عن أنها لا تدافع سوى عن مصالحها الخاصة. هذا الأمر انعكس بشكل سلبي على مستوى وضعية فئة الشباب بالمنطقة التي تتخبط اليوم في جملة من المشاكل التي لا حصر لها، والتي جعلت هذه الفئة تعاني من شيخوخة حقيقية نتيجة للحصار الذي ظل مفروضا عليها من كل الجوانب من لدن أعيان المنطقة على مدار أزيد من 34 سنة، حصلوا فيه على كثير من الامتيازات، مستغلين قربهم من عدد من المسؤولين، وتوفرهم على رصيد مالي جعلوه منطلقا لحصد مزيد من الثروات، مدعين أنهم يمثلون عموم الساكنة. وأنا أقول بأن المغرب يملك ولله الحمد ملكا شابا، أطلقا مجموعة من المبادرات الجريئة من أجل رفع الحيف عن فئة الشباب وتمكينهم من المشاركة في اتخاذ القرارات التي تهم مستقبل بلادنا. لذلك فإنني أدعو من خلال منبركم هذا إلى التخلي عن الفكرة النمطية القائلة بأن الأعيان هم الذين يمكن أن تكون لهم قوة تأثيرية على الساكنة، وأن الاعتماد عليهم يمكّن من تجنب كثير من المشاكل بالمنطقة؛ هذا أمر غير صحيح، أكدته التجربة في كثير من الملفات الساخنة التي شهدتها المنطقة. إن الرهان الحقيقي يتمثل اليوم في فئة الشباب التي تنتظر فقط أن تمنحها الفرصة من أجل المساهمة في الأوراش التنموية الكبرى التي أطلقها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله.

الدنى سيدي عثمان، فاعل جمعوي ـ طرفاية
على البعض أن يتجنب الأنانية والاستحواذ على كل المبادرات التي تطلقها الدولة


ما لاحظناه في كثير من المحطات التي طبعت مسار بلادنا؛ سواء على المستوى الوطني أو الدولي، هو الاتكال فقط على فئة الأعيان دون سواها، وبالتالي إقصاء فئة الشباب الذين كان من المفروض أن تعطى لهم الفرصة من أجل المساهمة في كثير من تلك المحطات البارزة من تاريخ بلادنا. وما يجب أن يعلمه الجميع، هو أننا نمر من مرحلة جديدة في تاريخ بلادنا، وعلى البعض أن يتجنب الأنانية والاستحواذ على كل المبادرات التي تطلقها الدولة، خصوصا وأن بلادنا تعيش على وقع سلسلة من الأوراش الكبرى الخاصة بسنتي 2011 و2012. إننا كشباب الأقاليم الجنوبية نريد أن نحس بفعاليتنا في مختلف الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية، خصوصا وأننا نرى بأن لنا من الإمكانيات والأدوار الشيء الكثير في تجسيد المبادرة الملكية المتعلقة بالحكم الذاتي على أرض الواقع. لقد لاحظنا على مدار السنوات السابقة اتكالا على نفس الوجوه التي ظلت تظهر لوحدها في الساحة، دون فسح المجال لوجوه جديدة؛ وهو أمر سوف تكون له كثير من التداعيات في حالة ما إذا لم يتم استدراك الأمر، لأن غالبية تلك الوجوه أصبحت متقدمة في السن، وربما الذين كرسوا هذا الوضع لم يطرحوا على أنفسهم سؤالا جوهريا، هو: هل لدينا فعلا الخلف؟ لا أظن ذلك، في ظل الإقصاء والتهميش الذي طال مجموعة من الطاقات الشابة، التي أبانت عن علو كعبها في كثير من المجالات والميادين. لذلك فإنني أدعو إلى التحرك الفوري من أجل رفع الحيف عن هذه الفئة وإعادة الاعتبار لها، خصوصا وأنها هي التي من المفروض أن تحمل مشعل الاستمرارية، وأن تستكمل مسيرة البناء الذي تعرفه بلادنا في ظل العهد الجديد.



عابد بولون، مقاول شاب من كلميم


إن طبقة الأعيان بالصحراء لم تعد تمثل إلا نفسها، ولا حاجة لنا بها. إنها بعبارة أدق تساهم في عزلة المنطقة، وتحيي زمن العبودية والاسترقاق. أضف إلى ذلك أن هذه الطبقة لا علاقة لها بالمؤسسات الحيوية بالمملكة، وتحاول الاتجار بملف الصحراء. وما تحتاجه الصحراء المغربية هو إعطاء زمام المبادرة للشباب الطموح والغيور على الوحدة الوطنية، والاهتمام بالتنمية الحقيقية التي تراهن عليها بلادنا اليوم. كما أننا مدعوون للسير بقوة وراء الأوراش التي يفتحها جلالة الملك بالصحراء. ومنذ اللحظة، نعلن أننا لسنا في خدمة الاغتناء والاسترزاق تحت شعارات مزيفة، فالشباب الصحراوي رهان هذا الوطن الحبيب، وبالتالي وجب تسخيرهم لخدمة الوطن لا استعمالهم كدمى متحركة.


محمد عبد الله الكوا، الكاتب العام للحزب الاشتراكي الموحد وفاعل جمعوي
منطق الأعيان سيؤول إلى الزوال مهما طال الزمن


أكد محمد عبد الله الكوا، في تصريح للصحراء الأسبوعية، أن مسألة الأعيان بالمناطق الجنوبية اتخذت عدة أوجه؛ باعتبارهم أناس لهم حظوة، خاصة داخل القبائل التي ينتمون إليها، وهو الأمر الذي سهل تعامل الدولة معهم لمزيد من كسب الثقة، خصوصا في مراحل الأزمات، وفي مراحل وقضايا كبرى كانت مطروحة على الأجندة السياسية. إلا أنه ومع توالي السنوات، أصبح ينظر لهؤلاء الأعيان نظرة المستفيدين من وضعية الامتياز، لكن ليس كل الأعوان بالطبع، بل فئة عريضة منهم، مما ولد فكرة الانتهازية أحيانا، مشيرا إلى أن بعضا من هذه الفئة حاول استغلال شعبيته وسط القبيلة ليقايض الدولة في منافع عدة، ومنهم من يستغل هذا الوضع ليتنصل من عمله، كفئة من الجنود التي تمارس أعمال التجارة وغيرها، ومنهم من طالب بامتيازات نظير تلطيفه أجواء الاحتقان الاجتماعي وغيره، ومنهم من تكافأ بمسؤولية كبيرة، كتوظيف أبناء بعض الأعيان قُوادا، حتى بدون شواهد مناسبة لمثل هذا الاختيار.
وأضاف أنه من جهة ثانية لا يمكن التنكر للأعيان الذين يتمتعون بمصداقية عالية في أوساطهم الشعبية، والمتشبعين بروح الوطنية، الذين أدوا أدوارا تاريخية في القضية الوطنية، مجندين دوما لخدمة الوطن والمواطنين وغير طامعين من وراء ذلك إلى أي ربح، ولا مسخرين لأهداف سياسوية ضيقة، بل ويؤدون من أجل ذلك من مالهم ومن وقتهم الشيء الكثير، معتبرا أن هذه الفئة ظلت محترمة من طرف قبائلهم ولم يفقدوا ثقة المخزن فيهم، ولعب بعضهم أدوارا مشهودة في أزمات حقيقية، وتحكموا بتبصر في بعض ردود الفعل المتسرعة، مشيرا إلى أن منطق الأعيان سيؤول إلى الزوال مهما طال الزمن، لأن الحداثة تفترض اليوم تساوي الناس في نظر دولة القانون، ولا تسمح الديمقراطيات الحقة بأن يتسيد شخص على شخص باعتماد درجة القرابة من السلطة، ولكن بالكفاءة والعمل المنتج البناء، القائم على قاعدة احترام الحقوق والواجبات.

البشير بودعكات، الكاتب المحلي لحزب العدالة والتنمية
اعتماد الدولة على الأعيان أثبت فشله

 

اعتبر البشير بودعكات، في تصريح للصحراء الأسبوعية، أن اعتماد الدولة على الأعيان كوسيط بينها و بين الساكنة بالأقاليم الصحراوية أثبت فشله، لأن هاته (النخبة) لا يهمها سوى مراكمة الثروات وجمع الأموال ومركزة أبنائها وأقاربها في مناصب على حساب قبائل الصحراء، مما ساهم في سد الطريق على النخب الشابة، وبالتالي ميلاد نزعات التطرف والانفصال لديها، وكذا توفير الفرصة لخصوم الوحدة الترابية لاستغلال كل تحرك جماهيري عادي (من قبيل الاحتجاج على ممارسات المحسوبية، أو بعض مظاهر الفساد، أو المطالبة بالمزيد من الحقوق...) لتقديمه للعالم كأنه رفض للنظام القائم، في حين أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد احتجاج اجتماعي قد يقع مثله في أي جهة من المغرب، لاسيما وأنه تم إغراق بعض شيوخ القبائل وأعيانها في العديد من الامتيازات والمنح والعطايا، بفعل سوء التدبير الذي طال ملف الصحراء سابقا، مشيرا إلى أن المرحلة الحالية التي تجتازها بلادنا تستوجب فتح الطريق أمام النخب الشابة ذات الكفاءة ودعمها لتلعب الأدوار المنوطة بها على جميع المستويات.

 

خليهن الكرش، رئيس الجمعية الصحراوية لضباط وبحارة الصيد البحري

إن التعاطي مع النخب القديمة من داخل الأقاليم الصحراوية أثبت فشله بشكل ذريع في تجربة المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية المنتهية ولايته، وأثبت بالملموس غياب المسؤولية لدى هذه النخب من أجل إنجاح هذه التجربة وإيجاد آليات حقيقية لحل مشكل الصحراء، بالإضافة إلى غياب أي تواصل بين هذه النخب والمواطنين بالأقاليم الصحراوية، وفشلهم في التعاطي مع مجموعة من الحركات الاحتجاجية الاجتماعية التي عرفتها الأقاليم الصحراوية في السنوات الخيرة، بل تفانوا في الدفاع عن مصالحهم الخاصة والبحث عن مجموعة من الامتيازات الجديدة، وتنويع مصادر ثروتهم، في مقابل التغاضي عن معاناة الساكنة وعن تنمية هذه الأقاليم. لذا، يجب أن نلقبهم بأغنياء الحرب، ورأس مالهم استمرار الصراع بالصحراء. وإن فشل تجربة الكوركاس مرده صراع هذه الفئة حول المواقع من أجل تحصين مصالحها وليس إنهاء ملف الصحراء.
إن جل هذه النخب الحالية لا تجمعها بالصحراء سوى الأصول، فجلهم غادروا الصحراء منذ سنين واختاروا الإقامة بمدن الشمال أو بالجارة إسبانيا، وجلهم يحمل جنسيتين ولا يعيشون أجواء الصحراء. لذا، أصبح لزاما على الجهات المعنية فتح نقاش عمومي بالصحراء مع الشباب، وذلك عبر إطاراتهم الجمعوية والسياسية من أجل وضع تصور واضح لنظرة الشباب لهذه القضية وإمكانية مساهمتهم في إيجاد حل لهذه القضية، ولا يمكن إنجاح أية استراتيجية أو سياسة بالصحراء دون إدماج الشباب فيها وإشراكهم في صلبها.
إن مشكل الصحراء مشكل اجتماعي بالأساس، وبدايته كانت نتيجة إقصاء وتهميش مجموعة من الشباب في إقليم طانطان " القيادة الحالية للبوليساريو"، والتي كانت مطالبهم اجتماعية صرفة، لكن تعنت المسؤولين جعلهم يرتمون في أحضان المخابرات الجزائرية؛ وكان هذا من أكبر أخطاء سنوات الجمر والرصاص التي مازالت تجني الدولة المغربية نتائجها لحد الآن. فمشكل الصحراء لن تحله المقاربة الأمنية ومحاولة التغطية على المشاكل الاجتماعية الكبرى التي تتخبط فيها الأقاليم الصحراوية، ولا حتى مقاربة الأعيان وأثرياء الحرب، بل مقاربة ديمقراطية، حقوقية، تنموية واقتصادية أساسها وقف حالة الاستياء التي يستغلها بعض المسؤولين المحليين من أجل اختلاس المال العام وتوسيع الحريات العامة وحقوق الإنسان، في إطار احترام الثوابت الوطنية ومقاربة اقتصادية أساسها محاربة الفقر والتهميش والبطالة، عبر استفادة المنطقة من ثرواتها كالفوسفاط والصيد البحري بشكل مباشر، عبر التشغيل وبشكل غير مباشر، عبر خلق مقاولات صغرى ومتوسطة، ووقف اقتصاد الريع، ووضع خطة من أجل تطوير التعليم والصحة والسكن بالأقاليم الصحراوية.

 

نور الدين كيروف
رجل تعليم والكاتب المحلي للشبيبة الاشتراكية والكاتب المحلي للفدرالية الديمقراطية للتعليم

" لكل زمان فرسانه "؛ هذا هو الشعار الذي تحمله النخبة الشابة المثقفة داخل كل قبيلة صحراوية للتصدي للوبي الأعيان الذين جنوا أموالا كثيرة، ونسجوا علاقات قوية مع مختلف الأجهزة الحكومية. وهذه النخب تعد الحاجز الرئيسي أمام تطور المجتمع الصحراوي، وذلك راجع لطرقهم التقليدية في التوجيه والتسيير واتخاذ القرارات القبلية. إلا أن تطور المجتمع المغربي نتج عنه إعطاء القوة والعزيمة الكافية للشباب المثقف كي يدخل حروبا باردة مع هذه النخب، محاولا استلام المشعل وإعطائه للفئة التي تعتبر العنصر البشري أهم من العنصر المادي في اتخاذ القرارات. فالمثقف يعرف أهم المتغيرات العالمية والدولية والمحلية، وينخرط فيها عن قناعة، أما الشيوخ – مع احترامي لآبائنا وأهلنا- فهم ينخرطون دون معرفة، بل يبحثون عن مصالحهم الشخصية والحفاظ على المكانة العالية التي تبوؤوها لعقود من الزمن، محاولين توريثها لذويهم رغم عدم توفر الشروط فيهم، إلا الشرط المادي هو المعيار المهم، ووحده لا يكفي في الوقت الحالي الذي تغيرت فيه العقليات والظروف السياسية والاجتماعية المحيطة بنا. ولقد أثبت الشباب الصحراوي المثقف في السنوات الأخيرة أنه يستطيع تحمل المسؤولية واتخاذ القرار الصحيح، خصوصا عند انخراطه الفعال في التوجهات العامة للدولة وأوراشها الكبرى، كما أنه استطاع الوصول إلى قيادات جل الأحزاب والنقابات والمنظمات النسائية والشبابية وطنية كانت، أو ودولية، وهذا كله إن دل على شيء فإنما يدل على قدرة هؤلاء الشباب على تحمل المسؤولية والإطاحة بهذه النخب الجاثمة على أنفاسنا، فمتى ينتهي عهد " فرانكو" داخل المجتمع القبلي الصحراوي؟

بدا أحمد، مقاول شاب


ما هو تعليقكم على دور الأعيان والشيوخ؟

بصراحة، عندما تناول المغرب ملف الصحراء بكل جدية، اتجه للبحث عن آليات التفعيل، ومن ضمن هذه الآليات الاستعانة بالشيوخ والأعيان من أجل التسيير، خصوصا في الإطار القبلي. وكما هو متعارف عليه، كان ولوقت قصير للأعيان دور مهم ومهم جدا، لكنهم وللأسف زاغوا عن هذا المسار، وسقطوا في أمور بسبب الارتجالية وعدم وعي أغلبهم لأنه عندما نتحدث عن الشيوخ والأعيان، فنحن نتحدث عن فئة نقول عنها إنها مسنة، وبالتالي فثقافة أغلبها محدودة؛ وهذا ما يعني أن هذه الفئة تفتقد للحيوية والنشاط الاجتماعي الذي يخدم القضية الوطنية .


ما دور الشباب في هذا الإطار؟
عندما نتحدث عن الشباب، فنحن نتحدث عن الوعي والثقافة، وليس شباب الموضة وأجهزة اللاسلكي، والبحث عن الجديد في عالم الأزياء. شباب لا يعرف حتى في أي نطاق جغرافي يوجد وطنه، فبالأحرى يخدم هذا الوطن. وهناك شباب قادر على تحمل المسؤولية، وقد حان الوقت ليضطلعوا بدورهم، في ظل غياب تأثير الشيوخ؛ هذه الفئة التي أرى أنها لم تعد تخدم سوى مصالحها، وتتحرك بشكل موسمي أو (حدثي)؛ أي في ظل ظهور أي حدث على الساحة، آنذاك نلاحظ هؤلاء الشيوخ يجتمعون لوحدهم في منزل أحدهم ويجتمعون على مواد المشروبات والحلويات دون نقاش أو الخروج بتصور. وهذا ما يعرفه ملف الوحدة الترابية، فهو بكل صراحة أصبح ملفا ارتزاقيا يحاول البعض تحقيق مصالحه الشخصية من خلاله.

 

محمود اركيبة، تقني في المعلوميات

بالنسبة لي، أنظر لهذا الأمر من جهة أنه يتغير من شخص لآخر حسب مجموعة من الاعتبارات، وأهم هذه الاعتبارات المصالح الشخصية التي يتحكم فيها الضمير الشخصي للإنسان. وبذلك يتبين أن كل شخص من الأعيان إذا كان يفضل مصالحه الشخصية على مصلحة العامة، فإنه يظهر انتماءه الوطني لحاجة في نفس يعقوب، حتى إذا قضى مآربه انقلب على عقبه، وخسر الدنيا و الآخرة؛ ففي الحقيقة هو ليس مع هذا ولا هذا، وإنما مع من يعطي أكثر. أما الشق الآخر، فإنه يدافع عن وطنيته ويسهر على عدم المساس بها بيده أو بلسانه أو بقلبه، وذلك أضعف الإيمان، ذلك كله دون أن ينتظر أي مقابل. وكما يقال:"الناس طوب و حجر".

 

رشيد واسكيت، طالب


ما رأيك في دور الشيوخ والأعيان داخل محيطهم؟

في البداية، لا بد أن نذكر أن عددا كبيرا من أعيان القبائل كانوا من السباقين للدفاع عن الوطن ضد الاستعمار الإسباني، واسترخصوا أرواحهم من أجل القضية الوطنية؛ حيث كانوا يعتبرون القضية الوطنية إحدى أولى أولوياتهم، وفي سبل ذلك لا يخافون في الله لومة لائم، ولا زال الكثير من أمثالهم يسيرون على دربهم إلى اليوم. و في المقابل، هناك فئة أخرى من الأعيان لا ترى في الوطن إلا بقرة حلوبا، أو الدجاجة التي تبيض ذهبا، لها ولعشيرتها الأقربين. هذه الفئة لا تهمها إلا مصلحتها الفئوية الضالة. ومادام تأييدها للقضية الوطنية يضمن لها البقاء في مناصبها؛ فهي بلسانها مع القضية." تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى".

 

بوبكر الفيلالي، باحث في الشؤون الصحراوية
يجب إعادة الاعتبار لثلاثية الحكامة الجيدة- الدولة والمؤسسة والمواطن - بالصحراء المغربية


لم يعد للأعيان مكان في النسيج السياسي بالصحراء. حكم لم تنتجه القراءات السياسية ولا الدراسات العلمية، ولكن الأعيان أنفسهم هم من أبانوا عن أن المكانة التي كانوا فيها كانت عبارة عن عتبة عالية تسمح بالوصول إلى ثدي البقرة الحلوب، المتمثل في ميزانيات الدولة، عبر مساومتهم للدولة على حساب أحلام شباب تواقين لتحسين ظروفهم الاجتماعية، أو دفعهم بأفكار وطيش الشباب للتمرد، فوجد فيهم من سموا بالأعيان ورقة ضغط صالحة للاستزادة من غناهم، ونصبوا أنفسهم كوسيط للحوار وتهدئة الشباب، فجاءت هذه الصورة المأسوية لعلاقة الأعيان بالشباب من جهة، وبالدولة من جهة ثانية كأكبر معيق من معيقات تدبير ملف وحدتنا الترابية. ويجمع الكل اليوم على ضرورة تجاوز هذه المكونات التي تجاوزها التاريخ أصلا، وأبت إلا أن تعشش في مناصبها وأماكنها. ولنقف أكثر على أن صحراء المغرب الحديث تقتضي تجاوز مثل هذه الكائنات التي لم تقدم أي شيء لملف طال أمده، بل كانت تستغل هذه المدة الطويلة وتتمنى أن تزداد طولا ليزداد اغتناؤها. سألنا بوبكر الفلالي عن ظاهرة اغتناء الأعيان وتمرد الشباب وسبل القضاء على الظاهرة، فأجاب عن أسئلتنا في الحوار التالي:

 

كيف تنظرون لسيطرة الأعيان والنخب التقليدية بالصحراء المغربية؟
أولا، أشير إلى أنه سبق لي وأن سقت خطابا في هذا الباب، في إطار ما يعرف بصناعة النخبة في الصحراء؛ فالأدوار التي يقوم بها الأعيان إن صحت هذه التسمية سوسيولوجيا وتاريخيا هي أدوار كان من المفروض أن تؤديها مؤسسات المجتمع المدني والأحزاب السياسية وغيرها من المؤسسات التي تنتمي فعليا إلى نسق الدولة الحديثة. فالحديث عن الأعيان يعني الحديث عن أدوات السلطة لممارسة شكل ما من أشكال استيعاب واحتواء الكيان أو الكل الاجتماعي، من خلال وعبر هؤلاء الأعيان. فإذن، أنا أرى بشكل أو بآخر أنهم يؤدون وظائف في الحقيقة لا يمكن أن ننكرها، بناء على ما يسمى بالإرث التاريخي السياسي، في إطار علاقة الدولة بالكل الاجتماعي في الصحراء المغربية، في لحظة من لحظات التاريخ . والسؤال الذي يفترض أن يطرح اليوم، هو: هل هناك مشروعية تاريخية لهؤلاء الأعيان اليوم تسمح لهم بتأدية الوظائف التي كانوا يؤدونها سابقا إلى حدود الآن، أم أن التطور السياسي الحالي الحديث لا يسمح ببقاء هاته الكائنات لتؤدي تلك الوظائف، في ظل نمو نخب تنتمي إلى ما يسمى بالإرث السياسي الحديث في ظل مفاهيم الدولة الحديثة؟ وبالتالي السماح لمكونات حديثة بالظهور والبروز بعدما تم تحييدها تاريخيا وسياسيا ومعرفيا عن السيطرة في مجال العلاقات الاجتماعية والسياسية بالمنطقة.


ما تقييمكم للفترة التي تولى فيها الأعيان تسيير شؤون الصحراء المغربية؟
التقييم في حقيقية أمره سلبي، بالنظر إلى الكيفية التي يدبر بها ملف وحدتنا الترابية، وهي للأسف كيفية لا يتفق معها النسيج السياسي المغربي في كثير من مكوناته، وأنا من بين الناس الذين لا يتفقون على الكثير من العناصر التي يتم بها تدبير هذا الملف؛ فالقضية تحتاج إلى إعداد وتهييئ سياسي حقيقي، وإعداد نخب حقيقية قادرة على أن تمارس دورها الإيديولوجي في التعبئة وفي التغطية السياسية، وبالتالي في احتواء مجموعة من المواقف التي تتسرب هنا وهناك، غير مقبولة لا وطنيا ولا تاريخيا ولا اجتماعيا. وهكذا، أنا أعتبر للأسف الشديد هاته المكونات، بالنظر إلى غياب الكفاءة العلمية لديها، أنه ينطبق عليها ما سماه عبد الله العروي في كتابه - من ديوان السياسة- الأمية السياسية، أو ما يسمى بطغيان ثقافة الأم؛ فهؤلاء ينتمون إلى هذه الثقافة التلقائية العفوية التي لا تسمح بأن تؤسس للفعل السياسي بالمنطقة، ومن ثم نعترف بأن هذه المكونات السياسية تنتمي إلى فترة تاريخية تم تجاوزها.


الأعيان اغتنوا على حساب أحلام الشباب الصحراوي، الذي لطالما اعتبر ورقة ضغط في يدهم يساومون عليها الدولة، فهل حان الوقت لوضع حد لهذه الظاهرة ؟
أولا، وحتى لا نصب جام النقد على هذه الشريحة لوحدها، وتأسيسا لتحليل معرفي حقيقي، يمكننا أن نعتبر أن هؤلاء الأعيان أدوا وظائف، وقد يكون من بينهم من هو مكون معرفيا وسياسيا لتأدية الوظيفة المنوطة به، ومنهم من لا يملك هذه الكفاءة ولا المشروعية لكي يؤدي ويستمر في تأدية وظيفته. وهو ما يفرض إعادة قراءة تاريخ الصحراء على أسس علمية؛ وذلك لتحديد الوظائف والمسؤوليات والأدوار الحقيقية لكل فئة من الفئات، ويجب أن نعترف أن من بين هؤلاء الأعيان من دافع بشراسة عن وحدتنا الترابية، ومنهم من لا يملك حسا وطنيا ويعمل فقط على تجييش الشباب ضد الدولة وضد السلطة للوصول إلى مبتغاه المالي، بعدما استطاعوا أن يخترقوا التشكيل الاجتماعي المكون من الشباب، ويبرهنوا أنهم هم المتحكمون في الأمور، وأن بمقدورهم إسكات صوت الشباب ضد الدولة، وبالتالي مراكمة أوراق اللعب التي تتم مساومة الدولة عليها، من أجل تنمية ذواتهم والاستمرار المادي والبقاء في مناصبهم. أما التشريح والمعنى السياسي، فيقولان بأن العلاقة الموجودة بين الدولة وهؤلاء تكمن في حاجة الدولة في لحظة من لحظات التاريخ لهؤلاء الأعيان، وهو ما جعلها لم تحسم مع البناء التقليدي والحاجة إلى هؤلاء إلى حدود يومنا هذا. والدولة اليوم تعتبر هؤلاء بمثابة ما يمكن أن تخاطب به الكل الاجتماعي، مما جعلهم يدركون ويفهمون نقطة قوتهم التي يمتلكونها، ليعمدوا إلى توظيف ورقة المساومة ضد الدولة في مرة أولى، وضد الكل الاجتماعي في مرة ثانية.


هل وجب أن يحاور مسؤولو مؤسسات الدولة الشباب الصحراوي مباشرة بدون أي وسيط؟
التحليل السياسي يقول إنه من الصعب أن تنزل الدولة بذاتها من أجل أن تخاطب هؤلاء الشباب؛ فالعلاقة الموجودة بين الدولة والكل الاجتماعي هي علاقة المؤسسات الوسيطة بين الكل الاجتماعي، وبالتالي فالفعل الديمقراطي والفعل الوطني يقضيان على المؤسسات التي تعتبر عناصر الدولة أن تؤدي وظائفها في إطار ما يسمى التأطير والتعبئة والإنصات والحديث والتوجيه... إلى آخره من المعطيات التي يمكن أن نقول إنها علاقة بين الدولة وهؤلاء الشباب. فالدولة يجب أن تتحرك في اتجاه تعميق ما يمكن أن نسميه بتكوين المؤسسات الحديثة، وتعميق ما يسمى بالبنيات السياسية المدنية الحديثة، والتي هي بدائل حقيقية ضد جميع المكونات التي تنتمي إلى ما يسمى بالبناء التقليدي للدولة المغربية؛ فالدولة للأسف الشديد تشتغل على معطيين اثنين؛ وهما بنيات ومكونات سياسية تقليدية ورثتها من العصور الوسطى، وعلى بنيات ومكونات تنتمي إلى الدولة الحديثة التي جاءت بعد الاستقلال، وازدواجية هذين المكونين هي التي تسمح ببقاء هذا النوع من عدم الحديث المباشر بين الدولة وبين الكل الاجتماعي، وبالتالي فنحن نطمع إلى أن تنمو وتتطور المؤسسات المدنية، من أحزاب وهيئات سياسية مدنية، في إطار ما يسمى بالحركة نحو تثقيف البناء التقليدي القبلي العشائري، الطائفي، الأصولي. وفي هذا السياق، نقول بأن مجموعة الأحزاب التي تتذرع بالمعطى الديني هي أحزاب تنتمي إلى القبيلة العشائرية الطائفية، فالحديث عن مكونات بهذه الشاكلة شبيه بالحديث عن الزوايا وغيرها من المؤسسات التقليدية التي من المفروض أن تنمحي، فمن المفروض أن تكون هناك ثلاثية منطقية (المواطن، المؤسسة، الدولة)، وهذا هو التكوين المنطقي الحقيقي الذي يفرضه العقل ويفرضه التاريخ العقلي البشري. فالقارئ لملف الصحراء المغربية لا يجب أن يغفل بقاء هذه التكوينات السياسية التقليدية فاعلة في المجال السياسي. والدولة للأسف الشديد تقف حائرة في تدبير هذا الملف؛ على اعتبار أن هذه التكوينات التقليدية مازالت موجودة؛ وهي من معيقات تدبير ملف الصحراء تدبيرا حقيقيا، فما زالت ترفع في وجه الدولة يافطات القبيلة والعشيرة والطائفة، وعندما نتحدث في هذا المستوى، فإننا بالضرورة نتحدث عن تكوينات ما قبل دولاتية، وبالتالي ما قبل السياسة وما قبل الدولة.


لم تظهر نخب جديدة لتسيير شؤون الصحراء، فما الذي حال دون حدوث ذلك ؟
أول ما يمكن أن أذكره هو حساسية الملف؛ فملف وحدتنا الترابية حساس، وكان مسكوتا عنه ومحتكرا من طرف الدولة لفترة طويلة، لذلك كان لا يسمع إلا ذلك الصوت الذي يتحدث بالخطاب الرسمي. وللأسف فهذا الخطاب غير عقلاني هو خطاب في مجمل مستوياته إلى حدود سنة 2000 خطاب عاطفي. وقد عملت الدولة على اصطفاء مجموعة من المكونات، بما فيهم الأعيان والذين ظُن أن بإمكانهم حسم هذا الملف لصالح الدولة، كل هذا حال دون ظهور ونشوء نخب ذات تكوين ثقافي حديث، يمكن لها أن تتحرك وتطفو على صعيد المجال السياسي، وتفعل فعلها. بالإضافة إلى ظهور شكل من أشكال الوعي السياسي البطيء. ثانيا، يمكن أن نتحدث أيضا عن البناءات المغربية المتواضعة جدا الموجودة في الصحراء، وخصوصا لدى سكان المنطقة. لا نتحدث هنا عن شكل من أشكال التجهيل الممارس، ولكننا نتحدث عن البطء في الفعل الفكري، وبالتالي الفعل السياسي في هذا المجال. وهذه كلها عناصر يمكن أن تفسر لنا لماذا النخب بالصحراء أولا محتشمة، وثانيا غير قادرة على أن تباشر عمل أدوارها ومسؤولياتها في تدبير الشأن السياسي. أما إمكانية الحديث عن نخب بالمعنى الفكري السياسي من داخل الصحراء المغربية، فهو شيء مستبعد؛ لأن النخب بالصحراء عبارة عن تناسلات تنتمي إلى شكل نخبوي تقليدي؛ على اعتبار أن الشكل النخبوي الموجود في الصحراء لم يتمفصل؛ بحيث لم تظهر لنا القطيعة بين مكونات النخبة التقليدية والتكوينات النخبوية الحديثة، والتي يفترض فيها أن تناضل ضد المكونات الكلاسيكية، بل يتضح أن الثانية استمرار للأولى، فإذا أردنا أن نقدر الفكر السياسي للنخب التقليدية مقارنة مع النخب الصحراوية الجديدة، فلا يمكن لنا أن نفاضل بين هذه وتلكح فسحر النخب التقليدية لا زال مستمرا وينطلي على الإطار والمضمون الفكري السياسي المغربي الحديث.


الأعيان يغتنون والشباب يتمردون، ما العمل؟

نحن لا نشك في أن المطلوب هو بذل الجهد الحقيقي في إطار سؤال التنمية والعمل الجدي، في سياق ما يسمى الأنشطة ذات الدلالة الاجتماعية، وبالتالي ذات الفائدة والنجاعة والأثر الاجتماعي الحقيقي. ونحن في هذا السياق بصدد الحديث عن المعنى السياسي لدولة المغرب، وهو ما يمكن أن نجمله في الليبرالية الاجتماعية، خصوصا مع جلالة الملك محمد السادس نصره الله، ونتحدث عن مستويات القرب وتأسيس نوع من الفعل السياسي يكون وطنيا أولا، وثانيا التأسيس للفعل السياسي التنموي. فللحيلولة دون بروز شكل من أشكال الأفعال العاطفية والانفعالية؛ سواء من داخل الجامعات، أو من داخل مدن الصحراء المغربية، لا بد من ربح الرهان التنموي، ومن المفروض واللازم الاقتراب من جميع التكوينات الاجتماعية في الصحراء المغربية؛ فالدولة لها إمكانياتها وأجهزتها وهياكلها لتحقيق هذا الاقتراب المفترض، غير أن الأعيان والنخبة التقليدية تسعى دائما وجاهدة للحيلولة دون تحقق هذا الاقتراب، للحفاظ على موقع الوسيط بين الدولة والشباب، واحتكار نفع الدولة لصالحهم، وعزل الكل الاجتماعي؛ وهو ما يمكن أن نسميه الفعل الدائم لإجهاض النمو المادي للكل الاجتماعي، مع أن الدولة تبذل في هذا الباب مجهودات كبيرة ولكن دون أن تخلف أي أثر يذكر، ولا تنعكس إيجابا على الكل الاجتماعي بالصحراء المغربية، بقدر ما تنعكس على هؤلاء الأعيان. وهنا سنتحدث عن ضرورة ممارسة أشكال النقد من طرف الكل الاجتماعي الصحراوي، وضرورة إسماع صوته بطريقة ديمقراطية وطنيا للدولة، وإيصال صوته بطريقة يعمها احترام الاختلاف واحترام المواضعات والكيانات السياسية بالصحراء المغربية، وكل هذا في إطار السعي لربح رهان التنمية، والسعي لمزيد من التأطير الإيديولوجي، وذلك بتبني إيديولوجيا وطنية تؤمن بالتعددية والاختلاف بمدن الصحراء المغربية. وكل هذا يمكنه بالفعل أن يسهم في النهوض بخلق تكوينات سياسية حديثة ،يمكن أن تكون البديل الحقيقي لما يسمى بالأعيان والتكوينات النخبوية التقليدية، والتي للأسف الشديد لم تؤد الأدوار والمسؤوليات المنتظرة منها؛ مما ساهم في تعثر كسب ملف وحدتنا الترابية؛ والخصوم يبذلون جهودا كبيرة في هذا الباب لتمزيق وحدة المغرب. ولكن، نقول كلمة للتاريخ، وهي أنه لم تكن هناك حركة سياسية قبل دخول الاستعمار تنادي بالانفصال عن المغرب، وبالتالي فالموجود على الأرض، والموشوم في التاريخ، وما تقوله الثقافة والأنتربولوجيا، هو أن الشكل السياسي الموجود في الصحراء هو التشكيل السياسي المغربي؛ مما يدعو إلى تطبيق الثلاثية المنطقية (الدولة، المؤسسة، المواطن).






التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات